جماهير نهضة بركان ترحب باتحاد الجزائر بمطار وجدة    فيديو.. زياش يواصل تألقه ويقود غلطة سراي للفوز في الدوري التركي    أكبر صيد أمني منذ عشر سنوات.. 25 طنا من الحشيش المغربي تدخل أوروبا    "طوطو" يشرب الخمر أمام الجمهور في سهرة غنائية    كورونا يظهر مجدداً في جهة الشرق.. هذا عدد الاصابات لهذا الأسبوع    رئيس اتحاد العاصمة صدم الكابرانات: المغاربة استقبلونا مزيان وكنشكروهم وغانلعبو الماتش مع بركان    البطولة الوطنية الاحترافية "إنوي" للقسم الأول (الدورة ال27).. الشباب السالمي يتعادل مع ضيفه مولودية وجدة 0-0    المغرب – فرنسا: فتاح تدعو إلى أشكال تعاون جديدة تستشرف المستقبل    ابتداء من الليلة.. أمطار ورياح قوية بهذه المناطق من المملكة    توقيف شخص بطنجة لتورطه في استعمال معدات إلكترونية لتحويل المكالمات الهاتفية الدولية إلى محلية    خلافات حول "الرئاسة" توقف أشغال مؤتمر حزب الاستقلال    بركة: مرتاحون داخل التحالف الحكومي ونعتز بحصيلة الوزراء الاستقلاليين    أنشيلوتي يدعم استمرار تشافي مع برشلونة    السعودية تحذر من حملات الحج الوهمية عبر مواقع التواصل الاجتماعي    عاجل... توقف أشغال مؤتمر حزب الاستقلال بسبب خلاف حول رئيس المؤتمر    الملك محمد السادس يعود لأرض الوطن بعد زيارة خاصة لفرنسا    في ظل الوضع المائي المقلق ببلادنا.. حملة تحسيسية واسعة للتوعية بضرورة الحفاظ على الماء    تفريغ 84 طنا من منتجات الصيد البحري بميناء مرتيل خلال الأشهر الثلاثة الأولى لسنة 2024    تتويج 9 صحفيين في النسخة الثامنة للجائزة الكبرى للصحافة الفلاحية والقروية    الأمثال العامية بتطوان... (583)    المغرب يعتزم بناء مزرعة رياح بقدرة 400 ميغاوات بجهة الشمال    بركة: مناورات الجزائر لإحداث تكتل جديد دون المغرب خيانة للشعوب المغاربية    قميص بركان يهزم الجزائر في الإستئناف    عطلة مدرسية.. الشركة الوطنية للطرق السيارة تحذر السائقين    للجمعة 29.. آلاف المغاربة يجددون المطالبة بوقف الحرب على غزة    بيدرو روشا رئيساً للاتحاد الإسباني لكرة القدم    مندوبية السجون تغلق "سات فيلاج" بطنجة    مكتب الوداد يعلن عن تعيينات جديدة    مقتل 51 شخصا في قطاع غزة خلال 24 ساعة    مصرع 10 أشخاص في حريق بفندق برازيلي    الأميرة للا مريم تترأس اجتماعا بالرباط    اليوم العاشر بجامعات أمريكية.. تضامن مع فلسطين والشرطة تقمع    هل ستعتمدها مديرية الناظور؟.. مذكرة تمنع تناول "المسكة" في المدارس    دراسة: التمارين منخفضة إلى متوسطة الشدة تحارب الاكتئاب    الأمير مولاي رشيد يترأس بمكناس مأدبة عشاء أقامها جلالة الملك على شرف المدعوين والمشاركين في المعرض الدولي للفلاحة بالمغرب    مكناس : المعرض الدولي للفلاحة في نسخته 16يفتح أبوابه في وجه العموم    طلبة الطب يعلقون كل الخطوات الاحتجاجية تفاعلا مع دعوات الحوار    الصين تؤكد التزامها لصالح علاقات مستقرة ومستدامة مع الولايات المتحدة    بوطازوت تفتتح فعاليات الدورة الخامسة لمهرجان الشرق للضحك    بايتاس : الحكومة لا تعتزم الزيادة في أسعار قنينات الغاز في الوقت الراهن    الشرقاوي يسلط الضوءَ على جوانب الاختلاف والتفرد في جلسات الحصيلة المرحلية    سعر الذهب يتجه نحو تسجيل أول خسارة أسبوعية في 6 أسابيع    تطوان .. احتفالية خاصة تخليدا لشهر التراث 2024    "شيخ الخمارين ..الروبيو ، نديم شكري" كتاب جديد لأسامة العوامي التيوى        العرائش : انطلاق أشغال مشروع تهيئة الغابة الحضرية "ليبيكا"    احتجاجا على حرب غزة.. استقالة مسؤولة بالخارجية الأمريكية    محمد عشاتي: سيرة فنان مغربي نسج لوحات مفعمة بالحلم وعطر الطفولة..    بروفيسور عبد العزيز عيشان ل"رسالة24″: هناك علاج المناعي يخلص المريض من حساسية الربيع نهائيا    السعودية قد تمثل للمرة الأولى في مسابقة ملكة جمال الكون    مؤسسة (البيت العربي) بإسبانيا تفوز بجائزة الشيخ زايد للكتاب في دورتها ال18    عرض فيلم "أفضل" بالمعهد الفرنسي بتطوان    الأمثال العامية بتطوان... (582)    خبراء ومختصون يكشفون تفاصيل استراتيجية مواجهة المغرب للحصبة ولمنع ظهور أمراض أخرى    جراحون أميركيون يزرعون للمرة الثانية كلية خنزير لمريض حي    لأول مرة في التاريخ سيرى ساكنة الناظور ومليلية هذا الحدث أوضح من العالم    في شأن الجدل القائم حول مدونة الأسرة بالمغرب: الجزء الأول    "نسب الطفل بين أسباب التخلي وهشاشة التبني"    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



ما هي علاقة لغة الإسلام بقلة كتابة الأمازيغ بالأمازيغية؟
نشر في هسبريس يوم 17 - 08 - 2015

يتساءل المغاربة: لماذا لم تتطور الأمازيغية كلغة أدبية مكتوبة واسعة النطاق خلال ال1000 سنة التي مضت رغم قِدَمِها وتجذرها العميق في شمال أفريقيا وشساعة المساحة التي تنتشر عليها ووزنها الديموغرافي الكبير؟ لماذا لم يكتب الأمازيغ بلغتهم إلا قليلا وكتبوا غالبا بلغات غيرهم وخصوصا بالعربية في العصر الإسلامي؟
الجواب المختصر المفيد يمكن تلخيصه في سببين:
- لأن الأمازيغ لم يطوروا دينا توحيديا "كتابيا" خاصا بهم (بكتاب مقدس أمازيغي مثلا). وإذا كانت هناك محاولات كالمحاولة البرغواطية فهي لم تنجح مثلها مثل مئات المحاولات التي عرفها العالم.
- لأن الإسلام الذي نُشِرَ في أوساط الأمازيغ له لغة رسمية مقدسة وحيدة لا شريكة لها وهي العربية.
وسبب هذا "التفسير الديني" هو أنه نجد أن الكتابة في القديم كانت غالبا إما لأغراض دينية صرفة أو لأغراض سياسية – دينية. الإمبراطوريات تتأسس غالبا على شرعية دينية أو على شرعية قبلية/سياسية – دينية/أخلاقية. واللغة المكتوبة/المنقوشة استعمِلَت كأداة للتعبير عن هذه الشرعية الدينية - السياسية.
