في هذا المكتوب، الذي ينشر على حلقات طيلة شهر رمضان، دعوة صادقة إلى الإقبال على الحياة. إنه يقول، من خلال سرد أحداث واقعية من حياة إعلامي مغربي قهر المستحيل بقدم واحدة، إن الحياة جهد وعرق وتضحية.. وإنها – قبل ذلك وبعده – جميلة حقا، وتستحق أن تعاش. الحلقة الواحدة والعشرون ولئن غلبت علي مشاعر التفاؤل فقد كانت تعتريني مخاوف من الفشل بين الفينة والأخرى. وقد أخذت على نفسي أن أكتب للمسرح والسينما. وكانت تناوشني الظنون فأناورها. وتقول إن الفن ليس مصدر عيش فأقول سيكون عندي مصدر غنى. وقد أرهقت نفسي إرهاقا شديدا. وكنت أتقلب على جمر الطموح بين الرجاء والقنوط حتى انفتحت في الأفق المسدود فجوة أمل صغيرة. ثم وجدتني على خشبة المسرح. ووقفت أنظر إلى عيون الناس من خلف الستار. وإني لأُعد نفسي وأنا أستعرض المقاطع المسرحية في ذهني حتى رن الهاتف. وبدا الصوت الآتي عبر الهواء غارقا في الشكلية يردد جملا موقعة على إيقاع رتيب. وما كان مزاجي يتحمل كمّ التكلف المصبوب في أذني فتعجلت السؤال عن المطلوب. وقالت المرأة: - أنتغوتيان.. ثم تذكرت أنني قد وزعت سيرتي المهنية يمينا وشمالا. وما كان بيدي حيلة. وإنها فرصتي التي لن أضيعها وليذهب العمل والدخل الشهري إلى حيث شاء! وبدا الشاب حازما كما لم يعهد نفسه وأخذه الانتشاء بفنه كل مأخذ. ولكنه نسي.. نسيت حذائي الطبي الطويل..! وكنت بالأمس قد أصلحته. وإن نفسي لتحدثني بالحديث الشائق حينا ثم تنقلب إلى الوساوس والظنون. وطاف بذهني خاطر فقال: - إذا انكسر فألقه في الكواليس واخرج إلى الناس كما أنت. ورفعت قبضتي إلى السماء واعترتني قشعريرة. ولكن دموعي كانت تندلق على جفني فأشفق على نفسي. ثم دلفت إلى خشبة المسرح فخفّ وزني حتى صرت كالريشة في مهب الريح. وإنها لتسوقني إلى حيث تسيل النشوة من منابعها فأكرع فيها وأنفصل عن الصالة والناس والأضواء. وإذا التصفيق يتوالى وإذا الناس تقف وإذا بي محمولٌ على الأثير، لا أنا في الأرض ولا في السماء! وكان التعويض المادي هزيلا، فلم يجبر كسر فاقتي. ولم يكسر جبر قوتي. وقد ضيعتُ فرصة المقابلة. ولكن الطّرب أحاط بي من كل جانب وطوح بي بعيدا. ثم اعتليت المنصة وقلت كلمات ترددت في أرجاء القاعة: - جئت من بلدة بعيدة لأجل هذا المسرح.. جئت إلى مدينتكم باحثا عن موطئ قدم تحت الشمس.. ولأجل عيونه ضحيت اليوم بفرصة عمل.. ثم إنني فكرت في الكوميديا. وقلت لنفسي إن الستاند آب لا يكلف كثيرا. وسألتها: أيمكن أن أكتب شيئا ينتزع البسمة من الشفاه؟ وهب أنني كتبته فمن يعرضه على الخشبة؟ - أنا ؟! وراودتني الشكوك. فإنني على الرغم من "خفة دمي"، كما يرى أصدقائي، لا أستطيع أن أكون - هكذا وبلا مقدمات - داعي إضحاك. والحق أنني قدرت أن هذا اللون المسرحي لن يكون سوى مدخلي إلى أرض الفن الفسيحة، على أن أتفرغ لمشاريعي الفنية بعد الخطوة "الفكاهية" اللازمة. ثم توقفت عن الكتابة في غير ما أوقفت نفسي عليه. وخطت أناملي، لا أدري كيف، مواقف تستدعي الضحك ومرّنت نفسي عليها أياما طويلة ثم خرجت على أصدقائي: - سأجرب نفسي.. في الكوميديا هذه المرة.. ولقد قلت نكاتي وقفشاتي واجتهدت - شهد الله - في القول، ولكن لم يضحك أحد. عدا ابتسامات مجاملة كئيبة كان يلقيها في وجهي بعضهم كلما التقت العيون. فإذا أدبرت بوجهي عاد الضجر والسأم وأنواع الملل. وقال صديق: - كل فولة وعندها كيالها.. فلا تكتل من فول غيرك! وحفظت النصيحة فغيرت وجهة الستاند آب وإن ظللت وفيا لعادتي في الكتابة. حتى شاء الله أن أرتاد عوالم الأثير الساحرة، معدا ومقدما لبرامج إذاعية [email protected]