لمياء الزايدي .. الصوت الذي يأسر القلوب ويخطف الأنفاس    محاكمة إسكوبار الصحراء .. الدفاع يشكك في المحاضر و الشهادات    ‪المغرب وإسبانيا يعززان تعاون الصيد    كأس العرب لكرة القدم (قطر 2025).. المنتخب الفلسطيني يخلق المفاجأة ويتعادل مع نظيره التونسي (2-2)    اعتقال المعارض التونسي أحمد نجيب الشابي    أمن شفشاون يرفع درجة اليقظة مع اقتراب رأس السنة الجديدة ويشدد الخناق على مخالفي قانون السير    مقتل "أبو شباب" إثر "ضربات كليلة" في غزة بعد شجار داخلي مع مجموعته    كيروش: منتخب المغرب اختبار قوي    مدريد.. التعاون الثنائي محور سلسلة مباحثات مغربية-إسبانية على المستوى الوزاري    في إطار الدورة 13 للاجتماع رفيع المستوى المغرب – إسبانيا.. أخنوش يجري مباحثات مع بيدرو سانشيز    السلطات تُطلق حملة لإيواء الأشخاص بدون مأوى بجهة طنجة    أخنوش وسانشيز يرسمان ملامح مرحلة متقدمة بين المغرب وإسبانيا    تاريخ تسريح اللاعبين ل "كان 2025" يتغير.. فيفا يصدر قرارا جديدا يخدم الأندية    أشادت إسبانيا بالإصلاحات التي قام بها المغرب بقيادة صاحب الجلالة الملك محمد السادس، وكذا بالمبادرات الملكية من أجل إفريقيا    بورصة الدار البيضاء تنهي تداولاتها بأداء إيجابي    إيطاليا ماريتيما تطلق خطا بحريا مباشرا بين المغرب وإسبانيا    عام 2024 هو الأشد حرارة على الإطلاق في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا    مجلس المستشارين يصادق على مشروع قانون المالية لسنة 2026    التامني: غلاء أسعار السكن و"النوار" يفرغان الدعم المباشر من أهدافه وعلى الوزارة التدخل    "المستشارين" يقر مشروع قانون المالية    العنف النفسي يتصدر حالات العنف المسجلة ضد النساء    المجلس الأعلى لمجلس التعاون لدول الخليج يجدد التأكيد على مغربية الصحراء ويرحب بقرار مجلس الأمن 2797    شهادة في حق الفنانة خلود البطيوي بمناسبة تكريمها في الدورة 14 للجامعة السينمائية بمكناس    شهادة في حق الأستاذ حفيظ العيساوي الرئيس الأسبق للجامعة الوطنية للأندية السينمائية بالمغرب    حميد بناني: شاعر الصورة وفيلسوف الوجود    سانشيز يشيد بالروابط القوية مع المغرب    مبادرة "Be Proactive" تعزّز الوقاية من حساسية الأسنان في عيادات المغرب        هولندا.. ثلاثة قتلى في حادث مروع خلال مطاردة للشرطة    مونديال 2026 .. أنظار العالم تتجه صوب واشنطن لمتابعة سحب قرعة مرتقب بشدة    وزير الخارجية الإسباني يستقبل بوريطة ويؤكد: العلاقات مع المغرب تعيش لحظة تاريخية    بين الراي والراب الميلودي... Wrapped 2025 يرصد التحولات الموسيقية بالمغرب    المغرب وإسبانيا يُعززان تعاونهما القضائي عبر مذكرة تفاهم جديدة    تعزيز التعاون المائي محور مباحثات مغربية–صينية في المؤتمر العالمي التاسع عشر للمياه بمراكش        توقعات أحوال الطقس ليوم غد الجمعة    مقاييس الأمطار المسجلة بالمملكة خلال ال 24 ساعة الماضية    كورتوا: محظوظ لأن مبابي يلعب معي وليس ضدي    "فيفا" يعلن عن منع الزمالك من التعاقدات لثلاث فترات    قرار قضائي يهزّ جامعة الكراطي... والصباري يعيد الاعتبار لجهات الجنوب    ماكرون قلق بعد سجن صحافي بالجزائر    تقرير يكشف ضغط ترامب على نتنياهو بشأن غزة وسوريا    "حبيبتي الدولة".. من تكون؟!: في زمن التشظي وغياب اليقين    البنك الإفريقي للتنمية يمنح ضمانة 450 مليون أورو لدعم "الاستثمار الأخضر" ل"أو سي بي"    "قمة دول الخليج" تشيد بجهود الملك    إصابتان في معسكر "المنتخب الوطني" بقطر..    