وبالنسبة لعصر ما قبل الإسلام فالأمازيغ برهنوا عبر النقوش عن وعيهم بالأمازيغية كلغة كتابة، بما لا يدع مجالا للشك. فمن ينقش على المعابد والقبور سيكتب حتما على الجلد أو الورق إذا توفرت الوسائل والحاجة.
بما أن الأمازيغ القدامى (نوميديا، مملكة موريطانيا، ليبيا، تونس، الطوارق...) قد كتبوا ونقشوا على قبورهم وضرائحهم ومعابدهم بالأمازيغية، كما نعلم جميعا، فما الذي منعهم فجأة من الكتابة والنقش بالأمازيغية على مساجدهم وقبورهم في عهد الإمبراطوريات الأمازيغية الإسلامية؟ لابد أنه سبب قوي ومقنع وموضوعي لا علاقة له باحتقار الذات ولا باحتقار اللغة الوطنية (الأمازيغية). وهذا السبب الموضوعي ليس سوى قدسية اللغة العربية في الدين الإسلامي الذي انتشر فيهم. قدسية العربية في الإسلام لا تدع مجالا لأية لغة مكتوبة أخرى في المساجد ولا في القصور ولا على شواهد القبور ولا في المخطوطات الدينية ولا في "المسيد".
1) لماذا لم يُطَوِّر الأمازيغ دينا توحيديا "كتابيا" ناجحا خاصا بهم؟
ربما لنفس السبب المجهول الذي يفسر عدم تطوير الرومان والإغريق والإنجليز والألمان والإسبان والإيطاليين والإسكندينافيين والروس لأديان توحيدية محلية ناجحة خاصة بهم وذات "كتاب مقدس" على المنوال الهندوسي الزرادشتي اليهودي المسيحي الإسلامي البهائي. فكما أن الإسلام جاء إلى بلاد الأمازيغ من مكان في قارة آسيا فكذلك المسيحية السائدة في أوروبا جاءت أيضا من مكان في قارة آسيا.
ورغم أن الإمبراطورية الرومانية و"أمّها" الحضارة الإغريقية كانتا الأكثر تقدما بلا منازع من بين كل حضارات العالم في عصرهما فلم تطورا أي دين توحيدي كتابي خاص بهما. وبقي الرومان والإغريق متعددي الآلهة والأديان والعقائد إلى أن انتشرت المسيحية فيهم. وكذلك بقي الأمازيغ متعددي الآلهة والأديان والعقائد إلى أن انتشرت المسيحية فيهم. ثم انتشر الإسلام فيهم على مدى قرون من حكم الإمبراطوريات الأمازيغية الإسلامية. وكما نشر الرومان المسيحية في بقية أوروبا فكذلك نشر الأمازيغ الإسلام في بقية أفريقيا.
مثل الرومان والإغريق بالضبط، اقتصر الأمازيغ القدامى على تطوير أديان متعددة الآلهة أو أديان لا تحرم تعدد الآلهة أو لا تكترث لتعدد الآلهة. ورغم أن الكتابة كانت موجودة لدى الأمازيغ والأوروبيين فلم يطوروا على الأرجح أية أديان متمحورة حول "كتاب مقدس مركزي"، واقتصروا ربما على الرمزيات البصرية والمنقوشات والأصنام والتماثيل وربما "الكلام المقدس" كالتعاويذ والأناشيد الدينية ونحو ذلك. وتوجد في الكتابات التاريخية روايات متواترة عديدة حول آلهة الأمازيغ القديمة مثل Amun وGurzil وAyyur وAntaeus وTinjis وكيف أن الأمازيغ كانوا يصورونها على هيئة بشر وحيوانات كالثور والطيور ونحو ذلك، ويأخذونها إلى الحروب والاحتفالات.
وفي الأمازيغية المزابية في غرداية بوسط صحراء الجزائر يُستعمل لحد الآن اسمان أمازيغيان قديمان ل"الإله" أو "الله" وهما Yuc (يوش) و Ayuc (ايوش). كما أن اسمين أمازيغيين قديمين آخرين ل"الإله" أو "الله" هما Akuc (اكوش) و Yakuc (ياكوش) ذكرهما مؤرخون مثل ابن خلدون والبكري، وكانا مستعملين لدى مملكة برغواطة / تامسنا والمرابطين، وهما مذكوران أيضا في المخطوطات الأمازيغية من المذهب الإباضي. وكما أن "الله" في الإنجليزية هو God وفي الفرنسية هو Dieu وفي اللاتينية هو Deo وفي الإغريقية هو Theos فهو في الأمازيغية Yakuc و Yuc و Akuc و Ayuc.
واستعمل أمازيغ منطقة Gurara بالجزائر مصطلح Maziɣ (مازيغ) للدلالة على "الرب / الإله السيد". ويستعمل الطوارق في مالي والنيجر لحد الآن مصطلح Mass-ineɣ (ماسّ ينغ) ومعناه "سيدنا / ربنا / إلهنا". [راجع كتاب Lexique religieux berbère للباحث Kamal Naït-Zerrad].
وتم مؤخرا اكتشاف مخطوط أمازيغي اللغة في تونس اسمه "كتاب البربرية"، يقع في 900 صفحة يرجع إلى القرن 9 ميلادي، وفيه يظهر أن الأمازيغ المسلمين القدامى من المذهب الإباضي (المتفرع أو المرتبط بشكل ما بالمذهب الخوارجي) استخدموا المصطلح الأمازيغي Ababay للدلالة على "الله / الإله الأب" وقد يكون من بقايا المسيحية في العالم الأمازيغي.
وهناك العشرات وربما المئات من النعوت والألقاب التي أطلقها الأمازيغ في مختلف لهجات اللغة الأمازيغية الشمالية والطوارقية على "الله" أو "الإله الواحد" ومنها مثلا: Agellid ameqqṛan (المَلِك الأكبر)، Baba-tna n ujenna (أبونا السماوي)، Bab n igenwan (صاحب السماوات)، Bab n tezmert (صاحب القدرة)، Aneddabu (القدير)، Amusen (العليم)، Amuder (الحي)، Ameɣlul (الخالد)، Asenneflay (الرازق)، Amagdaz (الغني)، Amettwagḍay (المشكور، المعبود)، Wa haneɣ ilan (هذا الذي يَمْلِكُنا)، Wad nnig-ax (هذا الذي فوقنا)، Ameddenkey (الجبار) ...إلخ. [راجع نفس المرجع السابق].
كما أن لهجات اللغة الأمازيغية الشعبية تحتوي على العديد من أسماء الكائنات الميتافيزيقية الأخرى كالجن والعفاريت والملائكة والغيلان، حيث نجد مثلا الكلمات Aherkeṭṭos (أهركطّوس) وAmenḍer (أمنضر) وAzɣuɣ (أزغوغ) وتعني كلها "الجني/العفريت". ونجد كلمة irraɣ (ئرّاغ) وتعني "مَلَك الموت/عزرائيل". ونجد At wadday (معناها الحرفي: بنو الأسفل، سكان الأسفل) وتعني "الجن/العفاريت". ونجد Aneglus وAnejlus وتعنيان "المَلَاك". ونجد Amẓiw (الغول)، وTamẓa (الغولة). ونجد Abayetrur (طائر الرخ الأسطوري). وهناك Awṣaḍ (التنين، الثعبان الأسطوري).
