ممارسون وباحثون يُبلورون رؤية متجددة للتراث التاريخي للمدينة العتيقة    تفكيك شبكة لترويج المخدرات وحجز أزيد من ألفي قرص مهلوس    توقيف فرنسي من أصول جزائرية مبحوث عنه دولياً بتهمة الانتماء لعصابة إجرامية وحيازة متفجرات    روبيو يستبعد تقسيما دائما لقطاع غزة    إرسموكن :لقاء يحتفي بالذكرى ال50 ل"ملحمة 1975″ و محاكاة رمزية لها بحضور شاحنة "berliet" ( صور + فيديو )    طنجة: المغاربة يتصدرون منصة التتويج في النسخة الثالثة من بطولة "كوبا ديل إستريتشو"    إصابة تبعد الجمجامي عن الكوكب    الحزب الاشتراكي الموحد يستنكرإقصاء مدينة العرائش من الشطر الأول للبرنامج الوطني للنقل الحضري العمومي بواسطة الحافلات    الرقمنة أنشودة المستقبل الذكي    المغرب يصطدم بكوريا الشمالية في ثمن نهائي مونديال السيدات لأقل من 17 سنة    بعد 17 سنة على مناظرة الصخيرات.. كرة القدم تصنع مجد الرياضة المغربية    دوري أبطال إفريقيا: الجيش الملكي يتأهل إلى دور المجموعات بانتصاره على حوريا كوناكري الغيني    المنتخب الوطني المغربي لأقل من 17 سنة يتعادل وديا مع نظيره الفنزويلي ( 3-3)    "حماة المستهلك" يطالبون بتشديد الخناق على زيت الزيتون المغشوشة    الملك يهنئ رئيس جمهورية كازاخستان    مشجعون من 135 دولة يشترون تذاكر نهائيات كأس إفريقيا في المغرب    الأمين العام للأمم المتحدة يثمن التعاون النموذجي للمغرب مع "المينورسو"    الأزمي: التراجع عن التغطية الصحية الشاملة في مالية 2026 دليل على إخفاق حكومة أخنوش    البرنامج الجديد للنقل الحضري العمومي للفترة 2025-2029.. استلام 70 حافلة جديدة بميناء أكادير    مسيرة في بروكسل تخليدًا لذكرى والد ناصر الزفزافي ومحسن فكري وإحياءً لذاكرة "حراك الريف"    ترامب منفتح على لقاء كيم ويصف كوريا الشمالية بأنها "قوة نووية نوعاً ما"    قبل أسابيع من انطلاق كأس إفريقيا للأمم.. فشل ذريع للمكتب الوطني للسكك الحديدية في التواصل مع المسافرين بعد عطل "البراق"    وفاة الملكة الأم في تايلاند عن 93 عاما    الأمين العام للأمم المتحدة يبرز التنمية متعددة الأبعاد لفائدة ساكنة الأقاليم الجنوبية للمملكة    فيتنام: المغرب يوقع على المعاهدة الدولية للأمم المتحدة لمكافحة الجرائم السيبرانية    عجز سيولة البنوك يتراجع بنسبة 2.87 في المائة خلال الفترة من 16 إلى 22 أكتوبر    أمطار مرتقبة بالشمال وانخفاض في درجات الحرارة الأسبوع المقبل    مصرع دركي في حادثة سير مروّعة بضواحي القصر الكبير    شركة فرنسية تطلق خطا بحريا جديدا يربط طنجة المتوسط بفالنسيا وصفاقس    السوق الأوربية للفيلم... المركز السينمائي يدعو المهنيين لتقديم مشاريعهم حتى 24 نونبر المقبل    زينة الداودية عن صفقة زياش التاريخية: إنها الوداد يا سادة    نور عيادي تفتتح الدورة ال15 لمسابقة البيانو للأميرة للا مريم بأداء مبهر    الكوميديا والموسيقى في جديد هاجر عدنان "طاكسي عمومي"    افتتاح متميز لمعرض الفنان المنصوري الادريسي برواق باب الرواح    مساعد مدرب برشلونة: الانتقادات ستحفز لامين جمال في الكلاسيكو    إسبانيا.. العثور على لوحة لبيكاسو اختفت أثناء نقلها إلى معرض    قمة صينية أمريكية بماليزيا لخفض التوتر التجاري بين البلدين وضمان لقاء ترامب ونظيره شي    المهرجان الوطني للفيلم بطنجة يعالج الاغتراب والحب والبحث عن الخلاص    وزارة المالية تخصص مبلغا ضخما لدعم "البوطة" والسكر والدقيق    طنجة... تتويج الفائزين بجوائز القدس الشريف للتميز الصحفي في الإعلام الإنمائي    تصريحات لترامب تعيد مروان البرغوثي إلى الواجهة (بروفايل)    أمير المؤمنين يأذن بوضع نص فتوى الزكاة رهن إشارة العموم    حدود "الخط الأصفر" تمنع نازحين في قطاع غزة من العودة إلى الديار    التوقعات المبشرة بهطول الأمطار تطلق دينامية لافتة في القطاع الفلاحي    الأمم المتحدة: ارتفاع الشيخوخة في المغرب يتزامن مع تصاعد الضغوط المناخية    تقرير يقارن قانوني مالية 2025 و2026 ويبرز مكاسب التحول وتحديات التنفيذ    وضع نص فتوى المجلس العلمي الأعلى حول الزكاة رهن إشارة العموم    من وادي السيليكون إلى وادي أبي رقراق    من العاصمة .. حكومة بلا رؤية ولا كفاءات    عبد الإله بنكيران والولاء العابر للوطن    المجلس العلمي الأعلى يضع نص فتوى الزكاة رهن إشارة العموم    وزارة الأوقاف تعمم على أئمة المساجد خطبة تحث على تربية الأولاد على المشاركة في الشأن العام    طب العيون ينبه إلى "تشخيص الحول"    أمير المؤمنين يطلع على نص فتوى المجلس العلمي الأعلى حول الزكاة ويأذن بوضعها رهن إشارة العموم    علماء يصلون إلى حمض أميني مسبب للاكتئاب    أونسا: استعمال "مضافات الجبن" سليم    مواقع التواصل الاجتماعي تفسد أدمغة الأطفال وتضر بشكل خاص بذاكرتهم ومفرداتهم اللغوية    دراسة: مواقع التواصل الاجتماعي تفسد أدمغة الأطفال وتضر بشكل خاص بذاكرتهم ومفرداتهم اللغوية    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