مشاهير عالميون يطالبون إسرائيل بإطلاق سراح القيادي الفلسطيني البارز مروان البرغوثي    الصين: مدينة ايوو تسجل رقما قياسيا في حجم التجارة يتجاوز 99 مليار دولار    دراسة: الرياضة تخفف أعراض اضطراب فرط الحركة ونقص الانتباه    الشرفي يلقي خطاب عضوية "أكاديمية المملكة" ويرصد "غزو علمنة المجتمع"    نصائح صحية: هذه الأغذية تهددك ب"النقرس"!    "الصحة العالمية" توصي بأدوية "جي إل بي-1" لمكافحة السمنة    التهراوي : انخفاض حالات الإصابة الجديدة بالسيدا خلال السنوات العشر الأخيرة    تحديد فترة التسجيل الإلكتروني لموسم حج 1448ه    الأوقاف تكشف عن آجال التسجيل الإلكتروني لموسم الحج 1448ه    موسم حج 1448ه.. تحديد فترة التسجيل الإلكتروني من 8 إلى 19 دجنبر 2025    موسم حج 1448ه... تحديد فترة التسجيل الإلكتروني من 8 إلى 19 دجنبر 2025    إصدار جديد من سلسلة تراث فجيج    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



رسالة مفتوحة إلى شباط وبركة/ولد الرشيد
نشر في هسبريس يوم 06 - 10 - 2017

نعلم جميعا أن المؤتمر السابع عشر لحزب الاستقلال قد انعقد في ظل أزمة عميقة.
هي أزمة تهز حزبنا وتهدد بزعزعة أسسه. أزمة عميقة لا سابق لها، ربما، في تاريخ أسرتنا الحزبية. أزمة تفاقمت بسبب المناورات الحزبية والتصرفات المثيرة للغثيان والمتسمة بالعنف التي ارتكبها بعض المؤيدين الموالين لكم. وقد كان من نتيجة ذلك أن أصيب عدد من أعضاء الحزب بجروح خطيرة، كما أن العديد من مواطنينا قد أصيبوا بالصدمة من جراء المشاهد والفيديوهات الرائجة في وسائل التواصل الاجتماعي.
ومن جهة أخرى فقد انتُهكَت قواعد الديمقراطية الداخلية من طرف رئيس اللجنة التحضيرية للمؤتمر ورئيس المؤتمر بلجوئهما إلى قواعد إجرائية تافهة ومتجاوزة، هدفهما من وراء ذلك خنق التعددية ومبدأ المنافسة وحرماني من تناول الكلمة أمام المؤتمرين من أجل تقديم مشروع تعديل القانون الأساسي للحزب وعرض مشروع سياسي ومجتمعي واقتصادي واجتماعي متجدد.
إلا أن الأساسي ليس هو هذا الأمر. فقد كان الهدف الوحيد المتوخى من ترشيحي هو إعطاء صورة مختلفة عن الأسرة الاستقلالية من خلال مساءلة ضمائر المناضلين وطرح مضمون نقاش جدّي حول القضايا التي تهم المغاربة.
كان من المفترض – لو توفرت الأناقة الفكرية - أن يُستقبل هذا البديل السياسي وهذا الاقتراح للمناقشة بالترحيب المتحمس. ولكن من الواضح أن الطبقة السياسية بمختلف الأجيال لا تثقل كاهلَها أكثر من اللازم بمبادئ الأخلاق السياسية المنبثقة من فكر أرسطو أو ابن خلدون أو روسو أو كانط أو ويبر أو ريكور. ونظرا لهذا الوضع، فإنني أُشهدُ الرأي العام على ما يجب أن يكون عليه النقاش الداخلي لحزب الاستقلال.