وتوجد في الأمازيغية أيضا العديد من المفاهيم الدينية والروحانية مثل: Taflest (الإيمان)، Tamayt (الحمد)، Azegẓan وAzziḍer (الإسلام، الانقياد)، Agoḍa وAsumed (العبادة)، Amud (العيد)، Adriz (الاحتفال)، Adamum وAdekkur (الصنم، الوثن)، Umlan (الوحي، الإلهام)، irgis وirɣis وahas (الجحيم)، Ajmaḍ (الضلال)، Tanara (الهدى، الهداية)، Amnir (المهدي)، Amessanar (الهادي)، Aluyeɣ وAmendu (الفَناء)، Aɣalal (الخلود).
2) لغة الإسلام الرسمية المقدسة الوحيدة هي العربية، ولا شريكة لها:
في الإسلام لا مكان لأية لغة أخرى غير العربية. من بين الأركان التعبدية الخمسة للإسلام لا تصح ثلاثة أركان (الشهادتان، الصلاة، الحج) إلا بترديد كلمات اللغة العربية. والركنان الآخران (الصوم والزكاة) ركنان فعليان لا ينجزان بالكلام وإنما بالفعل، أي بالكف عن الأكل (الصوم) ودفع الضريبة للحاكم (الزكاة).
الإسلام دين يستخدم في خطابه لغة مقدسة هي العربية، حيث يؤمن فقهاء الإسلام أن جزءا من معجزة القرآن "لغوي وبياني" أي متعلق بلغته العربية خصوصا مع وجود القافية أو السجعة أو ما يسميه الفقهاء ب"الفاصلة". فحينما يترجَم القرآن إلى لغة أخرى تختفي القافية والسجعة ويصبح نصا كالإنجيل أو التوراة مثلا وهما لا يحتويان على القوافي. لذلك يمكننا أن نستنتج منطقيا أحد الأسباب المحتملة لتحريم كثير من الفقهاءِ ترجمةَ القرآن إلى لغات أخرى طيلة عمر الإسلام. ولم يُرفع هذا التحريم إلا في العصر الحديث. أما الأوروبيون الذين ترجموا القرآن إلى لغاتهم منذ القرن 12 الميلادي من أجل دراسته وتحليله فقد فعلوا ذلك بدون إذن شيوخ الإسلام طبعا.
وبما أن لغة الإسلام الرسمية المقدسة الوحيدة هي العربية فمن الطبيعي جدا أن كل المناقشات والكتابات والتفسيرات والمؤلفات الفقهية الإسلامية ستدوَّن بنفس تلك اللغة العربية المقدسة، حتى في البلدان غير الناطقة بالعربية. والأعاجم من أمازيغ وفرس وكرد وترك وسريان وأقباط وأندلسيين كتبوا غالبا بالعربية فقط في مجالات الفقه والتفسير والعقائد الإسلامية. وامتد الأمر لاحقا إلى أن هؤلاء الأعاجم بدأوا يتفننون في الإبداع بالعربية في الشعر والأدب وطوروا العربية وجعلوها لغة أدبية بجانب كونها لغة دينية مقدسة. فمادام الإنسان يتقن لغة في مجال الدين وينتج بها فلابد أنه عاجلا أم آجلا سيُوسِّع من دائرة اهتماماته ومواضيعه وإنتاجه بنفس تلك اللغة فيبدأ في إنتاج الشعر والتحف الأدبية وكتب الرحلات والحكايات والخرافات والترجمات. وهذا ما فعله الأعاجم بالضبط.
الغالبية العظمى من كبار فقهاء وشيوخ الإسلام عبر التاريخ ليسوا عربا بل أعاجم. والسبب في كتابتهم بالعربية ليس أن لغاتهم الأمازيغية والفارسية والسريانية والقبطية والأندلسية عاجزة أو ضعيفة أو فقيرة (بل على العكس كانت على الأرجح أغنى من العربية لأن لغات المدن والمناطق الخصيبة أخصب)، وإنما كتبوا بالعربية لأنها ببساطة لغة الإسلام الرسمية والمقدسة الوحيدة التي لا تصح العبادات والشعائر إلا بها، وبالتالي فلا يصح التأليف حول القرآن والخوض في تفسيره وفي مسائل الفقه والعقيدة إلا بالعربية. وما غير ذلك فهو استثناءات هامشية.
3) هل كانت الأمازيغية ستكون مكتوبة أكثر لو كان الأمازيغ مسيحيين أو شيئا آخر؟
في الغالب الأرجح نعم. يتميز الإسلام واليهودية بأنهما دينان لديهما لغة مقدسة وحيدة. العربية هي اللغة المقدسة الوحيدة في الإسلام. والعبرية هي اللغة المقدسة الوحيدة في اليهودية لدى أغلب اليهود. أما المسيحية فتختلف عن الإسلام واليهودية بأنها غير ذات لغة مقدسة. ف"الكتاب المقدس المسيحي" يتكون من جزءين وهما:
- "العهد القديم": لغته الأصلية هي العبرية، وهو مشترك مع التوراة اليهودية.
- "العهد الجديد": لغته الأصلية هي الإغريقية (اليونانية).
هذه الازدواجية اللغوية في الكتاب المقدس المسيحي هي ربما أحد أسباب انعدام لغة مركزية مقدسة رسمية في المسيحية "لا تصح الصلاة إلا بها". وزيادة على ذلك فإن المسيحية ظهرت في إسرائيل/فلسطين التي كانت بلدا متعدد اللغات أصلا في ذلك الوقت. إسرائيل/فلسطين كانت آنذاك تحت الاحتلال الروماني المباشر ويحكمها قنصل روماني. وكانت توجد في فلسطين/إسرائيل آنذاك على الأقل 4 لغات شائعة يستخدمها السكان وهي: العبرية (لغة محلية)، الآرامية (لغة محلية)، الإغريقية (لغة الحضارة والتجارة والأدب)، واللاتينية (لغة السلطة الرومانية).
كما أن المسيحية تطورت ونمت كثيرا خارج بلدها الأصلي فلسطين/إسرائيل واحتاجت إلى الترجمات منذ اليوم الأول وأصبحت دينا معولما متعدد الإثنيات واللغات في وقت وجيز بدون غزوات ولا جهاد ولا جزية ولا خراج. وفيما بعد تبنى الرومان المسيحية وتخلوا عن تعدد الآلهة تدريجيا فدخلت المسيحية إلى أوروبا من أوسع أبوابها: روما، ولكن عبر الترجمة اللاتينية. فيما بعد نشر الرومان والبيزنطيون المسيحية بالسيف في أوروبا (عبر سلطة الدولة ودينها الرسمي). وتورط رجال الدين المسيحيون في أوروبا في السلطة الاستبدادية أيضا، كما شاركوا في الحروب الدينية المذهبية المسيحية التي طحنت أوروبا لقرون.
كما قلنا فالمسيحية لا تملك "لغة رسمية مقدسة". ويمكن مثلا أداء الصلاة والشعائر المسيحية بأية لغة كانت، عكس الإسلام الذي يشترط أن تكون الصلاة بالعربية، وعكس اليهودية التي تشترط غالبا أن تكون الصلاة بالعبرية. ولذلك فإن ترجمة الإنجيل المسيحي إلى لغة أخرى شيء شجعه المسيحيون الأوائل والكنيسة المسيحية منذ القديم وإلى الآن، لأنهم (على الأرجح) رأوا في الترجمة الوسيلة الأكثر فعالية لنشر دينهم بين الشعوب المختلفة. والكتاب المقدس المسيحي هو أكثر كتاب في التاريخ تُرجِمَ إلى لغات العالم.
