بلاغ يحدد آخر موعد للتسجيل في اللوائح الانتخابية للغرف المهنية    هبوط الذهب من مستويات قياسية والفضة تتراجع بعد تجاوزها أكثر من 80 دولارا    مرصد حماية المستهلك يندد باستغلال المقاهي لكأس إفريقيا لرفع الأسعار    الأمطار تعزز حقينة السدود بالمغرب.. نسبة الملء 38% وتصريف 80 مليون متر مكعب في البحر    أكثر من 200 طن..زيادة قياسية في مشتريات الحبوب بالصين    رياض مزور ل"غلوبال تايمز" الصينية: مبادرة "الحزام والطريق" عززت الشراكة الاستراتيجية بين المغرب والصين.    الإثارة تبلغ ذروتها في "كان المغرب".. أربع مباريات ترسم ملامح المتأهلين    بين كأس افريقيا و"كَاسْ حياتي".. هل استعد المغرب لسيناريو الاصطدام بالواقع؟    توقعات أحوال الطقس ليوم غد الثلاثاء    هذه مقاييس الأمطار المسجلة بالمملكة خلال ال24 ساعة الماضية    حصيلة عمل رئاسة النيابة العامة ل 2024 في تنفيذ السياسة الجنائية    مشاريع تنموية واتفاقيات جديدة مرتقبة في دورة مجلس مقاطعة سيدي البرنوصي    تصدير الأسلحة يسجل التراجع بألمانيا    بنعلي ينتقد النموذج الفلاحي في بركان    بورصة الدار البيضاء تستهل تداولاتها بأداء إيجابي            هيئة حقوقية تطالب بالتحقيق في ادعاء تعنيف المدونة سعيدة العلمي داخل السجن    هدم نصب تذكاري صيني عند مدخل "قناة بنما"    ترامب يعلن إحراز "تقدم كبير" في سبيل إنهاء الحرب بأوكرانيا    القوات الروسية تعلن السيطرة الكاملة على بلدة ديبروفا في دونيتسك واسقاط صواريخ وطائرات مسيرة        مؤسسة شعيب الصديقي الدكالي تعقد جمعها السنوي العادي    أسعار صرف أهم العملات الأجنبية اليوم الاثنين    حادثة سير تودي بحياة شاب في طنجة    المنتخب المغربي يضع نفسه أمام حتمية الانتصار ضد زامبيا    "فيدرالية اليسار": سياسات التهميش حولت المحمدية ومناطق مجاورة إلى "تجمعات تفتقر للتنمية"    الصين تطلق مناورات عسكرية وتايوان ترد بالمثل    حريق يخلف قتلى في دار للمسنين بإندونيسيا    تنظيم "داعش" يعطب أمنيين في تركيا    رياض محرز يتصدر ترتيب الهدافين في كأس الأمم الأفريقية 2025    وفاة أيقونة السينما الفرنسية بريجيت باردو عن 91 عاما    أمريكا تتعهد بتمويل مساعدات أممية    الإحصائيات تعترف للركراكي بالتميز    اتباتو يتتبع "تمرحل الفيلم الأمازيغي"        روسيا ‬وجمهورية ‬الوهم ‬‮:‬علامة ‬تشوير جيوسياسي‮ ‬للقارة‮!‬    بوصوف: المخطوطات "رأسمال سيادي"    المهدي النائر.. ريشة تحيي الجدران وتحول الأسطح إلى لوحات تنبض بالجمال    عبد الكبير الركاكنة يتوج بجائزة النجم المغربي 2025    السينما والأدب: الخصوصية.. والحوار الممكن    كرة القدم نص مفتوح على احتمالات متعددة    نشرة إنذارية.. زخات رعدية محليا قوية وتساقطات ثلجية وهبات رياح أحيانا قوية يومي الأحد والاثنين        مدفوعة ب"كان 2025″ وانتعاش السوقين المحلية والأوروبية.. أكادير تقترب من استقبال 1.5 مليون سائح مع نهاية السنة    "جمعية هيئات المحامين بالمغرب" ترفض مشروع القانون المتعلق بتنظيم المهنة وتدعو إلى جمع عام استثنائي    الصين تفرض حد أقصى إلزامي لاستهلاك الطاقة للسيارات الكهربائية    الخدمة العسكرية .. الفوج ال40 يؤدي القسم بالمركز الثاني لتكوين المجندين بتادلة    علماء روس يبتكرون مادة مسامية لتسريع شفاء العظام    وفاة المخرج المصري الكبير داوود عبد السيد    علماء يبتكرون جهازا يكشف السرطان بدقة عالية    روسيا تبدأ أولى التجارب السريرية للقاح واعد ضد السرطان    الحق في المعلومة حق في القدسية!    وفق دراسة جديدة.. اضطراب الساعة البيولوجية قد يسرّع تطور مرض الزهايمر    جائزة الملك فيصل بالتعاون مع الرابطة المحمدية للعلماء تنظمان محاضرة علمية بعنوان: "أعلام الفقه المالكي والذاكرة المكانية من خلال علم الأطالس"    رهبة الكون تسحق غرور البشر    بلاغ بحمّى الكلام    فجيج في عيون وثائقها    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



بلكبير يقترح هدم "مساكن الملاح" وتعويضها بعمارات عصرية
نشر في هسبريس يوم 25 - 01 - 2017

دعا المفكر المغربي عبد الصمد بلكبير إلى مشروع جهوي أو وطني يروم الهدم التدريجي وإعادة بناء "أحياء الملاح" في المغرب، على شكل عمارات عصرية وإنسانية توفر لكل أسرة من قاطني "الملاح" مسكنا خاصا يوثق ملكياتهم ويحترم قيمهم وحقوقهم الإنسانية.
