باراغواي تجدد التأكيد على دعمها "الراسخ" لسيادة المغرب على صحرائه    بورصة الدار البيضاء تستهل تداولاتها على وقع الارتفاع    وزير الصحة يرد على جدل ارتفاع أسعار الأدوية والخدمات الطبية    محكمة العدل الدولية تصدر حكمها الأربعاء بشأن التزامات إسرائيل تجاه المساعدات إلى غزة    الإمارات: طبعنا العلاقات مع إسرائيل لتغيير طريقة التفكير في المنطقة    متحف اللوفر في باريس يعيد فتح أبوابه أمام الجمهور ثلاثة أيام بعد تعرضه لعملية سطو    أبطال أوروبا.. باريس وإنتر وأرسنال يواصلون الانتصارات وبرشلونة يستعيد الثقة بسداسية    هزيمة ثانية للمنتخب المغربي ضد نظيره الإيطالي في مونديال الفتيات    عطل فني في طائرة ليفربول يورط "الريدز" وسلوت: العطل ليس عذرا قبل مواجهة فرانكفورت    واتفورد يطلق مسابقة للفوز بقميص موقع من النجم المغربي عثمان معما    الملك محمد السادس يستقبل أبطال العالم لأقل من 20 سنة واستقبال جماهيري حاشد ينتظرهم    الدار البيضاء.. مصرع شخصين وإصابة اثنين آخرين بجروح في انهيار منزل بالمدينة القديمة    التخريب يستنفر أمن مرس السلطان    طقس حار في توقعات اليوم الأربعاء بالمغرب    كيوسك الأربعاء | المنتجات المغربية تدخل 24 سوقا إفريقيا بدون رسوم    لجنة مشتركة بين المغرب وإسبانيا والبرتغال لتعزيز أثر تظاهرة مونديال 2030    الرباط تحتضن ندوة وطنية لإطلاق مشروع "معا من أجل عدالة حمائية للأطفال والنساء المحتجزات مع أطفالهن"    كتاب فرنسي جديد: المهدي بن بركة قُتل غرقاً في حوض الاستحمام بإشراف الدليمي وبتنسيق مع "الموساد"    سانشيز يطالب الاتحاد الإوروبي بإلغاء التوقيت الصيفي نهائيا    مواجهات مع مطالبين بطرد اللاجئين من إيرلندا    انطلاق المنظومة الجديدة للدعم المباشر للمقاولات الصغرى والمتوسطة في 2026    تقرير يسجل ارتفاع أسعار الخضر والفواكه واللحوم.. والرشيدية أغلى مدن المغرب    مجلة ليكسوس تدخل تصنيفات معامل التأثير والاستشهادات المرجعية العربي"    اصطدام حافلتين يسلب حياة العشرات في أوغندا    انهيار منزل يقتل شخصين بالبيضاء    فنانون من 12 دولة يثرون الدورة 14 لمهرجان العرائش الدولي    إسرائيل تتعرف على "جثتي رهينتين"    تخفيضات الميزانية تهدد جهود الأمم المتحدة في مجال حقوق الإنسان بالعالم    أخنوش يجتمع مع رئيس "هيئة النزاهة"    مشاركة منتدى الصحراء للحوار والثقافات في المؤتمر الدولي بمدينة الصويرة    الممثل عبد القادر مطاع يودع الدنيا عن 85 سنة    المغرب: عجز ميزانية متوقع في حدود 3 في المائة من الناتج الداخلي الخام سنة 2026 (تقرير)    تقرير برلماني: ربع المغاربة ما زالوا أميين رغم تعدد البرامج الحكومية لمحاربة الأمية    رحيل قامة فنية مغربية: عبد القادر مطاع في ذمة الله    "أسود الفوتسال" يتعادلون مع إسبانيا    الملحمة الأوروبية تعود من جديد : ريال مدريد ويوفنتوس يشعلان المنافسة الأسطورية لعشّاق الكرة في المغرب    ريال مدريد "منبهر" بعثمان معما.. ويواصل متابعة موسمه مع واتفورد    عبد اللطيف لوديي ومحمد بريظ يستقبلان قائد القيادة الأمريكية لإفريقيا «أفريكوم»    أكد أنه سيواصل الكشف عن التحامل ضده .. نيكولا ساركوزي يدخل السجن في سابقة بفرنسا    إدريس لشكر… قائد التجديد وواضع أسس المستقبل الاتحادي    بعد تسجيل مستويات قياسية.. الذهب يشهد أسرع تراجع منذ سنوات    ندوة تبرز الاحتفاء القرآني بالرسول    رابطة ترفض "إقصاء الفيلم الأمازيغي"    بين "أوتيستو" و"طريق السلامة" .. المهرجان الوطني للفيلم يستقبل الهامش    بين الأعلام والمطالب.. الجيل الذي انتصر في الملعب واتُّهم في الشارع    علماء يصلون إلى حمض أميني مسبب للاكتئاب    "لارام" تدشن خطا مباشرا بين الدار البيضاء وميونيخ    كنزة الغالي.. سفيرة بروح وطنية عالية تجسد الوجه المشرق للمغرب في الشيلي    تمديد آجال الترشيح للجائزة الوطنية الكبرى للصحافة    الصين تدعو الولايات المتحدة لحل الخلافات التجارية عبر الحوار    أونسا: استعمال "مضافات الجبن" سليم    ساعة أمام الشاشة يوميًا تخفض فرص التفوق الدراسي بنسبة 10 بالمائة    مواقع التواصل الاجتماعي تفسد أدمغة الأطفال وتضر بشكل خاص بذاكرتهم ومفرداتهم اللغوية    دراسة: مواقع التواصل الاجتماعي تفسد أدمغة الأطفال وتضر بشكل خاص بذاكرتهم ومفرداتهم اللغوية    العِبرة من مِحن خير أمة..    حفظ الله غزة وأهلها    الأوقاف تعلن موضوع خطبة الجمعة    رواد مسجد أنس ابن مالك يستقبلون الامام الجديد، غير متناسين الامام السابق عبد الله المجريسي    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



الخبز والإيديولوجيا
نشر في هسبريس يوم 06 - 09 - 2010

سنوات اشتداد الحرب المذهبية بين المعسكرين الإشتراكي والرأسمالي، طفت بقوة إلى السطح المعرفي، مقولتا الخبز و الإيديولوجيا بشكل تعادلي، لاسيما بين طيات الأطروحات المفهومية التي بلورها مفكرو المجتمعات، التي كانت تدور في رحى القطب السوفياتي. انطلاقا، من علاقة قطعية تؤمن بضرورة تحقيق مسار للفرد يستمد مشروعيته من توازن أنطولوجي بين رأسه وبطنه. هكذا ، استندت المنطلقات النظرية ، وكذا الشعارات التي صدح بها المتظاهرون النقابيون و السياسيون، على التماثل الجوهري بين الخبز و الكرامة ، الخبز و الوعي المتحرر، الخبز و الإنعتاق، بل ولما لا الخبز والذكاء السياسي . طبعا الخبز كناية عن مدارج تحقيق الرخاء الإقتصادي عند شعب من الشعوب، وعبر ذلك نوعية الحياة التي ستنبتق فكريا و اجتماعيا وإيتيقيا.
بقي التماهي بين الخبز و الإيديولوجيا، ثابتا تأويليا ، لا تنتهي الحقول الدلالية لأحدهما ، دون الانتهاء عند التضمينات اللانهائية لثانيهما. ولا شك، أن مفهوم الإيديولوجيا اتسم غالبا بمنحاه الأرثوذوكسي في الإنتاج المعرفي لدى مختلف المفكرين الماركسيين ، ولم يتجاوز الخطوط العريضة لحيثيات البنية الفوقية كما بلورتها النصوص الأولى للماركسية، فإن نظرائهم الليبراليين وبسبب استفادتهم من التطورات الدائمة لصيرورة المجتمع الرأسمالي، وشتى الصيغ التي يبلورها بين الفينة والثانية ، مما أهلهم لتليين حمولة الإيديولوجيا نحو تنويعات مغايرة، وأوجدوا لها اجتهادات متعددة قياسا لحركية المجتمع وتلك المساحات التفكيرية الجديدة.
