بسبب أمطار شهر ماي.. فلاحون يتخوفون من تضرر المحاصيل الزراعية    ارتفاع ضحايا القصف الإسرائيلي على مخيم النصيرات في غزة إلى 31 قتيلا    مصرع 3 أشخاص عقب اشتباكات مسلحة اليوم الأحد بمحيط قصر الرئاسة بالكونغو    المغرب ينتزع سبع ميداليات في بطولة البحر الأبيض المتوسط لرياضات الكيك بوكسينغ بإسطنبول    في سابقة بالسعودية.. تنظيم أول عرض أزياء لملابس السباحة    مهرجان كناوة بالصويرة من المواعيد الموسيقية الأكثر ترقبا خلال 2024 (موقع أمريكي)    شبيبة الأحرار تستنكر "التشويش" على حكومة أخنوش وتشيد بشجاعتها في مواجهة إخفاقات الماضي    طقس الأحد.. زخات رعدية ورياح بهذه المناطق    نهضة بركان يتحدى الزمالك المصري على اللقب الثالث في تاريخه    فرنسا-المغرب.. توقيع اتفاق حول الإنتاج المشترك والتبادل السينمائيين    منصات دردشة الذكاء الاصطناعي تغذي التحيزات الشخصية للمستخدمين    مواجهات مسلحة بين مغاربة وأفراد عصابة في إسبانيا    أفغانستان: مصرع 50 شخصا بسبب الفيضانات غرب البلد    بعد شجاره مع المدرب.. إشبيلية يزف خبرا سارا للنصيري    في ظرف يومين فقط.. عدد زوار الأبواب المفتوحة للأمن الوطني بأكادير يبلُغ 770.000    نزوح 800 ألف فلسطيني مع تواصل القتال في رفح وبن سلمان وسوليفان يبحثان الوضع في غزة    أوسيك يهزم فيوري ويصبح بطل العالم بلا منازع في "نزال القرن"    لماذا النسيان مفيد؟    إصابة أكثر من 30 تلميذاً في حادث انقلاب حافلة مدرسية    كمال عبد اللطيف: التحديث والحداثة ضرورة.. و"جميع الأمور نسبية"    ناريندرا مودي: عقد من الشعبية والاستقطاب السياسي في الهند    أم كينية تسابق الزمن لإنقاذ ابنها من الإعدام في السعودية    ندوة علمية بمعرض الكتاب تناقش إكراهات وآفاق الشراكة بين الدولة والجمعيات    الزليج ليس مجرد صور.. ثقافة وصناعة وتنظيم "حنطة" وصُناع مَهَرة    رئاسة النيابة العامة تستعرض جهود تعزيز الثقة والجودة في منظومة العدالة    احتفال بمناسبة الذكرى 19 للمبادرة الوطنية للتنمية البشرية بعمالة المضيق الفنيدق    نهضة بركان يختتم تحضيراته لمواجهة الزمالك في غياب هؤلاء    أطعمة غنية بالحديد تناسب الصيف    وزيرة الثقافة الفرنسية تزور الجناح المغربي بمهرجان كان السينمائي    الحسيمة.. تخليد الذكرى 19 لإطلاق المبادرة الوطنية للتنمية البشرية    الأبواب المفتوحة للأمن الوطني بأكادير تستقبل أطفالا من ضحايا زلزال الحوز    مفتشية الأمن الوطني تتسلم 2447 شكاية    الأمثال العامية بتطوان... (602)    كأس الكونفدرالية الإفريقية (إياب النهائي).. نهضة بركان على بعد خطوة واحدة من تتويج قاري جديد    هلال يدين ضغوط السفير الجزائري على الوفود الداعمة لمغربية الصحراء بكاراكاس    فيستي باز والمفارقة الإعلامية    أخنوش يقود الوفد المغربي بمنتدى الماء العالمي بإندونيسيا.. وجائزة الحسن الثاني تخطف الأنظار    إحباط تهريب وترويج 62,550 قرص مخدر وضبط ثلاثة مشتبه بهم    هكذا يهدد المغرب هيمنة إسبانيا في هذا المجال    نهائي الكاف.. الموعد والقنوات الناقلة لمباراة إياب نهضة بركان والزمالك    بدء وصول المساعدات إلى