تعتبر الفكرة القائلة بأن المجتمع المغربي اليوم هو مجتمع تكافؤ الفرص، بمعنى أنه يمكن للجميع الوصول إلى أعلى الهرم، فكرة خاطئة. ذلك أن المجتمع المغربي يتميز يالتفاوتات عميقة. وهذه هي حقيقة مؤلمة ومحزنة. خاصة عندما يتساءل المرء عن مدى هذا التفاوت في الفرص، وبالتالي كيف يمكن لأبناء الفقراء أن يستفيدوا من نفس الفرص التي يستفيد منها أبناء الأغنياء. اللامساواة من وجهة نظر اجتماعية، هي الاختلافات القائمة بين الأفراد من حيث الولوج إلى الموارد الاجتماعية القليلة والقيمة. والمقصود بالموارد الاجتماعية هنا هي مجموع الأفعال الانسانية سواء منها السياسية، الاقتصادية، الثقافية، الاجتماعية، الخ. هكذا فاللامساواة الاجتماعية هي نتيجة للتوزيع غير العادل للموارد داخل المجتمع. وكنتيجة طبيعية لهذا التوزيع اللامتكافئ، ستبرز بشكل مباشر مجموعة من الطبقات الاجتماعية تصنف كل حسب درجة وصولها واستفادتها من هذه الموارد الاجتماعية. في هذا الإطار، يذهب الكسيس دو توكفيل Alexis de Tocqueville وهو مؤرخ ومنظر سياسي فرنسي، من خلال كتابه { الديمقراطية في أمريكا – de la démocratie en amérique } إلى القول بأن الديمقراطية هي أكثر من مجرد نظام سياسي، فهي حسب تعبيره حالة اجتماعية état social. وهذا يعني أن هنالك مجتمعا معينا يتم بنائه من حيث المبدأ على أسس المساواة والعدالة. حيث تشير هذه الأسس إلى ما يمكن تسميته بقانون الديمقراطية، وهذا ما نقرأه في ديباجة الإعلان العالمي لحقوق الإنسان التي تنص على أن : { الرجال يولدون أحرارا ومتساوين في الحقوق... } فمن خلال مبدأ المساواة، يمكن إلغاء الصراعات الهرمية داخل المجتمع، فالمجتمع في حالة المساواة يزيل جميع عناصر التمييز الطبقية، حيث يكون جميع أفراده على قدم المساواة في الولوج إلى الموارد، كما أنها هذا يعني عدم وجود اختلافات نتيجة للظروف الاجتماعية الوراثية، الخ، حيث أن مرتبة الشرف متاحة للجميع. ولعل أكبر دليل على انعدام مبدأ المساواة نجد التوظيف المشبوه الذي اعترى عددا من المحسوبين على حزب العدالة والتنمية، أبرزهم ابنة السيد رئيس الحكومة عبد الإله ابن كيران الذي يطمح إلى محاربة الفساد والمفسدين كما يدعي... وبتعبير اخر، تستند أشكال اللامساواة في المجتمع المغربي على حقيقة موضوعية، ألا هي فكرة اللاعدالة الاجتماعية أو ما يعرف باللاعدالة على مستوى الولوج إلى الموارد، التي تعتبر في نفس الوقت تعبيرا ومؤشرا على الظلم الاجتماعي، الذي يتأسس على تفضيل فئة من الناس على فئة أخرى، ولعل أكبر مثال حي هنا هي قصة التوظيف بالأمانة العامة للحكومة. وهذا ويعلم غالبية المغاربة أن حزب العدالة والتنمية عندما تقدم لخوص الانتخابات التشريعية لسنة 2011، والتي كانت سابقة لأوانها نتيجة لما يعرف بالربيع العربي، تقدم ببرنامج انتخابي يتضمن ستة وخمسين - 56 – ورقة معنون ب { من أجل مغرب جديد : مغرب الحرية والكرامة والتنمية والعدالة }. فبالإطلاع على محور هذا البرنامج وأذكر هنا الصفحة الأولى منه نقرأ ما يلي: { محور برنامجنا: التمكين للحكامة الجيدة على المستويات السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية والخارجية، والقائمة على الديمقراطية الحقيقية والمسؤولية والمنافسة الشريفة والشفافية والنزاهة والمنطلقة من قراءة متجددة لمرجعيتنا الإسلامية وهويتنا المغربية المتعددة المكونات، من أجل استثمار أمثل للإمكانات والفرص } هذا ويتضمن نفس البرنامج الذي تقدم به الحزب العديد من الأرقام المتعلقة بالمغرب الاجتماعي أو ما يعرف دوليا بمؤشرات التنمية البشرية، ففي الوقت الذي يشير فيه تقرير 2011 إلى ما يلي: مؤشر التنمية البشرية: 114 من أصل 182 الفقر: وجود 8.5 مليون معوز السكن: 700 ألف وحدة في العجز وبقاء 43 مدينة صفيحية مع زيادة 117 ألف منزل صفيحي، والإنجاز الفعلي 30 – 35 ألف سكن اجتماعي. البطالة وبطالة حاملي الشهادات : أزيد من مليون ضمنهم 24% من حاملي الشهادات الأمية 30% الهدر المدرسي : 10.8% في الثانوي الإعدادي، الهدر الجامعي 18% السنة الأولى من الإجازة. مديونية الأسر: 26% من القروض موجهة للأسر بقيمة 169 مليار درهم. { لمزيد من المعلومات راجع برنامج حزب العدالة والتنمية / أو تقرير التنمية البشرية لسنة 2011 } يشير تقرير التنمية