لا يمر لقاء إلا ويذكر فيه بنكيران الملك، ويتحدث عن فضل الملكية على المغرب وعلاقة الود المتبادلة بين الملك والشعب على مر التاريخ؛ ويزيد في كثير من الأحيان فيتحدث عن علاقته مع المؤسسة الملكية، وكيفية معالجتهما للمشاكل العالقة، وهو تداول مفرط للملكية يطرح أكثر من علامة استفهام. إن الملكية المغربية أقدم من التنظيم السياسي الحزبي، بل إن الكثير من الأحزاب السياسية منذ فجر الاستقلال وليدة القصر، ولذلك كان التلاحم بينها وبين المؤسسة الملكية منطقيا.. لكن ولادة أحزاب سياسية من خارج هذا النسق التقليدي وتوسع قاعدتها الشعبية ما لبث يشكل عنصر إزعاج للمؤسسة الملكية..وكثيرا ما تدخلت "المؤسسة المخزنية" لتقزيم أحزاب وإضعاف أخرى، لكي تظهر الملكية دائما في مركز الصدارة والريادة بدون منافسة. ومن المعلوم أن الوضع القانوني والاعتباري للملكية مختلف تماما عن وضع الأحزاب السياسية، لكن الغريب في الأمر أن المؤسسة الملكية تتعامل في كثير من اللحظات التاريخية وكأنها حزب سياسي ينافس الأحزاب الأخرى في الشعبية والاستقطاب. بناء عليه نعود إلى محاولة تفسير حضور الملك في خطابات بنكيران.. ليس من المستبعد أن يكون بنكيران في خطاباته يحاول أن يتقرب من الملك ويطلب وده وعطفه، وهو العالم بأن مفاتيح الحل والعقد بيده، وفي الوقت ذاته يطمئنه على شعبيته ولسان حاله يقول: مهما بلغت أنا وحزبي من الشعبية يا جلالة الملك فلن نصل إلى مستوى شعبيتك ومكانتك السامية، وحب الناس لي هو من صميم حبهم لك؛ لذلك لا يجب أن تزعجك تجمعاتنا الغفيرة، فهذا شعبك وما أنا عليهم بمسيطر. يعي بنكيران جيدا قوة المؤسسة الملكية في المغرب، ويعي جيدا أن التعايش معها يستوجب السمع والطاعة، لذلك لا تفوته فرصة إلا ويسهب في المدح والثناء، وينبه الوشاة والحساد والمشوشين الذين لا يريدون استمرار هذه العلاقة الطيبة؛ لكن "المؤسسة المخزنية" تعي جيدا سريرة بنكيران وطموحاته الكبيرة، وهي العارفة ب"الشاذة والفاذة"، وما يدور في الجماجم من أفكار وفي القلوب من ضغائن. لقد نبه الملك في خطابه الأخير كل السياسيين، وخصوصا "البنكيرانيون"، إلى الابتعاد عن توظيفه في خطاباتهم؛ على اعتبار أنه لكل المغاربة وينتمي إلى حزب المغرب. "إن الضامن لاستقرار المغرب هو الملكية"، جملة يكررها بنكيران في خطاباته، لكنه في سياق آخر من الخطاب نفسه يذكر فضل حزبه في إنقاذ المغرب من الخراب الذي آل إليه الربيع العربي. وفي لقاء آخر في مجلس النواب يلوم المعارضة على كونها تنسب الإنجازات الجيدة للملك والإخفاقات له، وفي مجلس آخر يصرح بأن حكومته هي حكومة جلالة الملك. لا شك أن بنكيران يعي حالة الارتباك الموجودة بين المؤسسة الحكومية والمؤسسة الملكية على المستوى القانوني وعلى صعيد التشريع والتنفيذ؛ وما خطاباته إلا محاولة للاحتماء بالمؤسسة الملكية حينا، وتوجيه رسائل تهديدية لفضح المسكوت عنه حينا آخر.. في كل الأحوال ليس لدينا علم بنوايا الرجل، لكن ما تنم عنه كلماته هو أنه يمارس لعبة الضغط والاستمالة والمناورة، طالبا من "المؤسسة المخزنية" مده بالمزيد من المساحات السياسية لتنفيذ مشروعه السياسي. * باحث في تحليل الخطاب السياسي بجامعة ابن زهر