المسطرة الجنائية.. وهبي يتمسك بتقييد دور الجمعيات في قضايا الفساد ويرفض تعديلات المعارضة    غزة تباد.. الاحتلال يرتكب مجزرة جديدة ويقتل 34 فلسطينيا في مستشفى غزة الأوروبي    إحباط تهريب 14 ألف قرص إكستازي بميناء الناظور    درك باب برد يطيح بمشتبه فيه رئيسي في ترويح مخدرات قوية بالمنطقة    السفير الهنغاري بالمغرب يقوم بزيارة دبلوماسية مهمة إلى الداخلة لتعزيز التعاون الثنائي    نادية فتاح: حجم الدعم المخصص للمواد الأساسية تجاوز 100 مليار درهم خلال الفترة ما بين 2022 و2025    أشادت بالرؤية الملكية من أجل إفريقيا .. بوروندي تجدد تأكيد دعمها للوحدة الترابية للمغرب ولسيادة المملكة على صحرائها    فرنسا: توقيف متهمين آخرين في اختطاف المعارض الجزائري "أمير ديزاد"    واشنطن والرياض تُعلنان عن أكبر صفقة أسلحة في التاريخ    ترامب يعلن رفع العقوبات عن سوريا    الركراكي: حكيمي قائد حقيقي ومرشح للكرة الذهبية    الشعب المغربي يحتفل بالذكرى ال69 لتأسيس القوات المسلحة الملكية    بورصة البيضاء تنهي التداول بالأخضر    هشام بلاوي الوكيل العام الجديد للملك لدى محكمة النقض، رئيس النيابة العامة    الطالبي يجري مباحثات مع عضو الأمانة للجنة المركزية للحزب الشيوعي الصيني ووزير دائرة الإعلام في لجنة الحزب    ‮«‬الأسد ‬الإفريقي ‬2025‮»‬: ‬أكبر ‬مناورة ‬عسكرية ‬في ‬القارة ‬تنطلق ‬من ‬المغرب ‬بمشاركة ‬أمريكية ‬ودولية ‬واسعة    محمد وهبي يؤكد أن شبان المغرب قادرون على تحقيق أشياء عظيمة    نشرة إنذارية: زخات رعدية قوية مصحوبة محليا بتساقط للبرد بعدد من مناطق المملكة    قطرات مطرية متفرقة مرتقبة بطنجة وجهة الشمال يوم الأربعاء    حريق بشقة سكنية في حي بن كيران بطنجة يخلّف خسائر مادية    الاستقلال يدعو لفتيت إلى تسريع مراجعة القوانين الانتخابية استعدادًا للاستحقاقات المقبلة    فشل الجزائر الذريع في جرّ مصر إلى فخ بوليساريو؟    وزارة الداخلية في حكومة الوحدة الوطنية: الأوضاع الأمنية في العاصمة الليبية "تحت السيطرة"    الصين تراهن على المغرب كمركز صناعي استراتيجي نحو أوروبا وإفريقيا    احباط تهريب 58 كيلوغرام من الحشيش بحيلة غريبة    حكم جديد.. 3 ملايين ونصف تعويضاً لسيدة عضها كلب    أزمة دواء اضطراب فرط الحركة وتشتت الانتباه في المغرب.. يفاقم معاناة الأسر في صمت    جبايات الجماعات.. البرلمان يصادق على إسناد تحصيل رسم السكن والخدمات لإدارة الضرائب وتعديل ضريبة الأراضي غير المبنية    الصين تعزز شراكتها مع أمريكا اللاتينية بخمس مبادرات تنموية وإنسانية جديدة    صافرة رومانية تضبط نهائي دوري أبطال أوروبا    دراسة من هارفارد: شرب الماء الكافي يعزز التركيز الذهني ويقلل التعب والإرهاق    في برنامج "مدارات" : لقاء مع الباحث الأستاذ أحمد متفكر ، وحديث حول سيرة محمد ابن الموقت المراكشي    اللجنة الوطنية الأولمبية المغربية.. انتخاب سفيان البقالي رئيسا للجنة الرياضيين    أسعار ‬الأسماك ‬في ‬ارتفاع ‬متواصل ‬وسمك ‬الفقراء ‬بات ‬نادرا ‬في ‬الأسواق    مراكش ومدن مغربية أخرى تحتفي بموسيقى موزارت لتوحيد المواهب المتوسطية    غزة تحاصر كان.. 380 فنانًا يتهمون إسرائيل بالإبادة    الرباط تحتضن أول مهرجان لفن الراب "212'FlowFest"    رسوم بذيئة تعبث بموقع "تشان تشان" التاريخي في البيرو    مشكلة الوعي الزائف وشروط امكان الوعي الحقيقي    المجنونة المتحرِّشة بالنساء الحوامل    شرطة ألمانيا تفكك "شبكة متطرفة"    المغرب الفاسي يثق في منتوج النادي    لتضيء نضالات الأمس دروب الغد    الأغذية فائقة المعالجة تهدد بأعراض "باركنسون" المبكرة    النفط يهبط بفعل مخاوف من زيادة المعروض وحذر حيال اتفاق أمريكا والصين    الهيئة المغربية لسوق الرساميل تؤشر على المنشور المتعلق ببيع أسهم "رونو"    أسعار صرف أهم العملات الأجنبية اليوم الثلاثاء    برشلونة على أعتاب لقب "الليغا" وريال مدريد يودّع أنشيلوتي    حكيمي يعزز استثماراته الرياضية بشراء نادي إسباني    بطولة اسبانيا: ريال مدريد يفتقد لجهود فينيسيوس وفاسكيس للاصابة    من الناظور إلى اسبانيا.. سقوط إمبراطورية الحشيش بقبضة الشرطة وهكذا وضف "الزعيم" عشيقاته لتبييض الأموال    تركيا.. أزيد من 64 مليون مسافر عبروا مطارات البلاد خلال الأشهر الأربعة الأولى من 2025    ماذا نعرف عن أسباب وأعراض متلازمة مخرج الصدر؟    عامل إقليم الدريوش يترأس حفل توديع حجاج وحاجات الإقليم الميامين    إرشادات طبية تقدمها الممرضة عربية بن الصغير في حفل توديع حجاج الناظور    كلمة وزير الصحة في حفل استقبال أعضاء البعثة الصحية    التدين المزيف: حين يتحول الإيمان إلى سلعة    مصل يقتل ب40 طعنة على يد آخر قبيل صلاة الجمعة بفرنسا    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



أبعاد القراءة وضروراتها في بناء حضارة الأمة
نشر في هسبريس يوم 26 - 12 - 2016

لقد بعث النبي العربي في جزيرة كان أهلها يتكلمون الفصاحة والبيان في أرقى صورهما ومستوياتهما، فكان القوم وقتئذ يتبارون بالشعر في الأسواق التي كانت تنعقد كل عام؛ من أجل إبراز قوة البيان وفصاحة اللسان؛ لهضمهم له وبراعتهم فيه .
فأرسل الله إليهم نبيا منهم جاء بما هو أقوى منهم في البيان بالحجة والبرهان، فاستسلموا له، ورفعوا له العنان في اللسان، إلا معاند شاذ كان منه ما كان.
ثم وقع بعدها اختلاط العرب بالعجم؛ فبدأت العربية تختلط بالعجمة، فاحتاج الناس إلى التقعيد والتأسيس، فوضعوا لذلك أسسا وضوابط من أجل سلامة اللسان في البيان، تعبيرا عن المقروء والمتلفظ به من الجنان؛ ... لأنهم كانوا شغوفين بالتعليم والتعلم في تقرير وتثبيت والحرص على عدم ضياع ما خاطب به الرحمان من وحيه إلى نبيه العدنان.
غير أنه لما تطورت الأحداث مع مرور الأزمان؛ تقاعس الناس عن القراءة في نوع من الخذلان، وتسللت إليهم الملاهي تسللا قتلت النفوس قتلا، وأبطأت العزائم أيما إبطاء، لنعيش ما نعيشه اليوم من صراع على مستوى إثبات هوية هذا الإنسان، فزلت في ذلك الأقدام، بين مسيء في الفهم، وغير فصيح في اللسان والبيان.
