بمشاركة المغرب.. انطلاق أشغال الدورة ال78 لجمعية الصحة العالمية    الرباط تستضيف أشغال الاجتماع الخامس للتحالف العالمي لتنفيذ حل الدولتين    عبد السلام بلقشور يعلن عدوله عن الترشح لرئاسة الرجاء الرياضي    أخنوش: الحكومة تحملت مسؤوليتها التاريخية بجرأة سياسية لطي ملف المتعاقدين بشكل نهائي    بورصة الدار البيضاء تنهي تداولاتها على وقع الأخضر    الكرة الذهبية 2025 .. نجوم العالم يتأهبون لمعركتهم في قلب باريس شتنبر المقبل    أخنوش يستعرض جهود الحكومة لتوسيع العرض المدرسي وتعزيز التعليم    "أمان".. دورية شرطة ذكية تضع المغرب في مصاف البلدان الرائدة في المجال الأمني    تأجيل استنطاق لخصم في ملف تبديد المال العام    هذه هي المعايير المعتمدة من قبل الداخلية لانتقاء الشباب للخدمة العسكرية    بوريطة يستقبل مسؤولا ببرلمان غانا    الأبواب المفتوحة للأمن الوطني: دبلوماسيون يشيدون بالمقاربة الاستباقية للمغرب في تعزيز الأمن الداخلي    أخنوش: لا نسعى لتكريس النخبوية ونراهن على "مدارس الريادة" لضمان الجودة والعدالة التربوية    قيادات: جهة بني ملال "قلعة بامية"    « "Shining Fès" : و"Rising Ouarzazate": انطلاقة جديدة للسياحة المغربية»    القطار فائق السرعة يتحول إلى سلحفاة بسبب عطب تقني ناتج عن قطع الألياف البصرية    البراق يتوقف عن العمل و المكتب الوطني للسكك الحديدية يكشف السبب    البرلمان المغربي يحتضن الدورة ال83 للجنة التنفيذية للاتحاد البرلماني الإفريقي    النصيري يسجل هدفا في فوز فنربخشة أمام أيوب سبور (2-1)    مليونا شخص يتضورون جوعا في غزة    النيابة العامة تطالب بحضور الشهود في ملف "قتل الشاب بدر" بالبيضاء    حريق يشبّ بمستودع قرب المحمدية    تفشي إنفلونزا الطيور .. اليابان تعلق استيراد الدواجن من البرازيل    ستيفان عزيز كي يعزز صفوف الوداد    مهرجان "ماطا" للفروسية يحتفي بربع قرن من الازدهار في دورة استثنائية تحت الرعاية الملكية    المهرجان الدولي لفن القفطان يحتفي بعشر سنوات من الإبداع في دورته العاشرة بمدينة طنجة    بين الراب والإحساس.. "لواليدة" تكشف جانبًا جديدًا من أسلوب مصطفى قادري    ب130 مليار درهم.. "طاقة المغرب" تعلن عن شراكة استثمارية كبرى في الطاقة والمياه    إيهاب أمير يطلق جديده الفني "انساني"    خبراء وإعلاميون وباحثون وأكاديميون يناقشون" مسؤولية الإعلام في صيانة التراث الثقافي والطبيعي الوطني"، في ندوة احتضنها بيت الصحافة بطنجة    "درونات" الأمن الوطني.. استشراف ميداني للتهديدات الأمنية المعقدة    مشاركة مكثفة في "خطوات النصر النسائية" ببن جرير    تشخيص جو بايدن بنوع "شرس" من سرطان البروستاتا وانتشار المرض إلى عظامه    ورشة مغربية-فرنسية لدعم أولى تجارب المخرجين الشباب    توقعات أحوال الطقس ليوم غد الثلاثاء    مرسيليا تحتفي بالثقافة الأمازيغية المغربية في معرض فني غير مسبوق    مدرب منتخب أقل من 20 سنة: اللاعبون قدموا كل