كاميرا البابا فرنسيس تُباع ب7.49 مليون دولار في مزاد خيري    أوكرانيا.. اجتماع أوروبي أمريكي في جنيف لمناقشة خطة ترامب لإنهاء الحرب    إعصار "فينا" يضرب الإقليم الشمالي لأستراليا ويتسبب بأضرار واسعة وانقطاع الكهرباء    رغم اتفاق وقف إطلاق النار.. 21 شهيدا في قصف إسرائيلي جديد    نهضة بركان يستهل مشواره في عصبة الأبطال بفوز مستحق والجيش يتعثر    طقس الأحد: أجواء باردة بعدد من الجهات    المغرب يتوج بلقب "وجهة السنة" في "جوائز السفر" 2025 ببروكسيل    شائعة وجود مغارة ذهبية تفرض حظر التجول في جنوب سوريا    المغرب يتموقع ضمن الوجهات الأكثر جذبا للاستثمار في المنطقة (سفير)    طقس الأحد: انخفاض كبير في درجات الحرارة وصقيع فوق المرتفعات    90 قتيلا في حصيلة فيضانات فيتنام    "كوب 30" تتبنى اتفاقا بشأن المناخ    محكمة الحسيمة تُصدر حكمًا في حق المتهم بجريمة القتل بشاطئ السواني                    عصبة الأبطال الإفريقية (دور المجموعات -الجولة 1).. فريق بيراميدز المصري يفوز على نظيره ريفرز يونايتد النيجيري (3-0)    آلاف التونسيين يصعدون احتجاجاتهم ضد سعيد ويطالبون بعودة الديمقراطية    التساقطات المطرية تساهم في خفض أسعار زيت الزيتون بشمال المغرب    أسعار السكن تعاود الارتفاع في المدن الكبرى    المغرب ضمن طليعة الدول الأكثر التزاماً بالمناخ    أوزين يصف التسريبات ب"الفاجعة الأخلاقية" ويدعو إلى تحقيق عاجل وإعادة بناء منظومة المجلس الوطني للصحافة    نهضة بركان يستهل "الأبطال" بفوز ثمين        أحمد الشناوي يعلق على استبعاده من جائزة الكاف    21 شهيدا في غزة في انتهاكات إسرائيلية للهدنة    النبهان ينتقد "الولوج المطلق" لصناع المحتوى إلى مجال التمثيل الفني    وضع سيدة مولودها داخل إحدى عربات "الترامواي".. مستشفى مولاي عبد الله بسلا لم يسجل أي ولوج للمعنية بالأمر إلى مصالحه (بلاغ)        نهاية مشرفة في مشوار فتيان الأطلس بمونديال قطر... والتحكيم تحت المجهر من جديد        الأميرة للا مريم تترأس حفل الاختتام الرسمي للمنتدى الإفريقي الأول لبرلمان الطفل            جلالة الملك يهنئ الجيش الملكي النسوي عقب تتويجه بدوري أبطال إفريقيا للسيدات    موسيقى كناوة المغربية تلهب حماس الجمهور في مهرجان فني بالكويت    البرازيل.. إيداع الرئيس السابق جايير بولسونارو رهن الاعتقال الاحتياطي    لجنة الأفلام تُطلِق برنامج قطر لحوافز الإنتاج السينمائي والتلفزيوني (QSPI)    تنظيم مهرجان فاس السينمائي العربي الإفريقي    الطالبي العلمي بمؤتمر الاتحاد البرلماني الإفريقي: التنمية الحقيقية رهينة بتعزيز سيادة الدول الإفريقية على مواردها الطبيعية    أكبر جمعية حقوقية بالمغرب تدين تواتر الأحكام القضائية القاسية في حق محتجي "جيل زيد"    جلالة الملك يهنئ الرئيس اللبناني بمناسبة العيد الوطني لبلاده    أفراد طاقم فيلم "صوت هند رجب" وأبطال القصة الحقيقيين في مهرجان الدوحة السينمائي: صوت هند هو صوت غزة وكلّ الفلسطينيين    طقس مستقر في توقعات اليوم السبت بالمغرب    بوعرعار "كبير المترجمين".. سفير لغوي متجول بارع ودبلوماسي "فوق العادة"    الداخلية تلزم الجماعات بتحديد تسعيرة الضريبة على الأراضي غير المبنية لتشمل الدواوير... تغازوت نموذجا (فيديو)    بن هنية: "صوت هند رجب" يتخلّد حين يصل نفس الشعور إلى كافة الناس    أجهزة قياس السكري المستمر بين الحياة والألم    إصدار جديد من سلسلة تراث فجيج    أجهزة قياس السكر المستمر بين الحياة والألم: نداء أسر الأطفال السكريين لإدماجها في التغطية الصحية    جمعية "السرطان... كلنا معنيون" بتطوان تشارك في مؤتمر عالمي للتحالف الدولي للرعاية الشخصية للسرطان PCCA    معمار النص... نص المعمار    الوصايا العشر في سورة الأنعام: قراءة فقهيّة تأمليّة في ضوء منهج القرآن التحويلي    ارتفاع معدلات الإصابة بارتفاع ضغط الدم لدى الأطفال والمراهقين بواقع الضعف خلال العقدين الماضيين    أطباء يوصون بتقليل "شد الجلد" بعد الجراحة    المسلم والإسلامي..    وفاة زغلول النجار الباحث المصري في الإعجاز العلمي بالقرآن عن عمر 92 عاما    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



بنْ كِيران وبَنتْ الكاريَان
نشر في هسبريس يوم 26 - 05 - 2014

"لاشيء يجعلكَ عظيما إلا ألم عظيم، فليس كل سقوط نهاية، فسقوط المطر أجمل نهاية..ولولا الأمل في الغد لمَا عاش مظلوم حتى اليوم" !
