توتّر إداري بالمدرسة العليا ببني ملال    عقوبات حبسية تنتظر مستغلي الذكاء الاصطناعي خلال انتخابات سنة 2026    "البوليساريو" تعترض على مشروع القرار الأمريكي وتهدد بمقاطعة المفاوضات    التوقعات المبشرة بهطول الأمطار تطلق دينامية لافتة في القطاع الفلاحي    "متنفس للكسابة".. مهنيو تربية المواشي بالمغرب يرحّبون بالدعم الحكومي المباشر    حدود "الخط الأصفر" تمنع نازحين في قطاع غزة من العودة إلى الديار    أمريكا تشرف على وقف الحرب بغزة    الوداد يعين هرماش مستشارا رياضيا    الوداد يكتسح أشانتي كوتوكو الغاني    "كاف": انتقال زياش للوداد مكسب كبير    من التعرف إلى التتبع.. دليل يضمن توحيد جهود التكفل بالطفولة المهاجرة    49 مركزا صحيا جديدا تدخل حيز الخدمة    تقرير يقارن قانوني مالية 2025 و2026 ويبرز مكاسب التحول وتحديات التنفيذ    الأمم المتحدة: ارتفاع الشيخوخة في المغرب يتزامن مع تصاعد الضغوط المناخية    إسبانيا: العثور على لوحة لبيكاسو اختفت أثناء نقلها إلى معرض    كأس العالم.. المنتخب المغربي للفتيات ينتصر على كوستاريكا 3_1 ويتأهل إلى الدور الثاني كأحسن ثالث    النقل الحضري العمومي بواسطة الحافلات.. برنامج 2025-2029 حكامة جديدة لتنقل مستدام    الناظور.. أحكام متفاوتة في حق موقوفين على خلفية احتجاجات العروي    وضع نص فتوى المجلس العلمي الأعلى حول الزكاة رهن إشارة العموم    من العاصمة .. حكومة بلا رؤية ولا كفاءات    رسالة من مناضل اتحادي: نقد ذاتي ومسؤولية الموقف من «لا للعهدة الرابعة» إلى نعم لمسار النضج والوضوح    إلى السيد عبد الإله بنكيران    من وادي السيليكون إلى وادي أبي رقراق    توقيف ثلاثة قاصرين بسوق الأربعاء بعد اعتدائهم على شخص من ذوي الاحتياجات الخاصة    الجولة السادسة من الدوري الاحترافي الأول.. الرجاء يستعد للديربي بلقاء الدشيرة والماص يرحل إلى طنجة دون جمهور    مهرجان عيطة الشاوية يطلق دورته الأولى ببنسليمان    إدريس الهلالي نائبا لرئيس الاتحاد الدولي للتايكوندو    الطاقة الكهربائية.. الإنتاج يرتفع بنسبة 5,3 في المائة عند متم غشت 2025    "الجمعية" تعلن تشكيل لجنة لتقصي الحقائق في مقتل 3 أشخاص في أحداث القليعة    قبل الكلاسيكو.. برشلونة يلجأ للمحكمة الإدارية الرياضية لإلغاء طرد فليك    إنريكي: "حكيمي هو أفضل ظهير أيمن في العالم بالنسبة لي"    مطارات المملكة استقبلت أزيد من 23,9 مليون مسافر خلال 8 أشهر    اتصالات المغرب تحقق أكثر من 5,5 مليار درهم أرباحًا في تسعة أشهر    المجلس العلمي الأعلى يضع نص فتوى الزكاة رهن إشارة العموم    توقعات أحوال الطقس ليوم غد السبت    حاتم عمور يهدي "أشبال الأطلس" أغنية احتفاء بكأس العالم    المخرج نبيل عيوش يغوص في عالم "الشيخات ". ويبدع في فيلمه الجديد الكل "يحب تودا "    وجدة: حين يصبح الحبر مغاربياً    المندوبية العامة لإدارة السجون تفند مزاعم تقرير أممي حول أحداث "اكديم إزيك"    نزلة برد تؤجل جلسة "محاكمة مبديع"    دبوس ماسي لنابليون بونابرت يعرض للبيع في مزاد    "اتصالات المغرب" تتجاوز حاجز 81 مليون زبون    المعهد الملكي للبحث في تاريخ المغرب يطلق مشروعا لنشر أطروحات الدكتوراه    من القميص إلى المعلّق.. 50 جمعية تطالب