بحضور لشكر.. برلماني: الناس وخا منديرو لهم والو غيصوتو علينا والمقعد مضمون غي تهناو!    القانون المسطرة الجنائية.. محطة مفصلية في ورش الإصلاح الشامل لمنظومة العدالة    أوكرانيا تقول إنها تحتاج 120 مليار دولار للدفاع    طقس الأحد: أجواء حارة نسبيا بعدد من الجهات    بعقْلية الكسل كل أيامنا عُطل !    الجزائر والبوليساريو في مرمى الاتهامات: تقارير تكشف ممارسات "عبودية معاصرة" داخل مخيمات تندوف    الداخلة.. حجز 6,8 طن من الأسماك واعتقال 12 شخصاً: ملف جديد يسلّط الضوء على التهريب البحري    العدالة والتنمية بتطوان يطلق مجموعة من الأوراش السياسية وعلى رأسها ملف الانتخابات    إسرائيل تواصل حرب الإبادة على غزة: عشرات القتلى وتدمير أبراج ومدارس وسط موجات نزوح وتجويع    تعاون استراتيجي بين المغرب وموريتانيا.. جبهة موحّدة ضد الإرهاب والتهريب    تحضيرا للمونديال.. المغرب يطمح لاقتناء نحو 7000 حافلة صينية جديدة بحلول عام 2030، نصفها يعمل بالطاقة الكهربائية    موريتانيا وإسبانيا.. نحو شراكات اقتصادية واعدة    قانون المسطرة الجنائية الجديد يدخل حيز التنفيذ    أمين حارث يواصل مشواره الأوروبي مع باشاك شهير التركي    الجيش الملكي يبدأ موسمه بانتصار على اتحاد يعقوب المنصور    انفجار في مطعم يخلف 25 جريحا بمدريد    "السكك الحديدية": موسم صيفي ناجح    منتدى عائلات الرهائن الإسرائيليين: نتانياهو "عقبة" أمام إنهاء حرب غزة    توقيف شاب بالقنيطرة بعد ظهوره في فيديوهات سياقة استعراضية تهدد سلامة المواطنين    قضية خيانة زوجية.. محكمة تستبدل الحبس ب 180 ساعة خدمة للمجتمع    مدرب جزر القمر يتحدث عن مواجهة فريقه المرتقبة ضد المغرب            آلاف النازحين من غزة مع استمرار الهجمات الإسرائيلية وتدمير المباني        ميناء الناظور .. انخفاض ب10 في المائة للكميات المفرغة من منتجات الصيد البحري    آلية جديدة لمراقبة مواظبة التلاميذ والأساتذة مع بداية السنة الدراسية    حياة الكلاب..حياة الماعز    المطبخ المغربي يتألق في القرية الدولية لفنون الطهي بباريس    منظمة الصحة العالمية تسجل ارتفاع حالات الإصابة والوفاة بالكوليرا    دراسة : التدخين يزيد خطر الإصابة بالنوع الثاني من داء السكري    كأس ديفيز.. المغرب يتقدم على جنوب إفريقيا بنتيجة(2-0)    "باراماونت" تنتقد تعهد فنانين بمقاطعة مؤسسات سينمائية إسرائيلية    بنهاشم: الوداد سيواجه اتحاد يعقوب المنصور دون تغييرات كبيرة    ابن الحسيمة الباحث عبد الجليل حمدي ينال شهادة الدكتوراه في الكيمياء العضوية    بنكيران: اشعر بخطر قصف اسرائيل لمقر حزبنا.. وعدم حماية الأنظمة العربية لمواطنيها يعني نهاية "البيعة"    المغرب يستقبل 723 حافلة صينية استعدادًا لكأس أمم إفريقيا    شفشاون.. البحرية المغربية تنتشل جثة شخص قبالة شاطئ الجبهة    ارتفاع حالات الكوليرا حول العالم    الجامعة المغربية لحقوق المستهلك مستاءة من الاختلالات في