ما أجمل وأقسى هذه الرسالة ليس على الطفلة اليافعة مريم هاسك، ذات الخمسة عشر ربيعا، التي فضلت الانتحار على أن تحيا في مجتمع وسط نظرات ازدراء وإهمال من هذا أبناء هذا المجتمع ومسؤوليه، بل وفي ظل الإمعان في تعييرها وشتمها بتهمة لا يَدَ ولا دخل لها فيها وهي "بنت الكاريان" (وللذين لا يعرفون المعنى هو البناء العشوائي أو العشوائيات عند الإخوة المصريين).
ما أجمل تلك الكلمات التي خطّتها أناملُ غضة وهي ترتعش لأنها آخرُ كلماتها في هذه الدنيا التي تُودّعها بها، بعدما فتحت أعينها على واقع مرير يعيشه أبوين وستة إخوة وأخوات، في وسط بضعة أمتار تليق لأن تكون قبرا أو مرتعا لحشرات أو أي شيء آخر إلا أن تكون مأوى لآدميين، بعدما أقْصَتهم عمدا كل مخططات السلطات المحلية والمركزية فيما يخص العمران ومحاربة البناء العشوائي، ولم يجدوا إلا هذا الشبيه ب"المَسكن" ليستطونوه جنبا إلى جنب مع كل الحشرات الضارة!
ما أجملَك يا مريم (العذراء) وأنت تُزلزلي فينا وتحركي كل إحساس بالمسؤولية وبالمواطنة المفترى عليها من قِبل من يحكموننا، ومن يركبون على كل الشعارات السياسية والدينية، للوصول إلى الحكم، وبعدما يصِلون إليه يفقدون كل عُذريتهم، ولِم لا وقد استبدلوا رداءهم الذي زارونا به أيام الدعاية الانتخابية، برداء آخر أنيق ومربوط في العنق يُخشى عليه أن يُعَكر نقاؤُه بغبار "الكاريان" الذي كنتِ تسكنين فيه ومِت فيه أيتها العذراء من كل الذنوب التي سنحملها عنك حتى نلقى الله وقد خجلنا لقاءَه بسببك !
لن نعاتب الطفلة الفتاة مريم على فِعلتها التي فعلت وهي تحت مخدر اسمه الفوارق الاجتماعية التي تذهب بالخصوص أية قدرة للتفكير السليم لدى المراهق، ولن نؤاخذها على إقدامها على الانتحار بسبب وضعها الاجتماعي المتردي، ونردد كالببغاوات والمتنطعين بالدين بأن الانتحار حرامٌ حرمة هذه الأشهر الحرم التي نعيشها هذه الأيام، ولكننا سنقف وقفة تأمل فقط لعلنا نعيد تركيب الصورة باحثين عن جزء مهم به فقط تصبح الصورة ذات معنى !
هذه الحكومة التي تدعي أنها جاءت "من الشعب وإلى الشعب"، ولعله الشعار الذي ما فتئ السيد عبد الإله بنكيران يردده بل ويستغله في مواجهة خصومه الذين أطلق عليهم كل قواميس الجنس والحيوان، تكاد اليوم تجعلنا نقتنع أكثر من أي وقت مضى بكونها حكومة أحزابها التي تدين لها بالولاء، ويدافع عنها مناضلوها الظاهرون والمختفون الذائبون في العالم الافتراضي (الشبكة الإلكترونية) ليهاجموا منتقديها حتى ولو تطلب منهم الأمر استعمال أدوات أكثر خسة وحقارة ! وليست حكومة عامة الشعب الذين يقتل منهم الواحد نفسه ولا يسأل عنه أحدا.
