رئيس الوزراء الجزائري أعلن، منتصف يوليوز الماضي، أن حكومته "تنتظر الضوء الأخضر من رئيس الجمهورية لإطلاق نقاش وطني مع مختلف الشركاء لمواجهة الأزمة". تشهد الساحة الحزبية في الجزائر حالة من الانقسام حول مؤتمر للحوار الوطني تعتزم الحكومة إطلاقه، لبحث سبل معالجة تداعيات انهيار أسعار النفط على اقتصاد البلاد. وسبق أن أعلن رئيس الوزراء، عبد المجيد تبون، منتصف يوليوز المنصرم، أن حكومته "تنتظر الضوء الأخضر من رئيس الجمهورية عبد العزيز بوتفليقة لإطلاق نقاش وطني مع مختلف الشركاء حول سبل مواجهة آثار الأزمة الاقتصادية الناتجة عن انهيار أسعار النفط". دعم مباشر سينظر المؤتمر، الذي لم يتحدد موعده بعد، في ملف التحويلات الاجتماعية، أي طرق الدعم المباشر وغير المباشر، الذي تقدمه الحكومة للفئات الهشة، مثل دعم مواد غذائية أساسية، وأسعار الوقود، وإعانات أخرى تكلف الخزينة 21 مليار دولار سنويا. ومنذ سنوات، يردد مسؤولون جزائريون أنه يجب إعادة النظر في هذا الدعم، كون جزء كبير منه يذهب إلى غير مستحقيه، في الوقت الذي تعاني فيه البلاد من أزمة اقتصادية جراء ما يطلق عليه البعض "الصدمة النفطية". وتعاني الجزائر من تبعية مفرطة لإيرادات النفط ومشتقاته، التي تشكل أكثر من 95 بالمائة من مداخيل البلاد من النقد الأجنبي، كما أن الميزانية العامة للبلد تعتمد على نحو 60 بالمائة من هذه المداخيل النفطية والغازية. وتقول السلطات الجزائرية إن البلاد فقدت أكثر من نصف مداخيلها من النقد الأجنبي، التي هوت من 60 مليار دولار في 2014 إلى 27.5 مليار دولار نهاية 2016، وفق أرقام رسمية. كما رافق الأزمة النفطية انهيار في احتياطات الجزائر من النقد الأجنبي؛ إذ فقدت في ثلاثة أعوام أكثر من 80 مليار دولار، لتهبط من 193 مليار دولار نهاية 2013، إلى 112 مليار دولار، نهاية فبراير الماضي. وأعلنت الجزائر، العضو في منظمة الدول المصدر للنفط (أوبك)، في أبريل الماضي، عن نموذج جديد للنمو الاقتصادي حتى 2030، يركز على إصلاح النظام الضريبي لتحقيق مزيد من الإيرادات، وتقليص الاعتماد على صادرات الطاقة. وأطلقت مشروعات اقتصادية في قطاعات السيارات والإسمنت والنسيج والوقود والحديد والصلب، على أمل كبح فاتورة الواردات ونزيف النقد الأجنبي، والتحول تدريجيا إلى التصدير خلال السنوات القليلة المقبلة. مواقف متباينة تحظى مبادرة الحكومة للحوار الوطني في مواجهة الأزمة النفطية الراهنة بدعم من أحزاب الأغلبية، خاصة حزب التجمع الوطني الديمقراطي، ثاني أكبر الأحزاب المحسوبة على السلطة الحاكمة بعد حزب جبهة التحرير الوطني الحاكم؛ إذ دعا مراراً إلى مراجعة سياسة الدعم الاجتماعي. كما أعلنت حركة النهضة (حزب إسلامي معارض)، الشهر الماضي، دعمها لدعوة رئيس الوزراء إلى مؤتمر حوار حول سبل مواجهة الأزمة الاقتصادية، مشددة على أنها تساند "كل خطوة من شأنها محاربة الفساد والحفاظ على المال العام". وقال عبد الرزاق مقري، الرئيس السابق لحركة مجتمع السلم (أكبر حزب إسلامي بالجزائر)، إن هناك "ضجرا رسميا علنيا من التحويلات الاجتماعية، إلى حد جعل السلطة السياسية تنزل من كبريائها لتطلب من الأحزاب فتح حوار بهذا الخصوص". وأضاف مقري، في مؤتمر للحزب بالعاصمة الجزائر الشهر الماضي، أن "حاجة السلطة الأساسية من هذه اليد الممدودة ليست اقتصادية، ولكنها سياسية يراد منها توريط الأحزاب المعارضة في تحمل رد فعل الجزائريين معها، خاصة الطبقات الوسطى، تجاه التراجع عن التحويلات الاجتماعية". ولم يعلن مقري موقف حزبه صراحة من خطوة الحكومة، وما إذا كان سيشارك في مؤتمر الحوار أم لا، لكن مصدرا قياديا في الحزب قال في تصريح صحافي إن "حسم مسألة المشاركة تبت فيه مؤسسات الحزب في حينه، فضلا عن أن الأمر ما زال قيد التفكير لدى الحكومة، ولم ينضج بعد". بينما أعرب حزب جبهة القوى الاشتراكية المعارض (يسار) عن رفضه للخطوة الحكومية المرتقبة، مشيراً، في بيان منتصف الشهر الماضي، إلى أن "إطلاق حوارات صورية مشوهة مع الفاعلين السياسيين والاقتصاديين والاجتماعيين، هدفه هو المحافظة على الوضع السياسي الراهن، وربح الوقت". واتهم حزب جبهة القوى السلطة بأنها تريد "توريط وإقحام الفاعلين السياسيين والاجتماعيين في برنامجها التقشفي، الذي يسعى إلى التراجع عن المكتسبات الاجتماعية". سياسة عشوائية نعيم زايدي، أستاذ العلوم السياسية في جامعة الجزائر العاصمة، يرى أن "الحكومة تريد من خلال هذه الخطوة إعادة صياغة توجهها في ما يخص سياسة الدعم المطبقة؛ لأن ذلك الدعم أو السياسة المرتبطة به عشوائية، يستفيد منها من هو في حاجة إليه ومن هو ليس في حاجة إليه". وأضاف زايدي، في تصريح صحافي، أن "هذا الأمر يضع الحكومة أمام إشكاليتين؛ الأولى اقتصادية مالية في ظل ندرة الموارد، والثانية ذات بعد اجتماعي (أخلاقي) تخص العدالة في توزيع الموارد، ومعلوم أن الوظيفة التوزيعية للقيم المادية والمعنوية من الوظائف الأساسية لأي نظام سياسي". وختم الأكاديمي الجزائري بأنه "إذا انطلقنا من أزمة النظام السياسي الجزائري، فإنه يسعى مِن خلال ذلك إلى وضع حد لسياسة غير معقولة لتسيير الموارد وتوزيعها، ومِن ثم السعي إلى توسيع قاعدته الاجتماعية التي هي أساسية لاستقراره". *وكالة أنباء الأناضول