أخنوش يتباحث مع رئيس الحكومة اللبنانية على هامش القمة العربية بالمنامة    "حماة المال العام" يستنكرون التضييق على نشاطهم الفاضح للفساد ويطالبون بمحاسبة المفسدين    أسعار الفائدة على القروض ترتفع خلال الفصل الأول من سنة 2024    المنامة.. انطلاق القمة العربية ال33 بمشاركة المغرب    ذكرى تأسيس الأمن الوطني.. 68 سنة من الحفاظ على النظام العام وحماية المواطنين    المغرب يعري الجزائر ويفضح أجندتها لتعطيل تسوية نزاع الصحراء    أسعار صرف أهم العملات الأجنبية مقابل الدرهم    باحثون يعددون دور الدبلوماسية الأكاديمية في إسناد مغربية الصحراء    تصفيات مونديال 2026: الحكم المغربي سمير الكزاز يقود مباراة السنغال وموريتانيا    بعثة نهضة بركان تطير إلى مصر لمواجهة الزمالك    كأس العرش.. مولودية وجدة يضرب موعدًا لمواجهة الرجاء في النصف النهائي    إيقاف مسؤول بفريق نسوي لكرة القدم ثلاث سنوات بسبب ابتزازه لاعباته    إطلاق مجموعة قمصان جديدة لشركة "أديداس" العالمية تحمل اللمسة المغربية    اعتبروا الحوار "فاشلا".. موظفون بالجماعات الترابية يطالبون بإحداث وزارة خاصة    شرطي يشهر سلاحه على سائق سيارة بطنجة والأمن يدخل على الخط ويوضح    سفارة المغرب ببانكوك توضح بخصوص وضعية المغاربة المحتجزين بميانمار    انطلاق القافلة الثقافية والرياضية لفائدة نزلاء بعض المؤسسات السجنية بجهة طنجة تطوان الحسيمة من داخل السجن المحلي بواد لاو    مصرع شخصين في انقلاب شاحنة بتيفلت    الموت يغيب عميد الطرب الغرناطي أحمد بيرو    السعودية تطلق هوية رقمية للقادمين بتأشيرة الحج    يوفنتوس يتوّج بلقب كأس إيطاليا للمرّة 15 في تاريخه    قافلة GO سياحة تحط رحالها بجهة العيون – الساقية الحمراء    مانشستر سيتي يهدد مشاركة جيرونا التاريخية في دوري الأبطال    مربو الماشية يؤكدون أن الزيادة في أثمنة الأضاحي حتمية ولا مفر منها    طقس الخميس حار نسبيا مع تشكل سحب وكتل ضبابية    مطالب لوزارة التربية الوطنية بالتدخل لإنقاذ حياة أستاذ مضرب عن الطعام منذ 10 أيام    المغربي محمد وسيل ينجح في تسلق أصعب جبل تقنيا في سلوفينيا    "أديداس" تطلق قمصانا جديدة بلمسة مغربية    ظاهرة "أسامة المسلم": الجذور والخلفيات...    الاستعادة الخلدونية    رسالة اليمامة لقمة المنامة    صعود أسعار النفط بفضل قوة الطلب وبيانات التضخم الأمريكية    العسري يدخل على خط حملة "تزوجني بدون صداق"    وزارة "الحج والعمرة السعودية" توفر 15 دليلًا توعويًا ب16 لغة لتسهيل رحلة الحجاج    كلاب ضالة تفترس حيوانات وتهدد سلامة السكان بتطوان    أشجار عتيقة تكشف السر الذي جعل العام الماضي هو الأشد حرارة منذ 2000 عام    من أجل خارطة طريق لهندسة الثقافة بالمغرب    نسخة جديدة من برنامج الذكاء الاصطناعي لحل المعادلات الرياضية والتفاعل مع مشاعر البشر    هنية: إصرار إسرائيل على عملية رفح يضع المفاوضات في مصير مجهول    مدريد في ورطة بسبب الإمارات والجزائر    محكي الطفولة يغري روائيين مغاربة    أكاديمية المملكة تُسائل معايير تصنيف الأدباء الأفارقة وتُكرم المؤرخ "هامباتي با"    منتدى عربي أوروبي لمكافحة الكراهية    زيلنسكي يلغي زياراته الخارجية وبوتين يؤكد أن التقدم الروسي يسير كما هو مخطط له    الأمم المتحدة تفتح التحقيق في مقتل أول موظف دولي    المشروع العملاق بالصحراء المغربية يرى النور قريبا    زعيم المعارضة في إسرائيل: عودة الرهائن أهم من شن عملية في رفح    "تسريب أسرار".. تفاصيل إقالة وزير الدفاع الروسي    وزير النقل يعلن عن قرب إطلاق طلبات العروض لتوسيع مطارات طنجة ومراكش وأكادير    قطر تستضيف النسخ الثلاث من بطولة كأس العرب لسنوات 2025 و2029 و 2033    الأمثال العامية بتطوان... (599)    ما حاجة البشرية للقرآن في عصر التحولات؟    إلزامية تحرير الجماعات الترابية من « أشرار السياسة »    النقابة الوطنية للتعليم fdt وضوح وشجاعة لاستشراف المستقبل    "الصحة العالمية": أمراض القلب والأوعية الدموية تقتل 10 آلاف شخص يوميا في أوروبا    جمعية علمية تحذر من العواقب الصحية الوخيمة لقلة النوم    دراسة: الحر يؤدي إلى 150 ألف وفاة سنويا على مستوى العالم    السعودية: لاحج بلا تصريح وستطبق الأنظمة بحزم في حق المخالفين    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



بنْ كِيران وبَنتْ الكاريَان
نشر في هسبريس يوم 26 - 05 - 2014

"لاشيء يجعلكَ عظيما إلا ألم عظيم، فليس كل سقوط نهاية، فسقوط المطر أجمل نهاية..ولولا الأمل في الغد لمَا عاش مظلوم حتى اليوم" !
