عمر هلال: اعتراف ترامب غيّر مسار قضية الصحراء، والمغرب يمد يده لمصالحة صادقة مع الجزائر    بتواجد حمد الله وتيسودالي... السكتيوي يوجه الدعوة إلى 29 لاعبا استعدادا لكأس العرب قطر 2025    توقعات أحوال الطقس ليوم غد الإثنين    مديرة مكتب التكوين المهني تشتكي عرقلة وزارة التشغيل لمشاريع مدن المهن والكفاءات التي أطلقها الملك محمد السادس    الكلمة التحليلية في زمن التوتر والاحتقان    نفاد تذاكر ودية "الأسود" أمام موزمبيق    أولمبيك الدشيرة يقسو على حسنية أكادير في ديربي سوس    الرئيس السوري أحمد الشرع يبدأ زيارة رسمية غير مسبوقة إلى الولايات المتحدة    شباب مرتيل يحتفون بالمسيرة الخضراء في نشاط وطني متميز    التجمع الوطني للأحرار بسوس ماسة يتفاعل مع القرار التاريخي لمجلس الأمن حول الصحراء المغربية    مقتل ثلاثة أشخاص وجرح آخرين في غارات إسرائيلية على جنوب لبنان    إنفانتينو: أداء المنتخبات الوطنية المغربية هو ثمرة عمل استثنائي    بعد حكيمي.. إصابة أكرد تربك الركراكي وتضعف جدار الأسود قبل المونديال الإفريقي    مغاربة فرنسا يحتفلون بذكرى المسيرة    دراسة أمريكية: المعرفة عبر الذكاء الاصطناعي أقل عمقًا وأضعف تأثيرًا    "حماس" تعلن العثور على جثة غولدين    النفق البحري المغربي الإسباني.. مشروع القرن يقترب من الواقع للربط بين إفريقيا وأوروبا    توقيف التجمعي يوسف مراد في المطار بشبهة التهريب الدولي للمخدرات    درك سيدي علال التازي ينجح في حجز سيارة محملة بالمخدرات    مقتل فلسطيني في قصف إسرائيلي    لفتيت يشرف على تنصيب امحمد العطفاوي واليا لجهة الشرق    الأمواج العاتية تودي بحياة ثلاثة أشخاص في جزيرة تينيريفي الإسبانية    فرنسا.. فتح تحقيق في تهديد إرهابي يشمل أحد المشاركين في هجمات باريس الدامية للعام 2015    الطالبي العلمي يكشف حصيلة السنة التشريعية    ميزانية مجلس النواب لسنة 2026: كلفة النائب تتجاوز 1.59 مليون درهم سنوياً    بنكيران: النظام الملكي في المغرب هو الأفضل في العالم العربي    تقرير: سباق تطوير الذكاء الاصطناعي في 2025 يصطدم بغياب "مقياس ذكاء" موثوق    البطولة: النادي المكناسي يرتقي إلى المركز الخامس بانتصاره على اتحاد يعقوب المنصور    نبيل باها: "قادرون على تقديم أداء أفضل من المباراتين السابقتين"    ألعاب التضامن الإسلامي (الرياض 2025).. البطلة المغربية سمية إيراوي تحرز الميدالية البرونزية في الجيدو وزن أقل من 52 كلغ    الدار البيضاء: لقاء تواصلي لفائدة أطفال الهيموفيليا وأولياء أمورهم    إسبانيا تشارك في المعرض الدولي لكتاب الطفل والشباب بالدار البيضاء    "يونيسيف" ضيفا للشرف.. بنسعيد يفتتح المعرض الدولي لكتاب الطفل والشباب    "أونسا" يؤكد سلامة زيت الزيتون    بيليم.. بنعلي تقدم النسخة الثالثة للمساهمة المحددة وطنيا وتدعو إلى ميثاق جديد للثقة المناخية    شبهة الابتزاز والرشوة توقف مفتش شرطة عن العمل بأولاد تايمة    مخاوف برلمانية من شيخوخة سكانية بعد تراجع معدل الخصوبة بالمغرب    تعليق الرحلات الجوية بمطار الشريف الإدريسي بالحسيمة بسبب تدريبات عسكرية    مهرجان الدوحة السينمائي يعرض إبداعات المواهب المحلية في برنامج "صُنع في قطر" من خلال عشر قصص آسرة    الداخلة ترسي دعائم قطب نموذجي في الصناعة التقليدية والاقتصاد الاجتماعي    تشريح أسيدون يرجح "فرضية السقوط"    وفاة "رائد أبحاث الحمض النووي" عن 97 عاما    "الجهاد الإسلامي" الفلسطينية تسلم رفات رهينة من غزة في إطار اتفاق وقف إطلاق النار    العرائش.. البنية الفندقية تتعزز بإطلاق مشروع فندق فاخر "ريكسوس لكسوس" باستثمار ضخم يفوق 100 مليار سنتيم    "صوت الرمل" يكرس مغربية الصحراء ويخلد "خمسينية المسيرة الخضراء"    اتصالات المغرب تفعل شبكة الجيل الخامس.. رافعة أساسية للتحول الرقمي    الأحمر يوشح تداولات بورصة الدار البيضاء    سبتة تبدأ حملة تلقيح جديدة ضد فيروس "كورونا"    عيد الوحدة والمسيرة الخضراء… حين نادت الصحراء فلبّينا النداء    فرحة كبيرة لأسامة رمزي وزوجته أميرة بعد قدوم طفلتهما الأولى    دراسة: المشي يعزز قدرة الدماغ على معالجة الأصوات    الوجبات السائلة .. عناصر غذائية وعيوب حاضرة    انطلاق فعاليات معرض الشارقة للكتاب    بينهم مغاربة.. منصة "نسك" تخدم 40 مليون مستخدم ومبادرة "طريق مكة" تسهّل رحلة أكثر من 300 ألف من الحجاج    وضع نص فتوى المجلس العلمي الأعلى حول الزكاة رهن إشارة العموم    وضع نص فتوى المجلس العلمي الأعلى حول الزكاة رهن إشارة العموم    حِينَ تُخْتَبَرُ الْفِكْرَةُ فِي مِحْرَابِ السُّلْطَةِ    أمير المؤمنين يأذن بوضع نص فتوى الزكاة رهن إشارة العموم    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



الجهوية الموسعة المتقدمة بين المقاربة القبلية والمقاربة الديموقراطية
نشر في هسبريس يوم 17 - 03 - 2010


مقدمة
التطورات المتسارعة وطنيا وعالميا فرضت على المغرب أن يفكر في طريقة جديدة لتدبير مشاكله الداخلية والخارجية بعد تاريخ طويل من التحكم والسيطرة والمركزية في القرار وتوزيع الموارد. ومن أهداف الجهوية الموسعة النهوض بالتنمية الجهوية المندمجة، بالإضافة إلى جعلها آلية للمبادرة الفاعلة لمواجهة عراقيل خصوم الوحدة الترابية في التسوية النهائية لملف الصحراء.
الجهوية الموسعة في الصحراء أم الحكم الذاتي
الحكم الذاتي هو تمتيع منطقة معينة بقدرة ذاتية تعتمد على سلطة حقيقية لوضع قوانين منظمة لشؤونها المحلية وتحقيق نوع من الإستقلال عن السلطة المركزية.
وهو معروف منذ العصور القديمة، عند الإغريق والرومان ، والقرون الوسطى، وكاد أن يكون العامل الأساسي في جميع المجتمعات القديمة الى حين ظهور الدولة المركزية المتحكمة في كل كبيرة وصغيرة، وأصبح للحكم الذاتي مفهوما آخر ويستعمل للدلالة على الحرية واللامركزية وتوسيع الحريات واحترام الخصوصيات الإقليمية، ويكون أحيانا مرادفا للنظام الديمقراطي الذي يمتع أقاليمه بسلطة تشريعية وتنفيدية وقضائية ، فكل دولة تكيف هذا المفهوم حسب بنيتها الإجتماعية والثقافية والسياسية ليؤدي أدوارا وظيفية ويساعد في انتقالها الوظيفي.
فالحكم الذاتي أو الجهوية الموسعة ليس مطلوبا لذاته ولا يكون قائما بذاته في الدولة الحديثة كما هو الأمر في المجتمعات القديمة، وانما هو يأتي كقرار سياسي من الدولة المركزية أو نتيجة سيرورة تفاوضية مع المعارضة وكشكل من أشكال تكوين الوحدة السياسية ، حسب الظروف السياسية والإجتماعية والإقتصادية الداخلية والخارجية. وبما أن الحكم الذاتي في قضية الصحراء يتعلق بالمنتظم الدولي وبالطرف الآخر المنازع ويتعلق بنتائج المفاوضات الجارية فإن الدولة لم تطرحه الآن وإنما المطروح في النقاش الوطني لتفعيله هو الجهوية الموسعة.