غزة عبر الرصيف الأمريكي المؤقت    نائب رئيس الموساد سابقا: حرب غزة بلا هدف ونحن نخسرها بشكل لا لبس فيه واقتصادنا ينهار    فلاحون فرنسيون يهاجمون شاحنات طماطم قادمة من المغرب    توقعات أحوال الطقس ليوم غد الأحد    التصدير يرفع أسعار الخضر بالمغرب ومهني يوضح    تصفيات كأس العالم.. المنتخب المغربي النسوي لأقل من 17 عاما يفوز برباعية نظيفة على الجزائر ويتأهل للدور الرابع    الدورة الأكاديمية "الشعري والسردي" فاس، 23-24 ماي 2024    مشروع بأزيد من 24 مليون درهم .. هذه تفاصيل الربط السككي بين طنجة وتطوان    شفشاون.. الطبخ المغربي فسيفساء أطباق تعكس ثقافة غنية وهوية متعددة    افتتاح الدورة الثانية عشرة لمهرجان ماطا الذي يحتفي بالفروسية الشعبية بإقليم العرائش    ملتقى الأعمال للهيئة المغربية للمقاولات يبرز فرص التنمية التي يتيحها تنظيم كأس العالم 2030    المغرب يسجل 35 إصابة جديدة ب"كوفيد"    دراسة: توقعات بزيادة متوسط الأعمار بنحو خمس سنوات بحلول 2050    رقاقة بطاطا حارة تقتل مراهقاً أميركياً في إطار تحدٍّ مثير للجدل    الأمثال العامية بتطوان... (600)    السعودية تطلق هوية رقمية للقادمين بتأشيرة الحج    وزارة "الحج والعمرة السعودية" توفر 15 دليلًا توعويًا ب16 لغة لتسهيل رحلة الحجاج    العسري يدخل على خط حملة "تزوجني بدون صداق"    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



إبداع حرفيي الخزف يتحوّل إلى كابوس في الولجة بمدينة سلا

منذ سنة 1976، يزاول محمد الغرباوي تجارة بيْع الأواني الخزفية في مركّب الخزف بمنطقة الولجة الواقعة على الضفّة اليُمنى لنهر أبي رقراق بمدينة سلا. في تلك السنوات البعيدة، كان يكتري قطعة أرضية من صاحبِ الوعاء العقاري الذي يضمّ مجموعة من الحرفيّين، لقاء 400 درهم سنويا، تحوَّلت فيما بعدُ إلى مَحلٍّ منْه يكسب قوتَ أسرته. وأول أمس، داهمت قوات الأمن، من شرطة وقوات مساعدة، المحلّ، وأفرغت الغرباوي منه بالقوة، بداعي وجودِ مالك جديد للعقار، حكمتْ له المحكمة بإفراغ الرجل البالغ من العمر سبعا وسبعين سنة، من محله.
بداية الحكاية
تعود بداية الحكاية إلى أواسط سبعينيات القرن الماضي، حين أصدر الملك الراحل، الحسن الثاني، أوامره بتحويل القطعة الأرضية التي كان يتّخذها محمد الغرباوي وعدد من زملائه الحرفيين من صنَّاع الأواني الخزفية فضاء لعرْض منتجاتهم إلى مُركّب للخزف، نظرا لوجود القطعة الأرضية بجانب طريق كانت تمرُّ منها الوفود الرسمية، بحسب رواية الحرفيين. وفي مارس من سنة 1980، جرى توزيع المحلّات على الحرفيين، وكان عددهم، يومئذ، ثمانية عشر حرفيّا، بمناسبة ذكرى عيد العرش.
"جا وزير الصناعة التقليدية عندنا وقال للحرفيّين سيدنا كيتبرع عليكم بهاد المحلات باش تطوّرو حْرفْتكم"، يقول الحارثي عبد الإله، وهو واحد من الحرفيين المالكين لمحلات في مُركب الخزف في منطقة الولجة بسلا، موضحا أنّ الحرفيين حصلوا على عقودٍ لكراء المحلات التي "تبرّع" بها عليهم الحسن الثاني، في أفق تمليكها لهم، وكانوا يؤدّون سومة كرائية شهرية كانت في البداية 100 درهم، ثم رُفعت إلى 600 درهم، ثم ألف درهم.