فالعودة إلى الحق في كل ذلك تحتاج إلى قراءة كتاب الرحمان، وسنة نبيه العدنان، وربط الصلة بالإنسان؛ كل إنسان .... فهذه هي أبعاد القراءة بالإجمال لا بالتفصيل والبيان، وفيما يلي أسوقها لك اختصارا نظرا لضيق الوقت والزمان.
أولا: بعد القراءة وضرورتها في ربط صلة الإنسان بربه؛
إن أول آية نزلت من القرآن قول الحق الرحمان، ﴿اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ خَلَقَ الْإِنْسَانَ مِنْ عَلَقٍ اقْرَأْ وَرَبُّكَ الْأَكْرَمُ الَّذِي عَلَّمَ بِالْقَلَمِ عَلَّمَ الْإِنْسَانَ مَا لَمْ يَعْلَمْ﴾ [سورة العلق، 1- 5] .
ونزول هذه الآية الكريمة في بداية الوحي؛ إنما كان مؤذنا وإعلانا تاريخيا بأن درع العلم الواقي يقوم بالأساس على التعلم والقراءة، وبأن هذا الدين لا يستقيم به الإنسان إلا إذا عرف ماله وما عليه علما وتعلما، ولا يمكن لأي بشري كيفما كان أن يصل إلى مقصوده وهدفه الأسمى إلا عن طريق القراءة.
وربط الله سبحانه العظيم القراءة باسمه إشارة إلى عظمته وقوته سبحانه، باعتباره الخالق لجميع الكائنات التي تتلفظ ألسنتها بالكلمات الناطقة، والتي تقرأ أعينها الكلمات المقروءة.
إذ الخطاب الإلهي للنبي صلى الله عليه وسلم؛ إنما هو لإبراز أولويات الحياة وجميع مقدماتها الضرورية، فبالعلم تبنى الحياة وتستقيم عودها، وبه يبني الإنسان علاقته بربه على شكل أسس لا تزحزحها رياح ولا يعتدي على صلاحيتها شكوك ولا نفاق؛ لذا كان كل شيء في الحياة؛ أن يكون عنوانه العلم والقراءة. انطلاقا من قول الحق في سورة العلق (إقرأ) فأعيدت اللفظة مرتين في الآيات، وفي كل مرة تأتي بعدها لفظة (رب). تأكيدا على قدرة العليم العلام؛...ذلك لأنه المحيي والمميت وخالق الأكوان...
والشيخ محمد على الصابوني يفسر قوله سبحانه'' إقرأ '' بقوله :«هذا أول خطاب إلهي إلى النبي صلى الله عليه وسلم، وفيه دعوة إلى القراءة والكتابة والعلم، لأنه شعار دين الإسلام؛ أي: إقرأ يا محمد القرآن مبتدئا ومستعينا باسم ربك الجليل، الذي خلق المخلوقات، وأوجد جميع العوالم»1
إن القراءة وكثرة الاطلاع يقودان الإنسان إلى الطريق الصحيح، إلى الدخول في مرضات الله، وهي شرط أساس لمعرفة الإله الحق والابتعاد عن الضلال، يقول الحق سبحانه ﴿فَاعْلَمْ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ ﴾ [محمد، 19].
حيث ربط سبحانه العلم بالتوحيد، إبرازا لأهميته، وإظهارا لحقيقته، يقول ابن عطية رحمة الله عليه: «دم على علمك، وهذا هو القانون في كل أمر بشيء هو متلبس به، وهذا خطاب للنبي عليه السلام، وكل واحد من الأمة داخل معه فيه. واحتج بهذه الآية من قال من أهل السنة: إن العلم والنظر قبل القول، والإقرار في مسألة أول الواجبات...»2
فالعلم بالله حق العلم؛ له ارتباط وثيق بالقراءة والتعلم، والابتعاد عن هذين جهل وتخلف. والله سبحانه لا يعبد إلا عن علم، والعلم لا يكون إلا بالقراءة والتعلم.
