"كان" السيدات: المنتخب المغربي يعزز حظوظه في التأهل بانتصاره على الكونغو الديمقراطية    باريس سان جيرمان يُذل الريال برباعية ويعبر لملاقاة تشيلسي في نهائي المونديال    أنشيلوتي يُدان بسنة حبسا بتهمة "الاحتيال المالي"    المنتخب الوطني فئة فريق مختلط للتايكوندو يتوج بفضية في كأس العالم للفرق بجمهورية كوريا    إعادة فتح سفارة المملكة المغربية بدمشق    مراكش.. توقيف فرنسي من أصل جزائري مطلوب دوليًا في قضايا تهريب مخدرات    وسط ملء لا يتعدى 37% للسدود.. أخنوش يترأس اجتماعا لتسريع تنزيل برنامج الماء    حموشي يؤشر على تعيينات أمنية    خروقات قطاع التعمير تضع منتخبين وموظفين تحت طائلة العزل والمتابعة    في سابقة طبية إفريقية.. المغرب يشهد أول عملية جراحية بتقنية "v-NOTES" لاستئصال الرحم    مازغان يطلق المطعم الموسمي الجديد    ارتفاع حصيلة ضحايا حادثة سير مروعة بطنجة إلى قتيلين    الصحراء المغربية.. توافق دولي لا رجعة فيه حول مغربية الصحراء ودعم ثابت للمبادرة المغربية للحكم الذاتي كحل سياسي وحيد لهذا النزاع الإقليمي    بنسعيد: التحولات التي يشهدها قطاع الصحافة أفرزت الحاجة إلى تحيين الإطار التشريعي المنظم لمهنة الصحافة    بورصة البيضاء تنهي تداولاتها على وقع الأحمر    أكثر من 790 مليون شخص في 12 دولة عانوا من درجات حرارة قصوى في يونيو 2025    الوكيل العام بالرشيدية ينفي تعرض طفل بومية لاعتداء جنسي ويكشف نتائج تشريح الجثة    نشرة إنذارية من المستوى البرتقالي: زخات رعدية قوية بعدد من مناطق المملكة    21 قتيلا حصيلة حوادث السير بالمناطق الحضرية ‏خلال الأسبوع المنصرم    الزيّ والرقص والإيقاع.. مهرجان مراكش للفنون الشعبية يروي حكاية الانتماء    مجلس المستشارين يصادق على مشروع قانون التأمين الإجباري الأساسي عن المرض رقم 54.23    أزيد من 160 مفقودا بفيضانات تكساس    المدافع المغربي محمد حمدون ينضم إلى ريال بيتيس إشبيلية        الإدماج يعاند دكاترة وزارة الصحة        إسرائيل تنفذ عملية برية بجنوب لبنان    اليونان توقف طلبات اللجوء للأفارقة    المغرب يفتح باب المشاركة بالأوسكار    ترامب يدفع بتطبيع موريتانيا وإسرائيل        "مجرم حرب يدعم تاجر سلاح".. بوريل ينتقد ترشيح نتنياهو لترامب لجائزة نوبل    الغرفة الثانية تصادق على مشروع قانون المسطرة المدنية    هذه توقعات أحوال الطقس بالريف واجهة الشرقية اليوم الأربعاء    أصيلة تحتضن الدورة الخامسة للأكاديمية المتوسّطية للشباب من 11 إلى 19 يوليوز    بنسعيد يقدم شروع قانون إعادة تنظيم المجلس الوطني للصحافة ويعلن رفع تمثيلية "الناشرين"    بنك المغرب: 58% من المغاربة يمتلكون حسابات بنكية بنهاية 2024    الحسابات الوطنية توضح المسيرة الإيجابية للاقتصاد الوطني    الصين تعتزم توسيع شبكة السكك الحديدية فائقة السرعة لتصل إلى 50 ألف كيلومتر بنهاية 2025    أسعار النفط تتراجع وسط تقييم اقتصادي لتأثير الرسوم الجمركية الأمريكية الجديدة    عندما ينقلب "الحياد الأكسيولوجي" إلى سلسلة ثنائيات شاردة!    كاظم جهاد: جاك ديريدا والمسألة الفلسطينية    ظاهرة "طوطو" هل نُربي جيلاً لتمجيد الصعلكة!؟    أكثر من مليون متابع لفرقة تولّد موسيقاها بالذكاء الاصطناعي    سايس يعود إلى التداريب بعد غياب دام لأربعة أشهر بسبب الإصابة    رياض: "أبذل قصارى جهدي للعودة للميادين وهدفي هو المشاركة في "الكان"    كأس العالم للأندية لكرة القدم.. تشلسي يحجز بطاقة النهائي بتغلبه على فلوميننسي (2-0)    من أين جاءت هذه الصور الجديدة؟ .. الجواب داخل واتساب    الشاعر حسن نجمي يفوز بجائزة ابن عربي الدولية للأدب العربي    تورونتو تحتفي بعبق السوق المغربي    الطالبة ماجدة بن علي تنال شهادة الدكتوراه في الكيمياء بميزة مشرف جدا    ممارسة الرياضة بانتظام تقلل الشعور بالاكتئاب والتوتر لدى الأطفال    دراسة ألمانية: فيروس التهاب الكبد "E" يهاجم الكلى ويقاوم العلاج التقليدي    "مدارات" يسلّط الضوء على سيرة المؤرخ أبو القاسم الزياني هذا المساء على الإذاعة الوطنية    التوفيق: معاملاتنا المالية مقبولة شرعا.. والتمويل التشاركي إضافة نوعية للنظام المصرفي    التوفيق: المغرب انضم إلى "المالية الأساسية" على أساس أن المعاملات البنكية الأخرى مقبولة شرعاً    التوفيق: الظروف التي مر فيها موسم حج 1446ه كانت جيدة بكل المقاييس    طريقة صوفية تستنكر التهجم على "دلائل الخيرات" وتحذّر من "الإفتاء الرقمي"    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



أطباء أم أعداء؟
نشر في هسبريس يوم 06 - 06 - 2016

يحز في القلب كل نظرة التشاؤم هذه التي تملأ نفوس وكيان المغاربة في نظرتهم للصحة العمومية، التي ما فتأت تغرق في الوحل يوم بعد أخر. يحز في النفس كل هذا الشجن والاحتقان الذي ترميك به عيون المرضى بمجرد ولوجها فضاء الدماء الأحمر هذا، أو "باطوار الكزارة" كما تستحضره المخيلة الشعبية للمغاربة. يحز في القلب كل هذا العنف والمشاحنات التي لا يمر يوم دون أن نسمع عن تهشيم أنف طبيب أو ممرض، أو تخريب مستوصف أو قاعة فحص، من طرف مريض أو أقرباءه لم ترقى ظروف المستشفى أو المستعجلات العمومية لتنال إعجابهم ورضاهم! يحز في النفس أن الذين تنتظر منهم أن يكونوا رمزا وقدوة للنشءِ، ممن يتشاركون معك مهنة الطبِّ، يعيثون في الأرض فسادًا وارتشاءً! يحز في القلب فقدان الثقة هذا بين المريض والطبيب، التي هي أساس كل عمل صحي ناجح؟ يحز في النفس أن الطبيب المغربي لأسباب ذاتية وأخرى خارجية لا يرقى لمستوى تطلعات المواطن المغربي! يحزنك أيضا أن المواطن نفسه يعاني ويلاتِ سياساتٍ تربويةٍ، صحيةٍ واقتصاديةٍ فاشلة تلقي بظلالها على العمل الصحي! تكفيك كل تلك الصدماتِ واللكماتِ التي ترِدُ كردودِ أفعالٍ حول خبرٍ صُحفيٍ يتناول خطأ طبيًا، أو توقيف طبيب عن المزاولة مؤقتا أو نهائياً، تتعالى بعدها التعاليق والتهليلات أنه ليس في القنافذ أملسُ، وكلهم عابدوا درهمٍ للثروات يُكدسُ، حبذا لو استبدلناهم بما هو أحسنُ، يخيم على ذاتك حينها سؤال أثقلُ، في هذا الوطن، هل نحن أطباء أم أعداءُ؟
هل نحن أطباء ؟ سؤال وجب طرحه على ذواتنا أولا، هل نحن في هذا البلد على قدر ما تحمله هذه المهنة من ثقل ومسؤولية عظيمة ؟
الطبيب في اللغة هو الذي يقوم بفعل التطبيب، وهو من التطبب في ما معناه مداواة المريض ومعالجته، وهو اسم من أسماء الله الحسنى الدال على عظمة وثقل هذا الفعل، ويدل أيضا على الثبوت والنصح والوعظ. وهي مهنة مقرونة بالفعل الإنساني والنبل ومكارم الأخلاق التي يجب أن تتجسد في الذي يمارسها. وتحتل المعاملة الحسنة إلى جانب الكفاءة دورا مهما وفعالا في الطب، وهي كالسارية التي تستند عليها أشرعة فعل الرعاية الصحية الناجح (استشارة، استشفاء)، علوها، ثباتها وارتكازها ينعكس على مجاراة المريض لمحنة المرض وطلب الشفاء. فالمريض في حالة الضعف هذه، يحتاج إلى من يستشعر أحاسيسه وينصت إلى آهاته، ويطمئنه على حالته، وخطورة مرضه، وإمكانية شفاءه ..، وغيرها من الأمور التي تندرج في إطار فنون المعاملة والتواصل. إتقان هذه الفنون يعد اتقانا للمهنة، وهو مرتبط أساسا بشخصية الطبيب وتكوينه وقدراته.