الأمازيغية بين الشلل التيفيناغي وفرصة النهضة بالحرف اللاتيني
نشر في هسبريس يوم 07 - 11 - 2014


(الجزء الثالث)
تعتبر عبارة "الإجماع الوطني حول الحرف" أو "التوافق الوطني" من العبارات الخاطئة التي يُطوَّحُ بها يمينا ويسارا دون وعي معناها مما يتسبب في تسييس النقاش وتعقيده وإخراجه عن مساره التقني الأكاديمي المعرفي إلى مستنقع السياسة. فالحقائق الواضحة الثلاث التي يتغافل عنها المتغافلون هي:
- لا وجود لإجماع حزبي سياسي حول الحرف، لأن حزبين بارزين هما "الاستقلال" و"العدالة والتنمية" عارضا منذ اليوم الأول الحرف اللاتيني وتيفيناغ، ولم يوافقا على اختيار الإيركام لتيفيناغ أبدا. ورغم المواقف الحالية المهادِنة (لأسباب انتخابية وغيرها) الصادرة عن زعماء الحزبين تجاه تيفيناغ فإن فِرَقَهم البرلمانية وقواعدهم الحزبية "الأقل انضباطا" تنفلت من حين لآخر لتعبر بوضوح عن موقف الحزبين الحقيقي الهادف إلى فرض الحرف العربي على الأمازيغية. الأهم من كل ذلك هو أن أي "إجماع حزبي وطني" في حد ذاته هو باطل حتى لو وُجِدَ لأن السياسيين أميون في الأمازيغية لا يقرأونها ولا يكتبونها.
- لا وجود لإجماع شعبي حول الحرف، لأن المغاربة الناطقين بالأمازيغية (دون ذِكر غير الناطقين وتلك "بصارة أخرى") تتجاذبهم التقسيمات الحزبية والأيديولوجية ونظريات المؤامرة، زيادة على بطلان "الإجماع الشعبي" إن وُجِدَ لأن 99% من المغاربة أميون في الأمازيغية لا يقرأونها ولا يكتبونها.
- الغالبية العظمى من الأكاديميين المستقلين المغاربة والجزائريين المتخصصين في دراسات اللغة الأمازيغية دعوا إلى تدريس الأمازيغية بالحرف اللاتيني وأنتجوا دراساتهم وقواميسهم بالحرف اللاتيني.
1) رأي الدكتور سالم شاكر في مسألة حرف تدريس الأمازيغية:
يُجمع تقريبا كل متخصصي اللغة الأمازيغية المستقلين على ضرورة تدريس ونشر الأمازيغية بالحرف اللاتيني. ومن لا يعبرون منهم عن رأيهم في مسألة الحرف بشكل مباشر يعبرون عنه بإنتاجاتهم العلمية والأدبية حينما يستخدمون الحرف اللاتيني في كتابة الأمازيغية. والفعل أبلغ من القول. هذا مثال من أحد هذه الآراء الأكاديمية، في شخص د. سالم شاكر، اللساني الأمازيغي الجزائري المشهور الذي قال:
Une diffusion large du berbère passe nécessairement par la graphie latine, parce que
1 – L'essentiel de la documentation scientifique disponible est dans cette graphie
2 – Un travail significatif d'aménagement de cette graphie a été mené durant tout le 20ème siècle
3 – L'essentiel de la production destinée au grand public (revues associatives, production littéraire), au Maghreb comme en Europe, utilise cet alphabet
Dr. Salem Chaker - 2010
"النشر الواسع للغة الأمازيغية يمر بالضرورة عبر الحرف اللاتيني، لأن:
1 – معظم الأدبيات العلمية المتوفرة هي بهذا الحرف.
2 – هناك عمل مهم لتدبير هذا الحرف تم إنجازه طيلة القرن العشرين.
3 – أغلب الإنتاج الموجَّه إلى الجمهور الواسع (مجلات جمعوية، إنتاج أدبي)، في المغرب الكبير وأوروبا، يستخدم هذه الألفبائية."
د. سالم شاكر، اللساني الجزائري وبروفيسور اللغة الأمازيغية بفرنسا، في ندوة علمية حول "معيرة كتابة الأمازيغية" نظمتها المفوضية السامية للأمازيغية HCA بمدينة بومرداس في 20 شتنبر 2010.
- فلنترجم هذه الرأي الأكاديمي إلى الأمازيغية:
Asoḍrer amiriw n tutlayt Tamaziɣt ittekk s yiccil ɣef webrid n usekkil Alatin, minzi
1 – Azyen ameqqṛan n tirawin tussnanin yellan nitenti ttwarint s usekkil ad
2 – Yat tawuri taxatart n usugdu n usekkil a tettusker taɣzi n timiḍi tiss 20
3 – Azyen ameqqṛan n ufares yettusutyen i wagdud amiriw (tisɣunin timesmunayin, afares aseklan), am di Tamazɣa am di Oṛobba, yesseqdac agemmay ad
Dr. Salem Caker (Salem Chaker) – 2010
2) تدريس الأمازيغية في الجزائر ومسألة الحرف:
لا يزال الجدل الإعلامي المسيَّس حول حرف كتابة وتدريس الأمازيغية في الجزائر موضوعا حيا وقويا تعود إليه الصحف الجزائرية الرئيسية بشكل لافت وباهتمام يفوق الصحافة المغربية. بالنسبة للأكاديميين والأساتذة الجامعيين الجزائريين المتخصصين في الأمازيغية فمسألة الحرف محسومة منذ عقود طويلة. فالأكاديميون يرون أن الحرف اللاتيني هو الحرف الأنفع للأمازيغية ويشتغلون به دائما وبشكل مستمر. وهذا الموقف ينعكس بقوة على مجموعة من المجالات:
- تدريس الأمازيغية بالجزائر في المدارس الابتدائية (انطلاقا من السنة الرابعة) والمدارس الإعدادية والثانوية يتم في حوالي 90% منه بالحرف اللاتيني، لأن 90% من تدريس الأمازيغية يتركز في ولايات القبايل حسب ما صرح به يوسف مراحي، الأمين العام السابق لل HCA لصحيفة "الشروق" الجزائرية عام 2010.
