دائما بالنسبة للفئة الناكرة للدين لأنه خرافة\لا عقلاني، سبق وأن قلت -في مقال: "إيمان أم اقتناع"- أنه لم يقل "عاقل" من المتدينين أن الدين عقلاني بالمفهوم الجاف العام المجرد المطلق الشامل للعقلانية الذي يستلزم التبرير المادي والغاية القصدية المدرَكة، وذكرت أن الأمر إنما هو إيمان وتصديق لغاية الابتلاء والامتحان، ذلك أنه لا اختبار إرادي في البرهنة العقلية المنطقية المتعلق الإشباع فيها بالقدرة.. ولكن -كما سبقت الإشارة- فمعايير العقلانية بهذا التحديد ليست تنتفي في الدين وحده، وإنما هي غائبة في جوانب عدة من حياة المجموعة البشرية، مع أن الناس يقبلونها، بل ويلتزمون ويلزمون بعضهم بها بواسطة قوانين مسطّرة كقاعدة، أو على الأقل -استثناء- أعراف متواترة تحت مسميات متعددة يحتوي معظمها مبحث الأخلاق الذي هو نفسه -بذات مفهوم العقلانية- غير عقلاني..(الأمثلة التي تم سوقها في الجزء الأول، والتي يلزم القانون -بالنسبة لغالبيتها- احترام وتطبيق والانصياع للأوامر الصادرة بشأنها منعا أو إجبارا، مع أنها "غير عقلانية"!!).. فالعقلانية لها مجموعة تعريف تتحدد ضمنه، بحيث أن إوالياتها تختلف حسب هذه المجموعة.. فآلية إعمالها في مجال العلوم الدقيقة تختلف عنها في مجال الأخلاق مثلا.. أما مجالها في الدين فإن دورها يأتي -بعد مرحلة التصديق- كدراسة من الداخل، من جهة تمحيصا للمتون من حيث تناسقها وانسجام مقتضياتها، ومن جهة أخرى، تحققا من الأسانيد والتواتر.. إن العقلانية بمفهومها المترتب على استدلال العقل انطلاقا مما توصل إليه بصورة تركيبية تراكمية، أساسها مدخلات عبر الحواس، تبقى نسبية في الزمان والمكان: لم تكن رواية أحدهم لقصة طيران إنسان أو زرع قلب غير "خرافة" في عصور مضت.. كما أن تحقيق معادلة إنشتاين يصيّر رحلة "الذي عنده علم من الكتاب" من فلسطين إلى اليمن ذهابا وإيابا "قبل ارتداد الطرف" عقلانية بامتياز عبر تحويل كتلة صغيرة من المادة إلى طاقة.. في كل الأحوال ليس كل غير مدرَك غير موجود.. أما بالنسبة للفئات التي ترفض الدين فقط لكون الإسلام داعي تخلف مقابل ازدهار الغرب، فهذه مغالطة لا تليق بأناس يقدمون أنفسهم قمة في "العقلانية" والتجرد والموضوعية والانسجام في الطرح... ذلك أن هذا الغرب لم يعلن يوما إلحاده أو تبرؤه أو انسلاخه عن دينه، سواء على المستوى القاعدي الشعبي أو الرسمي الممؤسس.. بالنسبة للمازوشيين من هؤلاء، العيب كل العيب هو في الذات، في هذا العنصر العربي المسلم عبر تاريخه الذي لا يذكرون له ومضة، رغم اعتراف مقتصدي الأغيار بدوره كحلقة في مسلسل تراكم الحضارة البشرية كحد أدنى، وصدح أخيار نفس الأغيار بريادة تاريخ هذه الأمة وعلو كعبها في تحقيق العدل والعدالة الداخليين، والإنصاف والاستقرار الخارجيين، ناهيك عن رفع شأن العلوم وتطويرها، وارتفاع مستوى المعيشة وتحضرها، وتجويد العمران، وسمو الأخلاق، ورفعة النفس.. على هؤلاء"العنصريين"الناقمين