واعتبر بلكبير، في مقال توصلت به هسبريس، أن مفهوم "الحقوق الثقافية" بهتان "أممي" وفساد فكري استعماري، يتقصد حيثما وقع تنزيله نشر الفوضى والفتنة والحروب الأهلية، داعيا الدولة إلى التصرف في "الملاحات" خارج منطق "الحقوق الثقافية" الذي ليس هو سوى قناع لخدمة أهداف أخرى "تجارية".
إليكم نص المقال، كما توصلت به هسبريس:
الملاح ...
تعتبر الصهيونية التأويل والتوظيف الإيديولوجي والسياسي الحديث لليهودية؛ وهي لذلك نوع من "الإصلاح" الديني للانحراف اليهودي، على شاكلة الإصلاح الديني البروتستانتي للمسيحية المحرفة (=الكنسية). بل إن التأويل الصهيوني لليهودية انطلق أولا في الأوساط المسيحية الأوربية (نابيلون مثلا)؛ وذلك قبل أن يتسرب إلى، أو بالأحرى يقتحم بالعنف، الأوساط اليهودية الأوربية أولا ثم العربية-الإسلامية لاحقا.
في الحالتين، فلقد كان "الإصلاح" إياه مبادرة إيديولوجية من قبل الطبقة الوسطى المنبثقة والناهضة في الغرب، على حساب النظام الإقطاعي-الكنيسي السائد قبلها وعلى حسابها، وتأويلاته الإيديولوجية للدينين.
الفرق في الحالتين هو:
1-أن هدف الصهيونية المسيحية كان هو التخلص، سلميا وإيديولوجيا، من منافسة التجار اليهود لصعودها، فلقد كانوا الأكثر خبرة وتأهيلا؛ وأيضا فهو جزء من برنامج التخلص من الفائض البشري الأوربي، وذلك عن طريق تهجيره خارج أوربا، وبالذات إلى مستعمراتها.
2-إن "الإصلاح" الصهيوني إياه جاء متأخرا جدا مقارنة مع المسيحي البروتستانتي، الذي جاء في مرحلة التوسع الرأسمالي الاستعماري، وليس قبله؛ ولذلك وظف (=الإصلاح) لخدمته أساسا.
إذن: تهجير + استعمار استيطاني لفلسطين + قاعدة عسكرية – سياسية بهدف منع التنمية والديمقراطية والوحدة العربية...، والتي بدونها لا نهوض ولا اتحاد ولا ديمقراطية... لغيرها من بقية الشعوب المستعمرة أو شبه المستعمرة في العالم.
سيقف على التنفيذ تحالف فئتين من يهود الغرب: تجار الدين من الأحبار + تجار الحرب والسلاح من اليهود؛ والأمر مازال كذلك حتى اليوم. أما ضحايا التحالف إياه فهم جموع الكادحين اليهود والمغفلين من بورجوازياتهم الصغيرة؛ وذلك باقتلاعهم سلما (بالإيديولوجيا إياها) أو قهرا من أوطانهم وشعوبهم الأصلية.. وقد وفروا لذلك الكثير من الذرائع الواقعية أو المصطنعة لتبرير الهجرة، أو التهجير بالأحرى، بما في ذلك "المحرقة" النازية، ومثيلاتها الأدنى في مختلف الأنظمة الرأسمالية السائدة أو التابعة.
