تفاصيل جديدة في قضية سرقة "مجوهرات التاج" من متحف "اللوفر"    لقد ونمَ الذبابُ عليه..    التدريس الصريح    تشكيلنا المغربي..    التواصل في الفضاء العمومي    العرب في معرض فرانكفورت    الرياض تستضيف الدورة ال21 للمؤتمر العام لمنظمة الأمم المتحدة للتنمية الصناعية    منظمة حقوقية تنبه إلى جريمة جنسية    مندوبية المقاومة تخلد عيد الاستقلال    حقيقة الديمقراطية الإسرائيلية    الكونغو الديمقراطية في ملحق المونديال    وزير الخارجية الفرنسي يرجح عودة بوعلام صنصال إلى فرنسا "في الأيام المقبلة"    أزيد من 3 مليار دولار حجم الإنفاق على أمن المعلومات في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا    حكيمي وصلاح وأوسيمين يتنافسون على لقب أفضل لاعب إفريقي 2025    ارتفاع الفائض التجاري لمنطقة اليورو بدعم من الاتفاق التجاري مع الولايات المتحدة    ألعاب التضامن الإسلامي.. المغرب يحصد ذهبية وبرونزية في منافسات التايكواندو    ارتفاع جديد في أسعار المحروقات بالمغرب    تقرير إخباري: كلميم على حافة التهميش والاحتقان الاجتماعي.. ودور السلطة الترابية في تعثر التنمية المجالية    كلية أيت ملول تستضيف محاضرة حول التصوف ودوره في بناء الجسور الدبلوماسية بإفريقيا    أربعاء أيت أحمد : حملة طبية بتينكطوف تعيد الدفء الصحي إلى منطقة جبلية وتخفف عبء التنقل عن الساكنة.    نقاش ساعات العمل بالتعليم الابتدائي يتجدد على إثر فهم الوزير لدراسة "طاليس".    سفيرة الصين بالرباط تلتقي محمد أوجار وأعضاء بارزين في حزب الأحرار    جامعة الكرة تكرم الدوليين السابقين المنتمين للعصبة الجهوية طنجة تطوان الحسيمة    بنكيران: المغاربة يلتقون بي و يخاطبونني "أيامك كانت زينة آسي بنكيران"    قبل ساعات من التصويت .. إسرائيل تتمسك برفض قيام دولة فلسطينية    "الحرارة وشح المياه وارتفاع منسوب البحر".. مخاطر المناخ في المغرب تفوق ما تسمح به قدرات التكيف الحالية    عكاشة: "الأحرار" يستعد لانتخابات 2026 بطموح المحافظة على الصدارة    الوزير مزور يترأس بتطوان أشغال المجلس الإقليمي لحزب الاستقلال ويشرف على تنصيب مفتش جديد للحزب بعمالة المضيق    3.3 مليار دولار حجم الإنفاق على أمن المعلومات في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا    الركراكي يفاجئ مشجعا طنجاويا بترت قدمه إثر مرض عُضال بزيارة إنسانية في منزل أسرته    التمويلات المبتكرة: خدمة جيدة أم ديون مقنعة؟ نقاش هادئ مع لقجع    جمعية بتيفلت تستنكر طمس جدارية فنية وتطالب بتوضيح رسمي ومحاسبة المسؤولين    يشارك في هذه الدورة 410 فنانا وفنانة من 72 دولة .. أكادير تحتضن الدورة الثامنة للمهرجان الدولي للكاريكاتير بإفريقيا    صالون "الشاي يوحّد العالم" يجمع المغرب والصين في لقاء ثقافي بالبيضاء    باحث ياباني يطور تقنية تحول الصور الذهنية إلى نصوص بالاستعانة بالذكاء الاصطناعي    هلال يخرج عن صمته بشأن حجب العلم الجزائري ويؤكد احترامه لرمزيته    أشرف حكيمي يطمئن جماهيره بصور جديدة