في الوقت الذي يلتئم شمل المناضلين والقياديين في هذا المؤتمر، عليهم أن يتذكروا أن عبارة "جمع الشمل" ليست مجرد عبارة فارغة من المحتوى، لأنها تضم في طياتها رمزية قوية جدا وتتطلب التحلي بخصال التواضع وروح المسؤولية والجرأة. أقول: الجرأة، إذ عليهم امتلاك الوضوح اللازم للاعتراف بنواقصهم ومواطن فشلهم والإقرار بكون حزبنا تورط منذ جيل كامل حين سلك طريقا لا مخرج لها. كما يتوجب علينا النجاح في تجديد خطابنا، ومشروعنا وريادتنا وتصرفاتنا الفردية والجماعية تحضيرا لنجاحاتنا المستقبلية. وهناك عامل رئيسي واحد لإنجاح هذه الدينامية ألا وهو إنكار الذات من أجل المصلحة العامة.
يعتقد البعض أن حزبنا هدفٌ لقوةٍ من خارجه تريد أن تدخله بيت الطاعة وأن تملي عليه خطه السياسي وتحول فريقه المسير إلى مجموعة من الكراكيز، ويؤكد هؤلاء أن القادم سيكون أسوأ وأن هويتنا مهددة بالطمس واستقلاليتنا ستنمحي. وهم يقترحون – في مواجهة ذلك – الانسحاب المتوتر والمزايدات اللفظية واعتماد تصرف الشد والجذب.
وهناك آخرون بيننا يتصورون أن علينا إبداء حسن النية لمن يهمهم الأمر وأن نغلق أفواهنا عن الاختلافات السياسية حتى نظهر كأشخاص متفهمين مرنين لا يخشى جانبهم، باعتبارهم مخلصين أوفياء. ولأجل ذلك هم ينصحون الحزب بضرورة استيعاب المتغيرات واعتماد لغة منمقة وإبداء طاعة المطلقة. ومن جهتي فأنا على قناعة راسخة أن هؤلاء وأولئك مخطئون. إن طريقة التفكير هاته أصبحت جزءا من الماضي فيما أصبحت النماذج السياسية التي يقترحون متجاوزةً بكل وضوح. وَصَفَاتُهُم فشلت بكل بساطة ولعل تشكيل حكومة ما بعد الانتخابات التشريعية لسنة 2016 تثبت هذا بكل وضوح. وهذا الفشل عينُه الذي هو الفشل الذي تتقاسمه أحزاب سياسية أخرى سواء كانت في الحكومة أو في المعارضة، هو سبب الطلاق الحاصل بين الشعب وحكامه. واليوم، يدفع بلدنا الثمن غاليا. ولكن المغرب في كليته يرفض الفشل والمواطنون يطالبوننا بإيجاد سبل النجاح.
لأجل كل ذلك يجب أن نبدع اختيارا سياسيا بديلا، يعطي دفعة كبرى للتطور السياسي والديمقراطي وينتج رفاهية اقتصادية واجتماعية للجميع. كيف يمكن الوصول إلى هذا؟ بكل بساطة ووضوح، علينا أن نسلك طريقا ثالثا قوامه ما يلي: لا ثورة ولا خضوع، لا ضجة تصم الآذان ولا صمت مجامل، لا خطب طوباوية ولا تنازلات مذلة. هذا المسار الموسوم بالوفاء لمؤسساتنا والإخلاص لقيمنا والسعي نحو الإصلاح بلا تردد، هو الذي يتوجب على حزب الاستقلال سلوكه.
إن المغاربة واعون بالمتطلبات الراهنة لعصرنا هذا. إنهم متضامنون، منهم جيل الشباب المرتبط بشبكات التواصل الاجتماعي، الجيلُ الطموحُ المتَعَجِّلُ وربما الغاضب. إن المغاربة منشغلون بالأفق المنغلق أمام طبقة وسطى منزعجة مما تعيشه، لأنها رهينة القدرة الشرائية المتواضعة التي تسببت فيها السياسات العمومية المجحفة. إنهم فريسة المخاوف من عجز المسنِّين في بلادنا على المحافظة على معاشات التقاعد. وهم معبئون بجانب المواطنين المتشبثين بحقوقهم الديمقراطية والراغبين في المشاركة في اتخاذ القرارات السياسية التي لها تأثير على حياتهم. إزاء هذه التحديات، نلمس تعطُّل نظامنا السياسي. وحين أقول هذا فأنا لا أتهم أحدا ولكنني أسائل الجميع وأناشدهم أن نبدأ بأنفسنا، نحن معشر الاستقلاليين.
