دي ميستورا يعري عورة الجزائر و ينسف مزاعم الحياد التي يجترها وزير خارجيتها عطاف    أخنوش: نهدف لتحقيق التوازن بين القطاعين العام والخاص في الصحة خلال 3 سنوات    أخنوش: حصيلة الحكومة إيجابية وأولويات السنة الأخيرة تركز على الأوراش الاجتماعية        وزراء يؤكدون أن مشروع "AYA" خطوة للمغرب نحو تفعيل استراتيجيته الصناعية وتعزيز سيادته الغذائية    أخنوش يستعرض حصيلة الحكومة خلال السنوات الأربع الأخيرة    استغلال سيارات أجرة بطنجة لوثيقة تسعيرة مزورة تجرهم للمساءلة القانونية    تفاصيل اغتيال كيرك المؤيد لترامب ونتنياهو بالرصاص    مهرجان بلجيكي يلغي عرضا لأوركسترا ألمانية بسبب قائدها الإسرائيلي    لامين يامال: "أحلم بالفوز بعدة كرات ذهبية"    رونالدو يثير الجدل بمتابعته مؤثر مسلم يقدم محتوى تعريفي عن الإسلام    لقجع يصدم خصوم الحاج أبرون ويحفظ مصداقيته أمام حملة تشكيك في طريق عودته لرئاسة المغرب التطواني            كيوسك الخميس | 40 دولة من مجلس حقوق الإنسان تجدد دعمها لمغربية الصحراء    أخنوش: حسابات سياسية عطلت تحلية المياه لعشر سنوات    "حيازة الكوكايين" يوقع مروجا للمخدرات في قبضة درك إساكن        الدوري المغربي ينطلق بطموحات جديدة    طيارون يقرون بميلهم المتزايد إلى أخذ قيلولة أثناء الرحلات الجوية    الصين تفرض عقوبات على "ريد نوت" بسبب محتويات "تافهة" و"سلبية"    مقتل طفل وإصابة آخرين جراء اقتحام سيارة حضانة قرب تورونتو بكندا    ارتفاع طفيف للذهب وسط توقعات بخفض الفائدة الأمريكية    المغرب يقود النقاش الإقليمي حول مستقبل الفضاء الأورو–متوسطي            مليلية .. اعتقال بارون مخدرات مطلوب من المغرب باربع مذكرات بحث دولية        الصين تكشف عن مخطط لتسريع تكامل الذكاء الاصطناعي مع قطاع الطاقة    معرض الصين الدولي لتجارة الخدمات (CIFTIS) هذا العام.. القطاع السياحي والثقافي في قلب اهتماماته    بطولة انجلترا: الاصابة تبعد الدولي المصري مرموش عن ديربي مانشستر    هشام العلوي: الأجهزة الأمنية في المغرب تجاوزت صلاحياتها.. ودور الملكية في أي انتقال ديمقراطي يجب أن يكون أخلاقيا    أخنوش: حصيلة إعادة الإعمار بعد الزلزال مشرفة... ولم يعد إلا عدد قليل في الخيام    أخنوش: أنا "فرحان" لأنني لن أشرف على الانتخابات المقبلة    نحن جيل الذاكرة الحية    الفيلم المغربي "وشم الريح" يتوج بجائزة في مهرجان قازان الدولي    تداولات بورصة البيضاء تنتهي خضراء    الزاوية الكركرية تحتفي بإصدارات الشيخ محمد فوزي الكركري        حسام أمير يعيد إحياء "حكّام الرجال" بأسلوب معاصر    المغربي وليد الحجام يوقع لعامين مع جيروندان بوردو الممارس في الدرجة الرابعة لكرة القدم بفرنسا            بعد جدل طلاقها .. سكينة بنجلون تطلق نداء عاجلا لحسن الفذ    تعيينات في المصالح الاجتماعية للأمن‬    188 مليون طفل ومراهق يعانون السمنة .. والأمم المتحدة تحذر    صيف استثنائي بفضل الجالية.. 4,6 ملايين سائح بالمغرب خلال يوليوز وغشت    المنتخب الإماراتي لكرة القدم يتأهل إلى نهائيات كأس آسيا لأقل من 23 سنة    دراسة: أسماك الناظور ملوثة وتهدد صحة الأطفال    دراسة: أسماك الناظور ملوثة بعناصر سامة تهدد صحة الأطفال    باقبو الفنان الذي ولج الموسيقى العالمية على صهوة السنتير.. وداعا    تلميذ يرد الجميل بعد 22 سنة: رحلة عمرة هدية لمعلمه    1500 ممثل ومخرج سينمائي يقاطعون مؤسسات إسرائيلية دعما لغزة    أجواء روحانية عبر إفريقيا..مؤسسة محمد السادس للعلماء الأفارقة تحيي المولد النبوي        أمير المؤمنين يصدر أمره إلى المجلس العلمي الأعلى بإصدار فتوى شاملة توضح للناس أحكام الشرع في موضوع الزكاة    الملك محمد السادس يأمر بإصدار فتوى توضح أحكام الشرع في الزكاة    المجلس العلمي الأعلى يعلن إعداد فتوى شاملة حول الزكاة بتعليمات من الملك محمد السادس    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