إشكالية العلاقة بين المريض والطبيب هو التوازن الذي يجب أن تنبني عليه بين الموضوعية والذاتية. إيجاد حالة التوازن هذه مع كل مريض حسب مستواه الفكري والمعرفي وخلفيته الاجتماعية على حدة ليس بالأمر السهل. فالإفراط في أحدهما يضر بالثقة بينهما (الطبيب والمريض). الإفراط في الموضوعية يولد علاقة عمودية فوقية يأمر فيها الطبيب مغلقا على ذاته وما على المريض سوى التنفيذ، وغالبا ما يجابه المريض هذا المعاملة بعدم الاستحسان والنفور واتخاذ حكم سلبي اتجاه الطبيب. أما الإفراط في الذاتية فيفقد للمعالج دوره ويلغي أهمية رأيه وتوجيهاته على حساب حالة المريض المرضية والنفسية والاجتماعية، مما يُنتِج خللاً في العلاقة بينهما. الأفضل والأجدر إيجاد حالة التوازن بين هذين الاثنين، بين الإنصات وإدماج المريض بإمعان وتأني، واتخاذ الطبيب للقرارات اللازمة في مصلحة المريض والتوافق معه على الالتزام والعمل بها، بما يكفل مرور فعل الرعاية الصحية بنجاح، مع التأكيد أن نجاح هذه الفعل مرهون أيضا بعوامل أخرى تتجلى في العوامل المادية والتقنية أساسا. فما موضع الطبيب المغربي من كل هذا ؟
الأكيد أن الطبيب المغربي لا يعد إنسانا كاملا، وهو نتاج منظومة تكوينية معينة لها ما لها وعليها ما عليها، لكي نحسم في موضوع الكفاءة تلزمنا دراسات خاصة، ما يهمنا في موضوعنا هو الجانب التواصلي للطبيب المغربي، في ظل غياب دراسات رسمية تؤطر الموضوع، فالملاحظ والمستشف من الممارسة أن فئة كبيرة من الأطباء تعاني نقصا في المهارات التواصلية والمعاملة الحسنة خاصة في الجانب التطبيقي، وقد يرجع ذلك لأسباب ذاتية أو خارجية نذكر بعضا منها:
فشل المنظومة الصحية، وهو إشكال متشابك أكبر وأعقد، يلقي بظلاله على الممارسة الطبية، في خضم عدم أولوية القطاع ( 6% من الناتج الداخلي مقارنة ب 12 % معيار منظمة الصحة العالمية) التي تظهر أثارها في هزالة الموارد البشرية ، فالمغرب يتوفر على 17 ألف طبيب ل 34 مليون مواطن، نصفهم في القطاع الخاص، بمعدل طبيب لكل 1600 نسمة، رقم بعيد كل البعد عن المعايير الدولية. إضافة إلى مشاكل الموارد التقنية واللوجيستكية والدوائية داخل القطاع العام التي افردها تقرير المجلس الوطني والاقتصادي والبيئي لسنة 2013. كل هذه الإشكالات تدفع بالطبيب في القطاع العام إلى الاهتمام بمحاولة حل كل هذه التعقيدات التقنية والإدارية والدوائية أثناء فعل الرعاية الصحية، مهملا جانب التواصل والمعاملة الحسنة، ما يؤثر على تقييم المريض ورضاه.
يعاني التكوين الطبي من نقص حاد في مجال تدريس مهارات التواصل والمعاملة الحسنة وتطبيقها. معضلة حقيقية يتخبط فيها الأطباء المتدربون حال اصطدامهم بالواقع الحقيقي للمستشفيات العمومية ويستمر أثرها طوال المسار المهني سواء انتهت به مجريات الأمور في القطاع العام أو الخاص، اللهم بعض الاجتهادات الشخصية من اجل التطور وتقديم خدمة أفضل. وقد أشار تقرير المجلس الوطني الاقتصادي والاجتماعي والبيئي حول الصحة سنة 2013 أن التكوين الطبي بالمغرب غير ملائم لطبيعة المجتمع المغربي وانتظاراته لذلك وجب تعديله وضبطه لخصائص وطبيعة الواقع الصحي في البلد.
