بوريطة ولافروف يوقعان مذكرة تفاهم لتعزيز الشراكة الاستراتيجية بين المغرب وروسيا    قمة "إفريقيا الزرقاء": إعلان طنجة يدعو إلى إحداث منصة إفريقية-أوربية للابتكار والتمويل    مرصد التربية الدامجة ينتقد "مغالطات وتناقضات" وزير التعليم حول تمدرس الأطفال في وضعية إعاقة    توقيف متورط في سرقة مفضية للموت    تهم اقليم الحسيمة ومناطق اخرى .. نشرة انذارية تحذر من امطار رعدية قوية    محمد سلطانة يتألق في إخراج مسرحية والو دي رخاوي    عاصمة البوغاز على موعد مع الدورة أل 25 من المهرجان الوطني للفيلم    أبناء الرماد    تركي آل شيخ: "الرياضة المغربية دائما ترفع رؤوس العرب عاليا".    مؤشر ثقة الأسر يتحسن في المغرب    بعد غلاء غير مسبوق .. مؤشرات إيجابية تسجل في أسعار زيت الزيتون    لوكورنو ينجو من تصويت بحجب الثقة    "جنان الجامع" يحترق في تارودانت    قطاع غزة يتسلم جثامين من إسرائيل    منتخب U20 يخرج المغاربة للاحتفال    سفارة باريس بالرباط تهنئ المغاربة    توقعات أحوال الطقس غدا الجمعة    توقعات بإنتاج 310 آلاف طن من التفاح بجهة درعة-تافيلالت خلال 2025    كأس السوبر الإفريقي.. نهضة بركان يحدوها الطموح في التتويج بالكأس وتحقيق "ثلاثية تاريخية" (لاعب الفريق حمزة الموساوي)    إسطنبول… حجيرة يؤكد انخراط المملكة في شراكة هيكلية بين إفريقيا وتركيا تقوم على التضامن والتنمية المشتركة    "الزمن المنفلت: محاولة القبض على الجمال في عالم متحوّل"    مواقع التواصل الاجتماعي تفسد أدمغة الأطفال وتضر بشكل خاص بذاكرتهم ومفرداتهم اللغوية    دراسة: مواقع التواصل الاجتماعي تفسد أدمغة الأطفال وتضر بشكل خاص بذاكرتهم ومفرداتهم اللغوية    نتانياهو: "المعركة لم تنته" في غزة والمنطقة    إجراءات ‬جديدة ‬لتسهيل ‬دخول ‬المغاربة ‬إلى ‬مصر ‬دون ‬تأشيرة    الرباط تحتفي بوقف العدوان الإسرائيلي على غزة وتجدد المطالب بإسقاط التطبيع    نقابيو وكالة التنمية الاجتماعية يستنكرون تعطيل الحوار وتهميش المؤسسة    رفع التصنيف السيادي للمغرب محطة مفصلية للاقتصاد الوطني    مجموعة "سافران" الفرنسية تثمن بيئة الاستثمار في المغرب وتوسع أنشطتها بالنواصر    وهبي مدرب "أشبال الأطلس": الهدف هو العودة من الشيلي بكأس العالم إلى أرض الوطن    عبد الله البقالي يكتب حديث اليوم    بورصة الدار البيضاء تستهل تداولاتها على وقع الأخضر    في ‬تقرير ‬رسمي ‬للمندوبية ‬السامية ‬للتخطيط    كيوسك الخميس | أزيد من 36 ألف شاب مستفيد من دعم السكن    في ‬أضواء ‬الخطاب ‬الملكي:‬ مواكبة ‬التوجه ‬الاستراتيجي‮ ‬ ‬للمغرب ‬الصاعد    إنجاز غير مسبوق للمغرب بعد تجاوزه فرنسا في نصف النهائي    زلزال بقوة 6,6 درجات يضرب إندونيسيا    الأمم المتحدة.. المغرب يجدد تأكيد دعمه "الثابت والدائم" لسيادة الإمارات العربية المتحدة على جزر طنب الكبرى وطنب الصغرى وأبو موسى    هلال أمام الأمم المتحدة: بعد 50 عاما على استرجاعها، الصحراء المغربية أضحت واحة سلام وقطبا للاندماج الإفريقي والتنمية المشتركة    ولد الرشيد ونغامانا يوقعان إعلانا يؤكد أن مبادرة الحكم الذاتي الحل الوحيد لتسوية النزاع المفتعل