* * *
سيشتغل الاستعماران الفرنسي والإسباني في المغرب لخدمة الإستراتيجية ذاتها، وأهم ذلك كان:
1-تكريس نمط التوظيف الإقطاعي لليهود ولليهودية كطائفة معزولة عن بقية الساكنة، وفي خدمة الإدارات الحاكمة مركزيا أو محليا من جهة، وكبار التجار والأحبار اليهود من جهة ثانية؛ ذلك في تحالف رجعي بينهما، على حساب بقية الساكنة يهودا ومسلمين معا وفي الوقت نفسه.
2-تخصيصهم بتعليم خاص و"عصري" (=فرنسي) متميز، وذلك لتعميق عزلهم عن بقية إخوانهم المغاربة المسلمين، وتوظيفهم لخدمة الإدارة الفرنسية ومخططاتها الاستخبارية والاستعمارية من جهة ثانية.
3-تيسير هجرة من يرغب منهم، سواء إلى أوربا أو إلى غزو فلسطين.
* * *
لقد ساهم اللوبي اليهودي أوربيا وأمريكيا في التعجيل ب"الاستقلال" المنقوص للمغرب، وربطه برجوع الملك (=مؤامرة إكس ليبان). ويبدو أن ذلك لم يكن لخدمة مخططات الاستعمار الأمريكي الجديد فقط؛ بل أيضا في مقابل جريمة تيسير هجرة وتهجير المغاربة اليهود، والذي شجع عليه أيضا هو الوعي البائس لمحدثي نعمة إدارة الاستقلال البورجوازية الطارئة.
وحده محمد الغزاوي (المدير العام للأمن) عرقل المؤامرة، أما البقية فتواطأت، وذلك بمستويات، أدناها الصمت، بسبب عدم الوعي بخطورة المخطط (يراجع النقد الذاتي لكل من المهدي ثم بوعبيد وعمر) وأخطرها وأحقرها اقتلاعهم جماعات من القرى ليلا نحو ميناء الدارالبيضاء وسواحل الشمال، وذلك في مقابل "حفنة دولارات" عن كل "رأس"، وذلك لمصلحة النافذين والذين كان على رأسهم "أوفقير".
ساكنة المدن من المغاربة اليهود كانوا "محميين" (=معتقلين) في ملاحات، وأكثرهم كانوا حرفيين وتجارا ذوي ممتلكات موثقة. احتاج الأمر معهم إلى نفس صهيوني طويل نسبيا من الإغراء والضغط والاستفزاز والقضم والتهديد... بما في ذلك خاصة توظيف وتحريض الأطفال واليانعين والمراهقين المسلمين لمطاردة تجارهم وحرفييهم المتنقلين والتنكيل بهم وإفساد سلعهم، والأمر نفسه بالنسبة لفتياتهم بدعوى سفورهن. والأسوأ كان تناوب شباب الأحياء على الهجوم التخريبي جماعات على تجار وساكنة الملاحات... وثمة قرائن على أن ذلك لم يكن يتم بدافع وعي ديني إقطاعي عنصري موروث، بل أيضا بداعي طارئ بورجوازي عنصري متخلف لا وطني ولا قومي. (يراجع حوار كوهن في المساء)
[يحتاج المغاربة، مجتمعا وإدارة، من أجل ترميم ضميرهم الوطني ومن أجل المستقبل، إلى ممارسة نقد ذاتي عميق وشامل في موضوع مواقفهم من إخوانهم المغاربة اليهود. الخطوة نفسها مطلوبة من اليهود المغاربة المقيمين منهم أو المهاجرين. أما المساهمون منهم في احتلال فلسطين، فنقدهم الذاتي هو عودتهم إلى أوطانهم وإلى شعوبهم الأصلية. ومن المثير في هذا الصدد إلا مؤتمر وطنيا، حزبيا أو نقابيا أو ثقافيا... تطرق بالنقد في مقرراته لذلك الإرث العنصري المظلم].
