لجنة الإفلات المؤقت من العار: سباق الفشل والندم في أولمبياد الاعتذارات    رئيس غينيا بيساو المخلوع عمر سيسوكو إمبالو يصل إلى السنغال    انطلاق التحضيرات للموسم الفلاحي في سهل الغرب وسط آمال كبيرة في الأمطار    أسعار صرف أهم العملات الأجنبية اليوم الجمعة    ترامب يعلن وقف الهجرة بشكل دائم من كل دول "العالم الثالث" وترحيل أي شخص لا يقدم لأمريكا قيمة إضافية    128 قتيلا حصيلة حريق بهونغ كونغ    13 قتيلاً في قصف على ريف دمشق    السياقة المتهورة تقود شخصين للإعتقال بطنجة    مخرج فيلم "كوميديا إلهية " علي أصغري يقدّم مقاربة مبسطة للواقع في مهرجان الدوحة السينمائي        توشيح حموشي بوسام الأنتربول من الطبقة العليا        محكمة استئناف تونسية تقضي بسجن قادة من المعارضة لفترات بين 5 و45 عاما    حجز 200 كلغ من اللحوم الحمراء الفاسدة بأحد المحلات بحي الديزة بمرتيل    توقعات أحوال الطقس اليوم الجمعة        إنزال مجموعة من المشردين والمختلين عقليا على مشارف الجديدة    كيوسك الجمعة | دعم اجتماعي أقوى للأسر الحاضنة للأطفال    ترحيل جثامين أربعة أفراد ضحايا حادث اختناق في ملاقا    مجلس النواب يصادق على قانون الانتخابات ويمرّر شرطاً تعجيزياً يُقصي الشباب من اللوائح المستقلة    "العلم" تتوج بجائزة الحسن الثاني للبيئة في دورتها الخامسة عشرة    سريلانكا: ارتفاع حصيلة ضحايا الفيضانات إلى 40 قتيلا على الأقل    وفاة داني سيجرين .. أول من جسّد شخصية سبايدر مان على التلفزيون    أزمة عطش تحاصر ساكنة إكيس أمزدار    المحكمة تدين المتورط في جريمة قتل بحيّ الموظفين بطنجة    اجتماع رفيع المستوى بالرباط بين أخنوش ومجموعة العمل المالي لمناقشة التزامات المغرب    مونديال قطر لأقل من 17 سنة.. منتخب البرتغال يتوج بطلا للعالم عقب فوزه على نظيره النمساوي ( 1-0)    أخنوش يجري مباحثات مع رئيس وزراء الصومال    حموشي: الدورة ال 93 للأنتربول كانت ناجحة على جميع الأصعدة والمستويات    مدرب الجيش: مواجهة الأهلي "صعبة"    الرابور "بوز فلو" يغادر سجن صفرو    المغرب .. 400 وفاة و990 إصابة جديدة بالسيدا سنويا    لبؤات الفوتسال إلى ربع نهائي المونديال بعد تخطي بولندا    الأمير مولاي رشيد، رئيس مؤسسة المهرجان الدولي للفيلم بمراكش .. المهرجان رسخ، منذ أولى دوراته، مكانته كمنصة للحوار والاكتشاف    فلسطين.. هل سيقوم المغرب بدور مباشر في عملية السلام إلى جانب الولايات المتحدة؟    خمسة مغاربة ضمن قائمة حكام مباريات كأس أمم إفريقيا لكرة القدم 2025    موسم حج 1448ه.. تحديد فترة التسجيل الإلكتروني من 8 إلى 19 دجنبر 2025    الأوقاف تكشف عن آجال التسجيل الإلكتروني لموسم الحج 1448ه    الجريدة الإسبانية "ماركا": صهيب الدريوش.. النجم الصاعد في كرة القدم المغربية    ضربات إسرائيلية على أهداف لحزب الله في جنوب لبنان    أداء إيجابي لبورصة الدار البيضاء    موسم حج 1448ه... تحديد فترة التسجيل الإلكتروني من 8 إلى 19 دجنبر 2025        مكتب الصرف يفك خيوط "خسائر وهمية" لشرعنة تحويلات نحو الخارج    الحسيمة.. وفاة أستاذ بعد تعرضه لنزيف على مستوى الرأس اثناء لقاء تربوي        "الكاف" تطرح تعديلات تنظيمية أبرزها رفع عدد اللاعبين لكل منتخب    حجيرة يدعو إلى تفكير إستراتيجي في سبل تعزيز الأثر الاجتماعي لقطاع الكهرباء    أسعار صرف أهم العملات الأجنبية اليوم الخميس    إدارة مهرجان الدوحة السينمائي 2025: المهرجان يبرز حضور الأصوات السينمائية المهمة في عالمنا اليوم    المغربي دريوش يقود أيندهوفن لإذلال ليفربول ومبابي ينقذ الريال من أولمبياكوس    مرجع لجبايات الجماعات من "ريمالد"    دراسة علمية حديثة: المراهقة تستمر حتى الثلاثينات من العمر    كيف أنقذت كلبة حياة صاحبها بعد إصابته بتوقف قلبي أثناء النوم؟    بعد ‬تفشيها ‬في ‬إثيوبيا.. ‬حمى ‬ماربورغ ‬تثير ‬مخاوف ‬المغاربة..‬    علماء يكتشفون طريقة وقائية لإبطاء فقدان البصر المرتبط بالعمر    إصدار جديد من سلسلة تراث فجيج    معمار النص... نص المعمار    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