ذلك أن التعلم برغبة وشهوة؛ يهتدي به الإنسان إلى التوجه نحو سبل السلام، إلى المصير المعلوم بدل المصير المجهول؛ إذ كلما قل علم الإنسان بموضوع ما إلا كثر ت أخطاؤه فيه وكلما كثر علمه به إلا قلت زلاته فيه.
يقول الحق سبحانه (إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ) [فاطر،28 ]. فالعلم له ارتباط أصيل بمعرفة الله سبحانه؛ لأنه علام الغيوب، ولا تستقيم عبادة إلا بوجوده.
وهذا يستلزم بالضرورة التفقه في الدين، يقول عليه الصلاة والسلام : «مَنْ يُرِدِ اللَّهُ بِهِ خَيْرًا يُفَقِّهْهُ فِي الدِّينِ، وَإِنَّمَا أَنَا قَاسِمٌ وَاللَّهُ يُعْطِي، وَلَنْ تَزَالَ هَذِهِ الأُمَّةُ قَائِمَةً عَلَى أَمْرِ اللَّهِ، لاَ يَضُرُّهُمْ مَنْ خَالَفَهُمْ، حَتَّى يَأْتِيَ أَمْرُ اللَّهِ»3.
ثانيا: بعد القراءة وضرورتها في ربط صلة الإنسان بنبيه؛
بعد العلم بالله سبحانه والإيمان به؛ يأتي النبي محمد صلى الله عليه وسلم ويعتبر خير رجل عرفه التاريخ، وخير رسول أرسل إلى بني الإنسان، فاقتضى الأمر في هذا الاطلاع على سيرته المشرفة منذ ولادته صلى الله عليه وسلم إلى وفاته، لمعرفة الانجازات التي قدمها للبشرية من جهة، والاقتداء به من جهة ثانية.
مما يستلزم الأمر بدءا؛ أن يكون الإنسان على درجة من التعلم والاطلاع حتى يحقق بذلك هذا المبتغى، ذلك أن السنة النبوية التي نطق بها صلى الله عليه وسلم، أو فعلها، أو أقر عليها أصحابه، إنما تستدعي بالضرورة مقتضيات عدة في فهم خطابها، وعلى رأس تلك المقتضيات تعلم العربية باعتبارها اللسان الذي نزل به الوحي في الجزيرة العربية.
فالاقتداء به إذا لم يتخلله اطلاع وسماع وتبليغ، لن يكون الإنسان معها في أحسن ظروف المعرفة والتجميع عن هذا النبي البليغ، يقول الحق جل في علاه: ﴿لَقَدْ مَنَّ اللَّهُ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ إِذْ بَعَثَ فِيهِمْ رَسُولًا مِنْ أَنْفُسِهِمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِنْ كَانُوا مِنْ قَبْلُ لَفِي ضَلَالٍ مُبِينٍ﴾ [آل عمران/164 ].
وعن مالك أنه بلغه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «تَرَكْتُ فِيكُمْ أَمْرَيْنِ، لَنْ تَضِلُّوا مَا تَمَسَّكْتُمْ بِهِمَا: كِتَابَ اللَّهِ وَسُنَّةَ نَبِيِّهِ»4
فالتمسك بهذين الأصلين الجليلين في تاريخ الأمة الإسلامية هو حفاظ بالدرجة الأولى على ثقافتها وهويتها العريقة المتجذرة في تاريخها المجيد، أما إذا غفلت عن فهم هذين المصدرين الكبيرين، فإنها تكون قد قتلت نفسها قبل أوانها وفيهما غنية عن غيرهما وزيادة.
ثالثا: بعد القراءة وضرورتها في ربط صلة الإنسان بالإنسان؛
تعتبر القراءة إلى جانب ما سلف ذكره؛ صلة وصل كبيرة بين الأمم والشعوب، في مختلف أقطار العالم، وذلك بالإطلاع على ثقافة بعضها البعض، مما يحصل بذلك التواصل الحقيقي، الأمر الذي يشكل التلاقح الفكري والمنهجي والعلمي على مستويات عدة؛ سواء في المجال السياسي أو الاقتصادي أو الاجتماعي...