* * *
لقد عمد الملاكون اليهود أولئك، في الملاحات، إلى التسويف والتأخير، وفي الوقت نفسه التمهيد المتستر لبيع سلعهم وعقاراتهم (السكنية أو التجارية) لجيرانهم أو معارفهم الأقربين من إخوانهم المسلمين؛ وذلك بتحريضهم على الادخار من أجل صفقة مربحة (لا يسمونها لهم أو يصفونها)، وبين الفينة والأخرى يراجعونهم حول المقدار الذي جمعوه، وذلك إلى حين تطابق المقدار المدخر مع موعد السفر، وعندئذ يكشف المهاجر لصديقه المسلم نيته، ومن ثم اضطراره واستعجاله لتفويت مسكنه أو متجره أو محترفه، بأقل سوم، ويسلمه المفاتيح ليلا، لكن دون وثائق الملكية يحتله المالك الجديد صباح الغد، دون سند قانوني. (فالطمع يعمي البصيرة).
إن وضعية ساكنة وتجار... ملاح مدينة مراكش تشبه نظائرها في جميع الأقطار العربية والإسلامية التي تعرضت لمخطط الهجرة والتهجير ذاته.
لا شيء يمنع شرعا أو قانونا الملاك السابقين أو أبناءهم أو أحفادهم من "حق" المطالبة باسترجاع تلك الممتلكات أو تعويضهم عنها. وإذا لم يسعفهم القضاء المغربي، غير "المستقل" في نظرهم (وهذا معنى المطالبة باستقلاله من قبل الغرب، بدل المطالبة باستقلال القضاة؟!)، فإنهم سيلتجئون إلى القضاء "الدولي". ولقد استجاب لذلك دستور 1911 الذي أقر بسمو القانون الدولي العولمي (=الرأسمالي-الاستعماري) على القوانين المحلية (اللاوطنية في أغلبها).
لقد "طهرت" الصهيونية العالمية بتواطؤ الرجعية المحلية أحياء "الملاح" من ساكنتها التي كانت معزولة قسرا، بل ومعتقلة، في شروط غاية في البؤس والاكتظاظ اللاإنساني (انظر العدد الخاص بملاح مراكش من حولية هسبريستامودا)؛ وذلك بدعوى "تحريرهم".. والحال أنها أعادت حشرهم في ملاح عولمي كبير (إسرائيل) وتوظيفهم بذلك "مرتزقة" في مشروع رأسمالي استعماري جديد وعولمي، انطلق أوربيا وانتهى أمريكيا، وهو وضع أسوأ وأخطر عليهم من سابقه في ملاحات وغيتوهات العالم الرأسمالي. [=توفير شروط أخطر لمحرقة لاحقة من قبل العنصرية الكنسية الغربية].
إذن، فإنه باختيار منهم، أو مرغمين، تخلى سكان الملاح وتجاره، لا عن أسماء دروبه فقط، بل عن أملاكهم نفسها، وهجروا أو هجروا إلى حيث هم أبناؤهم اليوم. وفي المقابل، سكن الحي وتاجر فيه مواطنون آخرون أغلبيتهم الساحقة من هوامش المدينة ومطرودي القرى والبوادي المحيطة.. وما كان لهم
أو عليهم أن يستمروا في استعمال أسماء تخلى عنها أصحابها أنفسهم، وهي بالنسبة إليهم غاية في الغرابة، فهي جميعها طائفية، محلية لا وطنية ومجهولة. وتلقائيا، وكما وقع ويقع في تاريخ الأسماء الجغرافية دائما، فلقد أطلقوا عليها أسماء أخرى، أتت معهم أو ابتكروها، ثم زكاها بالإجماع مجلس بلديتهم المنتخب، وخضعت لمسطرة المصادقة القانونية من قبل الإدارة (الوزارة الوصية) (1977).. فأين هو المشكل(؟!).
بسلوكهم العفوي، والذي كان عليه أصلا أن يكون مدبرا وواعيا، شوشوا على احتمال الارتداد عليهم بعقود ملكيات لا يحوزونها، غير أنها (العقود) أضحت معيبة عند "أصحابها"؛ ذلك لأنها أضحت تحمل أسماء دروب لا وجود لها في الخريطة السكانية للمدينة، بما في ذلك اسم الحي نفسه(؟!)
ترى ألا يحق لنا التشكيك في المقاصد الحقيقية للمطالبين بالعودة إلى الأسماء القديمة، وليس فقط إلى أسماء يهودية مطلقا؟.. لو كان الباعث "ثقافيا" لا غشا "تجاريا" لسمح بتسمية الدروب بأسماء يهود آخرين ذوي شهرة عالمية، كابن ميمون مثلا أو وطنية: كوهن أو السرفاتي...إلخ.