إن السيد بنكيران وهو يكتري طائرة خاصة من ميزانية الحزب التي هي من أموال دافعي الضرائب، لينقل على وجه السرعة "كتيبة" حزبية منها الوزراء وقياديون في حزب "العدالة والتنمية"، إلى نواحي مدينة الراشيدية ليقوم بواجب العزاء في موت الطالب المنتمي للحزب ولذراعه الدعوية وفصيله الطلابي، عبد الرحيم الحسناوي، قبل أيام، بينما لا يكلف نفسه، عناء التنقل إلى مدينة الدار البيضاء القريبة من سكناه بالرباط ليعزي أسرة مكلومة في وفاة فلذة كبدها، لاسيما أن الأسرة معدومة الدخل وقد طالها يوما ما قرار محلي من السلطات بهدم دكان كان مصدر عيشها، يجعلنا (ذلك) نتوجس خيفة حقّا من أن ما يقوله "خصوم" بنكيران، مِن أن الأخير هو رئيس حكومة لحزبه وليس للمغاربة جميعهم، هو صواب وحقيقة بدأت تجلياتها تظهر يوما بعد آخر.
ويبدو أن الأمين العام لحزب الاستقلال، حميد شباط، الذي بالرغم من أننا لا نوافقه الرأي في كثير مما يقول ويردد، كان أكثر حدسا من غيره من السياسيين، وهو يتهم بنكيران بأنه يضع أولوية حزبه (الأصولي) فوق كل اعتبار، وأن رفع شعار "المصلحة الوطنية"، ليست إلا افتراء وحقا يراد به باطل، وهو المصلحة الحزبية الضيقة اللعينة والمقيتة !
ولعل ما يعضد ما ذهب إليه شباط، ونحن اليوم نجد أنفسنا مكرهين ومضطرين للذهاب إلى مذهب إليه هذا السياسي "العليم" جدا بنوايا أبناء جلدته وقبيلته، هو هذا الكيل بمكيالين –لا نقصد كيل الاتهامات التي برع بنكيران في إلصاقها بالناس وبالصحافيين خصوصا فهذا موضوع آخر ليس هاهنا موضعه- في التعامل مع أبناء الشعب الواحد؛ فبينما السيد بنكيران الذي يتشدق بأنه ابن "الجماعة" الدينية (وسميها ما شئت) الحريصة على التعاضد والتكافل بين أبناء المجتمع الواحد والأمة الواحدة، يرصد ميزانية محترمة لعزاء واحد من أبناء حزبه الذي هو بطبيعة الحال من أبناء هذا الوطن، نجده لا يخصص حتى قالب سُكر، كما يفعل جُل المغاربة في مثل هذه الأتراح.
بل لعل متسائلا يتساءل كيف لبنكيران، وهو الرجل الذي يزعم أنه حريصٌ على الحكامة والترشيد في استعمال أموال الدولة، لم يطلب من وزيره في النقل ومرؤوسه في الحكومة والنقل، عزيز رباح، أن يخصص له تذكرة ذهاب وإياب إلى الدار البيضاء من الرباط لتقديم واجب العزاء لأسرة الفتاة المكلومة، علما أن ذلك كان سيكون له الأثر الكبير لدى هذه الأسرة التي أحسّت بغبن شديد و(حكرة) كبيرة زادتهم جرحا إلى جرحهم الغائر الذي خلفه انتحار ابنتهم، وهم يلملمون جراحهم لوحدهم !
إن فاجعة "كاريان" الدار البيضاء وإن كُنا لا نبررها تحت أي مبرر من منطلق اقتناعنا بأن الفقر لم يكن يوما سببا لقتل النفس بقدر ما كان حافزا قويا على المثابرة والاجتهاد وتذليل العقبات والتحدي، إلا أنها رسالة مدوية إلى المسؤولين وعلى رأسهم رئيس الحكومة، للعمل الجاد والقطع مع مبررات الضعفاء والجبناء-هذا إذا سلمنا بأن ليس هناك وصولية وانتهازية- التي تفضل تعليق المشاجب على الأساطير والحيوانات، لخلق ما يشبه الهدنة مع الفساد والمفسدين، وبدلا عن ذلك على هؤلاء المسؤولين أن يشمروا على سواعدهم لمحاربة أحزمة البؤس من البناء الصفيحي في المدن التي إذا لم "تنتج" لنا مثل "مريم" في الآن وفي المستقبل فإنها ستكون مهدا لتفريخ الإرهاب والانحراف، كما علمتنا التجارب.
[email protected]


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.