الواقع المتردي للوضعية المادية والمعنوية للطبيب داخل القطاع العام، عبر غياب العدالة المادية في الموازاة بين الأجر وسنوات الدراسة وطبيعة العمل وظروفه، وعدم احترام مسطرة الأجور، والسياسة التشهيرية الشعبوية، وتحميله مسؤولية الفشل الصحي، وغياب التشجيع والتحفيز المعنوي خاصة فيما يخص المناطق النائية . اجتماع هذه الضغوطات المادية والمعنوية يولد فيه حالة احتقان وسخط تجاه المنظومة ككل، يحدث أن يؤدي ثمنه المريض الذي لا ذنب له.
شخصية الطبيب وطبعه خاصة إذا كان ذا شخصية نرجسية أنانية، منغلقة على ذاتها، ومتعالية على محيطها الاجتماعي.
هل نحن أعداء ؟ أو ما الذي يقف وراء تردي الصورة ونمطيتها ؟
الأكيد أننا نعيش حالة سخط شعبي تجاه المؤسسات الصحية عموما، وتجاه الجسم الطبي والتمريضي خصوصا، وهو ما يترجمه ازدياد حالات الاعتداءات، والتي تعرفها مصالح المستعجلات بالأخص، في ظل غياب إحصائيات وطنية، وحالات النفور من المستشفى العمومي، والأكيد أن لهذه الظاهرة أسباباً، تضاف إلى التي تطرقنا إليها قِبلاُ، ومنها:
التباين بين القطاع الخاص والعام:
القطاع الخاص يعرف نمو هائلا في ظل سياسة الخوصصة الصحية، التي قلبت واقع المستشفيات العمومية رأسا على عقب، وأردمت ما تبقى من جدرانه العتيقة. تنافسية القطاع الخاص غيرت للأسف من نوع فعل الرعاية الصحية من فعل إنساني غير ربحي، إلى فعل تجاري محض، وهذه ظاهرة موجودة ويستشعر مرارتها المريض وأقرباءه ما يترجم بإعطاء أهمية اكبر للمريض ومحفظة نقوده، وتتجسد معها صورة متناقضة بين طبيب القطاع الخاص والعام، فالأول تتوفر له الإمكانيات اللازمة ويقوم بمجهود أكبر في إطار خدمة المريض ورضاه عكس الثاني، وهو ما ينتهي باتخاذ المواطن لموقفه السلبي هذا.
الممارسات اللأخلاقية والتملص من المسؤولية :
قطاع الصحة أحد اكبر القطاعات العمومية غرقا في ظاهرة الرشوة والاتجار في صحة المرضى، وهذه أمور أكدها التقرير الذي اشرنا إليه أعلاه ولا داعي لإنكارها، يوازيها بعض التصرفات اللاخلاقية والتي لا تمس لقيم المهنة بصلة منها التملص من مسؤولية العمل بالنسبة للمتعاقدين مع القطاع العام، خاصة داخل أوقات العمل بدواعي مرضية مزيفة من اجل التهرب إلى القطاع الخاص. كلها أمور أثرت ومازالت تؤثر بشكل كبير على صورة الطبيب في المغرب، وجب الحد معها بسياسات ناجعة وتحفيزات أهم للقطاع العام.
نوعية المريض المغربي وخصوصيته:
وكما أن للطبيب واجبات تجاه المريض، فان لهذا الأخير أيضا واجبات تجاه الطبيب والمستشفى. في ظل مجتمع ما زالت تنخره نسب الأمية المرتفعة ( 10 مليون مغربي حسب مديرية التخطيط 2015)، ناهيك عن الثقافة والتربية الصحية التي تكاد تنعدم، ولأن المرض يتناسب اضطرابا في البلدان النامية مع المستوى الاجتماعي، ولأن المستشفى العمومي مستشفى الفقراء والمنعدمين، كل هذا يجعل من تقديم الخدمة الصحية بشروطها العلمية مهمة صعبة تحتاج جهدا وابتكارا لطرق تواصل وتبادل أفضل.