ولم تخرج الأمازيغية عن هذه "القاعدة المسيحية". فالترجمة الأمازيغية الأولى المعروفة للإنجيل ظهرت عام 1833 أي قبل 160 عاما من أول ترجمة أمازيغية معروفة ومؤكدة للقرآن، رغم انقراض المسيحية من بلاد الأمازيغ منذ قرون. ولو كانت المسيحية منتشرة على نطاق واسع في بلد من البلدان الأمازيغية منذ القديم ولوقت كاف لظهرت ترجمة أمازيغية للإنجيل قبل ذلك بكثير ولَكان قد تَطَوَّرَ أدب غزير يدور في فلكه منذ 1000 عام أو 1500 عام ربما، كما حدث في أوروبا وكما حدث قديما في بلاد القبط وإثيوبيا المسيحية وسوريا والعراق (الترجمات السريانية القديمة للإنجيل). ويرى البعض أن ترجمة الإنجيل إلى اللغة الألمانية الشعبية من طرف Martin Luther (مؤسس البرتستانتية) عام 1522 كان له أثر ضخم على تطور الأدب الألماني نفسه وجعل الألمانية لغة كتابة وإبداع شعبي. وتعمد Martin Luther جعل لغة الترجمة الألمانية للإنجيل بسيطة ومباشرة ومفهومة للجميع فراجت ترجمته رواجا عظيما.
وتجدر الإشارة إلى أن الكنيسة الكاثوليكية حاولت خلال "عصر الظلام" في أوروبا منع ترجمة الإنجيل إلى لغات أوروبا الشعبية لحماية سلطتها الدينية من المعارضين والمنافسين و"المهرطقين". ولكن ذلك المنع انهار لاحقا بسبب عوامل كثيرة كظهور البروتستانت المتحمسين لترجمة الإنجيل إلى اللغات الأوروبية الشعبية فاضطر الكاثوليك إلى تغيير سياستهم خوفا من سيطرة البروتستانت على أوروبا بوسيلة اللغات الشعبية الفعالة.
وهذه بعض الترجمات التي ظهرت لكتاب المسيحيين المقدس منذ القديم:
- النسخة الإغريقية الكاملة: ظهرت في حوالي سنة 100 ميلادية (ترجمة "العهد القديم" من العبرية وضمه إلى "العهد الجديد" الذي هو أصلا بالإغريقية).
- أول ترجمة سريانية للكتاب المقدس المسيحي: في حوالي سنة 170 ميلادية.
- الترجمة اللاتينية: حوالي سنة 200 ميلادية، والنسخة النهائية في 400 ميلادية.
- الترجمة القبطية: ما بين حوالي سنة 300 و400 ميلادية.
- الترجمة الإثيوبية (لغة Ge'ez): حوالي سنة 400 ميلادية.
- الترجمة القوطية الجرمانية: حوالي 400 ميلادية.
- الترجمة الفارسية: حوالي 1300م (وربما سنة 500م في نسخة أقدم).
- الترجمة العربية: ما بين حوالي سنة 800 و900 ميلادية.
- الترجمة الإنجليزية: 990م (إنجليزية قديمة) و1395م (إنجليزية وسطى)
- الترجمة الألمانية: 748م (ألمانية قديمة) و1466م و1522م (ألمانية وسطى أو حديثة)
- الترجمة الفرنسية: 1295م (فرنسية قديمة)
- الترجمة الدانماركية: 1524م
- الترجمة الإندونيسية: 1629م
- أول ترجمة أمازيغية معروفة للإنجيل: 1833م
هذه الخاصية الموجودة في الدين المسيحي: "ترجمة الإنجيل إلى كل اللغات" + "إباحة الصلاة بأية لغة" كان لها أثر عظيم جدا على نشر المسيحية في العالم بشكل تفوق ديموغرافيا على كل الأديان الأخرى بما فيها الإسلام.
والمعلوم أن وجود كتاب مقدس باللغة المحلية الشعبية وسماح ذلك الدين المعين بالصلاة باللغة المحلية سيعني بطبيعة الحال أن اللغة المحلية ستكون بالتأكيد لغة العبادات المحورية في المعابد ولغة النقاشات الدينية، مما يساهم في رفع فرص انتشار ذلك الدين بعمق لدى الساكنة المحلية وتعميق فهمهم له. وستكون تلك اللغة المحلية لغة التبشير والدعوة ولغة "الخُطَب" في المعابد ولغة الأناشيد والترانيم، وستكون لغة الكتابة في المؤلفات الدينية كالتفاسير والفقه والنقاشات المذهبية. وهذا سيؤدي إلى تنشيط اللغة المحلية وجعلها أداة للكتابة والعبادة والاحتفال لأنها ستكون ذات وظيفة دينية مطلوبة بل أساسية ورئيسية. ولاحقا ستتوسع دائرة الكتابة بتلك اللغة المحلية إلى الأشياء غير الدينية كالآداب والشعر والعلوم والإدارة وحتى إلى الأدبيات المعارضة للدين السائد نفسه أو للمذهب السائد. وكل هذا حدث بالفعل في الدول الأوروبية منذ قرون وأيضا في إثيوبيا المسيحية وبلاد القبط المسيحية وبلاد السريان المسيحية.
في أوروبا، أدت ترجمة الإنجيل إلى اللغات الأوروبية المحلية (ألمانية، هولندية، إنجليزية، إيطالية، إسبانية، كاتالانية، فرنسية، برتغالية، نرويجية، سويدية، دنماركية...) منذ قرون مضت إلى تنشيط هائل لتلك اللغات الأوروبية المحلية وانفجار في إنتاجاتها الأدبية الدينية أولا ثم غير الدينية لاحقا.
وحاليا توجد العشرات من الترجمات الأمازيغية الجديدة الكاملة والممتازة للكتاب المقدس المسيحي. وبسبب جودتها العالية لغويا وشكلا وطباعة وإخراجا نستنتج أنها منجزة من طرف أمازيغيين (مسيحيين على الأرجح) يتقنون الأمازيغية جيدا قراءة وكتابة ومطلعين على القواميس الأمازيغية ويشتغلون مع منظمات مسيحية تملك موارد مالية وتقنية كبيرة. وبجانب ذلك تم إنجاز العديد من الترجمات الأمازيغية الصوتية Audio للإنجيل المسيحي بجودة عالية لغويا وتقنيا. وتتفوق الترجمات الأمازيغية للكتاب المقدس المسيحي على الترجمات الأمازيغية للقرآن بفرق شاسع من حيث الكمية والجودة.
4) ترجمات القرآن:
بالنسبة للقرآن فترجمته الوحيدة المؤكدة التي ظهرت في بلد إسلامي في التاريخ القديم هي الترجمة الفارسية (في إطار ترجمة "تفسير الطبري" من العربية إلى الفارسية) التي أنجزها أبو حفص النسفي في حوالي 1120م بأمر من سلطان إمبراطورية Ghaznavi الفارسية الإسلامية السنية. وأول ترجمة أوروبية للقرآن مذكورة في التاريخ هي ترجمة إغريقية في حوالي 870م أنجزها كاتب إغريقي مجهول وهي مفقودة واقتبس منها Nicetas Byzantius الذي كان مسيحيا ناقدا للإسلام. وظهرت ترجمة لاتينية للقرآن في عام 1143م وأنجزها كاتب مسيحي اسمه Robert of Ketton بطلب من كنيسة فرنسية بغرض نقد الإسلام. وأول ترجمة بالإنجليزية للقرآن ظهرت عام 1649م مترجمة عن الترجمة الفرنسية التي ظهرت في 1647م وهي كذلك من إنجاز أوروبيين. وباستثناء الترجمة الفارسية القديمة المعروفة والموجودة لحد الآن، فمعظم ترجمات القرآن التي أنجزها مسلمون (أو ما يسمونه ب"ترجمات معاني القرآن") لم تظهر إلا في القرن ال20 والقرن ال21 بعد تراجع معظم فقهاء الإسلام عن تحريم الترجمة.