حول الصحراء المغربية    عمال شركة أوزون بالفقيه بن صالح يعلنون عن وقفة احتجاجية بسبب تأخر الأجور    هلال: الصحراء المغربية قطب للتنمية .. وركيزة للأمن والاستقرار في إفريقيا    "إيزي جيت" تراهن على المغرب بإفتتاح أول قاعدة لها في إفريقيا بمطار مراكش عام 2026    "الأشبال" أمام الأرجنتين بنهائي المونديال    كنز منسي للأدب المغربي.. المريني تكشف ديوانا مجهولا للمؤرخ الناصري    ريتشارد ديوك بوكان.. رجل ترامب في الرباط بين مكافأة الولاء وتحديات الدبلوماسية    تركي آل الشيخ يهنئ الملك محمد السادس والشعب المغربي بتأهل أشبال الأطلس إلى نهائي كأس العالم    قصص عالمية في مهرجان الدوحة    الدين بين دوغمائية الأولين وتحريفات التابعين ..    هل يمكن للآلة أن تصبح مؤرخا بديلا عن الإنسان ؟    414 مليار درهم قيمة 250 مشروعا صادقت عليها اللجنة الوطنية للاستثمار    ممارسة التمارين الرياضية الخفيفة بشكل يومي مفيدة لصحة القلب (دراسة)    "الصحة العالمية": الاضطرابات العصبية تتسبب في 11 مليون وفاة سنويا حول العالم    العِبرة من مِحن خير أمة..    حفظ الله غزة وأهلها    الأوقاف تعلن موضوع خطبة الجمعة    رواد مسجد أنس ابن مالك يستقبلون الامام الجديد، غير متناسين الامام السابق عبد الله المجريسي    الجالية المسلمة بمليلية تكرم الإمام عبد السلام أردوم تقديرا لمسيرته الدعوية    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



مسحراتي شبه منقرض
نشر في هسبريس يوم 11 - 07 - 2015

رغم التطور التكنولوجي الذي تعرفه البشرية والتقدم في الزمن، ورغم الغزو المعلوماتي لحيواتنا، إلا أنه لا يزال موجودا بيننا كما في العصور الغابرة، يقوم بواجبه الإنساني على أحسن وجه مقابل حفنة من القمح أو الشعير، أو بعض الهدايا والحلويات والمال كجزاء صبيحة يوم عيد الفطر، بالرغم من التقدم الذي عرفته الإنسانية، وبالرغم من استغنائنا عنه في المدن على وجه التحديد جراء الانفجار التكنولوجي، كما أن البوادي والقرى أهملت هي الأخرى هذا الموروث الثقافي والشعبي المرتبط بها ارتباطا وثيقا لصالح التطور التكنولوجي.
يعتمد في مهمته على عصا خاصة يدق بها على طبلته التي يحملها بحبل في رقبته فتتدلى إلى صدره، أو يحملها بيديه من أجل إيقاظ الناس النيام للسحور في شهر رمضان الفضيل، وغالبا ما يكون النداء مصحوبا ببعض الأناشيد الدينية والأمداح النبوية وبعض التهليلات التي تختلف باختلاف المنطقة واللغة المتداولة كذلك، يجول الأزقة والشوارع المتربة قصد القيام بمهمته التي اضطلع بها منذ زمن، سواء في فصل الشتاء أم في الربيع أم في الخريف أم في الصيف، إذ الفصول عنده سيّان، وكثيرا ما كنا نفرح ونحن صغار حينما نرمقه أو نسمعه مارا قرب منزلنا وهو يدق على طبلته المصنوعة من الجلد، وقد يجرؤ في بعض الأحيان على طرق باب بعض الأسر التي له بها علاقة متينة بغية إيقاظها، ومن الأسر من تقدم له بعضا من "بوشيار" كطعام للسحور، على اعتبار أن شريحة واسعة من سكان المنطقة يعد "بوشيار" المدهون بالزبدة والعسل والشاي الساخن وجبتهم اللذيذة والمفضلة لتناولها في السحور، لاسيما في الليالي الباردة في فصل الشتاء.