قدمت الدولة مفهوم الجهوية الموسعة المتقدمة كحل وسط ، أي قريبة من الحكم الذاتي، هذا ما يميل إليه المصطلح .. وبما أنها موصوفة ب"المتقدمة" فمن المنتظر أن تتنازل الحكومة للجهات عن عدد مهم من اخنصاصاتها وأن تشرف على تنظيم استحقاقات لانتخاب بطريقة ديموقراطية شبه حكومات جهوية تعهد لها اختصاصات جهوية لتدبير موارها المادية والبشرية...
الجهوية وسؤال الديموقراطية
من الواضح أن وضع الحكومة الآن كسابقاتها هش على جميع المستويات، لقد فشلت في تدبير جميع الاستحقاقات التي عرفها المغرب. ولم تستطع أن تساير التحولات الإقتصادية والسياسية والمجتمعية محليل ودوليا . وفشلت في مجال حقوق الإنسان، وحرية الصحافة وفشلت في التنمية بمعاييرها الدولية: التقدم العلمي والتعليمي، وتعميم الخدمات الصحية للمواطنين، ومحاربة الفقر، والرفع من مستوى الدخل الفردي، ونلمس هذا الفشل في أقاليمنا بشكل صارخ، وفشلت فشلا ذريعا في حل مشكلة الوحدة الترابية سواء في الجنوب أو في الشمال بعد خمسة عقود ونصف من الزمن، وأصبح الوضع لايحتمل أكثر مما عليه .
- إن الإقدام على الجهوية الموسعة المتقدمة بناء على هذا الوضع يحتمل احتمالين :
إما التعامل معها كفرصة للإنتقال الديمقراطي بشرط توفر إرادة سياسية قوية تراجع أساليب التدبير الحالية مراجعة جذرية تجعل حدا للفساد السياسي والإداري، إنها بهذا الشرط فرصة ملائمة لترسيخ الخيار الديموقراطي. وإما تكون هذه الخطوة دليلا إضافيا على توالي الانتكاسات، وربما تنتتج عنها عواقب وخيمة وتجر البلد إلى انزلاقات غير محمودة العواقب.
المقاربة القبلية في تدبير أقاليم الصحراء
انتقل إلى مسألة أخرى مرتبطة بنجاح أو فشل مشروع الجهوية الموسعة المتقدمة وهي اعتماد الدولة المقاربة القبلية في تدبير أقاليم الصحراء، إنها مقاربة من شأنها أن تقوض مشروع الجهوية الموسعة المتقدمة، وهي لعبة بالنار قد يمتد لهيبها الى الجهات الأخرى في الشمال والوسط والشرق.. والمؤسف أن أغلب نخب القبائل تحمسو ا لهذه المقاربة بوعي أو بغير وعي .
تظن الإدارة أنها حاليا مستفيدة من هذه المقاربة حيث إن الصراع بين القبائل على المكاسب والامتيازات يجعلها في موقع الحكََم وفي موقع السيادة، لقد توزعت الكعكة بين من أعطتهم الادارة صفة التحدث باسم القبائل، عندما يشتد الصراع في الانتخابالب مثلا تتدخل الإدارة بالتسوية ليتنازل طرف عن موقع ليحتل موقعا آخر أو مقابل مبلغ مادي كبير.
هناك صراع بين هؤلاء على الإمتيازات وعلى الموارد المالية التي وضعتها الدولة في أيديهم بلا مراقب ولا حساب، ولإرضاء كثرة متزعمي القبائل تم اللجوء إلى التقسيم الوهمي للجماعات المحلية جماعات ليس لها حدود جغرافية.
هذا التقسيم القبلي خطير جدا على مستقبل هذه المناطق وستمتد انعكاساته على الجهات الأخرى بالمغرب أسره. ولا شك أنه سيقوض مستقبل الجهوية والحكم الذاتي.