والحاقدين على الحضارة الإسلامية إجراء مقارنة تاريخية بسيطة في الزمان والمكان والشساعة وطول مدة الحكم... بين هذه الحضارات من حيث الإنجاز الحضاري، ومعامِلات الاستقرار العالمي، وعدد الحروب، وكمّ القتلى، وتحقيق العدالة الاجتماعية والحقوق الفردية والجماعية وحقوق الأقليات، وطفرة التغيير والتقدم المدني والعمراني والعلمي والتقني، والانفتاح الثقافي... ثم القيام بمقارنة أخرى بين شعبنا آنذاك وشعب حضارة الحظيرة الحاضرة.. بل وحتى شعبنا اليوم وهذا الشعب منتَج هذه الحضارة المسخالتي تحمل مقومات اندثارها بين جنبيها، مقارنةٌمن حيث جرائم القتل(هذه المرة داخل نفس المجتمع)، والانتحار، والمافيات والعصابات، والتشريد -بما فيه الوالدين-، والزنا والاغتصاب... ، مع استحضار فارق التعلم والغنى والحقوق في المجتمعيْن الراجح لصالح الآخر بما لا يقارَن، في مقابل العكس في الاتجاهين(الجرائم والامتيازات!!) بالنسبة للشعوب الإسلامية.. ثم النظر إلىتطور وتيرة انتشار الأمراض والمجاعة والفقر... في العالم أيام ريادتهم وسيادتهم وسيطرتهم على العالم.. للمنبهرين بالتقنية والانضباط وثمرات التربية، نقول أن المسألةهنا بالضبط ليست مسألة دينأو حتى شعب، بل هو تدخل هؤلاء "المتحضرين" "المتحررين" وتحكمهم من وراء ستار في كراكيز وطغم فاسدة مستبدة متشبثة بالكراسي، تحكُم بالحديد والنار.. إنه ثمرة تحالف جبهة التحكم والاستكبار والامبريالية الخارجية، مع قوى التسلط والفساد والاستبداد الداخلية.. أما التفوق الظاهر فأمره يتعلق بكدٍ وجِد وفهم وتطبيق لكليات سنن الله في الكون، في إطار عمل مؤسساتي متبنى من طرف نظم سياسية مسؤولة ومساءلة أمام شعوبهامن خلال تعاقد قوامه حاكمية الشعب ومراقبته لحكامه، تم اعتماده(التعاقد)بعد نضال وتضحية آتت أكلها تقدما مدنيا وحقوقيا(وتربويا بالتبعية)، تأتى(التقدم) بعد نضالات سُفكت فيها دماء لونت مياه أنهار أوربا وأصبحت الجثث جسورا،، غير أنهم استحكموا بالأمر -قصد التفرد- وعقدوا شراكات مع الأزلام تمنعنا من التنعم بالحرية واستقلال القرار، فتكفلوا –من أجل ذلك- بحماية أصنامهم.. إن أثر الدين -على الأقل كمكون في مبحث الأخلاق- أول وأكثر ما يظهر في السلوكات الفردية غير المضبوطة أوغير المراقبة، وفي هذا المجال لا تخفى آثار الخواء المتمثلة في الجرائم المشار إليها سابقا، والتي لا تبرر في ظل تنعّم الأفراد وتمتعهم بكافة حقوقهم المدنية الممأسسة.. أقول إذن أن سبب الانحطاط ليس دينا، فبالنسبة للإسلام، على سبيل الذكر، من الشعوب مسلم ومتقدم -على قلتهم-، ومنها غير مسلم ومتخلف -وما أكثرهم-، ثم أن الأمر يزداد جلاء عند ملاحظة تغير سلوك نفس الفرد الحامل لنفس المعتقدات حسب نظام البلد الذي يتواجد فيه!!