في المغرب، انحازت القوى السياسية التقدمية للرابط الأول، بمعنى الخبز والإيديولوجيا صنوان ، بحيث لا يمكن هيكلة رافد أحدهما دون تمهيد وتوطئة من الآخر ، فالخبز لا يتحقق إلا بالإيديولوجيا وهي تعمل على مسح خرائطية القهر ،
و بالتالي تعبئة قاعدية لتشكلات المجتمع تخلق لديها اندفاعا تحرريا لمواجهة أحاييل الخديعة و المكر الموظفة من قبل الطبقة الحاكمة التي نظرت دائما بعين الرفض ، ومن تم اجتثات هذا النوع من تعليل المنظومة المجتمعية. لماذا؟ لأن القدر حسم منذ غابر الأزمان، أوضاع الناس ومصائرهم ؟، لهذا فكل محاولة لدحض هندسة الإرساء الطبقي ، يدخل في إطار مسميات الجحود والنفاق،ممايشرعن في حق دعاتها أنواع القصاص. الخبز قسمة من السماء وعليك أن تتقبلها شئت أم كرهت ! بل الجنة ، مملوءة بالفقراء الجوعى؟ ، يضيف عتاة المنظور، أما الإيديولوجيا فهي غواية من صنع الشيطان .
تجليات انطواء الخبز على الإيديولوجيا ، وقصدية الإيديولوجيا للخبز ، تتمثلان في استحالة ضمان اللقمة لأفواه الفقراء دون تشبع الطليعة بالإيديولوجيا لذا ضحت قوافل شهداء الشعب المغربي ، في سبيل تحصين الخبز أو دفاعا عن كيان الإيديولوجيا. ثم، حين يخبو توقد الإيديولوجيا يغدو الائتمان على الخبز هشا ومنفلتا.
حاليا ، انقلبت الأمور رأسا على عقب واتخذت منحى مغايرا ، بحيث صارت الإيديولوجيا لغة ماضوية ، موبوءة، تليق أساسا في اعتقاد حكماء الشأن العام، بمعروضات الخردة ، بالتالي لم يعد أحد يجرؤ إلا فيما ندر على التصريح مثلا بأنه شيوعي أو قومي أو اشتراكي ولما لا وجودي...، وكأن منظومات الأنساق الكبرى لم تعد توفر قشة في زمان واقع اقتصادي و اجتماعي، لا يعير أي اهتمام للتمثلات الرمزية و المعنوية ، قدر خضوعه لقوانين هلامية أكثر منها واقعية ، وبالتأكيد أهم إحالة لهذا السياق، تلك الإخفاقات التاريخية التي حلت بالمجموعات السياسية المبررة لمشاريعها المجتمعية بمرجعية إيديولوجية ، ولاسيما المثال السوفياتي.
لكن هل تجب الإشارة، كل مرة بأن عجز النظرية عن تفعيل إيجابي لممكناتها، يعني في كل الأحوال قابلية النظرية للدحض بمعنى صحتها ( التصور البوبري )، ثم هذا القصور المنهجي من قبل المجرب بخصوص تبيئتها وإيجاد مقاسات واقعية لها. وحتى الآن ، يبقى التفسير الأوحد للتفتيت، تحول النظرية إلى دوغما.