هذه المقاربة هي التي حكمت بالفشل على الكوركاس حيث كان الصراع على كراسيه في أشده، كيف سيكون الحال في " الحكومة الجهوية" وكيف سيكون الحال في الحكم الذاتي؟! وبوادر دخول النزعة الأمازيغية على الخط بادية للعيان إشارة هنا إلى الصراعات الدموية بين الطرفين في جامعة ابن زهر والقاضي عياض. هذه المقاربة تهدد الصحراء وشمالها بنموذج دارفور أو العراق أو الصومال.
لاتخاذ موقف رزين من المقاربة القبيلة لابد من تحليل علمي لتاريخ هذه المنطقة الحضاري والسياسي، وتحليل التوليفة الذهينة الصحراوية والبيئة الإجماعية، والوقوف عند الأثار الحضارية والعادات المشتركة بين الصحراء و شمالها.
هذه المقاربة ورثتها الإدارة المغربية والبوليزاريو من الاستعمار اتفقت فرنسا واسبانيا على تقسيم نفوذهما في القبائل كما قسما النفوذ الترابي، فالبوليزاريو أكثر ارتباطا باسبانيا حتى من الناحية الثقافية. فالمعلوم أن الاستعمار طبق القانون على القبائل، فعندما تتنازع يفصل المستعمر بينها بالقانون العسكري الفرنسي وليس بالشريعة فتكونت لدى القبائل النزعة القبلية كمرجع لتحديد مصالها، وساعد على هذه الوضعية الطبيعة البدوية والترحالية للقبائل العربية وابتعادها عن مراكز علماء الشريعة التي هي المدارس العتيقة عكس الفبائل الأمازيغية المستقرة والقريبة إلى هذه المدارس. هناك تأثير واضح للدين في وحدة القبائل.
المفهوم الايجابي للقبيلة
قبل فترة الاستعمار هناك المفهوم الإيجابي للقبيلة، فالقبيلة تحفظ كيانها ومصالحها لكن في إطار الوحدة، وفي تاريخ المنطقة القديم أمثلة كثيرة:
- بايعت القبائل من شمال الصحراء إلى أعماق إفريقية القبيلة اللمتونية الأمازيغية المرابطين أبناء تمانارت محمد بن تيفاوت عبد الله بن ياسين ويوسف بن تاشفين لتقواهم وورعهم وكفاءتهم في المغرب في النصف الأول من القرن الخامس الهجري وقبلهم ب120سنة جد المرابطين تيلوتان بن تالاكين الذي توفي سنة 222 ه قال ابن أبي زرغ دان له 80ملكا من ملوك السودان. بعد ه افترقت القبائل وانتشر الفساد واشتد البأس بينهم حتى أنقذهم الأمير محمد بن تيفاوت وجمع كلمتهم على الدين وكان عالما صالحا ورعا.
)حكمت الدولة المرابطية شمال غرب أفريقيا والاندلس ما بين أعوام 1056-1060 ميلادية حتى العام 1147 ميلادي)المرابطون سكنوا بلاد القبلة – المناطق الجنوبية من المغرب الأقصى إقليم طاطا قبيلة تمانارت حاليا، واتخذوا من اللثام ميزة لهم حتى سموا بالملثمين لأنهم كانوا يتلثمون ولا يكشفون وجوههم، وهي عادة لهم كانوا يتوراثونها جيلاً بعد جيل، اعتنقوا الإسلام بعد 92ه قال عنهم ابن أبي زرع المؤرخ الدولة المرينية إسلامهم إسلام الأوائل يفوضون في المتشابهات ولا يؤولون إشارة إلى حرصهم على الالتزام بالكتاب والسنة.
-ومن وادي درعة انطلقت حركة السعديين و تحديدا من زاوية أقا. ومن أبناء هذه المنطقة تشكلت الجيوش التي قاومت الاحتلال البرتغالي بشمال المغرب في معركة وادي المخازن (معركة الملوك الثلاث) سنة 1578م، ولهذه الدولة بأبناء هذه المنطفة بالغ الأثر على المغرب، حيث أعادت للمغرب هيبته في محيطه الجييوستراتيجي، كما مكنته من الاستفادة اقتصاديا خاصة في علاقته مع إفريقيا. وإلى عهد قريب تحج جميع القبائل الصحراوية زاوية سيدي عيد الله بن مبارك الأقاوي إحياء لذكرى هذه المعاني العظيمة.