لكن في غياب هذا لا يحصل الوعي الحقيقي بما عند الآخرين في ثقافتهم، وفي عاداتهم وأعرافهم، والله سبحانه يجعل الإنسان في حلقة التعارف والتواصل الاجتماعي حين يقول:﴿ يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ﴾ [الحجرات، 13]
والمجتمع اليوم يعيش في أوج ذروة التقدم التيكنولوجي، فمواقع التواصل الاجتماعي قد تعددت وتنوعت وكثرت أسماؤها، ووسائل القراءة أصبحت متوفرة داخل كل بين من بيوت الناس، غير أنه وفي ظل هذا التضخم للمعلومات، أصبح الإنسان المسلم لا يقرأ كثيرا وتقاعس عن ذلك، لأن التطور التيكنولوجي هذا قد فتح أبوابا وسد أخرى.
ذلك أن استعمال الهواتف المحمولة اليوم قد ترك الناس بعيدين عن القراءة في كثرة استعمال مواقع التواصل الاجتماعي، ففر الناس من قراءة الكتب إلى قراءة (الرسوم المضحكة (الهاشتاكات...) والتعليقات... فمن وجهة النظر هذه؛ تكون هذه الوسائل سلبية، أما إيجابيتها، فمن بينها أنها تسرع المعلومة وتصلك بالغير في مختلف مناطق العالم، الأمر الذي يتيح لك فرصة الاطلاع على ثقافته وعاداته وأعرافه.
والقراءة في كل ذلك؛ ينبغي أن تكون طريقا إلى التفوه بالصواب في الأقوال، وقد حذر الله كل مسلم من القول بلا علم فقال سبحانه : ﴿وَلَا تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُولَئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْئُولًا﴾ [الإسراء، 36 ].
إذ العلم ميزان لرفع مستوى صاحبه في درجات:﴿يَرْفَعِ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَالَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجَاتٍ ﴾[ المجادلة،11]
وقد مدح الله العلماء وأثنى عليهم في مقارنتهم باللذين لا يعلمون بقوله سبحانه:﴿قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ إِنَّمَا يَتَذَكَّرُ أُولُو الْأَلْبَابِ﴾ [الزمر،9 ] .
فلا يستوي العالم والجاهل، ولا يستوي النور والظلمات، ولا يستوي الإيمان والكفر.... وهلم جرا
رابعا: بعد القراءة في ربط صلة الإنسان بالكون الذي يعيش فيه؛
إن تعلم العربية ركيزة أساس لا يمكن تجاوزها بحال في فهم كتاب الله المسطور الداعي إلى النظر في الكون المنظور، لأن القرآن عربي، وفهمه واستيعابه لا يتأتى إلا بالعربية، فقد يقرأه أحدهم بغير لغة العرب لكن على سبيل الضرورة لا الاختيار؛ يقول الحق سبحانه: ﴿نَزَلَ بِهِ الرُّوحُ الْأَمِينُ عَلَى قَلْبِكَ لِتَكُونَ مِنَ الْمُنْذِرِينَ بِلِسَانٍ عَرَبِيٍّ مُبِينٍ﴾ [الشعراء، 195].
وجاء في مصنف ابن أبي شيبة عن أبي بن كعب رضي الله عنه قَالَ: «تَعَلَّمُوا الْعَرَبِيَّةَ كَمَا تَعَلَّمُونَ حِفْظَ الْقُرْآنِ»5.وذلك لما لها من أهمية في فهم روح القرآن وسبر أغواره.
إذ القرآن الكريم يدعوا هذا الإنسان إلى التأمل في هذا الكون الفسيح وإعمال عقله لربط الصلة به ولمعرفة قوة خالقه: ﴿إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلَافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ لَآيَاتٍ لِأُولِي الْأَلْبَابِ (190) الَّذِينَ يَذْكُرُونَ اللَّهَ قِيَامًا وَقُعُودًا وَعَلَى جُنُوبِهِمْ وَيَتَفَكَّرُونَ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ رَبَّنَا مَا خَلَقْتَ هَذَا بَاطِلًا سُبْحَانَكَ فَقِنَا عَذَابَ النَّارِ ﴾ [آل عمران، 191]. والنظر فيما خلق من مخلوقات طريق موصل بحق إلى معرفة الله سبحانه، والعمل بما أنزل، واتباع هدي النبي الكريم.