العلاقة التعاقدية بين الأبناك والمستهلكين    رئيس مجلس النواب يجري بهلسنكي مباحثات مع مسؤولين فنلنديين    كأس إفريقيا للأمم 'المغرب 2025': الكاف ولجنة التنظيم المحلية يحددان موعد انطلاق بيع تذاكر المباريات    ازدواجية الجزائر تتكشف.. تصويت نيويورك يكذب خطابها عن فلسطين: صوتت على قرار يطالب بإنهاء حكم حماس لغزة وتسليم أسلحتها            أمريكا تؤكد مطابقة المصايد المغربية لمقتضيات القانون الأمريكي الخاص بحماية الثدييات البحرية (MMPA)    زلزال بقوة 7,4 درجات يضرب سواحل كامتشاتكا الروسية وتحذيرات من تسونامي    سفير المغرب يفتتح معرض الفن العربي بواشنطن بدعم مغربي    دراسة: "حمية الكيتو" قد تساعد في علاج الاكتئاب    حجز 260 وحدة من الشهب الاصطناعية المحظورة            إسبانيا تتحرك لاحتواء بؤر إنفلونزا الطيور.. إعدام طيور وإغلاق حدائق    ناصر الزفزافي يرسل رسالة مؤثرة من داخل سجنه بطنجة بشأن جنازة الفقيد والده    الزاوية الكركرية تحتفي بإصدارات الشيخ محمد فوزي الكركري    أجواء روحانية عبر إفريقيا..مؤسسة محمد السادس للعلماء الأفارقة تحيي المولد النبوي    أمير المؤمنين يصدر أمره إلى المجلس العلمي الأعلى بإصدار فتوى شاملة توضح للناس أحكام الشرع في موضوع الزكاة    الملك محمد السادس يأمر بإصدار فتوى توضح أحكام الشرع في الزكاة    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



أبعاد القراءة وضروراتها في بناء حضارة الأمة
نشر في هسبريس يوم 26 - 12 - 2016

لقد بعث النبي العربي في جزيرة كان أهلها يتكلمون الفصاحة والبيان في أرقى صورهما ومستوياتهما، فكان القوم وقتئذ يتبارون بالشعر في الأسواق التي كانت تنعقد كل عام؛ من أجل إبراز قوة البيان وفصاحة اللسان؛ لهضمهم له وبراعتهم فيه .
فأرسل الله إليهم نبيا منهم جاء بما هو أقوى منهم في البيان بالحجة والبرهان، فاستسلموا له، ورفعوا له العنان في اللسان، إلا معاند شاذ كان منه ما كان.
ثم وقع بعدها اختلاط العرب بالعجم؛ فبدأت العربية تختلط بالعجمة، فاحتاج الناس إلى التقعيد والتأسيس، فوضعوا لذلك أسسا وضوابط من أجل سلامة اللسان في البيان، تعبيرا عن المقروء والمتلفظ به من الجنان؛ ... لأنهم كانوا شغوفين بالتعليم والتعلم في تقرير وتثبيت والحرص على عدم ضياع ما خاطب به الرحمان من وحيه إلى نبيه العدنان.
غير أنه لما تطورت الأحداث مع مرور الأزمان؛ تقاعس الناس عن القراءة في نوع من الخذلان، وتسللت إليهم الملاهي تسللا قتلت النفوس قتلا، وأبطأت العزائم أيما إبطاء، لنعيش ما نعيشه اليوم من صراع على مستوى إثبات هوية هذا الإنسان، فزلت في ذلك الأقدام، بين مسيء في الفهم، وغير فصيح في اللسان والبيان.
فالعودة إلى الحق في كل ذلك تحتاج إلى قراءة كتاب الرحمان، وسنة نبيه العدنان، وربط الصلة بالإنسان؛ كل إنسان .... فهذه هي أبعاد القراءة بالإجمال لا بالتفصيل والبيان، وفيما يلي أسوقها لك اختصارا نظرا لضيق الوقت والزمان.