خلال مرحلة التعافي    أكرد يغادر معسكر المنتخب المغربي    "إعادة" النهائي الإفريقي.. المغرب في مواجهة مصيرية مع مالي بدور ال16 لكأس العالم    دراسة أمريكية: الشيخوخة قد توفر للجسم حماية غير متوقعة ضد السرطان    النسخة الثانية من الندوة الدولية المنعقدة بوجدة تصدر اعلانها حول الاقتصاد الاجتماعي والتضامني    مهرجان الدوحة السينمائي يعرض 20 فيلماً قصيراً في المسابقة الدولية للأفلام القصيرة    الإنعاش الميداني يجمع أطباء عسكريين‬    طقس الأحد.. أجواء غائمة مع نزول أمطار بعدد من مناطق المملكة    بلباو تُهدي فلسطين أمسية تاريخية.. مدرجات تهتف والقلب ينبض    الذكاء الاصطناعي يراقب صناديق القمامة في ألمانيا لضبط المخالفين    لبنان سيقدم شكوى ضد إسرائيل لبنائها جدارا على حدوده الجنوبية تجاوز "الخط الأزرق"    هل تمت تصفية قائد الدعم السريع في السودان فعلا؟    أكنول: افتتاح الدورة التاسعة لمهرجان اللوز    الناظور .. افتتاح فعاليات الدورة 14 للمهرجان الدولي لسنيما الذاكرة    ابن الحسيمة نوفل أحيدار يناقش أطروحته حول تثمين النباتات العطرية والطبية بالريف    منظمة الصحة العالمية تعترف بالمغرب بلدًا متحكمًا في التهاب الكبد الفيروسي "ب"    دراسة: ضعف الذكاء يحد من القدرة على تمييز الكلام وسط الضوضاء    المسلم والإسلامي..    وفاة زغلول النجار الباحث المصري في الإعجاز العلمي بالقرآن عن عمر 92 عاما    بينهم مغاربة.. منصة "نسك" تخدم 40 مليون مستخدم ومبادرة "طريق مكة" تسهّل رحلة أكثر من 300 ألف من الحجاج    وضع نص فتوى المجلس العلمي الأعلى حول الزكاة رهن إشارة العموم    حِينَ تُخْتَبَرُ الْفِكْرَةُ فِي مِحْرَابِ السُّلْطَةِ    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



الراحل عبد الجبار السحيمي .. طائر حرّ حول شِريانه مِحبرة

حينما أسترجع من محطات بعيدة صفحات السنين ودهشة الكتابة ومسافاتها المستبدة بالكيان، أستحضر جريدة "العلم" وصفحة "الباب المفتوح" في بداية التسعينات وهي تحتضن نصّي الأول.. لتتوثق الصلة بين الجريدة عبر صفحة "حوار" ثم الملحق الثقافي.. ولأجدني أنسج خيوطاً أخرى وفي يدي أحلامي تجاه العمل الصحافي: حوارات، استطلاعات، مراسلات، كتابات فنية وإبداعية لشهور عديدة، دون أن تكون لي صلة مباشرة مع كل طاقم التحرير باستثناء المبدعين العزيزين: نجيب خداري ومحمد بشكار.
وأكثر ما كان يشغلني في هذا الطريق الممتد والمتطلع على ضفاف "العلم"، اللقاء برئيس تحريرها الأديب والإعلامي الرائد الأستاذ الراحل عبد الجبار السحيمي (1938/2012)، هذا الاسم شديد الدلالة الذي له مُتّسع في المعنى وصاحب الصّوت المتطلع والمسار المعرفي المغاير، بعدما تركت كتاباته غير المتوقعة في نفسي ما يتركه ضوء خلاب من سحر وعنفوان لا يوصفان، أنا الكائن الطريّ القادم على جسر مختلف مغموراً ببساطتي.. فيقابلني الرجل بلكنته الرباطية المُشرقة بخفة القلب التي بدّدت شيئا من رهبتي وهو منغمس بكامل وجدانه بين الأوراق: كيف هي أحوال "الشاون؟".