- شعبة الأمازيغية في الجامعات الجزائرية الأربع (جامعات Tizi Wezzu وBgayet وTubirett وBatna) تشتغل بالحرف اللاتيني، بالضبط مثل الشعب الأمازيغية في الجامعات المغربية. راجع مثلا هذه الأطروحة الأمازيغية من جامعة أكادير: www.freemorocco.com/agadir.pdf
- كل المنشورات والقواميس والأبحاث الصادرة عن "المفوضية السامية للأمازيغية" HCA بالجزائر وعن الباحثين المستقلين تستخدم الحرف اللاتيني في كتابة الأمازيغية. وموقع HCA الإلكتروني الثلاثي اللغة يكتب في شقه الأمازيغي بالحرف اللاتيني (www.hca-dz.org).
- تقريبا كل الإبداعات الأدبية الجزائرية الأمازيغية تكتب بالحرف اللاتيني.
- كل مواقع الإنترنت الجزائرية الأمازيغية تكتب الأمازيغية بالحرف اللاتيني.
وهناك نسبة صغيرة من المدارس في منطقة الشاوية تدرس الأمازيغية بالحرف العربي ومدارس أخرى أقل عددا تدرس بحرف تيفيناغ الجزائري المختلف قليلا عن تيفيناغ إيركام المغربي.
تعود أول تجربة لتدريس الأمازيغية في الجزائر إلى سنوات السبعينات في جامعة الجزائر العاصمة على يد البروفيسور مولود معمري، وتم إلغاء تلك الدروس من طرف النظام ومُنِعت الأمازيغية تماما. ثم بدأ تدريس الأمازيغية في الجزائر مرة أخرى عام 1995. ودخلت الأمازيغية امتحان شهادة المتوسط (الإعدادي) Brevet الجزائري في موسم 2007 – 2008. ومنذ الموسم 2008 – 2009 دخلت الأمازيغية امتحان الباكالوريا الوطني. وامتحان الباكالوريا الجزائري الوطني الموحد في مادة اللغة الأمازيغية يصدر سنويا بثلاثة حروف (أي بثلاث نسخ متطابقة من مواضيع الامتحان بالحرف اللاتيني وتيفيناغ والعربي) يختار منها الطالب الجزائري الحرف الذي يريد الإجابة به عن أسئلة الامتحان، وهو غالبا الحرف الذي درس به الأمازيغية في القسم الدراسي.
وحسب صحيفة "الشروق" الجزائرية، يشارك سنويا في امتحان الباكالوريا الوطني في مادة اللغة الأمازيغية قرابة 7000 طالب باكالوريا جزائري. ويمكن الاطلاع أو تحميل نسخة من امتحان الباكالوريا الجزائري الموحد في مادة اللغة الأمازيغية عبر هذا الرابط:
www.freemorocco.com/dzayer-bak.pdf
والأمازيغية في الجزائر ما زالت لغة اختيارية، ولا يتوفر تعليمها إلا في 12 ولاية جزائرية من أصل 48. ويقتصر تدريسها في المستوى الثانوي (سنوات الباكالوريا) على 5 ولايات فقط. ويشهد توسيع تدريسها إلى المناطق الأخرى مقاومة شديدة من طرف العروبيين والإسلاميين ومماطلات من طرف الدولة الجزائرية.
وعبرت مؤخرا وزيرة التربية الوطنية الجزائرية نورية بن غبريط عن رغبتها في جعل تدريس الأمازيغية إجباريا في كل المدارس الجزائرية ولكن ذلك لا يبدو قريب التحقق خصوصا أن الأمازيغية في الدستور الجزائري هي مجرد "لغة وطنية" وليست "لغة رسمية." إلا أن الأمازيغية في حالة ترسيمها في الجزائر ستتمكن من الدخول بشكل أسرع إلى الإدارات والمؤسسات بفضل استعمال الحرف اللاتيني وبفضل وجود عدد أكبر من الأطر والمكوَّنين في اللغة الأمازيغية في الجزائر بالمقارنة مع المغرب.
3) لماذا لا تكتب مئات المنظمات الأمازيغية المغربية بياناتها وأدبياتها بتيفيناغ؟
لسببين رئيسيين:
- لأن معظم أعضائها يتهجون تيفيناغ كحروف معزولة ولم يتعودوا على قراءة وكتابة نصوص طويلة ومفصلة بتيفيناغ، ويستخدمونه فقط في الرمزيات.
- لأن تلك الجمعيات والمنظمات تعلم علم اليقين أن لا أحد تقريبا في الرأي العام المغربي ولا في الصحافة سيقرأ بيانا مكتوبا بحرف تيفيناغ. فالغالبية الساحقة من القراء المغاربة غير قادرين على قراءة نصوص تيفيناغ بمن فيهم الأغلبية الساحقة من الصحفيين والمتعلمين الناطقين بالأمازيغية رغم كونهم متعلمين ومثقفين على مستوى عال.
ولكن في المقابل لماذا لا تقوم الجمعيات والمنظمات الأمازيغية المغربية العتيدة بإصدار بياناتها وأدبياتها ومواقعها الإلكترونية الأمازيغية مكتوبة بالحرف اللاتيني كما يفعل الجزائريون؟! فلا أحد يمنعها من ذلك. الجواب هو أن إقرار حرف تيفيناغ وحده من طرف الإيركام أدخل الحرف اللاتيني في المغرب في مجال "اللامفكَّر فيه"، وجعله "مِلْكية محجوزة" أو "ماركة مسجلة" Trade mark خاصة بالفرنسية وحدها داخل المغرب! أي حلالا على الفرنسية حراما على الأمازيغية!