معركة حزب الاستقلال يجب أن تكون سياسية أولا. على من يزايدون على الآخرين – من أحزاب ومسئولين سياسيين - بخصوص قربهم من شخص جلالة الملك، عليهم أن يتوقفوا عن ذلك. لقد سبق للملك الراحل الحسن الثاني أن قال في نفس الموضوع ما معناه أن الملكية ليست متغيرا يمكن وضعه في معادلة. نحن في حِلِ من إعادة التأكيد كل مرة على ارتباطنا بشخص جلالة الملك محمد السادس لأننا في غنى عن الدروس حول الملكية من أي كان، ولأن الولاء لا يقاس بكثافة الخطب الإيضاحية، ولكن بقوة القناعات وبناء على الإجراءات السياسية. فكما في أمور الحب،فإن مجرد الإعلان عنه لا يرقى أبدا إلى مرتبة التصرفات الدالة عليه. وتاريخ حزب الاستقلال حافل بأدلة الارتباط بالملكية البارحة واليوم وغدا. كنا على الدوام ملكيين في الوقت الذي كان آخرون يماطلون. فنحن ملكيون وسنظل كذلك لأن هذا الإخلاص جزء من هوية الحمض النووي لحزب الاستقلال. بيد أننا، في نفس الوقت، واعون بكون مؤسساتنا السياسية في حاجة إلى الإصلاح والعصرنة بغية الاستجابة للانتظارات الجديدة والمتنامية للمغاربة. أعتقد أن القرب العلاقاتي من شخص الملك يجب أن يفرض على الأشخاص المعنيين واجب التحفظ سواء على المستوى السياسي، أو على مستوى عالم الأعمال. لا يفترض في أي مغربي أن يعتمد على هذا القرب للحصول على امتياز غير مستحق على حساب مغربي آخر. لقد أصبحت الضرورة ملحة لفصل صارم بين المال والسياسة لتجنب تضارب المصالح واستغلال النفوذ. وللوصول إلى هذا المبتغى يجب علينا أن نَسُنَ لأنفسنا تشريعات وفق معايير تتناسب والمعايير الدولية والتي نجدها على وجه الخصوص في بلدان شمال أوربا. يجب توسيع صلاحيات الحكومة ومعها أدوار غرفة مجلس النواب بالبرلمان مع تقوية سبل عملها ومراقبتها للشأن السياسي. إن عمل الكيانات الدستورية المختصة بالمراقبة والحكامة الجيدة كما هو الحال مع المجلس الأعلى للحسابات والمجلس الوطني لحقوق الإنسان ومجلس المنافسة أو الهيئة الوطنية للنزاهة والوقاية من الرشوة ومحاربتها، يجب أن يصبح أكثر فعالية من خلال تعزيز اختصاصاتها القانونية واستقلاليتها المالية والمعنوية وسلطتها على المعاقبة وجودة إدارتها.
هذا من جهة.
من جهة ثانية، معركةُ حزب الاستقلال يجب أن تكون ذات طابع مجتمعي أيضا. يجب أن نضع حدا لهذه الصورة التي تصب الماء في طاحونة خصومنا. صورةُ الحزب التقليدي صاحب الخطاب الماضوي، صورةُ الحزب المحافظ المستند إلى قراءات للتعاليم الدينية والسلوكات البشرية خارج سياقاتها. القانون الجنائي أصبح متجاوزا ولا يواكب واقع المجتمع المغربي في هذا القرن. علينا أن نستأصل من القوانين القمعية كل ما يمت بصلة إلى البعد السلوكي الفردي الذي من المفروض ألا يخرج عن نطاق المساءلة من قِبل ضمير كل فرد، بعيدا عن الأحكام الرعناء وخارج كل تطاول تمارسه شرطة الأخلاق. يتعين أن يفرق النص القانوني عندنا بوضوح بين الفعل غير القانوني الذي على القضاء زجره اعتمادا على القانون وبين الفعل المفتقدِ لحسن الخُلق والذي يجب أن يسقط فقط تحت طائلة تأنيب ضمير صاحبه، دون خوف من تبعات العقاب العمومي.
