بمناسبة إطلاق الدورة الحادية عشر من منتدى المدرسة المغربية لعلوم المهندس "EMSI" للمقاولات، وفي سياق يشهد تحولات متسارعة في مجالات الابتكار والبحث التطبيقي والسيادة الصناعية، أجرينا هذا الحوار مع الدكتور محمد الرحابي، المدير العام لمجموعة المدرسة المغربية لعلوم المهندس، الذي يعتبر أحد أبرز الباحثين في مجال الرياضيات التطبيقية والهندسة على الصعيد الفرنكفوني. وقد راكم الدكتور الرحابي مسارا أكاديميا حافلا يمتد لأكثر من ثمانية وعشرين عاما، درس خلاله في جامعة السوربون بفرنسا، ثم شغل مناصب علمية رفيعة في المدرسة الوطنية العليا للقناطر والطرقات بباريس، قبل أن ينتقل إلى المدرسة المركزية بالدارالبيضاء حيث أسس وحدة بحث متقدمة في الذكاء الاصطناعي وعلوم البيانات. واليوم، يقود الدكتور محمد الرحابي التحول الأكاديمي والبحثي داخل المدرسة المغربية لعلوم المهندس "EMSI"، ويعمل أيضا على تكوين جيل جديد من المهندسين المغاربة والأفارقة القادرين على قيادة التحولات المستقبلية. وهذا نص الحوار: تنظم المدرسة المغربية لعلوم المهندس هذه السنة الدورة الحادية عشر من منتدى المقاولات تحت شعار "مهندسو المستقبل.. صُنّاع مغرب مستقل ومستدام ومبتكر". ما الذي يميز هذه النسخة تحديدا في ظل التحولات الحالية التي يشهدها العالم في المجالات التكنولوجية؟ هذه الدورة تأتي في لحظة تعرف فيها المملكة تحولات كبرى نحو اقتصاد قائم على المعرفة وسيادة صناعية وتكنولوجية. لذلك، اخترنا شعارا يعكس هذا التوجه؛ لأن المهندس أصبح اليوم فاعلا أساسيا في رسم مستقبل المغرب الاقتصادي. كما يتميز المنتدى بامتداده إلى أربع مدن كبرى: الدارالبيضاءوالرباط ومراكش وطنجة، مما يسمح بتوسيع فرص التواصل بين الطلبة والمقاولات على المستوى الوطني. إضافة إلى ذلك، يضطلع المنتدى بدور استشرافي من خلال الندوات والورشات التي تناقش التحول الطاقي والرقمي والصناعة 4.0 والذكاء الاصطناعي، ما يجعله منصة تواكب التغيرات في سوق الشغل وتوجهات القطاعات الأكثر دينامية. كما أثبتت الدورات السابقة فاعليته في إحداث شراكات وفرص تدريب وتوظيف مباشرة، وهو ما يعزز مكانته كرافعة حقيقية لتعزيز الاندماج المهني. إذن، وانطلاقا من هذه الرؤية التي تجعل المهندس محورا للتنمية، يبرز سؤال حول موقع المهندس المغربي في مسار التحول الذي تشهده المملكة نحو الصناعة المتقدمة والذكاء الاصطناعي. كيف تنظرون إلى هذا الدور اليوم؟ المهندس يوجد اليوم في قلب الثورة الرقمية التي يعيشها العالم. فالذكاء الاصطناعي أصبح محورا استراتيجيا لتنافس الدول، وبات عاملا حاسما في الإنتاج والابتكار وسلاسل القيمة. المغرب بدوره يدخل هذا السباق عبر تعزيز البحث التطبيقي وتشجيع التكوين في علوم البيانات وأنظمة الذكاء الاصطناعي. ولذلك، نعتبر في المدرسة المغربية لعلوم المهندس، التي هي مدرسة هندسية مرجعية على المستوى الوطني ومعترف بها رسميا من طرف الدولة المغربية، أن تأهيل المهندس المغربي لهذه التحولات ضرورة وليس خيارا؛ لأن مستقبل قطاعات عديدة، مثل الصناعة والطاقة والنقل والصحة، مرتبط بمدى قدرة مواردنا البشرية على فهم الذكاء الاصطناعي وتطبيقاته. المهندس الجديد مطالب اليوم برؤية شمولية تجمع بين قوة التكوين العلمي ومهارات تحليل البيانات وفهم الأنظمة الذكية، إضافة إلى إدراكه للأبعاد الأخلاقية والاجتماعية التي ترافق هذه الثورة التكنولوجية. وبذلك يمكن للمغرب اقتحام مجالات كانت حكرا على قوى عالمية شريطة الاستثمار في تكوين كفاءات قادرة على قيادة هذا التحول. بما أن المنتدى يسعى إلى ترجمة هذا الدور على أرض الواقع، كيف يساهم الحدث في ربط التكوين بالفرص المهنية الفعلية؟ أهم ما يميز المنتدى هو أنه يحول اللقاءات المهنية إلى فرص حقيقية. فكل دورة تستقطب آلاف الطلبة ومئات الشركات، وتنتج عنها عروض تدريب ومشاريع نهاية الدراسة وحتى وظائف مباشرة. الدورة الماضية مثال واضح على ذلك؛ فقد حققت الدورة العاشرة لمنتدى "EMSI" للمقاولات نجاحا ملحوظا واستقطبت أكثر من 6200 زائر. كما شهدت الدورة السابقة توقيع 36 اتفاقية شراكة استراتيجية مع كبرى الشركات، في حين ارتفع عدد المقاولات المشاركة إلى 268 شركة من مختلف القطاعات، ما يعزز مكانة المنتدى كمنصة تجمع بين الكفاءات ومسؤولي التوظيف. وتؤكد هذه الأرقام الإقبال المتزايد سنة تلو الأخرى على المنتدى ودوره الفاعل في تسهيل اندماج الشباب في سوق العمل. كما يتيح المنتدى للطلبة فهما أدق لسوق الشغل ومتطلبات القطاعات الواعدة، مما يساعدهم على بناء مسار مهني واضح ومتماسك. هذا الجانب العملي هو ما يمنح المنتدى قيمته المضافة ويجعله منصة أساسية للاندماج المهني، والذي تنظمه "EMSI"، التي تحتل منذ سنوات المكانة الأولى كأكبر مدرسة للهندسة خاصة في المملكة، والتي تقوم بتكوين أكثر من 16 ألف طالب سنويا وما يزيد عن 21 ألف خريج يشغلون مناصب مسؤولية داخل المغرب وخارجه. كما أن 9 من أصل 10 خريجين يجدون عملا في الأشهر الستة الأولى التي تلي تخرجهم، وهو مؤشر قوي يعكس ملاءمة التكوين لاحتياجات سوق الشغل. ولا بد من التأكيد أن "EMSI" تشتغل مع شبكة تضم أكثر من 400 شريك للتوظيف، ما يسمح بفتح المجال أمام الطلبة للتداريب، ومشاريع نهاية الدراسة، ثم الاندماج المهني السريع. كما أن حصيلة الدورة العاشرة لمنتدى "EMSI" للمقاولات – التي عرفت مشاركة آلاف الطلبة ومئات الشركات – أبرزت دينامية واضحة من حيث توقيع الشراكات، وتوفير فرص التدريب، وإطلاق مبادرات جديدة في مجالات الهندسة والابتكار. في ظل هذا القرب من عالم المقاولة، ما طبيعة القطاعات الأكثر حضورا هذا العام؟ وما نوعية الكفاءات المطلوبة؟ القطاعات المشاركة تعكس الاتجاه الذي يسلكه الاقتصاد المغربي. هناك حضور قوي للذكاء الاصطناعي والطاقات المتجددة وصناعة السيارات والهندسة الكهربائية والأمن السيبراني والهندسة الرقمية والهندسة المدنية. وهذه القطاعات تبحث عن مهندسين قادرين على الابتكار، وعلى العمل في فرق متعددة التخصصات، ويمتلكون مهارات تحليل البيانات وفهم الأنظمة الذكية وتصميم حلول عملية قابلة للتطبيق. اليوم، لم تعد الشركات تبحث فقط عن مهندس منفذ، بل عن كفاءة قادرة على اقتراح حلول جديدة والتكيف مع وتيرة التغيير السريعة، وهو ما نحاول ترسيخه في تكوين طلبتنا. مع هذا الطلب المتزايد الواضح على الكفاءات الهندسية، ما هي الرسالة التي توجهونها للمهندسين الشباب؟ لدينا رسالة أساسية ومحورية، مفادها أن التعلم لا يتوقف عند الحصول على الدبلوم. فالمستقبل يحتاج إلى مهندسين منفتحين على المعرفة، قادرين على تطوير مهاراتهم باستمرار. عليهم الاستثمار في تعلم البرمجة وتحليل البيانات وإدارة المشاريع والمهارات القيادية التي تتطلبها المناصب المستقبلية. كما ينبغي استثمار فرص التواصل التي يوفرها المنتدى وبناء شبكة علاقات مهنية قوية تساعدهم على رسم مسار مهني متين. المغرب يدخل مرحلة جديدة مليئة بالفرص، ومن يتحلى بالطموح وروح المبادرة سيجد أمامه آفاقا واسعة للمساهمة في السيادة الصناعية والتكنولوجية التي تتطلع إليها البلاد. بهذا يرسّخ منتدى المدرسة المغربية لعلوم المهندس "EMSI" للمقاولات مكانته كفضاء يجمع بين التكوين والابتكار وسوق الشغل، ويوفر للطلبة والمهندسين رؤية أوضح حول مستقبل المهن في بلد يتقدم بخطى ثابتة نحو اقتصاد معرفي وسيادي.