اغلب الدراسات التي تطرقت لظاهرة العنف الإستشفائي، ترجع أسبابه إلى المريض وأقربائه خصوصا، فنجد أن اغلبها يقع انطلاقا من عدم استحمال الانتظار، وكلنا كمواطنين مغاربة لدينا عقدة مع الانتظار في المؤسسات العمومية، وما أدراك إن كان في حالة المرض والخوف من تردي الحالة. إضافة إلى التدخل في اختصاص الطبيب وطلب إجراءات صحية وأدوية لا تدخل في نطاق نوع المرض (دير لي سكانير، عطيني دوا فلاني ... )، وانتظار الشفاء التام من بعض الأمراض العضال وتحميل مسؤولية انعدام الشفاء للطبيب. تتعالى معها حدة الأصوات بين الطرفين وتتجه نحو المواجهة والعنف اللفظي والبدني.
الواضح أن نوعية الأسباب هذه تظهر انه بالإمكان تجاوزها ببساطة إن تم التواصل بشكل أفضل، وان تم إعداد الإنسان في كيفية تعامله مع المستشفى والمؤسسات الصحية، وان تم تلقينه أسس الوقاية والتعامل مع المرض، وان تم إعداده في إطار سياسية تربوية صحية ناجحة. وتم تقليص فترات الانتظار التي تستلزم موارد بشرية أكثر.
كما أن الطبيب المغربي أمام حاجة ملحة ليخرج من قوقعته، لكي يكسر هذا البعد بينه وبين المواطن، أصبح لزاما أن يقترب من اهتماماته وهواجسه، وأن يلعب دورا فعالا بصيغة أفضل وأكبر عبر ممارسة الفعل السياسي والاجتماعي والتربوي داخل المجتمع ، في انتظار حلول أنجع لمنظومة صحية تتخبط، إن كان مقدرا لها أن تتحسن.
في الأخير، اعلم سيدي المواطن، أنك حين تتهمني بعدم الإحساس واللامبالاة، ما وددت لك أن تعرف أبشع الأحاسيس تلك، حين تنفلت روح مريض إلى بارئها بين يدي، لأنه لم يعد في قدرتي ما أفعل، أو لأن دواء معين لا يوجد، أو أن جهاز إنقاذ قد تعطل، أو أن خطأ مني قد صدر، عذرا فأنا إنسان قد أخطئ، صدقني ما ووددت لك أن تعرف إحساس العدم ذاك. اعلم أخي، أن لاشيء افجع من نظرات ترمقني بها حين العوز وعدم المقدرة، أو حين تبكي فلذة كبد ينخرها المرض أمام ناظريك. قبل أن تتهمني ب"البرودة" اعلم أني فقدت الكثير من ذاتي فقط لكي أساير متطلبات هذا الوضع. تذكر أنني جزء صغير من منظومة تكبرني وتكبرك.
تذكر أني أخر شخص تحتاج رؤيته في حياتك، وإن حدث لأنه يحدث أن نمرض، قد يتطلب الأمر بعض الانتظار أو أن يسبقك أحد في حالة أعجل، لا ضير في ذلك، قليل من الصبر، أحيانا الأخير ينال معاملة ووقت أكبر. أحيانا، قد اخطأ في حقك ووقتك، وقد لا تكون زيارة أمثل، فانا أحاول أن أوزع للكل من الوقت والمجهود شيئا. لأنها مهنتي ولأنه حق لي ولا دخل لي من غيرها، وقد كابدت وعانيت كثيرا لكي أمتهنها، أن استخلص أجرتي كما يستخلصها أي مهني أخر، لأنهم علموني أنه بقدر الكد والمثابرة يجازى الإنسان أكثر، لا أبحث أن اغتني من بؤسك كل ما في الأمر أجرة لا أكثر، أعلمُ أن هناك أناسا لوثوا ولطخوا هذا النبل بالدم الأحمر، لكن ليس لنا جذر أوحد. هناك الكثير ممن يحقدون علي، يتحينون أي فرصة للانقضاض علي، يريدون أن يحملوني المسؤولية في كل شيء، فقط لكي ترتاح جفونهم ويواصلوا عبثهم وفسادهم، لن اسكت ما حييت، وسأوصل صوتي لكل من يهمه الأمر، وأحارب من أجل حقي بشكل أشرس.
لا تنتظر مني أن أمدك بشهادة زور حين لا يستحق الأمر. اعلم أن الحزم أيضا جزأ من عملي، قد ألجأ إليه لكي لا تنفلت الأمورَ وتصبح فوضى أجَلُّ . لأني إنسانٌ ،أنا أيضا أتعب. سواء كنتُ قد اخترتُ هذه المهنة أو اختارتني، لم ولن أكون يوما عدوا لك، إن أردت أن تستعديني فلا ضير، لن يغير ذلك أي شيء.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.