بعد أن نجح الأمازيغ في هزيمة وطرد الأمويين عام 741م من المغرب والجزائر، تأسست ممالك أمازيغية منها مملكة برغواطا / تامسنا. وهناك روايات تاريخية حول أن البرغواطيين ترجموا القرآن إلى الأمازيغية في القرن 8 الميلادي أو ألفوا كتابا مقدسا محاكيا على يد صالح بن طريف (اسمه الأمازيغي الحقيقي مجهول) الذي هو ثاني ملوك مملكة بورغواطا. ويروي بعض المؤرخين أن هذا الملك الأمازيغي أعلن نفسه نبيا وشرع دينا جديدا. وحتى لو كانت هناك فعلا ترجمة أو كتاب أمازيغي مقدس منافس للقرآن فلا شك أن الأمر كله اعتبِر هرطقة (بدعة) حرص المرابطون على إبادتها.
وأول ترجمة أمازيغية معروفة حديثا للقرآن هي ترجمة جزئية أنجزها الباحث اللغوي الجزائري البارز Kamal Naït-Zerrad بالحرف اللاتيني عام 1998 في إطار قاموسه الديني الأمازيغي Lexique religieux berbère أو Amawal Amasɣan Amaziɣ. وهناك ترجمة أمازيغية كاملة للقرآن في المغرب أنجزها جُهادي الحسين الباعمراني وصدرت عام 2003 بالحرف العربي. وهناك ترجمات جزائرية أمازيغية أخرى جديدة للقرآن مثل تلك التي أنجزها مجموعة من المترجمين الجزائريين وهم Brahim Iddir وHakim Rahmoune وLamia Dahmani وOurida Guerdj تحت إشراف مديرية الشؤون الدينية والأوقاف بولاية Tizi Wezzu وتم إنجازها بالحرف اللاتيني.
5) ماذا عن بلاد فارس؟ لماذا بقيت الفارسية مكتوبة رغم انتشار الإسلام؟
بقيت الفارسية مكتوبة بالتوازي مع العربية طيلة الحكم الأموي والعباسي الإسلامي لبلاد فارس. والسبب هو أن الفرس كانوا أصلا يملكون دينا توحيديا كتابيا متطورا يوازي الإسلامَ والمسيحيةَ واليهوديةَ والهندوسيةَ وهو الدين الزرادشتي (أو ما يسميه العرب ب"المجوسية"). كانت الزرادشتية دينا رسميا لعدة امبراطوريات فارسية قديمة. الدين الزرادشتي هو في الحقيقة دين توحيدي ذو إله واحد اسمه Ahura Mazda ونبي رئيسي واحد اسمه "زرادشت" وكتاب مقدس فارسي واحد اسمه Avesta على منوال ما يوجد في الإسلام والمسيحية واليهودية. والزرادشتية أقدم من اليهودية. والنار في الدين الزرادشتي مجرد طقس تعبدي (بجانب ضدها الذي هو الماء). وظن العرب المسلمون للوهلة الأولى عن طريق الخطأ عندما دخلوا فارس أن الزرادشتيين ("المجوس") يعبدون النار لأنهم لاحظوا أن معابد الزرادشتيين توقد فيها النار دائما وأن صلاتهم تكون دائما قرب النار.
إذن فالفرس كانوا يملكون أدبيات دينية متقدمة (كتاب مقدس فارسي زرادشتي) ودينا توحيديا قديما جدا وواسع الانتشار في فارس والعراق بمعابد ومدارس دينية قبل ظهور الإسلام وقبل دخول الإسلام إلى فارس. لذلك بقيت اللغة الفارسية حية كتابيا وأدبيا نوعا ما بشكل مواز للعربية خلال وجود الإسلام والحكم الأموي والعباسي بفارس. إلا أن وطأة العربية (كلغة رسمية مقدسة للإسلام وللخلافة الإسلامية) كانت قد أدت إلى انتقال غالبية الكتاب الفرس إلى الكتابة بالعربية فقط أو بالعربية والفارسية معا. ورغم عدم موت الفارسية شفويا وأدبيا فقد تأثرت هي أيضا بقدسية العربية في الإسلام وسلطة الخلافة الإسلامية، فأخذ الفرس الحرف العربي وتخلوا عن الحرف الفارسي البهلوي Pahlavi الذي كانوا يقرأون به كتابهم الزرادشتي المقدس. كما أن عددا كبيرا من الكلمات العربية الدينية دخلت إلى الفارسية شفويا وكتابيا.
6) هل كان الأمازيغ القدامى يحتقرون لغتهم الأمازيغية؟
في الوقت الحاضر، يكرر كثير من الإسلاميين والعروبيين بلا كلل ولا ملل مقولة خاطئة وساذجة (أو ربما متغابية/متذاكية) تقول: "لقد تخلى الأمازيغ برحابة صدر عن لغتهم وتبنوا العربية وأحبوها وخدموها ونشروها واحتضنوها ...إلخ". وغالبا ما يقول هؤلاء الإسلاميون والعروبيون هذا الكلام من أجل تشجيع المغاربة والأمازيغ في بقية البلدان الأمازيغية على التخلي عن لغتهم الأمازيغية "اقتداءً بأجدادهم الميامين". معظم الإسلاميين والعروبيين الذين يقولون ذلك الكلام هم في الحقيقة يريدون أن يقولوا أن: "الشلح الطيب هو الشلح الذي يتنازل عن لغته الأمازيغية برحابة صدر وعن طيب خاطر ويتبنى لغة القرآن". أي أن "الشلح الجيد هو الشلح المستعرب".
في الحقيقة لم يتنازل الأمازيغ القدامى عن لغتهم أبدا. لو تنازلوا عنها لما بقيت حية في بلدان العالم الأمازيغي إلى غاية القرن العشرين يتحدثها الملايين كلغة شعبية في 9 بلدان أفريقية اليوم. لو تنازلوا عن الأمازيغية لما بقيت إلى غاية بدايات القرن العشرين لغة غالبية سكان المغرب ونصف سكان الجزائر على الأقل. لو تنازلوا فعلا عن لغتهم لصالح لغة أجنبية كاللاتينية أو الفينيقية أو العبرية لما وجدنا منقوشة حجرية واحدة بالأمازيغية بالحرف الليبي-الأمازيغي Lybico-Berber بينما توجد منها الآلاف من جزر الكناري إلى ليبيا. لو تنازلوا فعلا عن الأمازيغية لصالح العربية لما وصلت إلينا المؤلفات الأمازيغية القديمة التي كتبها Bṛahim Aẓnag وḤemmu Eṭṭaleb وMuḥemmed Awzal وIbn Tunart والمؤلف الأمازيغي الضخم "كتاب البربرية" التي تم اكتشاف النسخة الكاملة منه مؤخرا في تونس من طرف الباحث الإيطالي Vermondo Brugnatelli.
إذن لا يجب أن نحمل شعوب الماضي (أمازيغ، قبط، عرب، فرس، رومان، إغريق...) ما لا تحتمل سواء كان إيجابيا أو سلبيا. كل ما في الأمر هو أن الأمازيغ المسلمين وجدوا أنفسهم أمام دين رسمي ذي لغة رسمية مقدسة وحيدة هي العربية لا تُقْبَلُ الصلوات إلا بها فتصرفوا في كل ما يخص الدين (من عبادة وكتابة وتلاوة وشريعة) على أساس قدسية العربية الدينية في الإسلام. وبالتالي فقد كان تعامل الأمازيغ مع الإسلام ومع العربية المقدسة متطابقا مع الطريقة التي تعامل بها القبط والكرد والفرس والعرب والسريان والأتراك المسلمون مع الإسلام والعربية المقدسة. لا أقل ولا أكثر.