إن حقيقة الثقافة ووظيفتها الأساس أنها توحد ولا تفرق، وهي ذات طابع إنساني أو وطني. أما مفهوم "الحقوق الثقافية" فهو مثل نظيره "الشعوب الأصلية"... بهتان "أممي" وفساد فكري استعماري، يتقصد حيثما وقع تنزيله نشر الفوضى والفتنة والحروب الأهلية: الدينية منها أو المذهبية أو الطائفية أو القبلية أو الجهوية أو اللغوية... إلخ من "الهويات" الفرعية القاتلة؛ فهو مفهوم أو شعار إيديولوجي-سياسي لا يستحق الاعتبار، بقدر ما يستحق المقاومة والمحاربة.
* * *
ثمة مفارقة أخرى بالمناسبة، إذ ما بال هؤلاء الذين كلفوا أنفسهم مهمة "إنقاذ" المدينة العتيقة وأسواقها بالتزيين وبعض الترميم.. لم يهتموا بوضع جدول لأشغالهم، يراعي في الأسبقية، لاعتبارات موضوعية، لا يجوز أن يكون أقلها اعتبارا: النضالية والتضحية في شروط المعركة الوطنية ضدا على الاستعمار القديم.
اللهم لا حسد، بل هو الاغتباط وحسب ما جعلني أستحضر سوق "السمارين" وأحقيته أيضا، حتى لا أقول أولويته، فعندما شرع المستعمر بتواطؤ مع الرجعية الإقطاعية في مؤامرة إقالة الملك ونفيه (1953)، بدأ المخطط سياسيا بفصل وظيفتي الملك وإمارة المؤمنين.. قرروا أولا تنصيب محمد بنعرفة إماما في مدينة مراكش (14 غشت 1953). أعلن تجار سوق السمارين بالإجماع (إلا واحدا اغتيل لاحقا) شن إضراب شامل (صادف يوم "جمعة") وأصروا من ثم على المواظبة، كل جمعة، على الإضراب؛ وذلك للداعي السياسي الطارئ، وليس الديني الدائم. وفي المقابل أصر حاكم المقاطعة الفرنسي (كيدون) على كسر أبوابهم أسبوعيا، وتركها معرضة للنهب، غير أن ذلك لم يحصل قط طيلة عامين كاملين. كان سوق الملاح فيها يهتبل المناسبة لتجارة مضاعفة (؟!).
قضت خلية الفقيه الأحمدي بإعدام "كيدون" فاغتيل؛ ومن أجل ذلك عمد المجلس البلدي نفسه إلى إطلاق اسم "الأحمدي" على سويقة في السمارين تكريما له..فهل علينا أن ننتظر يوما يعمد فيه لاحقون في المخطط إلى تغيير الاسم، ربما بدعوى أن الإعدام إياه كان "إرهابيا" (؟!). ثمة سابقة في الدارالبيضاء، عندما استعيض عن "الحنصالي" تسمية لشارع باسم فرنكوفوني إفريقي (بوانيي)(؟!)
في اليوم التالي (15 غشت 53) اندلعت مظاهرة المشور، حيث قضت أول شهيدة مغربية (فاطمة الزهراء). وفي 16 غشت تظاهرت وجدة (سميت بها ساحة بوجدة).. لم يقع الأمر بالنسبة لمدينة مراكش حتى اليوم، هذا مع أن الملك المرحوم الحسن II أخبر (1978) بأن مظاهرة المشور كانت الحافز على صمود محمد 5، والقرينة على أن المغاربة لن يتخلوا عنهما، وعن رجوعهما منتصرين بعد النفي (20 غشت53). وكذلك كان فعلا، فأغلب رواد المقاومة انطلقوا من مدينة مراكش.
* * *
وبعد، لا شك أن المحافظة على الذاكرة وإنعاشها وترميمها في كل حين يعتبر شرطا للحفاظ على الاستقلال وعلى الكرامة... ولذلك فهي مستهدفة اليوم وأكثر من غيرها من قبل الاستعمار الجديد بالتشويش والتأويل والتحريف وحتى المحو.. ولذلك يجب اعتبارها واجهة للنضال الثقافي لا تقل أهمية عن بقية واجهات النضال والمقاومة.