ويضيف الحارثي أنَّ الحرفيّين قاموا بمحاولة لشراء القطعة الأرضية التي كانوا يستغلّونها، والتي تصل مساحتها إلى هكتار ونصف الهكتار، من ورثة مالكها الأصلي، لكنَّ مسؤولي عمالة سلا رفضوا هذا الطرح، وأخبروهم بأنّ العمالة هي من سيقتني القطعة الأرضية، وستتولى بناءها وتجهيزها، فاطمأنَّ الحرفيّون، قبل أن يُفاجؤوا بالورثة يرفعون ضدّهم دعوى قضائية بالإفراغ سنة 1994، "وهنا اكتشفنا أنَّ الدولة لم تقُم بواجبها في اقتناء الأرض"، يقول الحارثي.
بعد توصّلهم بإشعار الدعوى القضائية المرفوعة ضدّهم، توجّه الحرفيون إلى مقر العمالة، التي يكترون منها الأرض، فطمْأنهم المسؤولون هناك بألّا خوف عليهم، وبأنَّ العمالة ستقتني القطعة الأرضية من ورثة مالكها الأصلي، وأنّ الاعتمادات المالية المرصودة لهذا الغرض موجودة، فساد الاطمئنان قلوب الحرفيين، قبل أن يتحوّل إلى كابوس حينَ اكتشفوا، في سنة 2002، أنَّ الورثة باعوا أرضهم لمُضارب عقاري.
"كْدبو علينا"
كابوس الحرفيين سيزداد رعبا حين شرع المضارب العقاري الذي اقتنى الأرض في رفع دعاوى الإفراغ ضدّهم، وحين قصدوا العمالة، مرة أخرى، "قالوا لينا ما تخافوش، راه غادي نسلّموكم المحلات بعد إتمام الإجراءات، وهوما عارفين بلّي المضارب العقاري شْرا الأرض، حيتْ هوما اللي كيوقّعوا لو لوراق، ولكن ما خْبْرونا بوالو، خلاونا حتى قضاو معاه الغرض وعطاوه الشواهد وعاونوه باش يشري عاد خلاونا نعرفو الحقيقة"، يقول محمد الغرباوي، مضيفا بحسرة: "كْدْبو علينا".
الحقيقة المُرّة التي بلغتْ إلى علم الحرفيّين، بعد أن فاتَ الأوان، تجلّت على أرض الواقع بعدما شرع المضارب العقاري في رفع دعاوى قضائية فردية ضدّ الحرفيين بالإفراغ سنة 2014، وكان الغرباوي من أوائل الذين رفعت ضدّهم هذه الدعاوى، لكنَّه جابه صاحبَ الدعوى بكونه يملك وثائق تثبت كراء الأرض من عند "الدولة"، وكان أنْ أنصفتْه محكمة الاستئناف بقضائها بإلغاء الحُكم الابتدائي الصادر ضدّه.
وفي سنة 2016، عاد المضارب العقاري ليُجدّد الدعوى، وجدّد ملفّ القضية نفسها، وأصدرت المحكمة حُكما جاء لصالحه في الطور الابتدائي وفي مرحلة الاستئناف. يضع الغرباوي علامات استفهام كثيرة أمام هذا الحُكم الذي جاء مناقضا للحكم الأول، ويتساءل: "ما عرفتش كيفاش حْكمات ليه المحكمة، علما أنه ما جابش وثائق جديدة".
وفيما كان لا يزالُ يبحث عن جواب لسؤاله، جاءت قوات الأمن، صباح الثلاثاء، ونفّذت حُكْم المحكمة؛ إذ قامتْ بإفراغه بالقوة من محله الذي قضّى فيه ريعان شبابه وكهولته وجزء من مرحلة شيخوخته، بعد كسْر أقفاله بمطرقة مُياوم استقدمتْه السلطة، فسقط الغرباوي مغمى عليه، لكنّ ذلك لم يشفع له في عدم طرده من محله، الذي أفرغ من جميع أواني الفخار التي كانت بداخله، وأضحى صاحبه، بين عشية وضحاها، بلا مورد رزق.