7) هل انتشرت العربية والإسلام بالسيف في بلاد الأمازيغ؟
اللغة العربية المكتوبة لم تنتشر بالسيف. و"سياسة التعريب" شيء حديث ظهر فقط في القرن العشرين في المغرب والجزائر وتونس وليبيا بسبب قدوم أيديولوجيتين جديدتين إلى بلاد الأمازيغ في القرن العشرين من الشرق الأوسط وهما "القومية العربية" و"الإسلام السياسي الحديث". العربية هي فقط لغة تابعة للإسلام تنتشر بانتشاره وتزول بزواله من المناطق غير العربية (الأندلس وصقلية مثلا). إلا أن الإسلام انتشر فعلا بالسيف في بلاد الأمازيغ. ولكن من نشره بالسيف ليس العرب (كما يظن الكثيرون) بل الأمازيغ.
فالأمويون طُرِدوا من طرف الأمازيغ عام 741م وبقي المغرب منذئذ بيد الأمازيغ. لم يهتم الأمويون أصلا بنشر الإسلام لدى الأمازيغ لأن مداخيل الجزية والتخميس كانت أضخم بكثير من مداخيل الزكاة. كما أنه لم يتسع للأمويين أصلا أي وقت لنشر الإسلام بين الأمازيغ (إذا افترضنا أنهم أرادوا أسلمة الأمازيغ). فمدة الحكم الأموي للأمازيغ لم تتجاوز 30 أو 40 سنة. وكان حكما مثقلا بالقلاقل والثورات الأمازيغية المسلحة. ومنذ طرد الأمويين لم يدخل معظم الأمازيغ تحت أي حكم أجنبي إلى غاية الإمبراطورية العثمانية التي حكمت جزءا من ليبيا وتونس وشمال الجزائر. أما المغرب الأقصى فقد بقي مستقلا وتحت حكم أمازيغي محلي صرف منذ أن طرد الأمويين في 741م إلى غاية الغزو الفرنسي الإسباني في 1907.
من نشر الإسلام بالسيف في بلاد الأمازيغ هم الأمازيغ أنفسهم: الزناتيون الخوارج (نشروا المذهب الخوارجي)، الفاطميون الكتاميون الشيعة (نشروا المذهب الشيعي)، المرابطون الصنهاجيون السنيون، الموحدون المصموديون السنيون، المرينيون الزناتيون السنيون، الوطاسيون السنيون...إلخ.
استخدمت الإمبراطوريتان الأمازيغيتان المرابطية والموحدية القوة العسكرية الساحقة من أجل توطيد أركان الإمبراطورية الأمازيغية الهائلة في شمال أفريقيا والأندلس ونشر الإسلام السني وسياسة الدولة من خلاله. أباد الأمازيغُ المرابطون الأمازيغَ البرغواطيين ("الزنادقة") شر إبادة حسب ما يقوله المؤرخون، ومسحوا دين أو مذهب البرغواطيين الذي عمر 3 قرون. وأعْمَلَ المرابطون السيف إعمالا في كل القبائل الأمازيغية الأخرى المتمردة أو الوثنية أو التي رفضت المذهب السني. أما المذهب الشيعي الذي نشره الأدارسة والفاطميون بالسيف فقد مسحه المرابطون تماما بالسيف أيضا ونشروا مكانه المذهب السني المالكي. ثم جاء الموحدون ليرسخوا ما فعله المرابطون ولكن بدموية مضاعفة. ومسح المرابطون والموحدون المذهب الخوارجي ولم تبق منه إلا بقايا صغيرة في واحات الجزائر وبعض مناطق ليبيا. امتدت امبراطورية المرابطين عموديا من الأندلس شمالا إلى السنغال (Ẓnaga) جنوبا، بينما امتدت امبراطورية الموحدين أفقيا من الأندلس وبلاد مراكش غربا إلى عمق ليبيا شرقا.
الإمبراطورية الأموية في دمشق كانت دولة توسعية كل ما يهمها هو البحث عن الثروات والكنوز والأراضي الخصبة لجمع الجزية والخراج وبقية أنواع الإتاوات، وهذا باختصار ما تفعله كل امبراطورية تحترم نفسها. نجح الأمويون بالغزوات والتقتيل والسلب والنهب في تأسيس إمبراطورية كبيرة الحجم ولكن ذات عمر وجيز لم يتعد 89 سنة (تأسست سنة 661 ميلادية وسقطت عام 750 ميلادية).
لا يوجد في التاريخ ما يشير إلى أن الأمويين أرادوا نشر الدين الإسلامي بين الناس. الشغل الشاغل للأمويين وكل الإمبراطوريات الأخرى هو جمع الأموال وفرض السيطرة، لذلك فرض الأمويون الجزية على بعض القبائل الأمازيغية رغم دخولها في الإسلام. وزيادة على الزكاة والجزية والخراج، أبدع الأمويون ضريبة جديدة هي "تخميس البربر" (نهب 20% من كل ما تملكه قبيلة أمازيغية). أنفقت الإمبراطورية الأموية نصف عمرها في حروب ضد الأمازيغ للسيطرة على الأراضي الأمازيغية. وبعد نجاح الأمويين في ذلك بشق الأنفس وبمساعدة عسكرية حاسمة من قبائل أمازيغية استمالوها، لم يدم الحكم الأموي لبلاد الأمازيغ إلا حوالي 30 أو 40 سنة. واقتصر النفوذ الأموي على المناطق السهلية والساحلية الأمازيغية ولم يصل الجبال والهضاب والمناطق العميقة. وفي الأخير تم طرد الأمويين من طرف ثورة أمازيغية عارمة عام 741م مشهورة باسم "ثورة البربر الكبرى" تمكن فيها تحالف عسكري واسع من القبائل الأمازيغية في المغرب الأقصى والمغرب الأوسط من سحق الجيش الإمبراطوري الأموي مرتين متتابعتين الأولى في "معركة الأشراف" التي قُتِل فيها كثير من قادة الأمويين في شمال أفريقيا والثانية في "معركة بقدورا" الأضخم والتي كانت الضربة القاضية للأمويين الذين خسروا المغرب الأقصى والمغرب الأوسط إلى الأبد واحتفظوا بصعوبة بالقيروان. وبعد ذلك بتسع سنوات سقطت الإمبراطورية الأموية في دمشق على يد العباسيين وجيشهم الفارسي.