أولا: بعد القراءة وضرورتها في ربط صلة الإنسان بربه؛
إن أول آية نزلت من القرآن قول الحق الرحمان، ﴿اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ خَلَقَ الْإِنْسَانَ مِنْ عَلَقٍ اقْرَأْ وَرَبُّكَ الْأَكْرَمُ الَّذِي عَلَّمَ بِالْقَلَمِ عَلَّمَ الْإِنْسَانَ مَا لَمْ يَعْلَمْ﴾ [سورة العلق، 1- 5] .
ونزول هذه الآية الكريمة في بداية الوحي؛ إنما كان مؤذنا وإعلانا تاريخيا بأن درع العلم الواقي يقوم بالأساس على التعلم والقراءة، وبأن هذا الدين لا يستقيم به الإنسان إلا إذا عرف ماله وما عليه علما وتعلما، ولا يمكن لأي بشري كيفما كان أن يصل إلى مقصوده وهدفه الأسمى إلا عن طريق القراءة.
وربط الله سبحانه العظيم القراءة باسمه إشارة إلى عظمته وقوته سبحانه، باعتباره الخالق لجميع الكائنات التي تتلفظ ألسنتها بالكلمات الناطقة، والتي تقرأ أعينها الكلمات المقروءة.
إذ الخطاب الإلهي للنبي صلى الله عليه وسلم؛ إنما هو لإبراز أولويات الحياة وجميع مقدماتها الضرورية، فبالعلم تبنى الحياة وتستقيم عودها، وبه يبني الإنسان علاقته بربه على شكل أسس لا تزحزحها رياح ولا يعتدي على صلاحيتها شكوك ولا نفاق؛ لذا كان كل شيء في الحياة؛ أن يكون عنوانه العلم والقراءة. انطلاقا من قول الحق في سورة العلق (إقرأ) فأعيدت اللفظة مرتين في الآيات، وفي كل مرة تأتي بعدها لفظة (رب). تأكيدا على قدرة العليم العلام؛...ذلك لأنه المحيي والمميت وخالق الأكوان...
والشيخ محمد على الصابوني يفسر قوله سبحانه'' إقرأ '' بقوله :«هذا أول خطاب إلهي إلى النبي صلى الله عليه وسلم، وفيه دعوة إلى القراءة والكتابة والعلم، لأنه شعار دين الإسلام؛ أي: إقرأ يا محمد القرآن مبتدئا ومستعينا باسم ربك الجليل، الذي خلق المخلوقات، وأوجد جميع العوالم»1
إن القراءة وكثرة الاطلاع يقودان الإنسان إلى الطريق الصحيح، إلى الدخول في مرضات الله، وهي شرط أساس لمعرفة الإله الحق والابتعاد عن الضلال، يقول الحق سبحانه ﴿فَاعْلَمْ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ ﴾ [محمد، 19].
حيث ربط سبحانه العلم بالتوحيد، إبرازا لأهميته، وإظهارا لحقيقته، يقول ابن عطية رحمة الله عليه: «دم على علمك، وهذا هو القانون في كل أمر بشيء هو متلبس به، وهذا خطاب للنبي عليه السلام، وكل واحد من الأمة داخل معه فيه. واحتج بهذه الآية من قال من أهل السنة: إن العلم والنظر قبل القول، والإقرار في مسألة أول الواجبات...»2
فالعلم بالله حق العلم؛ له ارتباط وثيق بالقراءة والتعلم، والابتعاد عن هذين جهل وتخلف. والله سبحانه لا يعبد إلا عن علم، والعلم لا يكون إلا بالقراءة والتعلم.
ذلك أن التعلم برغبة وشهوة؛ يهتدي به الإنسان إلى التوجه نحو سبل السلام، إلى المصير المعلوم بدل المصير المجهول؛ إذ كلما قل علم الإنسان بموضوع ما إلا كثر ت أخطاؤه فيه وكلما كثر علمه به إلا قلت زلاته فيه.
يقول الحق سبحانه (إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ) [فاطر،28 ]. فالعلم له ارتباط أصيل بمعرفة الله سبحانه؛ لأنه علام الغيوب، ولا تستقيم عبادة إلا بوجوده.