إن أقوى أنواع التدجين والترويض هو ما يُفرَض ذاتيا. لقد نسيت المنظمات الأمازيغية والناشطون أنهم قادرون على كتابة الأمازيغية بالحرف اللاتيني، فأصبحوا يفضلون الصيام عن الكتابة وفاءً لتيفيناغ وانتظارا لشيوعه في المستقبل بعد 30 أو 50 سنة، بدل كتابة الأمازيغية بالحرف اللاتيني فورا، وهو حرف يقرأه كل من مر بالمدرسة.
يجب أن نفهم جيدا أن تعلم وحفظ حروف تيفيناغ بشكل معزول (حرفا حرفا) هو أمر في غاية السهولة لمن له الإرادة. ولكن الصعوبة تكمن في ممارسة القراءة والكتابة بها بشكل واسع وبمرونة وغزارة.
ويمكن لأي مغربي أن يتعلم ويحفظ تيفيناغ أو الحرف اليوناني أو الحرف السيريلي (الروسي) حرفا حرفا في بضع دقائق أو ساعات أو أيام، ولكن التمرن على قراءة النصوص الطويلة التيفيناغية أو السيريلية أو اليونانية والكتابة المكثفة والمفصلة بشكل واسع النطاق يتطلب شهورا أو سنوات من التمرن والتعود والمواظبة القوية والصمود، حسب قدرات الشخص وعمره وحوافزه المادية والمعنوية. وهذا هو المشكل الحقيقي والتحدي الحقيقي. فقط فكروا في المدة التي احتجتم إليها لإتقان الحرفين العربي واللاتيني في المدرسة إتقانا حقيقيا كتابةً وقراءةً وإملاءً وإنتاجاً. إنها سنوات وليست ساعات. أليس كذلك؟ إن من تَعَلَّمَ منذ 5 دقائق كيف يكتب اسمه الشخصي بتيفيناغ ليس "كاتبا بتيفيناغ" وليس "قارئا لتيفيناغ" لأنه قادر أن يفعل نفس الشيء في 5 دقائق بالحرف اليوناني أو الروسي أو العبري.
فبمساعدة معلومات الإنترنت (نسخ ولصق) أستطيع في بضع دقائق أن أكتب مثلا اسمي الشخصي بالحرف السيريلي – الروسي هكذا: Мобарик ، أو بالحرف اليوناني هكذا: Μωβαρικ. ولكن هل أصبحتُ فجأة "كاتبا بالحرف السيريلي الروسي" أو "كاتبا بالحرف اليوناني"؟ لا طبعا. فأنا أمي في هذه الحروف لا أستطيع قراءة نصوص مكتوبة بها لأنني لم أتعلمها حق التعلم. فتلك عملية تتطلب جهدا طويل الأمد وتمرنا مستمرا واستثمارا وقتيا وماديا شخصيا لإجادة القراءة والكتابة والممارسة. وكتابتي لاسمي بالحروف الروسية واليونانية هي مجرد لعب وتسلية. ونفس الشيء ينطبق على معظم هواة تيفيناغ. ومن منهم يعتبر نفسه من جهابذة تيفيناغ الذين "أتقنوه في ساعة أو في يوم" فعليه من الآن فصاعدا أن يقرأ الأخبار بتيفيناغ من موقع وكالة الأنباء المغربية الموجود هنا: www.mapamazighe.ma وسيكتشف حينئذ درجة "إتقانه لتيفيناغ".
من المعلوم أن قدرات تعلم حروف جديدة واستخدامها بشكل مكثف تتضاءل مع بلوغ الأفراد سن العشرين أو الثلاثين. ولكن الحافز الاقتصادي/الاجتماعي (أو غيابه) هو المحدد النهائي لتعلم حروف جديدة واستخدامها بكثافة. حرف تيفيناغ "ما كا يوكّلش الخبز" في المغرب ولا يساعد على إيجاد الشغل وتحسين الوضعية. إذن فحافز تعلمه واستخدامه ضئيل جدا بل منعدم لدى الشباب المغاربة. والحرف العربي أيضا "ما كا يوكّلش الخبز" إلا في بعض القطاعات الصغيرة المحدودة. ولولا التعليم الإجباري المعمم للعربية منذ اليوم الأول من الاستقلال على كل المدارس المغربية طيلة 60 عاما (دون احتساب قرون من نظام "المسيد") لما انتشر الحرف العربي أبدا في المغرب. بل إن حوالي 30% من المغاربة أميون تماما لا يقرأون الحرف العربي ولا اللاتيني ولا تيفيناغ ولا حتى الأرقام. الحرف الذي يُؤَكِّل الخبز ويفتح كل الأبواب في المغرب والعالم أمام الشباب المتمدرس هو الحرف اللاتيني، ولن تبلغهم الأمازيغية بالسرعة المطلوبة إلا عبره.
إذن فسبب تجمد الأمازيغية حاليا هو أنها وُضِعت في ثلاجة تيفيناغ. هذا الحرف يعرقل قدرة الشباب، الذين درسوا طيلة حياتهم بالحرف اللاتيني، على التعرف على الأمازيغية وتعلمها والإنتاج بها.
وطبعا فالأمازيغية لن تصبح فجأة جذابة ومرغوبة إذا كُتبت ودُرِّست بالحرف اللاتيني. وستحتاج إلى التعميم والإجبارية. وإنما الحرف اللاتيني يُسرِّع تعميمها أضعافا مضاعفة ويقربها من متناول الشباب المغاربة، ويسهل تعلمها على تلاميذ الثانوي مثلا بنفس الطريقة التي يتعلمون بها الألمانية والإسبانية في الثانويات المغربية.