وأمثلة كثيرة في التاريخ المعاصر نذكر على سبيل المثال: بيعة جميع القبائل العربية والأمازيغية لأحمد الهيبة ماء العينين(ت 1918) الذي سار نحو مراكش سنة 1912 من تيزنيت عاصمة سوس في مسيرته الجهادية ضد المستعمر الفرنسي لأنه يحظى بالكرامة والثقة بغض النظر عن انتمائه القبلي.
فالاعتبار ليس للقبيلة ذاتها وإنما الاعتبار للقيم المجتمعية المشتركة التي تمثلتها القبيلة واستحقت بها الاتباع من كافة القبائل، والاعتبار للكفاءة التي تحفظ حقوق القبيلة وخصوصياتها أنى وجدت هذه الكفاءة حتى خارج القبيلة قال تعالى "إنا جعلناكم شعوبا وقبائل لتعارفوا، إن أكرمكم عند الله أتقاكم".
نحن ننسى التاريخ لكن الستعمرين الفرنسيين والاسبانيبن استحتضروا بقوة الأحداث التاريخية، وأدركوا الدور التاريخي لأبناء هذه المناطق في الاصلاح السياسي لذلك عملوا على تفتيتها بالنعرات القبلية. تاريخيا، ما كانت السيادة للمعايير القبلية إلا وانتشر الفساد وعمت الفتنة، وما كانت السيادة للدين كمرجع لحياتهم إلا وكان لهم شأن عظيم ليس في الصحراء فقط وإنما في المغرب بأسره وافريقيا.
مناقشة الطرح الانفصالي
أنطلق من قناعة أن الانسان من حقه أن يعبر عن رأيه بحرية تامة دون مصادرة ما لم يقم بأفعال تمس بحرية الأخرين. هناك من يرفع شعار الانفصال وتزداد نسبتهم سنة بعد أخرى هذه هي الحقيقة كالشمس لايمكن حجبها بالغربال. تتحمل الادارة مسؤولية توسع دائرة هذه الظاهرة بسب المغالات في المقاربة الأمنية في العقود الماضية، وبسب تهميش الوحدويين الوطنيين الحقيقيين وهم اللذين يرفعون أصواتهم ضد الفساد لأن الفساد هو الذي يزكي الطرح الإنفصالي، لقد تبين الآن بعد التخلي عن المقاربة القمعية أن انفصاليي الداخل كما يسمون- وأنا أسميهم المعارضين- لايشكلون خطرا لأنهم لايستمدون قوتهم إلا من القمع والمضايقة ، يجب فتح المجال لهم للكلام لتتهاوى أطروحتهم، يقولون لا ديمقراطية حقيقية في المغرب، والإدارة فاسدة ويقولون أن الحل هو الإنفصال.
إذا قمنا بتحليل هذه الظاهرة نجد أن هؤلاء غير مقتنعين بالطرح الانفصالي وإنما تصرفاتهم ردود أفعال على الإنتكاسات المتتالية في الحريات العامة وحقوق الإنسان والديمقراطية هذا ما يعبرون عنه عندما تتاح لهم فرصة الكلام وأيضا كرد فعل على التهميش من قبل المهيمنين على زعامة قبائلهم والمتكالبين على ما يسمونه الامتيازات الذين يغتنون باسم ولاء القبيلة للدولة، عدد من هؤلاء الشباب انفصاليوا الداخل لاتربطهم بالبوليزاريو أية علاقة لاسياسية ولا مذهبية. فالبوليزاريو لايستطيع أن يحتوي جميع الصحراويين وجميع القائل لأنه على المستوى التنظيمي من ناحية توليفة قيادته المهيمنة يتشكل من قبيلة واحدة والقبائل الأخرى يريدها تابعة سواء في القمة أوفي القاعدة ولا يريدها فاعلة، البوليزاريو يثير النعرات القبلية ويجيش بعض أبناء المنطقة لكنه لايضع القرار في أيديهم بل يحاصر من ظن منهم سوءا، يتعامل مع الطرح القبلي بنفس منطق الادارة، وكذلك على مستوى الاستراتيجية التي يعكسها الاسم "الجبهة الشعبية لتحرير الساقية الحمراء و وادي الذهب ′′، في هذا الاسم اقصاء واضح للآخرين ، وموقف بوليزاريو من إلحاق مناطق واد نون ودرعة بالصحراء واضح أيضا كل الوضوح، ، ليس هناك علاقة بين انفصاليي الداخل بالبوليزاريو إلاعلاقة استغلال متبادلة للضغط على الدولة أو على القبيلة. وهم واعون تمام الوعي أن البوليزاريو ليست له مصداقية سياسية ولا ايديولوجية لتطبيق الديموقراطية. إن الديموقراطية تتناقض مع أعمال البوليزاريو في مخيمات تندوف وحصاره للمعارضين للتعبير عن رغبتهم قي الالتحاق بالوطن أو الاحتجاج عن سوء الأوضاع الانسانية هناك... وأنا على يقين أنه إذا كانت الجهوية الموسعة المتقدمة ديموقراطية حقيقية غير قائمة على النزعات القبلية فإن أطروحة هؤلاء ستنهار و سيشكلون في أحسن أحوالهم حزبا جهويا معارضا وليس انفصاليا.