وهذا يستلزم بالضرورة التفقه في الدين، يقول عليه الصلاة والسلام : «مَنْ يُرِدِ اللَّهُ بِهِ خَيْرًا يُفَقِّهْهُ فِي الدِّينِ، وَإِنَّمَا أَنَا قَاسِمٌ وَاللَّهُ يُعْطِي، وَلَنْ تَزَالَ هَذِهِ الأُمَّةُ قَائِمَةً عَلَى أَمْرِ اللَّهِ، لاَ يَضُرُّهُمْ مَنْ خَالَفَهُمْ، حَتَّى يَأْتِيَ أَمْرُ اللَّهِ»3.
ثانيا: بعد القراءة وضرورتها في ربط صلة الإنسان بنبيه؛
بعد العلم بالله سبحانه والإيمان به؛ يأتي النبي محمد صلى الله عليه وسلم ويعتبر خير رجل عرفه التاريخ، وخير رسول أرسل إلى بني الإنسان، فاقتضى الأمر في هذا الاطلاع على سيرته المشرفة منذ ولادته صلى الله عليه وسلم إلى وفاته، لمعرفة الانجازات التي قدمها للبشرية من جهة، والاقتداء به من جهة ثانية.
مما يستلزم الأمر بدءا؛ أن يكون الإنسان على درجة من التعلم والاطلاع حتى يحقق بذلك هذا المبتغى، ذلك أن السنة النبوية التي نطق بها صلى الله عليه وسلم، أو فعلها، أو أقر عليها أصحابه، إنما تستدعي بالضرورة مقتضيات عدة في فهم خطابها، وعلى رأس تلك المقتضيات تعلم العربية باعتبارها اللسان الذي نزل به الوحي في الجزيرة العربية.
فالاقتداء به إذا لم يتخلله اطلاع وسماع وتبليغ، لن يكون الإنسان معها في أحسن ظروف المعرفة والتجميع عن هذا النبي البليغ، يقول الحق جل في علاه: ﴿لَقَدْ مَنَّ اللَّهُ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ إِذْ بَعَثَ فِيهِمْ رَسُولًا مِنْ أَنْفُسِهِمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِنْ كَانُوا مِنْ قَبْلُ لَفِي ضَلَالٍ مُبِينٍ﴾ [آل عمران/164 ].
وعن مالك أنه بلغه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «تَرَكْتُ فِيكُمْ أَمْرَيْنِ، لَنْ تَضِلُّوا مَا تَمَسَّكْتُمْ بِهِمَا: كِتَابَ اللَّهِ وَسُنَّةَ نَبِيِّهِ»4
فالتمسك بهذين الأصلين الجليلين في تاريخ الأمة الإسلامية هو حفاظ بالدرجة الأولى على ثقافتها وهويتها العريقة المتجذرة في تاريخها المجيد، أما إذا غفلت عن فهم هذين المصدرين الكبيرين، فإنها تكون قد قتلت نفسها قبل أوانها وفيهما غنية عن غيرهما وزيادة.
ثالثا: بعد القراءة وضرورتها في ربط صلة الإنسان بالإنسان؛
تعتبر القراءة إلى جانب ما سلف ذكره؛ صلة وصل كبيرة بين الأمم والشعوب، في مختلف أقطار العالم، وذلك بالإطلاع على ثقافة بعضها البعض، مما يحصل بذلك التواصل الحقيقي، الأمر الذي يشكل التلاقح الفكري والمنهجي والعلمي على مستويات عدة؛ سواء في المجال السياسي أو الاقتصادي أو الاجتماعي...