بتمثيل اللغة الأمازيغية في كرة القدم    الكشف عن صور تظهر أوضاعا قاسية لأسرى فلسطينيين داخل سجن إسرائيلي    أردوغان: على أمريكا والدول الأخرى الضغط على إسرائيل للالتزام بوقف إطلاق النار    مزارعو الضفة الغربية يجمعون الزيتون وسط هجمات المستوطنين المعتادة بموسم الحصاد    بلدان الاتحاد الأوروبي توافق على الانتقال إلى نظام التأشيرة الإلكترونية الموحدة ل"شنغن"    الصين: انتخاب المغربي ادريس الهلالي نائبا لرئيس الاتحاد الدولي للتايكوندو    أكاديمية المملكة تحتفي بالمسار العلمي الحافل للباحث جان فرانسوا تروان    وزارة الأوقاف تعمم على أئمة المساجد خطبة تحث على تربية الأولاد على المشاركة في الشأن العام    طب العيون ينبه إلى "تشخيص الحول"    أمير المؤمنين يطلع على نص فتوى المجلس العلمي الأعلى حول الزكاة ويأذن بوضعها رهن إشارة العموم    الملك محمد السادس يأذن بنشر فتوى المجلس العلمي الأعلى حول الزكاة    علماء يصلون إلى حمض أميني مسبب للاكتئاب    أونسا: استعمال "مضافات الجبن" سليم    مواقع التواصل الاجتماعي تفسد أدمغة الأطفال وتضر بشكل خاص بذاكرتهم ومفرداتهم اللغوية    دراسة: مواقع التواصل الاجتماعي تفسد أدمغة الأطفال وتضر بشكل خاص بذاكرتهم ومفرداتهم اللغوية    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



حفار القبور .. مهنة المتاعب تترجى رحمة الأموات وعناية الأحياء
نشر في هسبريس يوم 28 - 07 - 2017

بين جثث الموتى المدفونة والقبور المشيدة بالتراب أو مختلف أنواع الحجارة والرخام، تختلف القصص الإنسانية لممارسي "مهن الموت"، ممن ساقتهم الأقدار والأرزاق إلى ممارسة أدوار حاسمة وأخرى ملفتة للانتباه، ما بين حفر القبور ودفن الجثث وتشييد علاماتها ونقش الأسماء وعبارات الدعاء للموتى، وما بين امتهان التسول وتلاوة القرآن للزوار والمشيعين وأيضا تنظيف وتنسيم القبور بالماء الطبيعي أو "ما زهر".
مدينة القبور
بين هذا وذاك، يظهر سعيد ويونس كالنحل المتنقل بين القبور، يلتمسان الأماكن المناسبة وصعبة المنال نظرا لكثافة القاطنين ممن رحلوا إلى العالم الآخر منذ عقود، وسط مقبرة الشهداء المطلة على الساحل الأطلسي بالعاصمة الرباط، في مشهد بانورامي يبسط لوحة درامية تلتقي فيها صفوف المقابر المتراصة بانتظام بصفاء سماء يوم حارق مع زرقة مياه لا يمكن حصر أفقها الممتد.
"يمكنكم المرور من هذا الممر والعبور عبر هذا الشارع للوصول إلى أعلى المقبرة حيث المحافظ"، يقول حارس المقبرة لفريق هسبريس، وهو يكشف من حيث لا يدري تمثله للمقبرة التي باتت على ما يبدو مدينة وسط العاصمة، بالنظر إلى شساعة مساحتها التي تحوي الآلاف من الموتى، الذي قضوا أجلهم فوق هذه الأرض الحية منذ عقود ومن مختلف الأجناس والأعراق والأعمار.
نيل أجر الموتى
سعيد الإدريسي، في أواخر عقده الثالث وتبدو على محياه مظاهر بئيسة من عشر سنوات قضاها في حفر القبور، يقول لهسبريس إنه تعرف على إحدى مهن الموت عن طريق صديق له يشتغل في المجال ذاته بإحدى مقابر مدينة سلا، "المهنة جد متعبة لكنها حلال وننال منها الأجر ورحمة الوالدين"، انطباع عام لحفار القبر الذي لم يخف متابع مهنته وقلة الأجر الذي يتقاضاه عن طريق شركة خاصة متكلفة بشؤون نقل ودفن الموتى بالعاصمة.