بتونفيت التابعة إداريا لإقليم ميدلت، والمنتمية جغرافيا لسلسلة جبال الأطلس الكبير الشرقي، نجد "المسحراتي" أو صاحب الطبلة يجوب ساعتين تقريبا حيا من أحياء "تامازيرت" من أجل إيقاظ الساكنة لتناول السحور قبل أن يعلن المؤذن عن موعد الإمساك عن شهوتي البطن والفرج، وغالبا ما يكون هناك أكثر من "مسحراتي" واحد، إذ لكل حارة بمنطقة تونفيت صاحب طبلة معروف ومألوف لدى الناس المسمى في حيّنا نحن ب "أوداني موحى".
ذلك الرجل الستيني، ذو الجسم النحيف والقامة القصيرة والبشرة الداكنة الذي يكاد لا يفارق المسجد الكائن قرب المقبرة كلما حان أوان الصلاة، اعتاد على هذا التقليد منذ مدة، وألفه الكبار قبل الصغار، واعتادت على دقات طبلته النساء كذلك بشهادة الكثيرين من المعمرين، يؤكد أنه منذ ريعان شبابه وهو يمارس هذا التقليد المرتبط بشهر رمضان الأبرك، رغم أنه يصادف صعوبات في فصل الشتاء كلما كانت الثلوج تتساقط بغزارة، وكلما كانت درجة الحرارة منخفضة لما دون الصفر، خصوصا وأن الليالي هي مرتع نشاطه، لأن المنطقة معروفة بتضاريسها الوعرة ومناخها البارد وموقعها الجبلي، إذاك يصعب عليه أن يمر من كل تلك المواقع التي ألف الجولان بها حينما يكون الجو حارا في فصل الصيف، كما هو الحال في اليوم الذي أتبادل معك فيه أطراف الحديث، هكذا يصف "عمي موحى" ليالي رمضان في فصل الشتاء القارس وهو يجول زقاق المنطقة أملا في إيقاظ الناس.
بالإضافة إلى العوائق الطبيعية والمناخية التي تحول دون تمكن "المسحراتي" من القيام بمهمته على أكمل وجه، نجد تزود السكان بالكهرباء الذي دخل بيوتهم كالصاعقة، وأيضا وفرة الساعات اليدوية والهواتف الذكية والحواسيب المحمولة والثابتة المجهزة بأحدث التكنولوجيا المعتمد عليها للقيام للسحور كساعة المنبه دون مسيس الحاجة إلى صاحب الطبلة الذي يعتبره البعض اليوم، ممن يسمون أنفسهم حداثيين نتيجة محاربتهم الأمية في يوم من الأيام، مصدر ضجيج وصخب، ويتوجس شرا كلما مر بالقرب من مسكنه، لأن الساعة في نظر هؤلاء سدّت مسد "المسحراتي" الذي أكل عليه الدهر وشرب، ولم يعودوا في حاجة لخدماته شبه المجانية، دون أن ننسى أن سهر الشباب ليلا في المقاهي رفقة حواسيبهم المزودة بالأنترنيت، يجعل الأسر تستغني عن خدمات صاحب الطبلة الذي كان سابقا المعول الوحيد عليه في نهوض للسحور، لأن فردا من كل أسرة لا يزال خارج البيت خصوصا في فصل الصيف، لهذا فهو من يتكفل بمهمة إيقاظ والدته كلما قصد منزل أبويه ساعتين قبل أذان الفجر.
عموما، فالمسحراتي ورمضان وجهان لعملة واحدة، إذ لا يمكن أن نفصل أحدهما عن الآخر، وإلا سيفقد رمضان حلاوته وطعمه وخيره وبركته كما هو الشأن في المدن الميتروبولية التي لا يعرف المسحراتي إليها سبيلا. وعليه، فصاحب الطبلة صورة لا يكتمل رمضان بدونها، لأنه يرتبط ارتباطا وثيقا بوجداننا الرمضاني وثقافتنا الشعبية وتقاليدنا القديمة قدم الإنسان. وبالرغم من تقدم البشرية، ينبغي الاهتمام بمثل هذا الموروث الثقافي حتى لا يتوارى عن مدارك الأجيال اللاحقة، ويجب القيام بدراسات ومقاربات سوسيولوجيا على شكل مقالات وبحوث جامعية وأكاديمية لمثل هذه الحرف والمهن التقليدية التي تدق ناقوس الخطر واللامبالاة باستمرار، من أجل نفض الغبار عنها حتى لا تبقى حبيسة الذاكرة الفردية والجماعية لجيل دون آخر.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.