تيفيناغ يؤجل تعميم الأمازيغية ويجعلها رهينة محتجَزة في التعليم الابتدائي. حيث يجب أن تمر 30 أو 50 سنة حتى يبلغ عدد كاف من أطفال اليوم والغد مرحلة الإنتاج العلمي والإعلامي بحرف تيفيناغ – هذا طبعا إذا افترضنا نجاح التعليم بتيفيناغ مستقبلا وهو أمر منعدم حاليا، مع الأخذ بعين الاعتبار تراجع الأمازيغية ديموغرافيا بشكل مستمر. الحرف اللاتيني سيجعل إدماج اللغة الأمازيغية كمادة إجبارية في الثانويات والجامعات أمرا في المتناول وقابلا للتحقيق في فترة أقصر بكثير، بالمقارنة مع تيفيناغ.
وفي تونس أصبحت التركية (بالحرف اللاتيني) مدرجة منذ 2012 في جزء من ثانويات الجمهورية التونسية كلغة اختيارية بجانب الإيطالية والألمانية والإسبانية. التركية غادرت الإيالة العثمانية التونسية في القرن 19 حينما كانت تكتب بالحرف العربي وعادت إلى تونس اليوم في ثوب الحرف اللاتيني. ربما سنحتاج إلى أن تقوم الدولة المغربية بالاقتداء بتونس وإدخال التركية بالحرف اللاتيني في التعليم الثانوي لكي نستيقظ.
4) ظروف التصويت على الحروف الثلاثة في 31 يناير 2003
لا أزعم الاطلاع على كل خبايا وظروف تصويت المعهد على الحروف الثلاثة، ولكن هناك الكثير من الأدبيات والتصريحات والأحداث والدلائل المنطقية التي تدل على أن عملية التصويت كانت سياسية في جوهرها، بينما لم يكن هناك داع لذلك التصويت أصلا (إلا الداعي السياسي) لأن اللجنة التقنية الوزارية الأكاديمية كانت قد سبقت إلى اختيار الحرف اللاتيني للأمازيغية يوم 5 يوليوز 2002. من المفروض أن المعهد لم يتأسس للتصويت على هذا أو ذاك، فاختيار الحرف اللاتيني اتفق حوله الأكاديميون سلفا دون الحاجة إلى هيئات رسمية بيروقراطية. المعهد ليس "برلمانا أمازيغيا" يُصَرِّفُ المعارك السياسية والحزبية بمنطق التصويت والأغلبية والمعارضة، وإنما من المفروض أنه مركز أبحاث يشتغل بمنطق عِلمي أكاديمي صرف. وإقحام الحرف العربي في معمعة التصويت بعيد تماما عن العلمية ودليل على اختراق السياسة للموضوع.
وأحد أقوى الأدلة على سياسوية عملية التصويت ولاأكاديميتها هو ما نشرته صحيفة "الشرق الأوسط" في عددها رقم 8845 يوم 15 فبراير 2003 وهو تصريح للسيد محمد صلو عضو المجلس الإداري للإيركام حول القضية في مقال إخباري جاء هكذا على ذمة الصحيفة:
"يُذْكَر أن 14 عضوا في مجلس إدارة المعهد الملكي للثقافة الأمازيغية صوتوا في المرحلة الأولى على اعتماد حرف «تيفيناغ»، فيما صوت 13 عضوا لصالح الحرف اللاتيني و5 فقط لصالح الحرف العربي، بينما وصل عدد الأعضاء المصوتين لفائدة حرف «تيفيناغ» 24 عضوا في المرحلة الثانية مقابل 8 أعضاء للحرف اللاتيني وصفر من الأصوات للحرف العربي.
وقال محمد صلو عضو مجلس إدارة المعهد الملكي للثقافة الأمازيغية، والذي كان يعتبر أحد المؤيدين للحرف اللاتيني، إن تصويته لصالح حرف «تيفيناغ» جاء منذ البداية بعدما لاحظ تساويا في عدد المؤيدين للحرفين مما دفعه إلى الاقتناع بأن استمرار الخلاف سيستغله خصوم القضية الأمازيغية، مشيرا إلى ما وصفه بالإشاعات التي راجت حول اعتزام الإسلاميين وعدد من اليساريين النزول إلى الشوارع للدعوة إلى اعتماد الحرف العربي في حال استمرار الخلاف بين المؤيدين للحرف اللاتيني والمؤيدين لحرف «تيفيناغ». وأضاف صلو، «سمعنا أن أبراهام السرفاتي أصبح من المؤيدين للحرف العربي، وعبر عن استعداده للنزول إلى الشارع للدعوة للحرف العربي»، وقال «تأكدنا أن خصوم الأمازيغية أصبحوا كثيرين ولا يتموقعون فقط داخل التيارات الإسلامية»." [مراسل صحيفة "الشرق الأوسط" من الرباط: عمر جاري].
واللبيب سيفهم من نتائج الجولتين أن الأمر يتعلق بتوافقات أو مساومات أو حسابات حصلت بشكل بعيد كل البعد عن المنهج العلمي الأكاديمي. هل يمكننا أن نخمن مثلا أن الأصوات الخمسة التي ذهبت إلى الحرف العربي في الجولة الأولى ذهبت إلى تيفيناغ في الجولة الثانية؟ وكيف يتخلى أشخاص يفترض أنهم أكاديميون عن قناعاتهم الأكاديمية خلال فترة الاستراحة بين الشوطين؟!
الواضح هو أن اختيار تيفيناغ كان اختيارا تكتيكيا للإفلات من الحرف العربي اللامرغوب أو لمنع الأمازيغية من امتلاك الحرف اللاتيني القوي والخطير، ولم يكن اختيارا محكوما بالمعايير الأكاديمية والتقنية النزيهة. هذا يعني أن الحرف العربي كان "الحوتة اللي خنّزات الشواري" وأن إقحامه في النقاش والتصويت كان سياسيا (استجابة لضغوط السياسة) وليس أكاديميا. وهكذا يصبح كل ما ينتج عن ذلك التصويت سياسيا وليس أكاديميا. ما بني على السياسة فهو سياسي.
