مجلس الحكومة يتدارس الدعم الاجتماعي ومشاريع مراسيم جديدة الثلاثاء المقبل    نقابات عمالية مغربية تنتقد الحد الأدنى للأجر في خضم الغلاء والتضخم    8 ملايين دولار القيمة الإجمالية لمشاريع وكالة بيت مال القدس الشريف برسم سنة 2025    حملة شتاء بمدينة شفشاون تواصل احتضان الأشخاص في وضعية الشارع لمواجهة موجة البرد    حموشي يقرر ترقية شرطي مُتوفٍ    توقيف هولندي بميناء طنجة المدينة بموجب مذكرة بحث دولية    توقيف مشكك في عدد ضحايا آسفي    أخبار الساحة    جلالة الملك يهنئ أبطال العرب ويشيد بالجماهير المغربية    تساقطات ثلجية وأمطار قوية أحيانا رعدية وطقس بارد من اليوم الجمعة إلى الاثنين المقبل بعدد من مناطق المملكة (نشرة إنذارية)    البيان الختامي لمهرجان العالم العربي للفيلم التربوي القصير    أكديطال تستحوذ على مستشفى بمكة    المغرب يقترب من استكمال استيراد 280 ألف رأس من الأبقار مع نهاية 2025    دعوى أمام القضاء الإداري لحث أخنوش على إعلان آسفي "مدينة منكوبة" وتفعيل "صندوق الكوارث"    تكريم الوفد الأمني المغربي في قطر    "كان المغرب".. الحكم الكونغولي (جون جاك ندالا) يقود مباراة "أسود الأطلس" وجزر القمر    إنفانتينو يهنئ المغرب بلقب كأس العرب    إحباط محاولة تهريب كمية مهمة من "المعسل" ومكملات غذائية بميناء طنجة المتوسط    رئاسة النيابة العامة تؤكد إلزامية إخضاع الأشخاص الموقوفين لفحص طبي تعزيزا للحقوق والحريات    بعد جدل منصة التتويج.. لاعب المنتخب الأردني سليم عبيد يعتذر لطارق السكتيوي    في أداء مالي غير مسبوق.. المحافظة العقارية تضخ 7.5 مليارات درهم لفائدة خزينة الدولة        تقلبات جوية وأجواء باردة تهم عدة جهات    لحسن السعدي يترأس اجتماع مجلس إدارة مكتب تنمية التعاون    وجدة .. انخفاض الرقم الاستدلالي للأثمان عند الاستهلاك    الكاف يعلن عن شراكات بث أوروبية قياسية لكأس أمم إفريقيا    توقيف الأستاذة نزهة مجدي بمدينة أولاد تايمة لتنفيذ حكم حبسي مرتبط باحتجاجات "الأساتذة المتعاقدين"    أسماء لمنور تضيء نهائي كأس العرب بأداء النشيد الوطني المغربي    العاصمة الألمانية تسجل أول إصابة بجدري القردة    كالحوت لا يجتمعون إلا في طاجين !    البورصة تبدأ التداولات على وقع الأخضر    الشرطة الأمريكية تعثر على جثة المشتبه به في تنفيذ عملية إطلاق النار بجامعة براون    تقرير: المغرب من أكثر الدول المستفيدة من برنامج المعدات العسكرية الأمريكية الفائضة    "الصحة العالمية": أكثر من ألف مريض توفوا وهم ينتظرون إجلاءهم من غزة منذ منتصف 2024    زلزال بقوة 5.7 درجات يضرب أفغانستان    نادي الإعلام والدراسات السياسية بكلية الحقوق المحمدية : ندوة علمية لمناقشة الواقع الإعلامي المغربي    أسعار صرف أهم العملات الأجنبية اليوم الجمعة    انخفاض الذهب والفضة بعد بيانات التضخم في الولايات المتحدة    حمداوي: انخراط الدولة المغربية في مسار التطبيع يسير ضد "التاريخ" و"منطق الأشياء"    استمرار تراجع أسعار النفط للأسبوع الثاني على التوالي    هياكل علمية جديدة بأكاديمية المملكة    "الكان" يربك حسابات الأندية الأوروبية    انخفاض جديد في أسعار الغازوال والبنزين بمحطات الوقود    البرلماني رفيق بناصر يسائل وزير الصحة حول العرض الصحي بمدينة أزمور والجماعات المجاورة    شبهة تضارب مصالح تُقصي إناث اتحاد طنجة لكرة اليد من قاعات التدريب    الدولة الاجتماعية والحكومة المغربية، أي تنزيل ؟    