فالمهاجر المغربي لا يتصرف بنفس الكيفية بين دولة المهجر الديمقراطية التي يقيم فيها، ودولة الفوضى والفساد والاستبداد التي ينتمي إليها، كما أن السائح الألماني لا يتصرف بنفس الانضباط والتحضر اللذين يمارسهما في بلاده أو بلد مشابه وفي الجزائر أو رومانيا.. أفراد الشعب يتبعون القوانين التنظيمية المفعلة دستوريا، ويخضعون لما ينفذ واقعيا.. من جانب آخر، فإن تنزيل النقاش على أرض الواقع، وخاصة السياسي منه، يكون أفيد، وتمحيصه يكون أسهل، وقراءته تكون أوضح، لأنه في الأخير ليس يهم من كثير تنظير غير حياة،،، وعليه فما دام القوم "خرافيون"، اتركوهم وشأنهم.. ستلفظهم الجغرافيا ولن يذكرهم تاريخ.. لماذا التحامل والتآمر والتكالب والعمالة.. إنه {ما تجبُّر القوم علينا إلا خوفا منا} كما قال تميم البرغوثي، سعيا ألا ننهض، لأنهم وأنتم تعرفون أنه لو غفلتم طرفة عين قام المارد، ولو انسل من قمقمه ما لجمه بشر.. إنه قانون مصارعة الشارع: لا تترك خصمك يستعد للنهوض.. قدوة أصحابنا في الصلاح والنزاهة، المتنورون المؤهلون لقيادة العالم، شرفاء الكوكب وملائكة الكون وعلية المجتمع الدولي،، هؤلاء همنفسهم "مؤطرو" مافيات الشعوب في إفريقيا وآسيا واللاتين: اغتناء وتقتيل.. همالوجه الآخر البشع للحضارة في جميع الميادين، مع الانتفاء النظري لأسبابه(البشاعة) المادية باعتبار المستوى التعليمي والثقافي-كما سبق-، ومستوى الدخل الفردي، ومستوى توفر الخدمات الاجتماعية والضمانات القانونية، ومستوى التمتع بالحقوق المدنية والاجتماعية والدستورية!!.. فتمثيل الدولة للشعب تمثيلا حقيقيا وتماهي توجهيْ المجتمع والدولة لدى الغرب يدين حضارتهم حين أول انتكاسة، عكس الدول غير الديمقراطية حيث لا يتحمل الشعب جريرة قيادته التي لم ينتخبها، وكذا لا يمتلك هذا الشعب القدرة ولا الصلاحية للقيام بما يعبر عن هويته أو توجهه الحقيقي.. سقطات "النموذج"لا تخطئها العين، وهي مرسّمة وليست عرضية: من يقوم بالمؤامرات العالمية والنفاق الغوثي والمدني والاجتماعي والسياسي والعسكري... غيره؟ وهل نملك نحن أصلا القدرة على فعل شيء؟؟ وجه آخر: ماذا عن العلماء المغتربين الهاربين أو المتهربين أو المهربين؟ أليست العملية انتقاء ونخبوية وتدليسا واستغلالا ونهبا وسرقة عقول من جهة،، ومن جهة ثانية أليست تقريرا لعنصرية مقيتة متعلقة بعنصر معين(العربي)، وأن الأمر لا يتعدى بروباغندا خارجية(تسرق العقول وتسِم الغير بالغباء) وحجر وتعطيل داخليين(للطاقات والقدرات والكفاءات) في تكاتف ساقط وتعاضدخبيث بين "الداخل" و"الخارج"؟! الأمر لا يعدو إذن أن يستقر حكم وتحكم وقانون القوي!! منظومة قيمية قيادية عالمية أبدعت فتوجت عدلها وحكامتها بإنشاء مؤسسات ل"التحكيم" تتضمن "دولا دائمة العضوية" و"حق الفيتو"!! أغلب احتلالهم وتدخلهم ومؤامراتهم وسفالتهم وخداعهم وألاعيبهم واختلاساتهم وسمومهم نفثوها في إفريقيا وآسيا وأمريكا الوسطى والجنوبية،، لكن لن تفلت دولة "اخرج فيها البلان" ولو كانت أوكرانيا!! أبوهم الروحي وأمهم الحنون وأخوهم الأكبر ومعلمهم الأول: أمريكا، كمثال للدراسة والإسقاط والسحب،،ما هو تاريخها؟ {- لكي تُنشأ أمريكا تمت إبادة أكثر من 27 مليون شخص من الهنود الحمر واحتلت بلادهم؛ - ولكي تُبنى أمريكا تم جلب أكثر من 14 مليون إفريقي واستعبدوا، ومات منهم أكثر من 2 مليون في عرض البحر بسبب الطريقة المهينة في نقلهم؛ - ولكي تَتوسع أمريكا قُتل أكثر من مليون ونصف مكسيكي واستعمرت أرضهم؛ - ولكي تحمي أمريكا نفسها قتل أكثر من 6 مليون إنسان في الحرب العالمية الثانية، بينهم 300 ألف في هيروشيما وناكازاكي اليابانيتين؛ - ولكي تُثبت أمريكا الهيمنة على جيرانها، قتل أكثر من 200 ألف في ترينيداد ونيكاراغوا وكوبا؛ - ولكي تُثبت أمريكا الهيمنة على العالم، قتل أكثر من 2 مليون فيتنامي؛ - ولكي تُؤمن أمريكا مصادرها من الطاقة، قامت أمريكا بقتل أكثر من 2 مليون عراقي؛ .. ومازالت أمريكا تثبت للجميع ديمقراطيتها ومراعاة حقوق الإنسان حول العالم!!..}. [الدكتور فيصل القاسم]. إن مناضلي الفراغ هؤلاء ليسوا سوى مستحثات متحجرة ببغوائية تصر على القيام بدور الشاهد على انقراض ديناصورات العصر الجوراسي، وتقاوم التناسي.. بمنتهى الجبن، تخلوا عن مهمة النخبة الفكرية في قيادة المجتمع للخروج من بوتقة الظلم والاستبداد والفساد المورِّث للفقر والجهل والتخلف، ولم يجدوا بدا من القفز على الحائط القصير المتمثل في النيل من عقائد شعوبهم، لسبب بسيط هو عدم وجود حرس للعقيدة على الأرض، في مقابل وجود حرس السياسة!! هل همّ الأمة الآن وما يؤرق الناس هو وجود الله أو عدمه، أم ما يحقق رفاهيتها والعدل بين أبنائها؟؟!!! مناضلو "البلاستيك"، لا يصدَعون بالحق ولا يصدحون بالصواب، ولا يرفعون الظلم، ولا يتبنون آلام شعوبهم ولا آمال بلدهم ولا تطلعات إخوانهم... مناضلو الفتن والترهات، وتبديد الطاقات و"تهراس الكواري".. مناضلون يزدرون "الكبت" و"الطابو" ويستهزؤون بهما ويستنكرونهما،، غير أنهم لا يكلفون أنفسهم التأمل في شمول المدلول لعموم القوم أم لفئة بعينها، والأهم: ما هو المطلوب وما هي الحكمة؟ أي كيف السبيل لاجتنابهما؟ هل بأن يلبي الشخص نزواته ورغباته، ويفعل كل ما سولت له نفسه، متى شاء، وكيف شاء، وأين شاء، ومع من شاء... دون قيد أو شرط كي لا يكون مكبوتا ولا يمثل تصرفه "طابوها"؟ أم هي ضوابط المجتمع وتواضعاته وتعاقداته الأخلاقية، بل والقانونية؟.. حقيقة، هم لا يستحقون أدنى التفاتة، لانحسار عددهم وتفاهة رؤيتهم.. همهم الشهوات وتأليه التمثل العقلاني، غرضهم خالِف تعرف والسباحة ضد التيار لتحقيق وهْم تميز، مغرضون ليس إلا.. بمقابل أو بدونه، قصدا أو عرضا بتنسيق أو عفويا... عملاء متآمرون هؤلاء على هويتهم وعقيدة شعبهم، مستلبين مغررين منبهرين بكل ما هو آت من الغرب، مازوشيون جالدون ذواتهم، متنكرون كارهون لأصولهم.. خلاصة القول أن الحليم لا يجد ما يقوله لهم إلا: ما أبشع وقاحتكم وتجرئكم على الله تعالى وأنتم الفقراء إليه العاجزين بين يديه، وما أعظم حلمه عليكم وهو الغني عنكم القادر عليكم!!