غير أن حي الملاح (السلام اليوم) مسألة أخرى، لقد كان بالأحرى وصمة عار، سواء بعزله جزءا من المغاربة عن بقية إخوانهم، أو في توظيفه من قبل الإقطاع أولا ثم الاستعمار ثانيا لأهداف خسيسة، لا دينية ولا وطنية، وللشروط القاسية واللاإنسانية ل"الحياة" فيه، مثل تلك الذكريات المؤلمة، تحفظ في المتاحف والأدب والفن... للعظة وللاعتبار وللاعتذار... لا إعادة إنتاجها مضمونا، وتزيينها شكلا(؟!) وذلك من قبيل جبر الأضرار المعنوية...
إن الجرائم هي أولا وأساسا بنيات، اقتصادية-اجتماعية... قبل أن تكون سلوكا وأحرى أفكارا (كالإرهاب مثلا).. وهي تبرز وتتجسد في بنيات معمارية وفي أمكنة. وملاح مراكش كغيره من أمثاله يحتفظ ويحتضن ويعيد إنتاج (=يفرخ) الاكتظاظ (أكثر من 50 فردا للمرحاض الواحد) في مساكن متعددة الأسر والبؤس والجرائم، بحيث يمتنع على الأمن دخوله ليلا. تلكم ذاكرة ذلك المكان المحتفظ بها، والحل قبل أن يأتي من الغير ولمصلحته يكمن في مشروع جهوي أو حتى وطني، لهدمه التدريجي، وإعادة بنائه في شكل عمارات عصرية وإنسانية توفر لكل أسرة من ساكنته مسكنا خاصا يوثق ملكياتهم ويحترم قيمهم وحقوقهم الإنسانية. وعندئذ لنسم كل عمارة باسم يهودي محترم (اينشتاين، شابلن... أو بأبينا المشترك (إبراهيم) أو الأنبياء العظام: سيدنا موسى وأخوه هارون وسليمان وداوود...إلخ، هذا إذا كان الأمر يتعلق حقا وصدقا بحقوق "ثقافية" لا تجارية بالأحرى...
لقد بدأ اليهود، خاصة في فلسطين المحتلة، يوثقون ويثمنون ويصوغون المذكرات القانونية للمطالبة بما اعتبروه انتزع منهم من ممتلكات، وذلك بادعاء أن هجرتهم من البلاد العربية والإسلامية كانت طردا لا طوعا.. ولقد سبق أن بادروا في المغرب (السبعينيات) وعوضتهم الدولة في المدينة بما يجزي ويفيض؛ ومع ذلك عادوا للمطالبة، ما دفع الملك المرحوم إلى الغضب في الرد عليهم قبل أن يسكتوا. يبدو أن ذلك الصمت كان مؤقتا، وها هم يتحركون من جديد في غير ما مدينة ودولة؛ فعلى ساكنة الحي وعلى مجلس المدينة والجهة، بل وعلى الدولة، أن تتحرك وتتصرف خارج منطق "الحقوق الثقافية" الذي ليس هو سوى قناع لخدمة أهداف أخرى "تجارية" في حقيقتها، وإلا ما علاقة اليهودية التلمودية أو "التجارية" بالثقافة بل وبالدين نفسه؟.
يقول ماركس إن المعبود الحقيقي للتاجر "اليهودي" هو المال ورأسمال، ولتحرير اليهود (بالتالي الإنسانية) يجب تحريرهم من "اليهودية" (كإديولوجيا لا كدين)؛ أي بالنسبة له من التجارة (=الربا – الاحتكار – المضاربة – الغش...إلخ).
هوامش:
1-إذا كانت الإدارة محرجة في الموضوع، وهو الغالب، فأين هي استقلالية ومقاومة "جمعيات" المجتمع المدني المدعاة، بما في ذلك مجلسا المدينة والجهة وساكنة وتجار الحي (؟!) ولماذا كل تلك السرعة في الاستجابة (؟!) دون استفسار، دون تأمل، دون تحفظ ودون تصرف في تنفيذ المقترح (؟!)أو بالأقل تأجيل ولو بدواع "طبية" (؟!)
2-يحق لجامعة القاضي عياض، وخاصة شعبة التاريخ والجغرافيا بها، وخلفها أربعة عقود من التاريخ، أن تستغرب، بل وأن تستنكر، ذلك التهميش من قبل المنظمين للزيارة الملكية، وتقديم مرشد لصاحب الجلالة من خارج أساتذتها ذوي الأهلية والصفة العلمية(؟!) ترى أين هو الفرع الجهوي لنقابة الأساتذة؟ أم تراه مازال على انحرافه، الناتج عن اختراقه (؟!)


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.