ما أجمل وأقسى هذه الرسالة ليس على الطفلة اليافعة مريم هاسك، ذات الخمسة عشر ربيعا، التي فضلت الانتحار على أن تحيا في مجتمع وسط نظرات ازدراء وإهمال من هذا أبناء هذا المجتمع ومسؤوليه، بل وفي ظل الإمعان في تعييرها وشتمها بتهمة لا يَدَ ولا دخل لها فيها وهي "بنت الكاريان" (وللذين لا يعرفون المعنى هو البناء العشوائي أو العشوائيات عند الإخوة المصريين).
ما أجمل تلك الكلمات التي خطّتها أناملُ غضة وهي ترتعش لأنها آخرُ كلماتها في هذه الدنيا التي تُودّعها بها، بعدما فتحت أعينها على واقع مرير يعيشه أبوين وستة إخوة وأخوات، في وسط بضعة أمتار تليق لأن تكون قبرا أو مرتعا لحشرات أو أي شيء آخر إلا أن تكون مأوى لآدميين، بعدما أقْصَتهم عمدا كل مخططات السلطات المحلية والمركزية فيما يخص العمران ومحاربة البناء العشوائي، ولم يجدوا إلا هذا الشبيه ب"المَسكن" ليستطونوه جنبا إلى جنب مع كل الحشرات الضارة!
ما أجملَك يا مريم (العذراء) وأنت تُزلزلي فينا وتحركي كل إحساس بالمسؤولية وبالمواطنة المفترى عليها من قِبل من يحكموننا، ومن يركبون على كل الشعارات السياسية والدينية، للوصول إلى الحكم، وبعدما يصِلون إليه يفقدون كل عُذريتهم، ولِم لا وقد استبدلوا رداءهم الذي زارونا به أيام الدعاية الانتخابية، برداء آخر أنيق ومربوط في العنق يُخشى عليه أن يُعَكر نقاؤُه بغبار "الكاريان" الذي كنتِ تسكنين فيه ومِت فيه أيتها العذراء من كل الذنوب التي سنحملها عنك حتى نلقى الله وقد خجلنا لقاءَه بسببك !
لن نعاتب الطفلة الفتاة مريم على فِعلتها التي فعلت وهي تحت مخدر اسمه الفوارق الاجتماعية التي تذهب بالخصوص أية قدرة للتفكير السليم لدى المراهق، ولن نؤاخذها على إقدامها على الانتحار بسبب وضعها الاجتماعي المتردي، ونردد كالببغاوات والمتنطعين بالدين بأن الانتحار حرامٌ حرمة هذه الأشهر الحرم التي نعيشها هذه الأيام، ولكننا سنقف وقفة تأمل فقط لعلنا نعيد تركيب الصورة باحثين عن جزء مهم به فقط تصبح الصورة ذات معنى !
هذه الحكومة التي تدعي أنها جاءت "من الشعب وإلى الشعب"، ولعله الشعار الذي ما فتئ السيد عبد الإله بنكيران يردده بل ويستغله في مواجهة خصومه الذين أطلق عليهم كل قواميس الجنس والحيوان، تكاد اليوم تجعلنا نقتنع أكثر من أي وقت مضى بكونها حكومة أحزابها التي تدين لها بالولاء، ويدافع عنها مناضلوها الظاهرون والمختفون الذائبون في العالم الافتراضي (الشبكة الإلكترونية) ليهاجموا منتقديها حتى ولو تطلب منهم الأمر استعمال أدوات أكثر خسة وحقارة ! وليست حكومة عامة الشعب الذين يقتل منهم الواحد نفسه ولا يسأل عنه أحدا.