ما لديهم والتركيز حاليا على كأس العالم المقبل    مليونا شخص يتضورون جوعا في غزة    العلاقات المغربية السورية: بين مدّ قومي وجزر سياسي    أنشيلوتي: مودريتش سيقرر مصيره بهدوء.. وهذه نصيحتي لثلاثي المستقبل    مباريات السد.. السوالم يواجه أولمبيك الدشيرة والحسنية تلاقي رجاء بني ملال    سفارة الصين بالمغرب: فيديو الملك الراحل الحسن الثاني وهو يدافع عن الصين بالأمم المتحدة حصد أكثر من 100 ألف إعجاب خلال يومين فقط على وسائل التواصل الاجتماعي الصينية    التلفزيون الجزائري في قلب فضيحة دعائية: بث مشاهد إسبانية كمزاعم عن "نفق سري" بين المغرب والجزائر    الذهب يرتفع وسط تراجع الدولار وتهديدات أمريكية بفرض رسوم جمركية    تأخيرات وإلغاءات.. الخطوط الملكية المغربية تحذر مسافريها من وإلى باريس أورلي    المغرب ‬يسعى ‬إلى زيادة ‬صادراته من ‬السيارات ‬نحو ‬مصر    العيش البيئي واقتصاد الكارثة    22 قتيلاً في غارات إسرائيلية على غزة    تشخيص إصابة الرئيس الأميركي السابق جو بايدن بنوع "عدواني" من سرطان البروستاتا    ارتفاع حركة المسافرين بمطار الحسيمة بنسبة 19% خلال الأشهر الخمسة الأولى من 2025    تقرير رسمي.. بايدن مصاب بسرطان البروستاتا "العنيف" مع انتشار للعظام    من المغرب.. مغادرة أولى رحلات المستفيدين من مبادرة "طريق مكة"    التوصيات الرئيسية في طب الأمراض المعدية بالمغرب كما أعدتهم الجمعية المغربية لمكافحة الأمراض المعدية    وزارة الصحة تنبه لتزايد نسبة انتشار ارتفاع ضغط الدم وسط المغاربة    رحيل الرجولة في زمنٍ قد يكون لها معنى    بمناسبة سفر أول فوج منهم إلى الديار المقدسة ..أمير المؤمنين يدعو الحجاج المغاربة إلى التحلي بقيم الإسلام المثلى    فتوى تحرم استهلاك لحم الدجاج الصيني في موريتانيا    أمير المؤمنين يوجه رسالة سامية إلى الحجاج المغاربة برسم موسم الحج لسنة 1446 ه    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



الجنس لنا لا لغيرنا .. أو احتكار الجنس باسم القانون
نشر في هسبريس يوم 29 - 08 - 2016

علّمونا منذ الصغر أن نتحاشى الحديث عن الجنس. وعندما كبرنا بدأنا نتمرد على ما علّمونا لسبب بسيط وهو أن "الطبيعة لا تقبل الفراغ"، أو بعبارة أخرى، الجنس لا يقبل القمع.
حصّنوا المرأة وهي فتاة. حصّنوها بطقوس وآيات تحولت فيما بعد إلى أعراف وقوانين: قوانين جنائية قبل أن تكون أخلاقية.
الجنس منبوذ في ثقافتنا. الجنس مقموع وممنوع. تلك كانت القاعدة في الديانة اليهودية كما في المسيحية والإسلام. إذا أردت، رجلاً كنت أو امرأة، أن تستجيب لنداءات جسمك، فما عليك إلا طلب رخصة الجماعة (أو الدولة، الممثلة للجماعة). عليك أن تطلب رخصة خاصة تسمى في الحضارة العربية الإسلامية ب "عقد النكاح" (أي عقد الجماع). وعقد النكاح هو ورقة تسمح لكما، أنت وشريكتك (أو أنت وشريكك) بأن تمارسا حقكما في الجنس تحت حماية القانون، دون أن تطالكما لا عقوبة الجماعة ولا عقوبة الدولة.