فالنظر فيما أبدع الله من مصنوعات عن طريق تأمل الكتاب المسطور والكون المنظور، إنما هو من أشكال التواصل مع الكون في شعور الإنسان الداخلي، ولقد تجدك أحيانا تجلس في مكان خال من البشر وتتأمل عظمة المياه في البحار، والجبال والأنهار، والسماء الزرقاء بدون غبار، وصفير الطيور على الأشجار، فيقع في نفسك تواصل دون كلام أو نطق بكلمة، فيستدعيك الحال إلى العودة لكتاب الرحمان المنان؛ لتعرف كيف خلق الله هذه المخلوقات بهذه الأشكال والألوان ، وكم من الناس اهتدوا بعظمة الرحيم المنان فيما أبدع وصور من أكوان.
خامسا: أبعاد منافذ ووسائل القراءة في القرآن:
لقد خلق الله الإنسان مزودا بمنافذ وبوسائل تلقي العلم والمعرفة والقراءة﴿وَاللَّهُ أَخْرَجَكُمْ مِنْ بُطُونِ أُمَّهَاتِكُمْ لَا تَعْلَمُونَ شَيْئًا وَجَعَلَ لَكُمُ السَّمْعَ وَالْأَبْصَارَ وَالْأَفْئِدَةَ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ﴾ [النحل، 78] .
كلهما من أجل أن يستخدمها الإنسان فيما يرضي الله سبحانه، وبهذا يتم شكر نعم الله على المخلوق. وذلك تسخيرا لها في العلم والمعرفة ليصل بذلك إلى معرفة العلي القدير.
وخلق له القلم ليكون وسيلة التسطير والتدوين عبر السنين﴿اقْرَأْ وَرَبُّكَ الْأَكْرَمُ الَّذِي عَلَّمَ بِالْقَلَمِ عَلَّمَ الْإِنْسَانَ مَا لَمْ يَعْلَمْ﴾ [سورة العلق، 1- 5]
ونظرا لأهمية هذه الوسيلة فقد أقسم الله سبحانه وتعالى بها فقال:﴿ن وَالْقَلَمِ وَمَا يَسْطُرُونَ ﴾ [القلم، 1]
وهناك من تحدث عن وسائل العلم فقال: « وسائل العلم الحواس، الاستقراء، التحليل العقلي، والتلقي بالقلب، والرجوع إلى الله؛ وهو المرجع لجميع الحقائق، ومن وسائله كذلك العبادة والطاعة والاستقامة ... فطاعة الله والسير على منهجه من وسائل النمو العلمي» 6
هذا والله تعالى أعلم بالصواب.
1 -صفوة التفاسير لمحمد على الصابوني دار الصابوني – القاهرة ط:1، 1417 ه - 1997 م
2- المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز لابن عطية، تحقيق: عبد السلام عبد الشافي محمد، دار الكتب العلمية – بيروت، ط: 1- 1422 ه، ج:5، ص:116
3- صحيح الإمام البخاري، كتاب: العلم، باب: من يرد الله به خيرا، حديث رقم: 71...، تحقيق: محمد زهير بن ناصر الناصر، دار طوق النجاة، ط:1 ، 1422ه، ج:1، ص:25.
4- موطأ الإمام مالك، كتاب: القدر، باب: النهي عن القول بالقدر، حديث رقم:3، تحقيق: محمد فؤاد عبد الباقي، دار إحياء التراث العربي، بيروت - لبنان، 1406 ه - 1985 م، ج:2، ص:899.
5- مصنف بن أبي شيبة مال يوسف الحوت، دار مكتبة الرشد – الرياض، ط: 1، 1409ه. كتاب فضائل القرآن، باب: ما جاء في إعراب القرآن، حديث رقم: 29915، ج:6، ص:116.
6- التربية الإسلامية دراسة مقارنة للدكتور محمد أحمد جاد صبح، ج:2، ص: 128، دار الجيل بيروت، ط:1413ه / 1993م.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.