إن السيد بنكيران وهو يكتري طائرة خاصة من ميزانية الحزب التي هي من أموال دافعي الضرائب، لينقل على وجه السرعة "كتيبة" حزبية منها الوزراء وقياديون في حزب "العدالة والتنمية"، إلى نواحي مدينة الراشيدية ليقوم بواجب العزاء في موت الطالب المنتمي للحزب ولذراعه الدعوية وفصيله الطلابي، عبد الرحيم الحسناوي، قبل أيام، بينما لا يكلف نفسه، عناء التنقل إلى مدينة الدار البيضاء القريبة من سكناه بالرباط ليعزي أسرة مكلومة في وفاة فلذة كبدها، لاسيما أن الأسرة معدومة الدخل وقد طالها يوما ما قرار محلي من السلطات بهدم دكان كان مصدر عيشها، يجعلنا (ذلك) نتوجس خيفة حقّا من أن ما يقوله "خصوم" بنكيران، مِن أن الأخير هو رئيس حكومة لحزبه وليس للمغاربة جميعهم، هو صواب وحقيقة بدأت تجلياتها تظهر يوما بعد آخر.
ويبدو أن الأمين العام لحزب الاستقلال، حميد شباط، الذي بالرغم من أننا لا نوافقه الرأي في كثير مما يقول ويردد، كان أكثر حدسا من غيره من السياسيين، وهو يتهم بنكيران بأنه يضع أولوية حزبه (الأصولي) فوق كل اعتبار، وأن رفع شعار "المصلحة الوطنية"، ليست إلا افتراء وحقا يراد به باطل، وهو المصلحة الحزبية الضيقة اللعينة والمقيتة !
ولعل ما يعضد ما ذهب إليه شباط، ونحن اليوم نجد أنفسنا مكرهين ومضطرين للذهاب إلى مذهب إليه هذا السياسي "العليم" جدا بنوايا أبناء جلدته وقبيلته، هو هذا الكيل بمكيالين –لا نقصد كيل الاتهامات التي برع بنكيران في إلصاقها بالناس وبالصحافيين خصوصا فهذا موضوع آخر ليس هاهنا موضعه- في التعامل مع أبناء الشعب الواحد؛ فبينما السيد بنكيران الذي يتشدق بأنه ابن "الجماعة" الدينية (وسميها ما شئت) الحريصة على التعاضد والتكافل بين أبناء المجتمع الواحد والأمة الواحدة، يرصد ميزانية محترمة لعزاء واحد من أبناء حزبه الذي هو بطبيعة الحال من أبناء هذا الوطن، نجده لا يخصص حتى قالب سُكر، كما يفعل جُل المغاربة في مثل هذه الأتراح.
بل لعل متسائلا يتساءل كيف لبنكيران، وهو الرجل الذي يزعم أنه حريصٌ على الحكامة والترشيد في استعمال أموال الدولة، لم يطلب من وزيره في النقل ومرؤوسه في الحكومة والنقل، عزيز رباح، أن يخصص له تذكرة ذهاب وإياب إلى الدار البيضاء من الرباط لتقديم واجب العزاء لأسرة الفتاة المكلومة، علما أن ذلك كان سيكون له الأثر الكبير لدى هذه الأسرة التي أحسّت بغبن شديد و(حكرة) كبيرة زادتهم جرحا إلى جرحهم الغائر الذي خلفه انتحار ابنتهم، وهم يلملمون جراحهم لوحدهم !
إن فاجعة "كاريان" الدار البيضاء وإن كُنا لا نبررها تحت أي مبرر من منطلق اقتناعنا بأن الفقر لم يكن يوما سببا لقتل النفس بقدر ما كان حافزا قويا على المثابرة والاجتهاد وتذليل العقبات والتحدي، إلا أنها رسالة مدوية إلى المسؤولين وعلى رأسهم رئيس الحكومة، للعمل الجاد والقطع مع مبررات الضعفاء والجبناء-هذا إذا سلمنا بأن ليس هناك وصولية وانتهازية- التي تفضل تعليق المشاجب على الأساطير والحيوانات، لخلق ما يشبه الهدنة مع الفساد والمفسدين، وبدلا عن ذلك على هؤلاء المسؤولين أن يشمروا على سواعدهم لمحاربة أحزمة البؤس من البناء الصفيحي في المدن التي إذا لم "تنتج" لنا مثل "مريم" في الآن وفي المستقبل فإنها ستكون مهدا لتفريخ الإرهاب والانحراف، كما علمتنا التجارب.
[email protected]


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.