الداخلية المغربية .. "الاستقرار" وفق منظومة الأمن الشامل
نشر في هسبريس يوم 26 - 09 - 2017

إن سياقات تعامل الدولة المغربية مع حركية الشارع، عرفت مجموعة من المقاربات التي أسالت غير قليل من المداد حول مدى امتلاك وزارة الداخلية لرؤية استراتيجية في تدبيرها للملفات الاجتماعية، أم أن الأمر لا يرقى إلى مستوى البناء الاستراتيجي، إلى الاكتفاء ب "ردّات فعل" مرحلية، يمكن أن تدخل في إطار التدابير التكتيكية لحل الأزمات الاجتماعية.
إن رصد مقاربة وزارة الداخلية للأحداث الأخيرة التي شهدتها مدينة الحسيمة يمكن أن يساعد على رسم معالم "استراتيجية" أم الوزارات في التعاطي مع حركية الشارع، وإلى أي حد يمكن أن تكون هذه المقاربة "مُطَمْئِنة" للمواطن المغربي ولصانع القرار السياسي على السواء.
إن واجب الانتماء لهذا الوطن الكبير ومنطق العيش المشترك بين جميع مكونات الشعب المغربي، يفرض علينا طرح قراءتنا لما جرى على مستوى مدينة الحسيمة ومحاولة تكييفه مع الأبعاد التي تأخذها غالبا بعض المطالب الاجتماعية والتي تكون بالأساس ناتجة عن ردات فعل طبيعية لحاجيات اجتماعية واقتصادية وتنموية آنية، أو ناجمة عن بعض التراكمات التاريخية والتصادمية للعلاقة مع الدولة يتم تصريفها عبر مجموعة من التعبيرات الاحتجاجية تختلف حدتها حسب البيئة الاستراتيجية لكل مرحلة تاريخية.
إن الأحداث التي عرفتها مدينة الحسيمة، لا يمكن تفكيكها وفهمها إلا من خلال رؤية ثلاثية الزوايا ترتكز حول المعطيات التالية:
أولا: هذا المعطى يفترض حسن الظن في المكونات التي تقود المطالب الاجتماعية في محاولة منها للضغط على الدولة في اتجاه تنفيذ مجموعة من المطالب الاجتماعية والتنموية التي لم تكن الأرضية التي انطلق منها الاحتجاجات بعد وفاة المواطن محسن فكري، والتي تبقى مقبولة إلى حد بعيد.
ثانيا: وجود أيادي مغربية تعيش في الخارج لها حسابات "أمنية" و"سياسية" مع الدولة المغربية وتحاول استغلال "الأحداث" من أجل الضغط على الدولة لإجبارها على عقد صفقة "ما" تعيدها إلى واجهة الأحداث بالريف. هذه الأيادي "المعروفة" تنشط في المثلث الكلاسيكي لتواجد الجالية المغربية من أصول ريفية في كل من "هولندا، ألمانيا، بلجيكا".
ثالثا: وهو معطى غالبا ما يَبرز بعد "نجاح" المكونات الأولى والثانية في إحداث نوع من الضغط على الدولة وظهور مؤشرات التصعيد. وهنا تتدخل بعض الجهات المعروفة بدفاعها عن الأطروحة الانفصالية من أجل دعم الاحتجاجات، ومحاولة إنهاك المملكة أمنيا وسياسيا وحقوقيا، في محاولة لكسب نقاط إضافية في مسلسل الصراع والعداء مع المغرب. وهنا نسجل تقاطع بعض أطروحات أصحابها في الصحراء المغربية مع بعض الأصوات الشاذة التي لازالت تعزف على الأسطوانة المشروخة للانفصال.
على هذا المستوى، يمكن أن نستوعب "الهدف الاستراتيجي" الذي وضعته وزارة الداخلية، والذي يبقى واضحا وثابتا من خلال السهر على "عودة الأمور إلى حالتها الطبيعية الهادئة من خلال العمل على الاستجابة للمطالب الاجتماعية للساكنة بطريقة ذكية وهادئة يغيب عنها منطق "لي الذراع" و"فرض الأمر الواقع"، وذلك ضمن آجال زمنية معقولة.