هل من المعقول أن يكون إقرار حرف كتابة وتدريس الأمازيغية للأجيال الحالية والقادمة مبنيا على "التكتكة" و"الحسابات التصويتية السياسية"؟ هل هذه هي الطريقة الفضلى لبناء المشروع الأمازيغي؟
هل هذا هو نضال المؤتمَنين على الأمازيغية؟ القبول بالحلول الوسط مع أهل الباطل بدل مواجهة الباطل بالحق والحجة والعلم؟ ماهي الحقوق الأخرى التي سيتفاوضون بشأنها ويَقبلون بحلول وسط فيها؟
ماذا سنقول لأجيال مغاربة المستقبل؟ هل سنقول لهم أن أجدادكم الأمازيغ الشجعان قبلوا بالحل الوسط لإرضاء خصوم الأمازيغية الأميين من إسلاميين وعروبيين؟
أليس الأجدر هو طرح المسألة للنقاش الأكاديمي العلمي الصافي والهادئ أمام الملأ بدل التصويت وراء الأبواب المغلقة والمساومات؟ وحينئذ سنرى ما إذا كان دعاة فرض الحرف العربي يحملون أبحاثا علمية وإنتاجات أدبية وترجمية وإبداعية تساند أطروحتهم أم أن جعبتهم فارغة من المضمون وأنهم مجرد أميين غوغائيين متطفلين على الأمازيغية بمنطق "حاميها حراميها" أو "حارسها قاتِلُها".
ففي الجزائر مثلا يتواصل منذ 1995 عقد ندوات علمية حول مسألة "كتابة الأمازيغية" ليس فقط حول الحرف بل أيضا حول مسائل أكثر تشعبا بكثير كالتهجئة الإملائية والنحو والاشتقاق وتوليد الكلمات وطرق تبسيط وتحسين الكتابة ...إلخ، وتنشر نتائجها في منشورات مفصلة. انظر مثلا حصيلة إحدى هذه الندوات الجزائرية في 2010 هنا: www.freemorocco.com/HCA-2010.pdf
إنها مسيرة متواصلة وليست قرارا وراء الأبواب المغلقة. وخلالها يتم وضع النقاش حول الحرف والكتابة في إطاره الأكاديمي الصحيح. الخلافات بين الأكاديميين، إن وُجِدَت، تحَلُّ بالتباحث والمنهج العلمي والتجريبي والتحليلي وليس بالتصويت الحزبوي.
وبما أن حسم حرف الأمازيغية بالتصويت في بضع دقائق شيء مشروع ولا غبار عليه كما يزعمون، ماذا كان سيقول أهل الإيركام للمغاربة لو أسفر التصويت عن فوز الحرف العربي مثلا؟ هل كانوا سيقولون حينئذ أن "الحرف العربي عريق ورائع وجميل يحبه الأطفال ومنقوش على المساجد، والأمازيغية ينتظرها مستقبل زاهر، ويجب القبول بالإجماع الوطني والالتفاف حوله..." على منوال ما يقال الآن حول تيفيناغ؟
5) لا "إجماع" بين الأميين حول كيفية كتابة الأمازيغية:
لا معنى لتطبيق مفهوم "الإجماع الوطني" (سواء كان حزبيا أو شعبيا) في موضوع كيفية كتابة وتدريس الأمازيغية، لأن معظم أعضاء وزعماء الأحزاب وأعضاء البرلمان والحكومة وأفراد الشعب عموما أميون كتابيا في الأمازيغية لا يقرأونها ولا يكتبونها (بصرف النظر عن موقفهم منها). وبالتالي فآراؤهم في مسألة الحرف والكتابة لا قيمة لها. وإنما من يحق لهم التدخل في موضوع الحرف هم المتخصصون في اللسانيات الأمازيغية أولا (من كل الجامعات المغربية وليس فقط من الإيركام) ومن يقرأون ويكتبون الأمازيغية ثانيا (كتابةً حقيقيةً وليس كتابة بضع كلمات مثل Azul أو Tanemmirt).
"الإجماع الوطني" حول الحرف يكون بين المتخصصين والممارسين لعملية الكتابة الحقيقية بالأمازيغية، وليس بين خصوم الأمازيغية والأميين فيها. مسألة الحرف ليست قضية تصويت ديموقراطي ولا قضية أقلية وأغلبية، وإنما هي قضية من يعرف ومن يكتب ومن يقرأ.
وأظننا نتذكر استطلاع هسبريس لقرائها حول الحرف المفضل لديهم لكتابة الأمازيغية وكيف أن الحرف العربي جاء في المقدمة متبوعا بتيفيناغ ثم باللاتيني. وهذا ناتج عن العقلية الشعبية السائدة لدى الأميين في الأمازيغية وهي عقلية محافِظة متوجسة من الحرف اللاتيني حيث تربطه ب"المؤامرة الصهيونية الفرنكوفونية". ونفس أصحاب هذه العقلية يحرصون كل الحرص على تدريس الفرنسية والإنجليزية لأولادهم بنفس ذلك الحرف اللاتيني الشيطاني الشرير الذي تجب "حماية" الأمازيغية منه! واش فهمتو شي حاجة؟!
إذن فالأميون في كتابة الأمازيغية (ولو كانوا ناطقين بها) وأصحاب المواقف العاطفية والدينية والمصالح السياسية والحسابات الأمنية لا يحق لهم تحديد كيفية كتابة اللغة الأمازيغية وتدريسها. من لا يعرف كتابة وقراءة النصوص الأمازيغية لن يعرف أبدا الحرف الأنفع لها.