السعودية تمنع التصوير داخل الحرمين خلال الحج    من هم "الحشاشون" وما صحة الروايات التاريخية عنهم؟    منظمة الصحة العالمية تدق ناقوس انتشار سريع لسلالة جديدة من الإنفلونزا    7 طرق كي لا يتحوّل تدريس الأطفال إلى حرب يومية    سلالة إنفلونزا جديدة تجتاح نصف الكرة الشمالي... ومنظمة الصحة العالمية تطلق ناقوس الخطر    خبراء التربية يناقشون في الرباط قضايا الخطاب وعلاقته باللسانيات والعلوم المعرفية    الموت يفجع أمينوكس في جدته    الرباط تحتضن مهرجان "أقدم قفطان" .. مسار زي مغربي عابر للأجيال    التحكم في السكر يقلل خطر الوفاة القلبية    استمرار إغلاق مسجد الحسن الثاني بالجديدة بقرار من المندوبية الإقليمية للشؤون الإسلامية وسط دعوات الساكنة عامل الإقليم للتدخل    سوريا الكبرى أم إسرائيل الكبرى؟    الرسالة الملكية توحّد العلماء الأفارقة حول احتفاء تاريخي بميلاد الرسول صلى الله عليه وسلم    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



التحكم الحقيقي
نشر في هسبريس يوم 19 - 01 - 2017

من المثير جدا حجم ردود الأفعال التي خلفتها عبارة" انتهى الكلام" التي ختم بها السيد عبد الإله بنكيران بيانه الذي أعرب فيه عن غضبه من سير المشاورات مع السيد عزيز أخنوش بخصوص تشكيل الحكومة، كما لو أن أننا أمام مقولة كبرى لمفكر أو زعيم سياسي حقيقي، رغم أن المتتبع لخطابه السياسي يدرك بلا شك أن كلامه لم ينته بعد، وأنه سيمضي في مشاوراته إلى أن يحقق غايته المتمثلة في الحفاظ على منصبه كرئيس للحكومة، خصوصا أن الرجل عودنا أن يقول كلاما اليوم ويقول، أو يفعل، نقيضه في اليوم الموالي. وهناك من ذهب إلى حد بعيد وأخذ يعقد مقارنات بين كلامه من جهة، وخرجة حزب الاتحاد الاشتراكي وكاتبه الأول السيد عبد الرحمان اليوسفي بعد تعيين السيد إدريس جطو وزيرا أول في حكومة التناوب الثانية من جهة ثانية، على مستوى الجرأة في نقد القرارات والممارسة السياسية للمؤسسة الملكية، مع أنه لا مقارنة مع وجود الفارق، فبيان المنهجية الذي أصدره الحزب كان بمثابة نقطة نظام في سير عملية الانتقال الديموقراطي ما دام أن الدستور حينذاك ( دستور 1996) لم يكن يسعف في الاحتجاج بنصوصه للقول بأحقية السيد عبد الرحمن اليوسفي في توليه للوزارة الأولى، كما أن هذا الأخير عبر بوضوح ومن غير لبس عن تقييمه لسير عملية الانتقال هاته، في ندوته ببروكسيل، وغادر بعدها عالم السياسة من غير رجعة، وبذلك يكون قد أنهى الكلام حقيقة لا قولا وحسب. لكن الجميل في كل ذلك أن علاقة الحزب وكاتبه الأول بالمؤسسة الملكية ظلت جيدة لأن الكل كان يدرك أن الانتقال من طور إلى طور بالنسبة للأنظمة السياسية يقتضي الانخراط في توافقات قد يؤدي ثمنها هذا الطرف أو ذاك لكن تبقى مصلحة الوطن هي العليا.