الراحل عبد الجبار السحيمي .. طائر حرّ حول شِريانه مِحبرة

حينما أسترجع من محطات بعيدة صفحات السنين ودهشة الكتابة ومسافاتها المستبدة بالكيان، أستحضر جريدة "العلم" وصفحة "الباب المفتوح" في بداية التسعينات وهي تحتضن نصّي الأول.. لتتوثق الصلة بين الجريدة عبر صفحة "حوار" ثم الملحق الثقافي.. ولأجدني أنسج خيوطاً أخرى وفي يدي أحلامي تجاه العمل الصحافي: حوارات، استطلاعات، مراسلات، كتابات فنية وإبداعية لشهور عديدة، دون أن تكون لي صلة مباشرة مع كل طاقم التحرير باستثناء المبدعين العزيزين: نجيب خداري ومحمد بشكار.
وأكثر ما كان يشغلني في هذا الطريق الممتد والمتطلع على ضفاف "العلم"، اللقاء برئيس تحريرها الأديب والإعلامي الرائد الأستاذ الراحل عبد الجبار السحيمي (1938/2012)، هذا الاسم شديد الدلالة الذي له مُتّسع في المعنى وصاحب الصّوت المتطلع والمسار المعرفي المغاير، بعدما تركت كتاباته غير المتوقعة في نفسي ما يتركه ضوء خلاب من سحر وعنفوان لا يوصفان، أنا الكائن الطريّ القادم على جسر مختلف مغموراً ببساطتي.. فيقابلني الرجل بلكنته الرباطية المُشرقة بخفة القلب التي بدّدت شيئا من رهبتي وهو منغمس بكامل وجدانه بين الأوراق: كيف هي أحوال "الشاون؟".
عبد الجبار السحيمي الطّائر الحرّ الذي ارتفع فسيحاً وبعيداً بالسؤال، كان جناحه صوته وكانت حلقات مشروعه الإعلامي المنشدّة للتحديث والتغيير ومواقفه السياسية والاجتماعية والثقافية تكبر وتتجدّد في العمق وبالانتماء إلى الفعل.. في هواء المدن والقرى وفي سحنات المقهورين والمنسيين بين أوراق الغبار وأثقال الفقر.. وفي المنعطفات العصيبة، منسجماً بهذا مع موقفه الأخلاقي، الذي نبّه عبره وانتقد ورفض، مستحضراً وقائع الحياة اليومية وقضايا عصرنا، فكان بارعاً ومقنعاً ومؤثّراً.
لقد كانت صوره الإنسانية متّحدة الجوهر وهي تصوغ مسارها وتخلق تقابلا مستمراً في مواجهة مصاريع الظلمة، عبر كتابات شكلت بانعطافاتها توقداً جديداً في الأسلوب الصحافي وفي فعله وصداه، وفي تأثيراته التي تفيض فيضاً وتنمو وتتأكد وتحقق الوعي وتتخطى الاحتمالات؛ حيث يشدّنا بروعة القول ويجعلنا نستعيد مذاق الأشياء وسجالات أيّامنا، معتمداً في ذلك على شرارة جمالية متصلة بفروع الحاضر والمستقبل وبخيارات ورؤى تنفذ إلى العقل وأعماق النّفس وتستغور قرارة الأذهان.
ولم يكن كل هذا بغريب على الرجل الذي كان تأثيره حاسماً، والذي اختار من قسمته التسامي في كبريائه وفي خيمته الإعلامية التي حصّنها من كل تطفل أو وهم، رفقة رفيقي دربه الأديبين المرموقين: محمد العربي المساري وعبد الكريم غلاب وغيرهما، وجعل منها أرضاً للحوار والتعدّد ونبضاً ينتصر للفكرة ويؤسس لنضج ثقافي وإعلامي، فكان كما أراد منها صوتاً مفتوحاً لا يحدّه خوف، يعمّق الحس بالقضايا والانتظارات، محللا نسيج المجتمعات وفاهماَ لتفاعلاتها الداخلية، في احتداماتها وتناقضاتها، جاعلا من خطّ يده أسلوباً خاصاً يتجدّد في كل مرّة، ينطق بعباءة لغته ويتغلغل في كنه الوطن والإنسان، وفي جغرافيات أشدّ حساسية، معيداً بذلك تكوين الواقع والإسهام في تغييره ونقد السّيطرة، بلمسته وبوحه وهوائه الطّلق.
وها هو عبد الجبار سليل الإبداع الذي كان يستجير بالبحر والقصبة وبأمل الأفق ومناخات العزلة، ليحكي لهم شجونه، كلما ضاقت به (مرايا الوجوه).. وها هو صاحب أعمال: "مولاي" و"سيدة المرايا" و"الممكن من المستحيل" …الذي جعله ممكناً، يباغتنا برحابة أشمل وبقدرة السّهل الممتنع فيقول: "الليل يُولّد الصّمت، وفي الصّمت تصبح تكتكات الساعة أفاعي تتلوى في فراشك، تدخل رأسك تحت الوسادة، لكن تكتكات الساعة تقوى... وتمنعك من النوم، لن تنام إذا لم يولد الصّمت كاملا..."، (قصص الممكن من المستحيل ص: 45)
في الصمت أحيانا حكمة الكبار، نتخطى به الحياة الضاجة بأصواتنا ونستوحي منه الصلة الملتبسة بين الغابة والرّحيق، بحثاً عن مساحات من الحرية.. وفي الكلام كذلك كشف عن دواخلنا الغامضة وامتداداتنا في الطريق، التي قد تحجبنا بوصلتها في غفلة منّا، فنكون مجرد عابرين نرفع الأيدي بالتصفيق..
لكن الأهم، كيف نصير شهوداً على العصر وحقيقته؟ وكيف نركب الضفّة بدون مجاديف المحاباة؟ وكيف نجعل من الوقت حداً نقطع به ظلال الخمول ونواجه به طواحين القسوة.. وننحت منه ربيعاً مرتقباً؟ وهذا شأن الفذّ عبد الجبار السحيمي، الذي جعل من شِريانه مِحبرة وزهرة تمشي إلى بلادها..


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.