6) كتابة الأمازيغية بالحرف اللاتيني ليست "خيارا فرنكوفونيا" بل هو خيار يهدد الفرنكوفونية:
تصور أنك تاجر ناجح تبيع نوعا ممتازا من السبرديلات الرياضية الأمريكية بثمن مرتفع وكميات كبيرة وأن تلك السبرديلات تلقى إقبالا واسعا من طرف الزبناء. وتصور أنه جاء تاجر آخر ليفتح متجرا مقابلا لك على نفس الشارع. هل ستتمنى أن يبيع ذلك التاجر نفس تلك السبرديلات الممتازة التي يعشقها الزبناء؟ أم أنك ستتمنى لو أن ذلك "المنافس المحتمَل" لن يبيع ذلك النوع من السبرديلات وأنه سيقرر بدل ذلك أن يبيع الدلاح أو البلغة التقليدية أو عجلات الشاحنات؟ من المؤكد أنك لن تفرح كثيرا بوجود أية منافسة لك في بضاعتك الناجحة.
هذه هي حال الفرنسية في المغرب. الحرف اللاتيني بضاعة تلقى إقبالا واسعا من طرف المغاربة وتحتكره الفرنسية في "سوق الغفلة" المغربي للغات. وبفضل احتكار الفرنسية للحرف اللاتيني فهي تجني من ذلك أرباحا تتمثل في استمرار عناية الدولة بها واستهلاك المغاربة للبضائع الثقافية الفرنسية كالمطبوعات الأدبية والتعليمية والأفلام وغيرها. ومن بين تلك الأرباح التي تجنيها فرنسا أيضا: استهلاك المغاربة المتعلمين ل"النسخة الفرنسية" أو "الدبلجة الفرنسية" لكل منتوج أجنبي أمريكي أو ياباني أو أوروبي أو صيني له علاقة بالتكنولوجيا والعلوم والترفيه كالأفلام الأمريكية والرسوم المتحركة وبرامج الحاسوب والمطبوعات العلمية والأدبية ...إلخ. ومن أين تأتي "النسخة الفرنسية" لتلك المنتوجات العالمية؟ من فرنسا طبعا. وأين يذهب ثمن "النسخة الفرنسية" و"الطبعة الفرنسية" و"الترجمة الفرنسية" و"الدبلجة الفرنسية"؟ إلى جيوب الفرنسيين طبعا. ومن يستفيد من آلاف فرص الشغل المرتبطة بذلك كله؟ الفرنسيون. ومن يدفع المال لاستيراد تلك المنتوجات؟ الموزع المغربي والمستهلك المغربي. هذه إذن بعض ثمار الهيمنة الفرنكوفونية على المغرب، دون ذكر الهيمنة الفرنسية الماكرواقتصادية على المغرب الآتية من سيطرة اللغة الفرنسية على التعليم العالي المغربي العلمي والاقتصادي.
إن بقاء الفرنسية محتكِرةً للحرف اللاتيني في المغرب هو واحد من أركان بقائها وسيطرتها على المشهد الاقتصادي والتعليمي. وأكبر ضربة ستتلقاها الفرنسية في المغرب هي حينما تتم كتابة لغة وطنية مغربية بالحرف اللاتيني في المدارس والجامعات والإدارات. فتلك اللغة المغربية ستتفوق عاجلا أم آجلا على الفرنسية لأنها لغة الشعب، بينما الفرنسية لغة نخبوية في المغرب ذات وظائف محددة في التعليم العالي والاقتصاد والإدارة ولا يتكلمها الشعب في الحياة اليومية (باستثناء بعض التصنع السطحي). ولا تشكل الفرنسية وجدان الشعب المغربي رغم إقباله على استهلاك موادها في غياب البديل المحلي المحترم.
الأمازيغية المكتوبة بالحرف اللاتيني ستزاحم الفرنسية في كل مكان. في الإشهار، على لوحات الشوارع، في الإدارة، في السينما، في المدرسة، في الإعلام الشبابي والترفيهي...إلخ. والنتيجة الحتمية لهذه المزاحمة هي خروج الفرنسية من المغرب مدحورة مطرودة في ظرف عقد أو عقدين من الزمن، إذا تم تعميم الأمازيغية بالحرف اللاتيني على كل المدارس والجامعات والإدارات. والمنتجات الثقافية العالمية ستترجم إلى الأمازيغية بالحرف اللاتيني مما سيؤدي إلى استغناء المغاربة عن "النسخة الفرنسية" تدريجيا، لأن "النسخة المحلية" الأقرب إلى الشعب ستكون متوفرة.
أما إذا كتبت الأمازيغية بغير الحرف اللاتيني، فإن وضعية الفرنسية المسيطرة في المغرب ستستمر بشكل دائم، بسبب غياب البديل المنافس لها على نفس المستوى، أي بسبب غياب أية لغة محلية شعبية مكتوبة بالحرف اللاتيني بالذات. والدولة المغربية لا تريد استبدال الفرنسية بالإنجليزية (رغم مطالبة معظم المغاربة بذلك)، بل إن الدولة المغربية تعامل الإنجليزية كلغة "فوق الشبعة" أو ك"لغة سوبر أجنبية". بينما تعامل الدولة المغربية الفرنسيةَ كلغة مغربية رسمية وظيفية يستحيل التفكير في إزالتها واستبدالها بلغة أخرى. وهكذا ستستمر الفرنسية كلغة الإدارة والاقتصاد والتعليم والتكنولوجيا والرقي الاجتماعي عموما. أما الأمازيغية فستتقلد بتيفيناغ وظيفة الفولكلور بجانب وظيفة لغة رسمية شرفية من الدرجة الثالثة خلف العربية (الدرجة الثانية) والفرنسية (لغة رسمية مغربية من الدرجة الأولى). من أراد أن يعرف مستقبل الأمازيغية بتيفيناغ أو بالحرف العربي فلينظر إلى حالة العربية في المغرب الآن، علما أن العربية لغة رسمية للدولة المغربية بجانب الفرنسية منذ 1912.
ما سيزيح الهيمنة الفرنسية على المغرب هي لغة (أو لغات) وطنية مغربية مكتوبة بالحرف اللاتيني أو اللغة الإنجليزية، ولكن بما أن:
- الإنجليزية ممنوعة من المشاركة في السباق بالمغرب بسبب "الفيتو الفرنسي".