ينطلق الإدريسي صوب مكان عمله باكرا كل يوم؛ "المفروض تواجدنا على الساعة السابعة صباحا حيث ننطلق في العمل بمتابعة أجواء المقبرة وانتظار توافد الجنازات، بعدما نقوم بأخذ المعلومات الوافية لعملية الدفن"، مضيفا أن تلك المعلومات يتم الوصول إليها عبر أهل المتوفى وتخص عمره وحجمه وطوله "حتى تستجيب مساحة القبر المراد حفره للأبعاد المطلوبة".
إكرام الميت دفنه
"قضية شبر وأربعة أصابع هي مجرد خرافة"، يشدد المتحدث تعقيبا على سؤالنا له بخصوص ثبات حجم القبر لكل الوفيات، ويقول: "نحفر القبر بحسب طول وحجم الشخص المتوفى، ولو افترضنا العمل بقاعدة شبر وأربعة أصابع كيف سندفن شخصا سمينا. إن إكرام الميت دفنه، وهذا الدفن يجب أن يحافظ على كرامته بعد وفاته بتوسيع القبر تماشيا مع جسده".
أما يونس الزاهيدي، رب أسرة، الذي لا تختلف ملامحه عن زميله في المهنة سعيد الإدريسي، فإن تجربته الطويلة في الميدان، التي بلغت عشرين عاما، جعلته يقول إنه ألف المكان وبات جزء من حياته، "الحمد لله منذ اشتغالي وأنا أشكر الله لأنها نعمة حلال. وإلى جانب الأجر الذي نأخذه في نهاية كل شهر، فنحن نسأل الله أن يقبل علمنا في سبيله وأن يرحم جميع هؤلاء الموتى ويرحمنا وإياهم".
مهنة بالوراثة
الزاهيدي، الذي تصادف لقاؤنا معه تجهيزه رفقة سعيد لقبر واسع في انتظار دفن جثة أربعينية جاءت عبر صندوق بعدما انتهى أجلها في بلد أوروبي، قال لهسبريس إن اقتحامه لمهنة حفر القبور جاء بالوراثة؛ إذ "كان والدي رحمه الله حفارا للقبر هنا بالمقبرة، وبعد وفاته أكملت مسيرته منذ عقدين اثنين من الزمن".
وأشار يونس إلى أن طبيعة العمل التي اعتاد عليها علمته النباهة في حفر أي قبر كيفما كان نوعه بمجرد معرفة حجم المتوفى، سواء كان بالكفن الخالص أو داخل صندوق خشبي، كيف لا وحارس المقبرة أخبرنا عند ولوجنا إلا المكان بأن هناك ثنائيا من حفاري القبور "محترفا في الحفر بشكل سريع ومهني احتراف ميسي ونيمار في تسجيل الأهداف".
وشرح المتحدث أنواع القبور بالقول: "في حالة الوفاة العادية بالمدينة، وبعد إخبارنا بحجم وطول الجثة، نحفر القبر بشكل عادي وفق تلك المعايير، أما الصندوق الخشبي فتختلف أبعاده؛ حيث هناك الصندوق الذي يأتي من المدينة بسبب تشتت الجثة إثر حادثة أو غيرها، أو القادم من مدينة خارج العاصمة، بينما هناك الصندوق القادم من الخارج وفي الغالب يكون طوله متران ومتر واحد في العرض".
أجر الدنيا والآخرة
وسط جثث الموتى المدفونة بمقبرة الشهداء، التي يقسمها سور كبير إلى جزأين، والتي يبدو أنها باتت تستجيب لمعايير النظافة واستقبال المشيعين والقاصدين للترحم على ذويهم، يقضي سعيد ويونس جزء طويلا من يومهما ساعيين بكل تجرد وإنسانية إلى إكرام الميت بدفنه، راجيين بين الفينة والأخرى نيل الأجر الأخروي والاهتمام بالأجر الدنيوي لتحسين ظروف المعيشة وضمان استقرار اجتماعي يحفظ الكرامة.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.