يجب منع زواج القاصرات. فليس هناك مبررٌ ولا ذريعةٌ ولا فقهٌ– ولو أُلبسَ لبوس الدين - بوسعه تقديم المبررات للدَّوس على الصحة الجسدية وعلى حظوظ التفتق المعنوي وآفاق المستقبل التعليمي لبعض أطفالنا الذين يشكلون الفئة الأكثر هشاشة في ظل شروط سوسيو-اقتصادية صعبة. علينا التأسيس لحق المرأة في الإجهاض وحقها في تقرير مصيرها بكل حرية، مما قد يسهم في وضع حد لمعاناة الآلاف من الأمهات العازبات في مقتبل العمر، ولتعرضهن للإذلال بتهمة تلويث شرف الأسرة مما يجعلهن يلجأن إلى متاهات الإجهاض السري الذي يتم في ظروف طبية وصحية مزرية من شأنها أن تؤدي بهن إلى الموت المحتوم. كما أن رفع العقوبات الجنائية عن العلاقات الرضائية الحرة بين الأفراد الراشدين تفرض نفسها بحدة، تماما كما هو الحال مع حرية الضمير والمعتقد والتي يجب تكريسها وترجمتها على أرض الواقع في المعيش اليومي للمغاربة في بلد يحتضن منذ أمد بعيد مكونا يهوديا ومكونا آخرا حديث العهد، ولكنه يتنامى بشكل مطرد، وهو المكون المسيحي. ثم هناك الحق في الميراث والذي يستوجب إصلاحا يفترض فيه أن يسمح لشخص توفته المنية، في إطار مقاربة طوعية موثقة، بالاختيار بين تطبيق القواعد المنصوص عليها في القرآن الكريم كما أنزلت وبين اعتماد نظام مرجعي يساوي بشكل تام بين الورثة دون أي اعتبار لنوع الجنس (ذكرا كان أم أنثى).
ومن جهة ثالثة وأخيرة، على معركة حزب الاستقلال أن تكون اقتصادية واجتماعية، فنموذجنا الاقتصادي يلفظ أنفاسه الأخيرة. لقد أصابه الشلل التام فهو لا ينتج إلا ثروات محدودة في إطار فشل الدولة الذريع في إعادة توزيعها. وكل سنة هناك فئات من المجتمع المغربي بأكملها تُساق إلى حافة هاوية مرعبة. والفوارق بين المواطنين في الدخل والثروة لا تتوقف عن التزايد سنة بعد أخرى مما يسمح لبعض المحظوظين القلائل بالدخول إلى دائرة أغنى أغنياء العالم. وفي نفس الوقت، ويا لها ممن مفارقة - فإن التملص والتهرب الضريبيين وتهريب رؤوس الأموال إلى الخارج بلغت مستويات غير مسبوقة في تاريخ المغرب. سيكون علينا إعادة وضع النموذج الاقتصادي من أجل رفع التحديات الراهنة والمستقبلية. ولكي نصل إلى هذا الهدف سيكون علينا أن نعيد المقاولة الخاصة والمقاولات الصغرى والمتوسطة إلى مكانها المستحق، أي في صميم عملية خلق الثروات المادية. من واجبنا أن نمنح المزيد من التناغم والتكامل لاستراتيجياتنا القطاعية ولجعل النظام الترابي المتجانس قادرا على إنتاج أكبر قدر من التأثيرات الإيجابية لصالح الفاعلين الاقتصاديين بمختلف المناطق. سيكون علينا أن ننشئ مؤسسة بنكية عمومية للاستثمار والتي ستكون ضرورية لتمويل كل مشاريعنا ومقاولاتنا ولدعم الإستراتيجية الصناعية للدولة، كما أننا ملزمون بضرورة التحكم في السوق المالي وتطوير عمل القطاع البنكي وإصلاح سلطات الوصاية وعصرنة سياستنا النقدية. نحن مطالبون بضمان تمويل جيد للاقتصاد وضمان الشروط الخاصة بتوجيه أكثر فعالية للادخار باتجاه الاستثمار. علينا الاشتغال على تخفيض تضخم عجز الميزانية والدين العمومي، وعلى وجه الخصوص، العمل على تحقيق مدخرات في ميزانية التكاليف التشغيلية للدولة وللجماعات المحلية. كما يتوجب علينا تحسين أداء المقاولات والمؤسسات العمومية وقيادة مسيرة الإصلاح الضريبي الكفيل بتوسيع الوعاء الضريبي وبإجراء تخفيض حاد للمصاريف الضريبية وبضمان العدالة الضريبية عموديا وأفقيا، وباحترام حقوق دافعي الضرائب وبمحاربة التملص والتهرب الضريبيين بشكل أكثر فعالية. من واجبنا وبكل شجاعة وعزم أن نخوض معركة النمو، والتشغيل والعدالة الاجتماعية. وأخيرا وليس آخرا، علينا تقوية دبلوماسيتنا الاقتصادية بهدف إعادة التوازن إلى ميزانياتنا التجارية البينية وإصلاح هفوات اتفاقيات التبادل الحر وإعادة توجيه سياستنا الخارجية وكذا الاستثمار المغربي المباشر في الخارج وصادراتنا وعلى رأس أولوياتها تلك التي تكون وجهتها دول أفريقيا جنوب الصحراء.