- العربية أُقصِيَت من السباق لأن التقليدانيين يرفضون إصلاح إملائيتها فضلا عن استحالة كتابتها بالحرف اللاتيني للأسباب الأيديولوجية المعروفة. (لا تَقَدُّمَ لمن ينادي)
- الدارجة أُقصِيَت من السباق لأن غالبية المغاربة المتعلمين الناطقين بها كلغة أمّ يرفضون بشراسة كتابتها وتدريسها، بل لا يعتبرونها لغة أصلا. (لا حياة لمن تنادي)
فإذن لم تبق إلا الأمازيغية كمنافس محلي وحيد للفرنسية في السباق النهائي على أرضية الملعب المغربي. والشرط الحاسم الضروري لكي تنتصر الأمازيغية على الفرنسية في هذا السباق هو تزويدها بالوقود اللاتيني الذي تشتغل به الفرنسية أيضا.
طبعا، يجب أن أوضح أن هدف الأمازيغية في الوجود ليس مزاحمة الفرنسية ولا الإنجليزية ولا البردقيزية. الأمازيغية هي فقط لغة تستحق العناية في وطنها في حد ذاتها ومن أجل رقي شعبها، وتستحق أن تعطى لها الأولوية لأنها اللغة الأصلية للمغرب. ولكن من يظن أن كتابة الأمازيغية بالحرف اللاتيني يصب في مصلحة الفرنسية أو أنه "خيار فرنكوفوني" أو "سياسة فرنكوفونية" فهو مخطئ تماما، لأنه يرى المسألة بشكل مقلوب تماما.
أما من يفهم فعلا مدى أهمية الحرف اللاتيني ويريد حرمان الأمازيغية منه وبالتالي حرمانها من التقدم السريع، فهو يلعب دور "مول السبرديلات" المعلوم الذي يتمنى مِن مُنافِسِه أن لا يستورد ذلك النوع الممتاز من السبرديلات. إذن فمن مصلحة الفرنسية والفرنكوفونيين في المغرب أن يتم حرمان الأمازيغية من الحرف اللاتيني، لأن كتابة وتعميم الأمازيغية بالحرف اللاتيني هو الخطر بعينه على الهيمنة الفرنكوفونية بالمغرب.
7) أفكار وخلاصات جوهرية:
- المتخصصون المستقلون في مجال الأمازيغية بالمغرب والجزائر يُجمعون قولا أو فعلا على ضرورة تدريس الأمازيغية بالحرف اللاتيني لضمان انتشارها وتطورها السريعين والشاملين.
- الأمي في كتابة الأمازيغية لا يحق له تحديد حرف تدريس الأمازيغية، لأن من لا يقرأ ولا يكتب الأمازيغية لن يعرف الحرف الأنفع لها.
- أي "إجماع وطني" (حزبي) حول تيفيناغ هو إجماع بين أميين لا يعرفون كتابة الأمازيغية ولا قراءتها.
- حزب العدالة والتنمية وحزب الاستقلال لم يوافقا على حرف تيفيناغ. وهذا ينسف "إجماعية" الإجماع الحزبي من الأساس، بالإضافة إلى فساد فكرة "الإجماع الحزبي حول الحرف بين الأميين" في حد ذاتها.
- الإجماع الأكاديمي الممؤسس الأول من نوعه بالمغرب حدث يوم 5 يوليوز 2002 حينما أجمع أعضاء لجنة تقنية في وزارة التربية الوطنية مكونة من متخصصين في الأمازيغية، من بينهم د. أحمد بوكوس عميد الإيركام حاليا، على تدريس الأمازيغية بالحرف اللاتيني.
- إجماع الحركة الأمازيغية المغربية يوم 5 أكتوبر 2002 في "بيان مكناس" كان حول تدريس الأمازيغية بالحرف اللاتيني.
- تصويت المجلس الإداري للإيركام في 31 يناير 2003 ب 38 صوتا لتيفيناغ و21 صوتا للحرف اللاتيني و5 أصوات للحرف العربي (في مجموع الجولتين) ليس "إجماعا" ولا منهجا أكاديميا بل هو تصفية سياسية لقضية أكاديمية تقنية بيداغوجية.
- استطلاع هسبريس الإلكتروني المشهور حول حرف الأمازيغية، الذي شارك فيه 94.000 شخص، أظهر أن 48% يساندون استعمال الحرف العربي، و41% يساندون تيفيناغ، و5% يساندون الحرف اللاتيني، و6% بدون رأي. وهذه النتيجة تؤكد انعدام "الإجماع الشعبي". والأهم هو أن الشعب المغربي الأمي في الأمازيغية غير مؤهل لأن يقرر في هذه المسألة الأكاديمية التقنية.
- الانتقال إلى تدريس الأمازيغية بالحرف اللاتيني ضروري لإخراجها من النفق المظلم.
- الانتقال إلى تدريس الأمازيغية باللاتيني هو شيء في المتناول تقنيا وبشريا، وكل الأساتذة المكوَّنين في الأمازيغية يتقنون كتابتها بالحرف اللاتيني أتوماتيكيا. والتكوينات التي أُنْجِزَت لن تذهب هدرا أبدا.
- يجب على المغرب إدخال مادة اللغة الأمازيغية في سنوات الباكالوريا والإعدادي من الموسم المقبل دون انتظار تغطية كل مدارس التعليم الابتدائي أولا والتي ستتطلب 20 أو 40 سنة.
- المغاربة يتعاملون بازدواجية مع الحرف اللاتيني. يتهافتون عليه حينما يكتب اللغات الأوروبية ويتوجسون منه حينما يكتب الأمازيغية.
- تدريس وتعميم الأمازيغية بالحرف اللاتيني هو أكبر خطر على الهيمنة الفرنكوفونية بالمغرب.
- من أراد أن يعرف مستقبل الأمازيغية بتيفيناغ أو بالحرف العربي فلينظر إلى حالة العربية في المغرب الآن.
[email protected]


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.