هذا المعطى، دفع بوزارة الداخلية إلى تفكيك استراتيجية التحرك إلى ثلاثة مستويات تكتيكية، وفق ما يطلق عليها محترفو الأمن القومي "نظرية الأمن الشامل". هذا الأخيرة تعتمد على تفادي المقاربة الأمنية الصرفة في مواجهة حركية الشارع الذي يأخذ، في بعض الأحيان، شكلا عنيفاً، في مقابل طرح المقاربة الأمنية الشاملة والتي تعتمد على تعاطي متعدد الأبعاد، يتقاطع فيه المعطى الأمني بالمعطى الاجتماعي والتنموي والاقتصادي، في أفق القضاء على البيئة القادرة على إنتاج وضع اجتماعي محتقن.
في هذا السياق، اقتصرت المقاربة الأمنية لوزارة الداخلية على الأفراد الذين تبث ارتكابهم، من خلال قرائن قومية وأدلة تلبُّسية ثابتة، لأحداث مست بالأمن العام وألحقت أضرارا بمؤسسات الدولة وأجهزتها الأمنية. هذه المقاربة المحدودة، في الزمان والمكان، تبقى من صميم واجبات الدولة اتجاه مؤسساتها ومواطنيها، على اعتبار أن الدولة، بالمعنى الفيبيري، تبقى الوحيد التي تمتلك الحق في اللجوء إلى "القوة المشروعة" من أجل التصدي إلى جميع المحاولات التي تروم النيل من أمنها القومي ووحدتها السياسية.
بالمقابل، ستتسع مستويات تدخل وزارة الداخلية، من خلال التنسيق مع باقي القطاعات الوزارية من أجل إخراج المشاريع التنموية بالمنطقة إلى حيز الوجود وعلى رأسها تلك المرتبطة بمشروع "الحسيمة منارة المتوسط"، والتي يبدو أنها متجهة نحو الإنجاز ضمن الآجال الزمنية التي تعهد بها وزير الداخلية أمام نواب الأمة بمناسبة إحدى جلسات مجلس النواب المخصصة للأسئلة الشفهية. كما أن جلالة الملك كلف المفتشية العامة لوزارة الداخلية بالإضافة إلى وزارة المالية بإنجاز تحقيق حول تأخر إنجاز المشاريع التنموية بمدينة الحسيمة ويُنتظر رفعها للملك من أجل ترتيب الآثار القانونية والإدارية على ذلك.
من جهة أخرى، تبنت وزارة الداخلية، من خلال أطلقنا عليه ب "منظومة الأمن الشامل"، رؤية مجالية واسعة تهدف إلى التسريع بالوتيرة التنموية على المستوى الوطني من خلال القيام بجولات ماراطونية ولقاءات دورية مع القطاعات الوزارية والهيئات المنتخبة على مستوى عموم التراب الوطني من أجل اقتراح المشاريع التنموية والاقتصادية والاجتماعية الملحة وكذا تسريع وتيرة المشاريع المبرمجة والتي لازالت عالقة لاعتبارات تقنية وإدارية.
هذه المقاربة، قطعت الطريق على بعض أطروحات ذووا النيات السيئة، والتي ربطت تحرك الوزارة بالحسيمة بالضغط الجماهيري الذي فرضته ساكنة المدينة، لتؤكد على أن نهج وزارة الداخلية يتجاوز الطرح الجغرافي الضيق إلى تبني استراتيجية وطنية شاملة تهدف إلى تسريع الوتيرة التنموية والعمل على التعاطي الإيجابي مع المطالب "المعقولة" للمواطن المغربي في عموم التراب الوطني.
إجمالا يمكن القول، أن وزارة الداخلية عرفت، منذ عقدين من الزمن، تغييرا في تعاطيها مع حركية الشارع من خلال تجنب المنطق الكلاوزفيتي في المواجهة، مع تبني ما يصطلح عليه ب "نظرية الاقتراب غير المباشر". هذه النظرية تهدف إلى تفادي المعطى الأمني الصرف، وتفضيل التعامل مع الأزمات الداخلية من خلال التركيز على القضاء على مسببات الاحتقان، وكذا العمل على إنتاج الشروط الذاتية والموضوعية لبيئة استراتيجية مستقرة تَقْرِن بين المحافظة على الأمن العام وتحقيق مؤشرات تنموية مرتفعة من أجل ضمان الشروط الصحية لممارسة ديمقراطية سليمة بالمملكة.
*متخصص في الدراسات الاستراتيجية والأمنية


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.