لكن في غياب هذا لا يحصل الوعي الحقيقي بما عند الآخرين في ثقافتهم، وفي عاداتهم وأعرافهم، والله سبحانه يجعل الإنسان في حلقة التعارف والتواصل الاجتماعي حين يقول:﴿ يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ﴾ [الحجرات، 13]
والمجتمع اليوم يعيش في أوج ذروة التقدم التيكنولوجي، فمواقع التواصل الاجتماعي قد تعددت وتنوعت وكثرت أسماؤها، ووسائل القراءة أصبحت متوفرة داخل كل بين من بيوت الناس، غير أنه وفي ظل هذا التضخم للمعلومات، أصبح الإنسان المسلم لا يقرأ كثيرا وتقاعس عن ذلك، لأن التطور التيكنولوجي هذا قد فتح أبوابا وسد أخرى.
ذلك أن استعمال الهواتف المحمولة اليوم قد ترك الناس بعيدين عن القراءة في كثرة استعمال مواقع التواصل الاجتماعي، ففر الناس من قراءة الكتب إلى قراءة (الرسوم المضحكة (الهاشتاكات...) والتعليقات... فمن وجهة النظر هذه؛ تكون هذه الوسائل سلبية، أما إيجابيتها، فمن بينها أنها تسرع المعلومة وتصلك بالغير في مختلف مناطق العالم، الأمر الذي يتيح لك فرصة الاطلاع على ثقافته وعاداته وأعرافه.
والقراءة في كل ذلك؛ ينبغي أن تكون طريقا إلى التفوه بالصواب في الأقوال، وقد حذر الله كل مسلم من القول بلا علم فقال سبحانه : ﴿وَلَا تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُولَئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْئُولًا﴾ [الإسراء، 36 ].
إذ العلم ميزان لرفع مستوى صاحبه في درجات:﴿يَرْفَعِ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَالَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجَاتٍ ﴾[ المجادلة،11]
وقد مدح الله العلماء وأثنى عليهم في مقارنتهم باللذين لا يعلمون بقوله سبحانه:﴿قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ إِنَّمَا يَتَذَكَّرُ أُولُو الْأَلْبَابِ﴾ [الزمر،9 ] .
فلا يستوي العالم والجاهل، ولا يستوي النور والظلمات، ولا يستوي الإيمان والكفر.... وهلم جرا
رابعا: بعد القراءة في ربط صلة الإنسان بالكون الذي يعيش فيه؛
إن تعلم العربية ركيزة أساس لا يمكن تجاوزها بحال في فهم كتاب الله المسطور الداعي إلى النظر في الكون المنظور، لأن القرآن عربي، وفهمه واستيعابه لا يتأتى إلا بالعربية، فقد يقرأه أحدهم بغير لغة العرب لكن على سبيل الضرورة لا الاختيار؛ يقول الحق سبحانه: ﴿نَزَلَ بِهِ الرُّوحُ الْأَمِينُ عَلَى قَلْبِكَ لِتَكُونَ مِنَ الْمُنْذِرِينَ بِلِسَانٍ عَرَبِيٍّ مُبِينٍ﴾ [الشعراء، 195].
وجاء في مصنف ابن أبي شيبة عن أبي بن كعب رضي الله عنه قَالَ: «تَعَلَّمُوا الْعَرَبِيَّةَ كَمَا تَعَلَّمُونَ حِفْظَ الْقُرْآنِ»5.وذلك لما لها من أهمية في فهم روح القرآن وسبر أغواره.
إذ القرآن الكريم يدعوا هذا الإنسان إلى التأمل في هذا الكون الفسيح وإعمال عقله لربط الصلة به ولمعرفة قوة خالقه: ﴿إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلَافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ لَآيَاتٍ لِأُولِي الْأَلْبَابِ (190) الَّذِينَ يَذْكُرُونَ اللَّهَ قِيَامًا وَقُعُودًا وَعَلَى جُنُوبِهِمْ وَيَتَفَكَّرُونَ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ رَبَّنَا مَا خَلَقْتَ هَذَا بَاطِلًا سُبْحَانَكَ فَقِنَا عَذَابَ النَّارِ ﴾ [آل عمران، 191]. والنظر فيما خلق من مخلوقات طريق موصل بحق إلى معرفة الله سبحانه، والعمل بما أنزل، واتباع هدي النبي الكريم.