البشرية لسنة 2015، والذي يتجاوز المفهوم التقليدي لمصطلح التنمية الذي يقدمه أول تقرير لسنة 1990 والذي يشير إليه بأنه: { التنمية هي توسيع الخيارات، وفي غنى الحياة لا في غنى الاقتصاد، والعمل رافد يغني الاقتصاد كما الحياة... } في حين أن مفهوم التنمية Development حسب تقرير 2015 يتجاوز التصور الذي طرحه تقرير 1990 حيث يرى أن العمل في مقام الثروة من حياة الإنسان هكذا نجد أنه وفي الفترة الممتدة من تصدر حزب العدالة والتنمية للانتخابات التشريعية وتوليه تسيير الأعمال الحكومية، نلاحظ أن المغرب قد عرف تراجعا على مستوى مؤشرات التنمية البشرية كما يلي: فقد احتل المغرب الرتبة 126، وهي مرتبة جد متدنية خاصة إذا ما علمنا أن دولة كالعراق1 تحتل مرتبة متقدمة مقارنة بالمغرب، كذلك الأمر بالنسبة لفلسطين التي تحتل المرتبة 113 بالرغم من الاستعمار، أما بالنسبة للجزائر الجارة الشرقية للمغرب فإنها تحتل الرتبة 83، تضيف إليها كل من تونس الرتبة 96 وليبيا الرتبة 942. أما بالنسبة لتقرير 2014 المعنون ب فقد احتل المغرب الرتبة 129، في حين أن دولا تعاني من مجموعة من التحديات فضلا عن تغير أنظمتها احتلت رتب متقدمة بعض الشيء على المغرب كالعراق بالرتية 120، مصر بالرتبة 110، الجزائر الرتبة 93، ثم تونس التي احتلت الرتبة 903. أما بالنسبة لتقرير 2013 المعنون ب فقد احتل المغرب الرتبة 130، في حين احتل العراق المرتبة 131 ، أما الجزائر فقد احتلت الرتبة 93، فيما حلت تونس في الرتبة 94، أما مصر فقد احتلت الرتبة 1124. أما وبالرجوع إلى التقرير الذي عرضه والي بنك المغرب السيد عبد اللطيف الجواهري على الملك محمد السادس، فإنه يؤشر على وضعية صعبة للاقتصاد المغربي، حيث يسجل التقرير نسبة نمو تقل بكثير عن النسبة التي تم تسجيلها منذ سنوات 2000، حيث سجلت نسبة نمو تقدر ب %3.1، أما على مستوى نسبة الاستهلاك الهائي للأسر فقد سجل هو الاخر تراجعا مقارنة بسنة 2011 التي سجلت نسبة 5.4% مقارنة بسنة 2014 التي عرفت نسبة 3.2%. أما بالنسبة لمناصب الشغل التي أحدثها الاقتصاد الوطني فلم تتجاوز نسبة 21000 منصب. حيث تعتبر هذه النسبة ثاني أدنى رقم يتم تسجيله خلال أربعة عشر - 14 – سنة. وتجدر الإشارة إلى أن القطاع الصناعي عرف فقدان ما يقارب 37000 منصب، حيث يعتبر هذا الرقم الأكبر من نوعه منذ سنة 2009. أما بالنسبة لنسبة البطالة، فقد تفاقمت على مستوى السنوات الثلاث السابقة لتصل إلى نسبة 9.9%. ولعل هذا أكبر دليل على فشل وعجز السياسات التي تنهجها حكومة الأستاذ عبد الاله بن كيران عن تدبير ملف التشغيل5. فهذه كلها مؤشرات ومعطيات رسمية تفيد أن الاقتصاد الوطني في سنة 2014 يعرف نسبة نمو جد منخفضة، وهذا ما يؤكد عجز الحكومة على المستوى الاقتصادي سواء تعلق الأمر بجلب الاستثمارات وخلق فرص الشغل، أو تعلق الأمر بتحسين المستوى المعيشي للمغاربة... وحتى نوفي لكل ذي حق حقه، صحيح أن هذه الحكومة تقدمت بسياسات مشجعة على المستوى الاجتماعي، إلا أن هذه فاعلية ونجاعة هذه السياسات تحتم علينا كمغاربة مساءلة أنفسنا كالأتي: إلى أي حد نشعر بالرضى اتجاه ما قدمته حكومة بن كيران؟ ومن هذا المنطلق أتساءل، هل سيصوت المغاربة مرة ثانية على حزب العدالة والتنمية؟ 5 تعرف العراق إرهابية، نتيجة إنعدام الأمن وانتشار الجماعات المسلحة كداعش، فضلا عن الصراعات الإثنية بين الأكراد والسنة والشيعة... 2. لمزيد من المعلومات راجع / راجعي : الأممالمتحدة : تقرير التنمية البشرية لسنة 2015: التنمية في كل عمل، برنامج الأممالمتحدة الإنمائي نيويورك 2015. 3. لمزيد من المعلومات راجع / راجعي : الأممالمتحدة : تقرير التنمية البشرية لسنة 2014: المضي في التقدم بناء المنعة لدرء المخاطر، برنامج الأممالمتحدة الإنمائي، نيويورك 2014. 4. لمزيد من المعلومات راجع / راجعي : الأممالمتحدة: تقرير التنمية البشرية لسنة 2013 : نهضة الجنوب: تقدم بشري في عالم متنوع، برنامج الأممالمتحدة الإنمائي، نيويورك 2013 5 لمزيد من المعلومات راجع / راجعي : المملكة المغربية - بنك المغرب: التقرير السنوي لسنة 2014، السنة المالية 2014 متوفر على الموقع الالكتروني لبنك المغرب www.bkam.ma . *باحث بسلك الدكتوراه قانون عام وعلوم سياسية - كلية الحقوق سطات [email protected]