مصيرُ الحرفيين في كف عفريت
إفراغ الغرباوي من محله الذي كان يكسب منه قوت يوم أسرته منذ سنة 1980، جعل باقي زملائه الحرفيّين يضعون أيديهم على قلوبهم، فحُكم الإفراغ في حقه، بحسب الحارثي عبد الإله، ليس سوى مقدمةٍ لإفراغ الجميع، وبالتالي تعريض أسَر كثيرة للتشرد والضياع، مضيفا: "المضارب العقاري ما رْفعش دعوى قضائية بالإفراغ الجماعي، باش ما يديرش البلبلة، ولكن غادي يطردنا واحد مُورا لاخر".
وفيما أضحى مصيرهم في كف عفريت، يُصرّ حرفيّو المركب الخزفي في منطقة الولجة بمدينة سلا على أنّ المحلات التي يشتغلون بها هي مِلْك لهم، وأنّهم أصحاب حق، ولتأكيد ذلك يُشهرون مجموعة من الوثائق، ومنها عقود الكراء لدى عمالة سلا تحمل توقيع المُكتري وتوقيع العامل. وتصل مدّة صلاحية العقد الذي وقعه محمد الغرباوي مع العمالة سنة 1996، إلى 99 عاما، لكنّ السلطات أفرغته من محلّه، رغم أنه لم يستنفد من مدّة صلاحية العقد سوى 21 عاما.
يتضمّن العقْدُ الموقع بين محمد الغرباوي وعامل عمالة سلا اثنيْ عشر فصْلا، وجرى تصديره بمقدّمة جاء فيها أنّ العقد يندرج "في إطار تجهيز وإعداد منطقة الولجة والعمل على تنميتها وتسوية الوضعية العقارية من أجل تمليك المستفيدين من المحلات التي يستغلونها طبقا لما ورد في محضر الاجتماع المنعقد بمقر عمالة سلا بتاريخ 28 دجنبر 1995، والمصادق عليه من طرف السيد العامل ورئيس جمعية الولجة للتنمية نيابة عن أعضائها".
في الفقرة الثانية من المحضر سالف الذكر ورد أنَّ الأرض التي أقيم عليها المُركب، البالغة مساحتها 13 هكتارا، لم يتمّ اقتناؤها بعد من طرف الإدارة، ولكنّ الوثيقة ذاتها، الصادرة عن عمالة سلا، تؤكّد أنّ المجلس الإقليمي للعمالة "قام باتخاذ قرارٍ لاقتناء هذه الأراضي قصْد تفويتها فيما بعد للمستفيدين من المشروع، الشيء الذي سيُمكّنهم من الحصول على رسومهم العقارية وبالتالي اللجوء إلى الأبناك قصْد تمويل مشاريعهم لمسايرة تطوير إنتاجهم"، غير أنّ الحرفيين المعنيين عوض أن يتسلّموا رسومهم العقارية، بدؤوا يتوصّلون بالأحكام القاضية بإفراغهم.
يملك الحرفيون بمركب الخزف وثيقة أخرى صادرة عن المجلس البلدي لسَلا-بطانة، هي عبارة عن ردّ على استفسار بشأن إجراءات نزع الملكية، ومما جاء فيها أنّ المركّب المذكور "يُسيَّر بواسطة حساب خصوصي يُموّل من مداخيل الكراء، تمّ تحويله بتاريخ 3 دجنبر 1987 من ولاية الرباط وسلا إلى عمالة سلا"، ويتساءل الحرفيون عن مصير الأموال المُودعة في هذا الحساب الخصوصي الذي أنشئ في ثمانينات القرن الماضي بهدف شراء الأرض وتجهيزها، "والتي لا نعرف أين ذهبت"، بحسب الحارثي.
محمد الغرباوي ليس الوحيد الذي طُرد من محلّه يوم الثلاثاء، بلْ طُردتْ معه فنانة تشكيلية شابة تبلغ من العمر 23 سنة كانت تتخذ جزء من محلّه ورشة لرسم لوحات تشكيلية وتزيين أواني خزفية برسومات. يقول والدُها إنّها تخرّجت من الجامعة بعد أن حصلت على الإجازة في شعبة الآداب الإنجليزية، وأنشأت مقاولة صغيرة "دون أن تطلب من الدولة توظيفها بالاحتجاج أمام البرلمان"، مضيفا: "كانت ورشتُها قِبلة لكثير من الزبناء، منهم أجانب، والآن حطّموا (يقصد السلطة) أحلامها".


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.