الأخ حميد شباط، الإخوة نزار البركة/حمدي ولد الرشيد.
أكتب لكم هذه السطور بكل شفافية وجرأة وعزم، لأن هاته الصفات في السياسة شرط محوري للبحث عن الحقيقة والقدرة على قولها بصوت قوي وعالٍ، لتقبل المصاعب ومواجهتها وجها لوجه بنظرة هادئة، ولرفض الخضوع لقانون الصمت أو لصدى التصفيقات الحماسية أو لصراخ المتعصبين. أوقفوا نزاعاتكم المبنية على البحث عن المناصب والمصالح واسترجعوا رُشدكمْ. أوقفوا مهزلة المؤتمر واسمحوا للمنخرطين في الحزب كي يسترجعوا الهدوء والكرامة. غير أنني أعترف بكل صراحة أن النزاهة الفكرية - أكثر من احترامي لذكائكم السياسي - تلزمني بالتأكيد على أن هذه الرسالة ليست موجهة لكم بالخصوص لأنكم لستم في جوهر اهتماماتي. بل هي تخص الاستقلاليين الحقيقيين الذين أتوجه إليهم كي أتقدم أمامهم برسالة صريحة للمرة الثانية خلال بضعة أيام.
لدي اعتقاد راسخ وهو ألاَّ شيءَ مقرر سلفا في الحياة. ولو كانت هذه الحتمية فاعلة حقا لَاعتبرت أن مصير حزب الاستقلال محسوم أصلا. وفقط ما سيقرره المناضلون هو ما سوف يكون. وكتابة تاريخ الحزب أمر بين أيديهم. الكثيرون من بينهم يناضلون بكل إخلاص من أجل حزبهم ومن خلاله من أجل الوطن. ولكن منطق الأجهزة الحزبية يصيب بالشلل كل محاولة للسير إلى الأمام والابتكار والإصلاح. لقد عاينت من الداخل قانوننا الداخلي الذي يمنع تشكل التوجهات المبنية على الأفكار والاختيارات تحت ذريعة وهمية مفادها أن ذلك يضعف الأجهزة الحزبية ويشوش على ما تمت مراكمته. واليوم يفرض الواجب الأخلاقي على المناضلين أن يتحرروا من ذلك وأن يتخذوا قرارهم بكل استقلالية وأن يتبنوا خيارهم دون الخضوع لأي تأثير كيفما كان ولأي ضغط أو انتماء فئوي، بل استجابة للواجب الذي يمليه عليهم ضميرهم وحده.
أنتم أيها الإخوة والأخوات في حزب الاستقلال أنتم الصادقون في نضالكم، لقد أخبرتكم بكل صدق عددا من الأشياء التي أحملها بداخل وجداني. وقد اقترحت عليكم التوجهات الرئيسة لمشروع تجديد حزب الاستقلال. أقترح عليكم أن نضع جميعا شباب بلدنا في مركز هذا المشروع وأن نعطي أولوية قصوى لولوجهم إلى التعليم والصحة والسكن والشغل والرياضة والثقافة. إن مسؤولية الأمين العام كبيرة جدا فيما يخص تنفيذ هذا المشروع، فهو ليس مجرد مكلف بتسيير منظمة، بل إنه يحمل أيضا قيم عائلته السياسية واستمرارية تاريخها وقوة مشروعها. إن الخيار السياسي المعروض عليكم اليوم ليس حقيقة خيارا. خذوا زمام الأمر وجددوا حزبكم.
*مناضل في حزب الاستقلال.
www.mohammedbenmoussa.com
@benmoussamed01
Mohammed Benmoussa


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.