في المجتمعات التقليدية، كان الجنس يمارس بطريقة "طبيعية" لا يتدخل فيه المجتمع إلا للاعتراف به كحالة طبيعية. فبمجرد ما أن يبلغ الفتى أو الفتاة سن الرشد الجنسي (16-12 سنة)، تقوم الجماعة بتزويجهما باعتبار أن المسألة طبيعية، وعكس ذلك يدخل ضمن معاكسة الطبيعة. حفل الزواج هنا هو اعتراف نهائي بحق طبيعي، وليس بداية لممارسة هذا الحق. ولإضافة طقوس اجتماعية على هذا الحق الطبيعي، تشترك الشعوب في كثير من الاحتفالات الجماعية المواكبة للأمر الطبيعي، وما موسم إملشيل في الأطلس وموسم سيدي شعيب أومفتاح في الريف إلا تجسيداً لهذه الطقوس. في هذين الموسمين يتعارف العشيقان الجديدان أو يقوم العشيقان القديمان "بالتأشير الاجتماعي" على أمر قائم.
لكن الأمور ستتغير جذريا عندما ستتدخّل السياسة (أي الدولة)؛ حيث ستتبنى الدولة "حقها العام" في إدارة الجنس عبر التحكم القانوني في الرغبات والشهوات وتبادل اللذات. ومع تطور الدولة ستنصهر "الأعراف" الاجتماعية مع القوانين "السياسية" وسيصبح "الحق الطبيعي" في ممارسة الجنس، الذي هو في الوقت نفسه حق إنساني، حقاً مشروطاً، وسيكون على الفرد أن يؤدي ذعيرة كبيرة إن أراد أن يمارس هذا الحق: المهر الذي ترتفع قيمته حسب قانون السوق وتكاليف الإشهار عبر حفل الزواج (الذي أصبح تحت رحمة السوق الرأسمالية: تكاليف قاعات الحفلات وتوابعها).
وبما أن قانون الرأسمالية المتوحشة لا يرحم إلا الميسورين، فمع مرور الزمن سيصبح من الصعب جدا على الأفراد أن يمارسوا حقهم الطبيعي في الجنس واللذات الجنسية. وهكذا فالأفراد، خصوصاً منهم الشباب، سيجدون أنفسهم أمام باب مسدود: إما أن يتزوجوا، وهو مطلب أصبح بعيد المنال، وإما أن يمارسوا الجنس خارج الزواج، وهو مطلب وراءه عواقب سالبة للحرية (السجن والبهدلة)، إضافة إلى أنه مؤدى عنه. ولا عجب، في هذه الحالة، أن يطول سن الزواج الأول عند المغاربة (متوسط سن الزواج عند الرجال هو 35 سنة، وعند النساء 28 سنة).
وطبعاً، ضمن منظومة الرأسمالية المتوحشة (تدخل في ذلك حليفتها الرأسمالية الإسلاموية أيضاً)، فالجنس يبتعد عن طابعه الطبيعي (والإنساني) ويتحول إلى سلعة ومتعة لمن يستطيع فقط أن يؤدي: أن يؤدي رسوم وتكاليف الزواج وإشهاره (مثنى وثلاث ورباع بالنسبة للماتشو المسلم)، أو أن يؤدي ثمن استئجار متعة جنسية لمدة محدودة (من ربع ساعة إلى بضعة أيام). وحتى استئجار المتعة واللذة هنا ستختلف حسب وضعك الاجتماعي: إن كنت "مزلوطاً" يمكن أن تستأجر متعتك بعشرة دريهمات وتقضي حاجتك في المساكن المهجورة مثلاً، تحت طائلة جناية الفساد وغير ذلك، وإن كنت من الميسورين يمكنك أن تستأجر شقة في فندق 5 نجوم وأنت مرتاح البال لأنك تعرف مسبقاً أنك لن تتعرض لأية مضايقة.
