لقد انتهى على ما يبدو زمن المراسلات الشخصية التقليدية فأصبح الإقبال على الطوابع و البطاقات البريديةوالأظرفة و الأوراق المعدة لتحرير الرسائل جد ضعيف، و لسنا طبعا في حاجة إلى استئجار خدمات مكتب أجنبي للدراسات من أجل التأكد من هذا الواقع التواصلي الجديد. و قبل انتهاء هذا العهد كانت تقنية التلغراف قد دفنت إلى الأبد و نفس المصير طال حتى الوجود القانوني لمؤسسة وزارة البريد و الاتصالات السلكية و اللاسلكية التي بينت الأيام بأنها كيان تقني و تجاري محض و بالتالي من غير المعقول أن تستمر في الخضوع هي الأخرى للمزايدات السياسية الأمر الذي أدى إلى تحويلها إلى شركة وطنية، و هذا عين العقل. إننا نعيش اليوم عصر الهاتف بنوعيه الثابت و المحمول و عصر الإنترنت بكل ما يوفره من إمكانيات تواصلية في غاية السحر و الروعة هذا علما بأن البحث العلمي لم يتوقف و ليس هناك ما يؤشر على قرب توقفه و سنظل بين الفينة و الأخرى نسمع عن اختراع جديد ينسينا الاختراعات القديمة. ورغم كل التطورات المتسارعة التي تعرفها تكنولوجيا الاتصال فقد أبت مؤسسة "بريد المغرب" في الآونة الأخيرة إلا أن تجند مواردها البشرية و تعبئ جزءا معتبرا من ميزانيتها لحث المواطنين على ضرورة استعمال الرمز البريدي عند كل مراسلة. و قبل هذه الحملة و على مرحلتين اثنتين موزعتين على أكثر من عشر سنوات على ما أذكر كانت المؤسسة إياها قد فعلت الشيء نفسه حيث بذلت الغالي و النفيس من أجل إشاعة ثقافة الرمز البريدي و تكريسها بأذهان الناس لكن دون جدوى، إذ اتضح لها بأن هؤلاء غير مستعدين إطلاقا لتخصيص مكان بذاكرتهم لأرقام جديدة تضاف إلى الأرقام الكثيرة الأخرى التي يتمنون لو كان بوسعهم التخلص منها هي الأخرى أو من جزء منها على الأقل ، و باستثناء بعض المقاولات الكبرى و خاصة منها المؤسسات البنكية و المالية التي بادرت إلى تبني الفكرة منذ يوم إطلاقها فقد ظلت هذه الرموز عموما مجرد مشروع غير قابل للتنفيذ و من النادر أن تلتقي شخصا يحفظ الرمز الذي خصص لمنطقة إقامته عن ظهر قلب. و على الرغم من فشل الحملتين السابقتين فإن "بريد المغرب" لم يع الدرس جيدا فعاد بعد استراحة طويلة ليروج لنفس الشيء بنفس الطريقة و بنفس الوسائل و لكن ربما بإلحاح أكبر. ولعل ما زاد في تعقيد الأمور أن من كان وراء بلورة فكرة الرموز المعتمدة لم يجتهد بما يكفي لتبسيط فكرته وجعلها في متناول المتراسلين، فبدلا من الالتجاء إلى أرقام عشوائية خماسية كان عليه مثلا إعادة استعمال نفس الأرقام الإقليمية التي خصصت للوحات تسجيل السيارات مع إضافة رقمين فقط للإشارة إلى الأحياء والضواحي القريبة و البعيدة للمدن التي تحتضن مقرات الأقاليم و العمالات بما أن عددها لا يمكن أن يتجاوز 99 حيا و ضاحية. بهذه الطريقة سنضمن على الأقل ترسخ الرقم الأول أو الرقمين الأولين للرمز البريدي المعني بأذهان الناس في إقليم أو عمالة معينة ( من 1 إلى 73 مع توقع تمديد لائحة الأرقام المعتمدة بعد إحداث مجموعة من الأقاليم الجديدة) على أمل أن يبذل هؤلاء مجهودا بسيطا لحفظ الرقمين المتبقيين و اللذين يرمزان إلى الحي أو الضاحية ( 09 مثلا بالنسبة لحي النهضة ليصبح الرمز البريدي الكامل لهذا الجزء من الرباط هو 09-1 أو 00 بالنسبة لساحة محمد الخامس و المناطق الحضرية الواقعة بمحيطها المباشر ليصبح الرمز البريدي الكامل لقلب عمالة الدارالبيضاء- أنفا هو 00-6 أو 31 بالنسبة لمركز زاوية سيدي اسماعيل ليصبح الرمز البريدي الكامل لهذه البلدة التابعة لإقليمالجديدة هو31-55 ... هذا طبعا في حالة ما إذا كانت هناك رغبة من جانب المواطنين في تجاهل وسائل الاتصال الحديثة والعودة إلى تسويد الأوراق بما تعلموه من بيان و تعابير مع ما قد يتبع ذلك من بحث مضن أحيانا عن الأظرفة والطوابع و البطاقات البريدية و صندوق الرسائل المعدة للإرسال، أما إذا كان الهدف الرئيسي من اعتماد هذه الرموز هو التعجيل بوصول بعض المراسلات ذات الطابع التجاري من قبيل فواتير "اتصالات المغرب" أو كشوفات الحسابات البنكية إلى وجهتها فلا أظن بأن هذا مبرر كاف للترويج لها وتبنيها. أخيرا، و على افتراض أن مؤسسة "بريد المغرب" جادة في حملتها التحسيسية هاته، لماذا لا يعيد أعوانها المراسلات الخالية من الرموز البريدية إلى مرسليها لتذكيرهم بالطابع الإلزامي لهذا الإجراء التدبيري "الهام" ؟ و إذا كانت الجدية غائبة في هذه الحملة فما الداعي إلى التمادي في احتضان فكرة استيعابها أو تجاهلها سيان ؟