فالنظر فيما أبدع الله من مصنوعات عن طريق تأمل الكتاب المسطور والكون المنظور، إنما هو من أشكال التواصل مع الكون في شعور الإنسان الداخلي، ولقد تجدك أحيانا تجلس في مكان خال من البشر وتتأمل عظمة المياه في البحار، والجبال والأنهار، والسماء الزرقاء بدون غبار، وصفير الطيور على الأشجار، فيقع في نفسك تواصل دون كلام أو نطق بكلمة، فيستدعيك الحال إلى العودة لكتاب الرحمان المنان؛ لتعرف كيف خلق الله هذه المخلوقات بهذه الأشكال والألوان ، وكم من الناس اهتدوا بعظمة الرحيم المنان فيما أبدع وصور من أكوان.
خامسا: أبعاد منافذ ووسائل القراءة في القرآن:
لقد خلق الله الإنسان مزودا بمنافذ وبوسائل تلقي العلم والمعرفة والقراءة﴿وَاللَّهُ أَخْرَجَكُمْ مِنْ بُطُونِ أُمَّهَاتِكُمْ لَا تَعْلَمُونَ شَيْئًا وَجَعَلَ لَكُمُ السَّمْعَ وَالْأَبْصَارَ وَالْأَفْئِدَةَ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ﴾ [النحل، 78] .
كلهما من أجل أن يستخدمها الإنسان فيما يرضي الله سبحانه، وبهذا يتم شكر نعم الله على المخلوق. وذلك تسخيرا لها في العلم والمعرفة ليصل بذلك إلى معرفة العلي القدير.
وخلق له القلم ليكون وسيلة التسطير والتدوين عبر السنين﴿اقْرَأْ وَرَبُّكَ الْأَكْرَمُ الَّذِي عَلَّمَ بِالْقَلَمِ عَلَّمَ الْإِنْسَانَ مَا لَمْ يَعْلَمْ﴾ [سورة العلق، 1- 5]
ونظرا لأهمية هذه الوسيلة فقد أقسم الله سبحانه وتعالى بها فقال:﴿ن وَالْقَلَمِ وَمَا يَسْطُرُونَ ﴾ [القلم، 1]
وهناك من تحدث عن وسائل العلم فقال: « وسائل العلم الحواس، الاستقراء، التحليل العقلي، والتلقي بالقلب، والرجوع إلى الله؛ وهو المرجع لجميع الحقائق، ومن وسائله كذلك العبادة والطاعة والاستقامة ... فطاعة الله والسير على منهجه من وسائل النمو العلمي» 6
هذا والله تعالى أعلم بالصواب.
1 -صفوة التفاسير لمحمد على الصابوني دار الصابوني – القاهرة ط:1، 1417 ه - 1997 م
2- المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز لابن عطية، تحقيق: عبد السلام عبد الشافي محمد، دار الكتب العلمية – بيروت، ط: 1- 1422 ه، ج:5، ص:116
3- صحيح الإمام البخاري، كتاب: العلم، باب: من يرد الله به خيرا، حديث رقم: 71...، تحقيق: محمد زهير بن ناصر الناصر، دار طوق النجاة، ط:1 ، 1422ه، ج:1، ص:25.
4- موطأ الإمام مالك، كتاب: القدر، باب: النهي عن القول بالقدر، حديث رقم:3، تحقيق: محمد فؤاد عبد الباقي، دار إحياء التراث العربي، بيروت - لبنان، 1406 ه - 1985 م، ج:2، ص:899.
5- مصنف بن أبي شيبة مال يوسف الحوت، دار مكتبة الرشد – الرياض، ط: 1، 1409ه. كتاب فضائل القرآن، باب: ما جاء في إعراب القرآن، حديث رقم: 29915، ج:6، ص:116.
6- التربية الإسلامية دراسة مقارنة للدكتور محمد أحمد جاد صبح، ج:2، ص: 128، دار الجيل بيروت، ط:1413ه / 1993م.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.