الجنس والمتعة الجنسية حق، لكن، على ما يبدو، لمن استطاع إليهما سبيلا. الفلاح البسيط والعامل والطالب الفقير والموظف غير الإطار لا يستطيعون ممارسة حقهم "الطبيعي" في الجنس نظراً لعجزهم المادي (وليس الجنسي). فهم، خوفاً من القانون ومن البهدلة، إما أنهم يكتفون بممارسة الجنس الذاتي (كما لو كانوا خناثاً، جمع خنثى)، أو أنهم يتنازلون عن كرامتهم ويغامرون بصحتهم وبوضعهم القانوني فيبحثون في السوق السوداء عما "يرضي" رغباتهم الإنسانية.
الوضع يختلف كثيراً إن كنت "إسلامياً" ورأسمالياً في الوقت نفسه (أو حليفاً للرأسماليين). في هذه الحالة، بإمكانك أن تتزوج (مع أداء كل التكاليف والذعائر الاجتماعية) بامرأة أو اثنتين أو ثلاثة أو أربعة. وبالطبع فالجمع هنا تسلسلي: فكلما أحسست بأن المرأة الأولى بدأت "تترهل"، كلما توفرت لك فرصة الإتيان بأحسن منها. طبعاً، وحتى وإن كان العصر لا يسمح بالاستمتاع "بما ملكت أيمانكم"، فإن الدولار يعطي لك فرصة الاستمتاع بما هو أحسن. لا حاجة لنا بالتذكير بفقهاء الوهابية الذين يطبقون "القمع الجنسي الممنهج" على غالبية السعوديين، بينما هم، بفضل الدولار، "يستمتعون" (إن كانوا فعلاً يستمتعون) "بحور عين كأمثال اللؤلؤ المكنون" في بقاع العالم المتفتح.
في مجتمعنا هناك مواطنون يعانون قساوة من طرف المجتمع والدولة معاً. قساوة لا تتصور. فمثلاً، ماذا عساه يعمل رجل في سن السبعين، في تمام صحته الجنسية، متزوج وله أولاد وأحفاد وامرأة ميؤوس منها (من ناحية الصحة الجنسية)؟ هل سيتزوج امرأة ثانية؟ (وهو ما يقوم به الكثير بدعوى توفير امرأة شابة تخدم "الهرمين" معاً!)، مع ما يتضمن ذلك من مشاكل عملية وأخلاقية تجاه الزوجة والأولاد والأحفاد والمجتمع؟ هل من الحكمة أن يتزوج "وفق السنة" أم أن تكون له خليلة تقاسمه "حقاً طبيعياً" في اللذة دون أن تقاسمه مشاكل إضافية هو وزوجته وأولاده في غنى عنها؟
ثم، ماذا عسانا نعمل في حالة امرأة شابة تزوجت في ظروف اجتماعية مقهورة بشيخ سرعان ما نضبت "ديناميته"، ولدت معه عدة أولاد؟ هذه الشابة، هل سنشجعها على قضاء عمرها مثل راهبة محكوم عليها أن تقمع رغباتها الطبيعية؟ أم ندفعها إلى طلب الطلاق مع كل المآسي التي يمكن أن تترتب عن ذلك بالنسبة لأولادها؟ ما الذي يمكن فعله في هذه الحالة، مع العلم أن كل علاقة خارج "عقد الجماع" المعترف به يعاقب عليها القانون قبل المجتمع؟
هناك قانون ما يزال ساري المفعول، على الصعيد الوطني كما على الصعيد العالمي، قانون فرضته الرأسمالية المتوحشة وهو "قانون 10/90". هذا القانون مفاده أن 10% من المواطنين يستفيدون من الخيرات المادية والرمزية (ومن بينها الخيرات الجنسية)، بينما 90% يجدون صعوبات كبيرة من الاستفادة من هذه الخيرات. المسألة لا تتعلق بالرجال فقط، بل بالنساء أيضاً (على بالكم قصة الأميرة القطرية التي ضبطت مؤخراً بأحد فنادق لندن تمارس الجنس بعربدة مع 7 فحول من الشباب). إنها فعلاً لالّة سبعة رجال كما يحكي لنا التراث!
الديمقراطية ليست مطلباً خبزياً فقط، إنها مطلب "جنسي" أيضا، فبالجنس ترتبط صحة العقل والمجتمع معاً!
*أستاذ جامعي


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.