إن النخب السياسية والفكرية الغاضبة من هذا الوضع هي الأخرى تتحمل مسؤولية هذا السباب الضائع بانسحابها من اللعبة السياسية وانتظاريتها ليوم يأتي فيه المهدي المنتظر الذي سيطبق الديمقراطية ويسير الناس وراءه طائعين. مسؤولية النخبة هي بناء كتلة تاريخية والوقوف في صف المناضلين في الساحة السياسية وليس خارجها. نريد لأبناء هذه المنطقة أن يستعيدوا دورهم التاريخي في الاصلاح السياسي من أجل جهوية موسعة متقدمة في إطار ملكية دستورية ديموقراطية.
تساؤلات حول مستقبل شمال الصحراء
واضح من الناحية السياسية أن الذي سيقرر في جغرافية الحكم الذاتي هو المنتظم الدولي والبوريزاريو لأنه موضوع الأراضي المتنازع عليها. وباعتبار الأطراف المهيمنة على البوريزاريو فمن المتوقع أن يستبعد هذه المناطق، وهي أصلا مستبعدة في سياسيته وبرنامجه التفاوضي.
ومن الناحية السياسية بالنسبة للمغرب، بما أن الحل سيكون بتنازل تفاوضي معقول متبادل بين الطرفين، فليس متوقعا أن يحشر المغرب في النقاش والتفاوض مناطق غير متنازع عليها .
إذن لابد من التفكير الموضوعي في مستقبل شمال الصحراء، وادنون وادي درعة، وجنوب الأطلس الصغير أين تكمن مصلحته ؟
- ما هو البديل أو ماهو التعويض عن الإمتيازات الحالية، اذا كانت هناك بالفعل إمتيازات؟
- أليس في المنطقة ما يكفي من المؤهلات الفلاحية والمعدنية والسياحية والثقافية والبشرية ما يجعلها مؤهلة لتكون جهوية موسعة متقدمة؟
- مشكلة عدد من النخب الحالية المهيمنة، وهي نخب لا تنتمي الى الوطن إلا شكلا ( يسميها البعض الإلحاقيون) ولاتمثل إرادة الساكنة: أي مستقبل للجهوية في ظل هيمنة هذه النخب ؟ ألا ترون معي أن هذه النخب الآن هي التي تعمل ليل نهار وتحاول توجيه الندوات وتحاول التأثير على أصحاب القرار ليكون إلحاق هذه المنطقة بالأقاليم المتنازع عليها في صالحهم لغرض ابتزاز المال العام والاستفادة من الإمتيازات . فعندما نرى نخبة حقيقية تمثل حقيقة الساكنة سنضمن نتائج إيجابية لهذه المنطقة بغض النظر عن التقسيم الإداري أو الجغرافي الذي ستخضع له.
- سؤال حول التنمية: ما هي الاجراءات الأولية لاستعادة الثقة في المؤسسات لتقوم بوظيفتها التنموية؟
-أي جهوية متقدمة وأية تنمية في ظل تهديدات تهريب المخدرات وربما الأسلحة؟
- ما هي طبيعة الأحزاب الجهوية؟ وكيف ستحدد علاقتها بالقبيلة؟
بصفة عامة كيف نحمي نظام الجهوية الموسعة المتقدمة من الإنتكاسة؟
كلها أسئلة جديرة بالدراسة والتأمل ، وجديرة بالإهتمام من قبل اللجنة الإستشارية والهيئات السياسية والمجتمع المدني، حتى يكون القرار الذي نختاره قرار عقلانيا نابعا من المصلحة العامة.
* أستاذ علوم التربية – باحث في الثقافة المحلية


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.