انتشار اللغة العربية كلغة مكتوبة في أوساط الأمازيغ لم يحدث بسبب الأمويين بل حدث بعدهم بوقت طويل خلال حكم الدول الأمازيغية الإسلامية. لم تنتشر الكتابة بالعربية لدى الأمازيغ بالسيف ولا بإرادة الأمازيغ وإنما كان انتشارها نتيجة طبيعية لانتشار الإسلام ذي اللغة المقدسة الوحيدة وهي العربية. لم يسمح أغلب فقهاء الإسلام (سواء كانوا أمازيغيين أو عربا أو فرسا) بترجمة القرآن إلى لغات أخرى ولا بالتعبد باللغات المحلية بل أمروا بتعليم الناس العربية حتى يرتلوا القرآن ويفهموه. وإذا تعذر التعليم (وغالبا هو متعذر) فيجب تحفيظ الآيات والعبارات العربية للناس لكي يؤدّوا الصلوات بالعربية حتى وإن لم يفهموا معناها (والغالبية الساحقة لا تفهم منها إلا القليل). ولم يتغير موقف معظم شيوخ الإسلام من مسألة ترجمة القرآن إلى اللغات الأخرى إلا مؤخرا، ربما تحت ضغط التبشير المسيحي الذي يستخدم كل لغات العالم ومن ضمنها العربية والأمازيغية والدارجة وينافس الإسلام في عقر داره في المجتمعات ذات الأغلبية المسلمة. أما قدسية العربية ومركزيتها في الإسلام وعدم جواز العبادات بغير العربية فهي أشياء ثابتة لدى الغالبية الساحقة من فقهاء الإسلام حاليا. وهذا يفرغ ترجمات القرآن من جدواها ويفسر ندرتها في التاريخ الإسلامي رغم كثرة الشعوب واللغات التي دخلت تحت الإسلام. المنطق القديم الذي رفض الترجمة كان يقول: إذا كانت العبادات لا تصح إلا بالعربية وإذا كان الترتيل والتجويد متعذرين إلا بالعربية فما الجدوى من الترجمة إلى لغات أخرى؟!
العبادات الإسلامية من صلاة وحج وأدعية وترتيل وتجويد وغير ذلك لا يجوز أداؤها إلا بالعربية وبالتالي سينعدم أتوماتيكيا في المسجد وفي "المسيد" وفي الدين عموما أي مجال للغة أخرى. كما أن المناقشات الفقهية والمؤلفات الفقهية والتفاسير لم تُكتَبْ في الغالب إلا بالعربية رغم أنها حدثت شفويا باللغات المحلية. وعقود الزواج وغيرها لابد أن تكون بالعربية المقدسة حتى تكون شرعية وحلالا. والأطفال يُرْسَلون إلى "المسيد" لتعلم العربية وليس لتعلم الأمازيغية لأن الهدف النهائي هو تعلم القرآن والإسلام. وحتى تقاليد تجويد القرآن وترتيله وفق قواعد محددة هي كلها تدور حول فكرة إتقان النطق العربي الصحيح للقرآن (القافية، الوصل، والمد، ...إلخ).
ورغم أن التخاطب في العالم الأمازيغي كان يَحدث دائما باللغة الأمازيغية لدعوة السكان ووعظهم أو في السياسة والمنازعات القضائية أو في المناقشات الفقهية بين الفقهاء أو حتى في خطبة الجمعة فأي شيء يُكْتَبُ سيُكْتَبُ في الغالب الأعم بالعربية لأنها اللغة المقدسة. وهكذا اختفى مِنْ سِجِلِّ التاريخ الأمازيغي الإسلامي أيُّ كلام أو نقاش حَدَثَ بين الناس أو بين الفقهاء بغير العربية رغم أن معظم بل كل الكلام والنقاش والوعظ والخطاب الذي حَدَثَ قد حَدَثَ باللغة الأمازيغية وليس بالعربية.
خلاصة القول هي أنه لا يُتْرَكُ في الإسلام أي مجال لأية لغة أخرى غير العربية، عبادةً وفِقهاً وكتابةً. وكل هذا يفسر بشكل منطقي هامشية الأمازيغية في التراث المكتوب عبر العالم الأمازيغي رغم أن السلطة كانت دائما في يد أباطرة وملوك وأمراء وولاة وشيوخ وفقهاء أمازيغيين ناطقين بالأمازيغية يحكمون شعبا ناطقا بالأمازيغية.
8) الأذان بالأمازيغية وخطبة الجمعة بالأمازيغية في عهد الإمبراطورية الموحدية:
استعمل الموحدون اللغة الأمازيغية كأداة عملية ليس فقط لنشر دعوتهم السياسية ولكن أيضا لنشر مذهبهم الديني والعقدي. فقد أمر ابن تومرت باستعمال اللغة الأمازيغية في أذان المساجد للصلاة. وتحايل على قدسية العربية في الإسلام بأن جعل الأذان بالأمازيغية مرافقا للأذان بالعربية. وهناك خلفاء موحديون آخرون أمروا أيضا بتمزيغ الأذان وتعميم تمزيغ خطبة الجمعة على كل المناطق بما فيها فاس. ونستنتج من ذلك أن حرص الموحدين على تمزيغ خطبة الجمعة جاء لضرب عصفورين بحجر واحد: تعميم دعوتهم السياسية لتصل إلى عامة الشعب بلغة الشعب، ونشر مذهبهم الديني ليفهمه ويعتنقه كل الناس.
ومن المنطقي أن نستنتج من تاريخ الإمبراطورية الموحدية وسياستها اللغوية أنه لولا أن العربية لغة مقدسة في الإسلام (لا تصح العبادات والصلوات إلا بها) لترجم الموحدون الإسلام بأسره من الألف إلى الياء إلى اللغة الأمازيغية قرآنا وسنّة وعقيدة وعبادة وممارسة وكتابة، ولأصبحت الأمازيغية لغة الإسلام الوحيدة في بلاد الأمازيغ مثلما أن اللاتينية في عهد الرومان أصبحت لغة الدين المسيحي الذي دخل إلى روما. وإن جرأة الموحدين على تمزيغ بعض الشعائر كالأذان وخطبة الجمعة (رغم تشددهم الديني أو ربما بسببه) تخبرنا بالكثير عن ما كانوا سيفعلونه ويبلغونه لولا حاجز قدسية العربية في الإسلام.
9) الإسلام يفسر حالة اللغة الأمازيغية في العالم الامازيغي:
على الأرجح كان تأثير هجرات قبائل بني هلال وبني سليم وبني حسان العربية إلى بلاد الأمازيغ في نفوذ اللغة العربية كلغة مكتوبة تأثيرا منعدما أو ضعيفا لأن تلك الهجرات كانت متأخرة (القرن 12 ميلادي) وجاءت في وقت كان المرابطون والموحدون قد انتهوا من عملية نشر وترسيخ الإسلام السني (ذي اللغة العربية المقدسة) بالسيف عبر العالم الأمازيغي.
كما أن قبائل بني هلال وبني سليم وغيرها من القبائل العربية المهاجرة إلى بلاد الأمازيغ كانت قبائل بدوية صحراوية معدومة التأثير الديني وضعيفة التدين الإسلامي ومعدومة الحضارة ولم تصل يوما إلى الحكم في بلاد الأمازيغ ولم تؤسس دولة ولا إمارة ولا تعرف شيئا عن الزراعة كما بين ابن خلدون بوضوح حاد حينما وصف تلك القبائل ب"الأمة الوحشية" بسبب "استحكام عوائد التوحش فيهم ... وهذه الطبيعة منافية للعمران ومناقضة له". ولولا أن الإمبراطوريات الأمازيغية قد نشرت سلفا الإسلامَ بلغته العربية المقدسة القريبة من لهجات القبائل العربية البدوية لربما انصهرت تلك القبائل العربية لغويا في الشعوب الأمازيغية كما انصهر المهاجرون الذي جاءوا من قبلها إلى بلاد الأمازيغ. بقيت اللهجات واللغات العربية البدوية (الهلالية والحسانية...) حية تتفاعل مع الأمازيغية لأن انتشار الإسلام سلفا لدى الأمازيغ (بلغته العربية المقدسة التي تتلى في المساجد 5 مرات في اليوم) قد ساعد تلك اللغات العربية البدوية على البقاء بدل أن تنقرض بسرعة كما انقرضت اللاتينية والفينيقية مثلا في بلاد الأمازيغ.