عبد الجبار السحيمي الطّائر الحرّ الذي ارتفع فسيحاً وبعيداً بالسؤال، كان جناحه صوته وكانت حلقات مشروعه الإعلامي المنشدّة للتحديث والتغيير ومواقفه السياسية والاجتماعية والثقافية تكبر وتتجدّد في العمق وبالانتماء إلى الفعل.. في هواء المدن والقرى وفي سحنات المقهورين والمنسيين بين أوراق الغبار وأثقال الفقر.. وفي المنعطفات العصيبة، منسجماً بهذا مع موقفه الأخلاقي، الذي نبّه عبره وانتقد ورفض، مستحضراً وقائع الحياة اليومية وقضايا عصرنا، فكان بارعاً ومقنعاً ومؤثّراً.
لقد كانت صوره الإنسانية متّحدة الجوهر وهي تصوغ مسارها وتخلق تقابلا مستمراً في مواجهة مصاريع الظلمة، عبر كتابات شكلت بانعطافاتها توقداً جديداً في الأسلوب الصحافي وفي فعله وصداه، وفي تأثيراته التي تفيض فيضاً وتنمو وتتأكد وتحقق الوعي وتتخطى الاحتمالات؛ حيث يشدّنا بروعة القول ويجعلنا نستعيد مذاق الأشياء وسجالات أيّامنا، معتمداً في ذلك على شرارة جمالية متصلة بفروع الحاضر والمستقبل وبخيارات ورؤى تنفذ إلى العقل وأعماق النّفس وتستغور قرارة الأذهان.
ولم يكن كل هذا بغريب على الرجل الذي كان تأثيره حاسماً، والذي اختار من قسمته التسامي في كبريائه وفي خيمته الإعلامية التي حصّنها من كل تطفل أو وهم، رفقة رفيقي دربه الأديبين المرموقين: محمد العربي المساري وعبد الكريم غلاب وغيرهما، وجعل منها أرضاً للحوار والتعدّد ونبضاً ينتصر للفكرة ويؤسس لنضج ثقافي وإعلامي، فكان كما أراد منها صوتاً مفتوحاً لا يحدّه خوف، يعمّق الحس بالقضايا والانتظارات، محللا نسيج المجتمعات وفاهماَ لتفاعلاتها الداخلية، في احتداماتها وتناقضاتها، جاعلا من خطّ يده أسلوباً خاصاً يتجدّد في كل مرّة، ينطق بعباءة لغته ويتغلغل في كنه الوطن والإنسان، وفي جغرافيات أشدّ حساسية، معيداً بذلك تكوين الواقع والإسهام في تغييره ونقد السّيطرة، بلمسته وبوحه وهوائه الطّلق.
وها هو عبد الجبار سليل الإبداع الذي كان يستجير بالبحر والقصبة وبأمل الأفق ومناخات العزلة، ليحكي لهم شجونه، كلما ضاقت به (مرايا الوجوه).. وها هو صاحب أعمال: "مولاي" و"سيدة المرايا" و"الممكن من المستحيل" …الذي جعله ممكناً، يباغتنا برحابة أشمل وبقدرة السّهل الممتنع فيقول: "الليل يُولّد الصّمت، وفي الصّمت تصبح تكتكات الساعة أفاعي تتلوى في فراشك، تدخل رأسك تحت الوسادة، لكن تكتكات الساعة تقوى... وتمنعك من النوم، لن تنام إذا لم يولد الصّمت كاملا..."، (قصص الممكن من المستحيل ص: 45)
في الصمت أحيانا حكمة الكبار، نتخطى به الحياة الضاجة بأصواتنا ونستوحي منه الصلة الملتبسة بين الغابة والرّحيق، بحثاً عن مساحات من الحرية.. وفي الكلام كذلك كشف عن دواخلنا الغامضة وامتداداتنا في الطريق، التي قد تحجبنا بوصلتها في غفلة منّا، فنكون مجرد عابرين نرفع الأيدي بالتصفيق..
لكن الأهم، كيف نصير شهوداً على العصر وحقيقته؟ وكيف نركب الضفّة بدون مجاديف المحاباة؟ وكيف نجعل من الوقت حداً نقطع به ظلال الخمول ونواجه به طواحين القسوة.. وننحت منه ربيعاً مرتقباً؟ وهذا شأن الفذّ عبد الجبار السحيمي، الذي جعل من شِريانه مِحبرة وزهرة تمشي إلى بلادها..


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.