إذن من بين أدوات الصراع التي أصبحت تستثمرفي الحقل السياسي المغربي لهذا الطرف ضد ذاك، رميك بصفة أنك لازلت من حالمي وازع الإيديولوجيا، بحيث من يحيل بعد على منظومة من قبيل التقدمية، المشروع التاريخي، فلسطين ، الوحدة العربية ، الإمبريالية ، الرجعية ، الإستعمار...، يبدو المسكين في تصور من يعتبرون أنفسهم في قلب التفكير العالمي مجرد رجل يجتر بغباء أشياء من الماضي، لم تعد لها مسوغاتها حاليا ، فالإيديولوجيا مجرد هرطقة .لذا فأمامه سبيلان لا ثالث لهما: إما يرضخ سلوكيا ونفسيا ومنظوريا للمعطى القائم ، وأن يحاول إقناع نفسه بأنه عين المعقول. أما إذ ابتغى المختلف، فيجب أن يستحضره في إطار ثوابت البنية ذاتها، بمعنى يمس بنقده فقط التراتبيات وليس الأصول و الأوليات .
إن مجتمعا بدون إيديولوجية ، هو مجتمع جائع بل فارغ ينهشه الخواء ويتحسس رقبته في كل آن. مادامت ، حافزه على مراكمة الأسئلة حول ذاته و الآخر وتطوير أسسه النظرية بمعنى إيديولوجيا الانفتاح و البراكسيس و الموضعة ، وليست إيديولوجيا الجاهز التوتاليتاري التي تفلح فقط في تحنيط البشر بين جدران متحف للأصنام وأكوام الجماجم المهشمة. هكذا، يسهل استباق الذين يتربصون بمجتمع الإيديولوجيا ويشتمونه سرا وعلنا ، لأنه قتلنا غير مامرة؟ وألقى بشعوب كثيرة في منتهى الجحيم: الاتحاد السوفياتي، مع الفترات التي تلت تمزقه و العراق وكوريا الشمالية و الكامبودج تم مختلف الشيوعيات الإفريقية التي عاشت حروبا ضارية بعد انهيار السلط المركزية ... وفي المغرب أيضا، تحللت أفضل العقول المهووسة بالإيديولوجيا، داخل سجون ومعتقلات قاسية جدا ، كان من الممكن استثمارها قصد تثوير بنياتنا الفكرية و المعرفية.
إن التطبيقات الصماء للإيديولوجيا، هي من اختزلها إلى الخبز ولاشيء غيره، وبعده شعارات تدعو صباحا ومساء بديمومة حياة القائد العظيم ، وأسطرته إلى غاية وضعه في مقام الإله الإغريقي زيوس الذي يهب البشر ببوله أمطار الخصب و الرحمة . يكفي الشعب، فخرا أن يجد سلل الخبز ممتلئة !؟ بذلك ، انحرفت الإيديولوجيا عن تحققها الطبيعي فأخذت مسار نقيضها الكلي، بحيث كان منطقيا أن تنقلب إيديولوجيا الخبز ، إلى بؤس ومجاعات وحروب ...
تقتضي حركية التاريخ ، الوفاء لسند الإيديولوجيا ، لمواجهة أنصاراللا-إيديولوجيا الذين يفتقرون لمرشد في العمل، فالاشتغال بدون خلفية نظرية مضبوطة ذات منطلقات ووسائل وغايات ونهايات ، يعني ببساطة الرهان على السراب ، وتغليب احتمالات الخطأ.
إن برامج سياسات الشعوب التي تريد لحياتها حقا النجاح و الكرامة، ترفض قطعا محددات الأهواء و الأمزجة ، وتنحت طريقا واضح المعالم بنقط عبور جلية.
لقد اختلطت المفاهيم بشكل معقد جدا ، وانهارت الحقائق الماهوية، لأن مختبرات الإيديولوجيا التي ازدهرت مع المد الشعبي للمكونات السياسية التقدمية، اختفت ولم يعد لها من أثر، فتراجع الفكر العقلاني بشكل مرعب مقابل عودة مظفرة لفكر القطيع وكل أنواع الديماغوجيات التلفيقية حيث البهتان و التضليل وتمييع الحس الإنساني ، ولا شيئ غير ذلك.
[email protected]


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.