صعدت جماعة العدل والإحسان، في الآونة الأخيرة، من هجومها على الدولة وسياساتها الداخلية والخارجية، لدرجة وصفها الحالة المغربية بأنها تعيش "انتكاسات متتالية على جميع الأصعدة"، فيما عادت لتخصص حيزا هاما من خرجاتها للملكية بالقول إنها "تحكم قبضتها على أدوات الفعل السياسي والاقتصادي والديني والأمني والخارجي". التقرير السياسي الذي أصدره المجلس القطري للدائرة السياسية للجماعة، إثر انعقاده قبل أيام، حمل في طياته ملامح واضحة للمعارضة الشرسة، التي باتت "العدل والإحسان" تفصح عنها، بعد فترة يمكن وصفها بأنها "هدنة" و"مراقبة للأوضاع"، وهي الوثيقة التي جاءت محملة بعدد من المحاور المثيرة من قبيل: "تهاوي شعارات الواجهة"، و"الملك: سلطة مطلقة فوق السلط"، و"حكومة محكومة"، وأيضا "الاعتقال السياسي: صفحة لم تطو". صور سوداء محاور التقرير كافية لإعطاء صورة واضحة عما تريد الجماعة إيصاله إلى السلطات، حيث تظهر إلى جانب ذلك نظرة التنظيم الإسلامي لتدبير الحقل الديني، الذي وصفته ب"الاحتكار وسوء الاستغلال"، وأن السياسة الخارجية للمملكة تتسم ب"جمود في الأولويات وضعف في الأداء"، خاصة ملف الصحراء، الذي قالت إن شعاره الأساسي هو "كلفة غالية لتدبير منفرد"، مشيرة إلى أن عودة المغرب إلى حضن القارة السمراء من بوابة الاتحاد إفريقي يتأرجح بين "الأهداف المعلنة والخفية". ووصف التنظيم الإسلامي، ذو التوجه المعارض، الوضع الحقوقي بالمغرب بأنه يعيش "ردة حقوقية وانتعاشا للسلطوية"، مضيفا أن القانون في مجال حرية التعبير والصحافة يبقى "في خدمة قمع حرية التعبير"، إلى جانب "عرقلة في تأسيس الجمعيات وتضييق في الممارسة". أما فيما يخص الحق في التظاهر السلمي، فترى الجماعة أن هناك "عنفا من السلطة مقابل سلمية الاحتجاج"، قبل أن تشير إلى وجود "تنام مفضوح لظاهرة التطبيع مع الكيان الصهيوني". ولم تفوت "العدل والإحسان" فرصة اجتماع قادتها في المجلس القطري للدائرة السياسية دون الحديث عما وصفته ب"الانتقام المفتوح"، وفق ما قالت إنها "سياسة انتقامية"، مضيفة أن أبرز ملامحها تبقى "السجن الظالم لعمر محب، وتشميع البيوت، وملاحقة المحكوم عليهم بغرامة الاجتماع على القرآن الكريم، وطمس ملف الشهيد كمال عماري .. ومواصلة أشكال التضييق المتنوعة في حق أعضاء الجماعة ورموزها"، إضافة إلى "ترسيب بعض الناجحين من الأساتذة المتدربين، وإعفاء العشرات من الأطر الأكفاء الأوفياء لمسؤولياتهم من مهامهم والتعسف في إلحاقهم ومنع الحركة الانتقالية عن بعضهم". وتماشيا مع التصعيد ذاته، هاجم الأمين العام محمد عبادي، في اللقاء ذاته، الدولة، حيث قال إن "النص الدستوري يقول إن المساءلة والمحاسبة يخضع لها الجميع، حكاما ومحكومين"، قبل أن يتهمها بما وصفه بأنه "احتكار لثروات الأمة وتبديدها واحتكار للدين"، مشيرا إلى أن المخرج من هذه الملفات هو "الأمن الشامل". واشترط لتحقيق هذا "الأمن" ما وصفها ب "الاستجابة لأمر الله عز وجل..لا سبيل إلى الأمن إلا بالعدل". وحمل لقاء المجلس القطري للدائرة السياسية ل"العدل والإحسان" مواقف حادة تجاه الدولة المغربية، حين نبه إلى ما وصفها ب"خطورة أوضاع المغرب وتعاظم الثمن الذي يؤديه البلد وأبناؤه وبناته جراء استمرار استفراد المخزن بالقرار السياسي واحتكاره وتبذيره للثروة الوطنية والتضييق على الشعب وقواه الحية في كل المجالات"، داعيا إلى "وقفة اعتبار وقرار لاستنقاذ البلد من براثن ما يكيده له أعداء الأمة وعملاؤهم المحليون من خطط وسياسات مدمرة". حمادة: الجماعة لم تنخرط في مراجعات هذه اللهجة التصعيدية، التي ميزت مضامين التقرير السنوي الصادر عن الدائرة السياسية لجماعة "العدل والإحسان"، يراها منتصر حمادة، الباحث في الشأن الديني، منسجمة مع طبيعة خطاب الجماعة، "التي تعودت على نشر تقارير سنوية حول الحالة المغربية، عبر بوابة "المركز المغربي للأبحاث وتحليل السياسات"، حيث لا نقرأ سوى الخلاصات السوداء، ولا شيء إيجابياً يُذكر في مُجمل القطاعات التي تتوقف عندها رؤية الجماعة، سواء تعلق الأمر بالحقل السياسي أو الديني أو الاقتصادي أو الاجتماعي أو غيره". ويركز رئيس مركز "المغرب الأقصى للدراسات والأبحاث"، في تصريح لهسبريس، على بعض العناوين الفرعية للتقرير، من قبيل: الحديث عن احتكار تدبير الحقل الديني أو الكلفة الغالية لتدبير ملف الصحراء أو ما وصفه التقرير ب"التنامي المفضوح لظاهرة التطبيع مع الكيان الصهيوني" أو اختزال الجماعة لواقع المرأة المغربية في عنوان: "حكرة بصيغة المؤنث"، مضيفا أنه "كان أولى بالجماعة أن تذكر المتتبعين بواقع تعاملها مع كريمة مؤسس الجماعة، ندية ياسين، التي تعرضت للقتل الرمزي، مباشرة بعد رحيل الشيخ المؤسس، عبد السلام ياسين". ويلاحظ المتحدث ذاته كيف أن العديد من قياديي الجماعة "يشتغلون في مؤسسات الدولة، الدينية والتعليمية وغيرها، وبالرغم من ذلك، تمرر هذا الخطاب، الذي تغلب عليه القراءة السوداوية"، مشيرا إلى أن مضامين التقرير "لا تخرج عن مضامين أي خطاب فكراني/ إيديولوجي، وبالتالي تبقى مضامين متوقعة ومنسجمة مع طبيعة مشروع الجماعة، التي لم تنخرط بعد في مراجعات تجعلها تأخذ مسافة من خطب "الخلافة على منهاج النبوة" و"التوبة والعمرة" و"القومة"". ويخلص حمادة إلى أن خطاب الدائرة السياسية لم ينتبه إلى "أنه على فرض أن الخلاصات التي توصل إليها منسجمة مع الواقع المادي وليس متحققة فقط في مخيال الجماعة، فإن الرأي العام، بله النخبة، يروم صيانة الدولة الوطنية، والانخراط في تفعيل الإصلاح السياسي والديني والمجتمعي بشكل عام"، مضيفا أن "هذا الرأي العام لا يبحث عن تفعيل مقتضى الأدبيات التي تروج لها الجماعة، من قبيل: "الخلافة" و"القومة"".