التأثير الأمازيغي في اللهجات العربية المغاربية كبير وواضح. إذا كانت الأمازيغية قد أثرت بهذه الدرجة الكبيرة في اللهجات العربية المغاربية (الدارجات) نطقا ونحوا (فضلا عن التأثير الثقافي الأمازيغي) رغم قدسية العربية ونفوذها الديني، فما بالك لو كان الدين السائد والمسيطر أمازيغيَّ اللغةِ تماما في كتابه المقدس وعباداته وشعائره وصلواته؟! ومابالك لو كانت الأمازيغية تتلى 5 مرات في اليوم لمدة 1000 عام في مساجد أو معابد أو كنائس العالم الأمازيغي؟! ستكون بلا شك اللغة المسيطرة في المجتمع كتابيا وليس فقط شفويا وستكون الكتابات الفقهية الدينية وغير الدينية كلها بالأمازيغية.
الأطفال يذهبون إلى المدرسة لتلقي العلوم مدة محدودة من حياتهم، ولكن المؤمنين يذهبون إلى المساجد يوميا أو أسبوعيا طيلة حياتهم. إذا كانت العربية تتمتع بهذا النظام التعليمي "المسجدي" المؤبد (طيلة حياة الفرد) فلا عجب أنها ستنتشر في المجتمع كلغة مكتوبة، وستشيع المصطلحات العربية الإسلامية بين الناس بكثرة السماع والترديد والحفظ والتكرار في الصلوات وخطب الجمعة. أما الأمازيغية التي لا مكان لها في المسجد و"المسيد" والصلوات اليومية والفقه والتفسير فمن المنطقي أنها لن تكتب ولن تشيع مصطلحاتها الدينية لأنه لا محل للغة الأمازيغية من الإعراب في الإسلام.
اللغة تموت وتتراجع في الميدان الذي لا يستعملها فيه أهلها. وبقاء اللغة الأمازيغية حية شفويا لحد الآن هو فقط لأنها كانت طيلة قرون لغة التخاطب الشفوي في شمال أفريقيا، ولأن التخاطب الشفوي كان هو الغالب في العصور القديمة في كل بلدان العالم، وكان الأميون هم الأغلبية الساحقة من سكان الكوكب، بينما كانت الكتابة جد نادرة ومحصورة في المعابد ودواوين الملوك. ما يحدث الآن منذ 1912 هو أن الأمازيغية أصبحت تتراجع وتتآكل حتى في المجال الشفوي، والسبب هو سيطرة لغات أخرى على المدرسة والجامعة والبارابول والإدارة والكوميسارية بالإضافة إلى المسجد والمسيد طبعا.
10) خلاصات جوهرية:
- قدسية اللغة العربية في الإسلام خاصية من خصائص الدين الإسلامي تميزه عن بعض الأديان الأخرى، حيث أنه لا تصح الشهادتان والصلاة والحج بغير اللغة العربية (حسب فقهاء الإسلام).
- قدسية العربية في الإسلام هي التي جعلت الأمازيغ المسلمين يكتبون غالبا بالعربية ونادرا بالأمازيغية.
- كل الشعوب بلا استثناء تحب لغاتها الأصلية وتفضل الكلام والكتابة بها إلا إذا كانت هناك ظروف قوية تمنع ذلك أو لا تشجع على ذلك، كالتعاليم الدينية أو الظروف السياسية.
- في العصر النوميدي (قبل 2200 عام) ولدى الطوارق أظهر الأمازيغ اهتمامهم بالكتابة والنقش بلغتهم الأمازيغية بشكل قوي رغم التأثيرات اللغوية الخارجية اللاتينية والإغريقية والفينيقية. ولم يتخلوا آنذاك عن الكتابة والنقش بلغتهم لأنهم لم يعتنقوا آنذاك دينا ذا لغة أجنبية مقدسة معينة ولم يكن هناك داع سياسي أو ديني آخر للتخلي عن الكتابة أو النقش بالأمازيغية.
- يوجد العديد من المنقوشات الحجرية القديمة التي تجمع بشكل متعمد بين الأمازيغية واللاتينية، وأخرى بين الأمازيغية والبونيقية، وهذا يعني أن الأمازيغ القدامى كانوا على وعي بالمسألة اللغوية وأنهم حرصوا على إظهار اللغة الأمازيغية والكتابة بها آنذاك ومعاملتها ك"لغة رسمية" وتوريث ذلك للأجيال اللاحقة.
- في العصر الإسلامي تخلى الأمازيغ عن عادة الكتابة والنقش بالأمازيغية على المعابد والقبور لأنه اعتبر شيئا مخالفا أو متناقضا مع الإسلام ولغته العربية المقدسة، وتم تعويض ذلك بنقش الكلمات الإسلامية العربية على جدران المساجد والقبور.
- لا يوجد شعب يحتقر لغته الأصلية ويفضل عليها لغة أجنبية. والأمازيغ لم يحتقروا لغتهم الأمازيغية في العصر القديم ولم يفضلوا عليها لغة أجنبية كالعربية أو اللاتينية. وكلما ما فعلوه هو الالتزام بقدسية العربية في الدين الإسلامي وكتابة الأدبيات الدينية بها، ولاحقا توسعوا بها إلى كتابة الأدبيات غير الدينية.
- بما أن كل المدارس القديمة في العصر الإسلامي الأمازيغي كانت مدارس دينية صرفة ("المسيد") وملحقة بالمساجد فإنه من المنطقي أن اللغة التي درسها الطلبة الأمازيغ كانت العربية (المقدسة) فقط، وبالتالي سيتعودون على الكتابة بالعربية وحدها بسبب ذلك.
- الشعوب الأمازيغية القديمة تعاملت مع الإسلام ولغته العربية المقدسة مثل بقية الشعوب غير العربية التي انتشر فيها الإسلام (كشعوب العراق والشام والكرد والفرس والقبط والترك). لا يوجد شيء خارج العادة ينطبق على الشعب الأمازيغي وحده دون الشعوب الأخرى.
- الإسلام في بلدان العالم الأمازيغي انتشر بالسيف الأمازيغي وعلى يد الإمبراطوريات الأمازيغية الفاطمية والمرابطية والموحدية والمرينية ودول أمازيغية أخرى.
- لم تنتشر الكتابة بالعربية لدى الأمازيغ بالسيف ولا بإرادة متعمدة من الأمازيغ وإنما كان انتشارها نتيجة طبيعية لانتشار الإسلام ذي اللغة المقدسة الوحيدة وهي العربية.
- لولا قدسية العربية الحصرية في الإسلام لقام الموحدون بترجمة الإسلام بأكمله إلى الأمازيغية. وقد برهنوا على قابليتهم لذلك عندما قاموا بتمزيغ الأذان وخطبة الجمعة وكتابة بعض الفقه بالأمازيغية.
- لو كانت الأمازيغية لغة الدين السائد (أيا كان هذا الدين) لكانت الآن هي اللغة المسيطرة شفويا وكتابيا.
- احتقار ومحاربة اللغة الأمازيغية من طرف بعض الأمازيغ (الناطقين بالأمازيغية أو بالدارجة) ومن طرف دول شمال أفريقيا هو مجرد موضة جديدة ظهرت في القرن العشرين مع موجة القومية العربية والإسلام السياسي والفكر الاستبدادي الآتي منهما.
- تأليف وترجمة الكتب الدينية والدنيوية الشعبية إلى الأمازيغية بشكل مبسط في متناول الشعب سيؤدي إلى تنشيط الأمازيغية وتحويلها إلى لغة مكتوبة ومقروءة شعبيا ذات وظائف مجتمعية وسياسية وحضارية جديدة.
[email protected]


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.