لقد مر ما يزيد على ثلاثة أشهر من بداية مشاورات تشكيل الحكومة، ولم يفلح السيد بنكيران في مهمته، لكنه يرفض التصريح بفشله، ويريد طيلة هذه المدة أن يلبس لباس المظلوم أمام أنصاره والمتعاطفين معه، ويروج أن هناك جهات قريبة من الملك تعرقل مهمته وتمارس التحكم في هذه المشاورات. لكن تفكيك ممارسته السياسية، بعيدا عن خطابه المتناقض، يفضي بنا إلى أن التحكم الحقيقي يكمن فيما يقوم به هو نفسه ، فماذا يعنى أن شخصا حصل على 125 مقعدا من أصل 395 مجموع مقاعد مجلس النواب، وهو عدد لا يرقى إلى الأغلبية المطلقة، يريد أن يفرض نفسه رئيسا للحكومة مهما كانت كلفة ذلك على مصالح الوطن الداخلية والخارجية؟ أين اختفت عبارة "هدر الزمن السياسي" الذي أتعب بها أسماعنا رفقة قيادات حزبه خلال الحكومة السابقة كلما تعثر في مهامه؟ أليست هذه المدة التي قضاها في مشاوراته دون نتيجة هدرا للزمن السياسي؟ أليس مرور هذه المدة كافيا لإعلان فشله والرجوع إلى الملك لاتخاذ القرار المناسب والخروج من الإشكال؟
إنه بتتبع كرونولوجيا الانتخابات الأخيرة والمشاورات التي تلتها، نلاحظ أن حزب العدالة والتنمية مارس ضغطا قويا على بعض أجهزة الدولة والمحيط الملكي وبعض الأحزاب المنافسة للفوز بهذه الانتخابات من خلال الترويج إلى كون أن هذه الجهات مجتمعة تريد أن تطيح به في هذه المنافسة ضدا على رغبة الشارع، إذ وصل الأمر إلى حد فبركة أنصاره لوقائع لا أساس لها من الصحة لاستباق النتائج والبرهنة على وجود تزوير في الانتخابات في حال جاءت النتائج مخيبة لطموحاته. نجحت خطة الحزب وتأتى له ما كان يصبو إليه، ففاز بهذه الانتخابات، واحترم الملك الدستور نصا وروحا عندما كلف الأمين العام الحزب بتشكيل الحكومة طبقا للمادة 42، والتي لا تلزمه بتعيين الأمين العام بذاته وإنما يمكن أن يعين أي شخص منتم للحزب، لذلك فالكرة أصبحت منذ ذلك التكليف في مرمى بنكيران، وعليه أن يتحمل مسؤوليته الكاملة في ذلك، ولا يجب أن يلقي باللوم على المؤسسة الملكية، تلميحا منه وتصريحا من بعد أنصاره، بالسعي إلى إفشال مهمته والظهور بمظهر المظلوم في محاولة أخرى للضغط واستمالة عطف الشارع للاستمرار في رئاسة الحكومة.
لو كان بنكيران يؤمن بالديموقراطية حقيقة ويحترم الدستور الذي صوت له رفقة أنصاره، بل قادوا حملة كبيرة للترويج له ووقفوا في وجه من نادوا بالملكية البرلمانية، لأعلن فشله في مهمته، لأن التكليف الذي تحمله يستوجب أمرين: إما أن ينجح فيه وهذا مبتغى الجميع لضمان السير العادي للمؤسسات؛ وإما أن يفشل، وهذا ليس عيب، غير أن ذلك يستوجب منه إعادة تقييم سياسته تجاه الأطراف السياسية الأخرى بدءا من المؤسسة الملكية بسائر مكوناتها( الملك ومحيطه الذي يشتغل معه)، وانتهاء بالأحزاب السياسية التي تكرس التعددية المنصوص عليها في الدستور. ماذا كان ينتظر كسياسي من أحزاب قال فيها كلاما ما لم يقله الحطيئة في هجاء أمه وزوجته وحتى نفسه؟ فمن حق تلك الأحزاب أن تستنكف بنفسها وتمتنع عن التحالف معه، وحتى إن فعلت فمن حقها، بل من واجبها، أن تفرض شروطا تحصنها من ممارسته التسلطية في التدبير الحكومي. فالسيد بنكيران رغم أنه مارس السياسة لسنوات فإنه لم يدرك كنهها، أو أنه يفهمها بالطريقة التي يريدها، فالسياسة هي فن الممكن كما يقول فقهاء السياسة، إلا أنه جعل منها فنا للمستحيل، عندما اتهم المحيط الملكي بالتحكم، ووضع خطا أحمر أمام تحالفه مع الأصالة والمعاصرة، وخاصم زعماء الأحزاب السياسية المختلفة معه خصومة شديدة.
لكن أعتقد أن السيد رئيس الحكومة بالتكليف يريد أن يسلك طريقا ثالثا، يرهن به مصالح البلاد، وذلك من خلال التمسك بموقفه وخلق حالة من الضغط والاحتقان أطول فترة ممكنة لإنهاك خصومه وتسليمهم بما يريد، مستغلا فسحة الدستور التي لا تلزمه بزمن معين في إتمام مهمته. ربما يريد أن يسير على نهج الرئيس التركي رجب أردوكان الذي أحكم سيطرته بالتدريج على أجهزة الدولة، واستطاع في النهاية أن يدوس على كرامة الجيش لإنهاء دوره كأعلى مؤسسة ضامنة لعلمانية الدولة واستقرار أمنها. فالرجل وأنصاره يدركون تمام الإدراك أن هذه فرصتهم، وأنهم إذا غادروا السلطة فلن يعودوا إليها أبدا.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.