إلى وزير التعليم وبعد، سيادةُ الوزير على رأسِ قطاعٍ حيويّ أفْسَدهُ سابقُوك.. ومن الأساسياتِ المطلوبة: مَجّانيةُ التّعليم.. وهذه غيرُ قابلةٍ للتّراجُع.. وتطهيرُ الوزارة ومُؤسّساتِها وبعضِ الجامعات، هذا أيضًا غيرُ قابلٍ لأيّ تراجُع.. وحقوقُ وواجباتُ أُسرةِ التعليم، كذلك.. وكذلك مُكافحةُ العُنف المدرسي.. ثم نَدخُلُ برُفقةِ سيادتكَ إلى صُلبِ الموضوع: التّنشئة التّعليمية على المواطَنة.. المواطنةُ هي الأساس، لبناء مُواطنٍ مُتوازِن، من أجل وطنٍ سليم.. فكّرْ في هذا جيّدا.. الوطنيةُ عندنا بحاجةٍ إلى ترميمٍ دراسي.. فمِنْ تعليمِنا، خرجَت أدمغةُ التطرّف والإرهاب، وحكومةُ تُجّار الدين، وشبكاتٌ مُتعلّمةٌ فيها من يمارسون التهريب.. وبأبوابِ كثيرٍ من المدارس تُباعُ الممنُوعات.. وكفَى من الْتِفافاتِ وزارةِ التعليم، ومِن خلفِها الحكومةُ والبرلمان! الحاجةُ إلى تعليمٍ عصري مُؤهلٍ لبناءِ إنسانٍ جديد في مستوى طمُوحاتِ المغرب الجديد.. ضرورةُ التفكير في إعادة ترميمِ الدّروسِ التّقليدية في المواطَنة.. المواطَنةُ ليست فقط مَضامينَ الدستور.. لا بُدَّ من دروسٍ تكميليةٍ قادرةٍ على جعلِ العقلِ المغربي الناشئ يَرْقَى إلى ما عليه المواطَنةُ في أقطارٍ ديمقراطيةٍ مُتطوّرة.. وأولُ الدروس: إعادةُ النظر في مادّةِ التاريخ.. نُريد تاريخَنا بكُلّ زواياه، لا فقط من زاويةٍ واحدة هي: تاريخُنا الرسمي.. وثاني الدروس: إعادةُ النظر في التأويلاتِ الدينية.. إنها مشحونةٌ بما يُعارِضُ العقل.. أفلا تَعقِلون؟ - قرآن. المادةُ الدينية، والمادةُ التاريخية، لا تَسمحان للمدرسة بالالتحاقِ بالعصر، والقانون الدولي، وحوارِ الحضارات، والتكنولوجيا، والديمقراطية المتطوّرة... ولنا في العالم نماذجُ لدُروس تكميليةٍ قادرة على جعل تعليمِنا في مصافِّ الدول الكبرى.. وعلينا نحنُ أيضا واجبُ إعدادِ استراتيجيةٍ تعليمية، لتكُونَ هي الأساس لبناء الوطَنيةِ المغربيةِ المتجدّدة.. المفهومُ التقليدي للوطَنية مؤهَّلٌ لأن يتغذّى بإضافات، لكي تكُون الوطَنيةُ عندنا هدفًا رئيسيًّا لمنظومتنا التعليمية.. ولا يكفي أن تكون عندنا استثماراتٌ وعماراتٌ وحتى عُلوم..الدولُ لا تُبنَى بهذه فقط، لا بد من عُمقٍ وطَني.. وعلى المدرسة، وعمودِها الفقري الذي هو المعلّم، يقعُ الرهانُ الأكبر، لتشكيل شخصيةِ المواطن.. وهذا يستوجبُ شُروطا وعزيمةً استراتيجية، لأننا إذا لم نُنشئ مواطنًا صالحا، فسيتولّدُ تلقائيا مواطنٌ مُنحرِف.. والمنحرفُ سيأتي على الأخضر واليابس، ويَسحقُ الكبيرَ والصغير.. ويجبُ أن نتدارك الموقف.. وليست المواطَنةُ فقط تعني قِيَمَ الولاء الوطني، يجبُ على النظام التعليمي أن يُعاضِده بالإنسان، أي تقدير قيمةِ الإنسان، وجعلِ هذا الإنسان، ومن خلاله الإنسانية، هدفًا على أساسه تكونُ الوطنيةُ السليمة، ويكونُ الوطنُ المتعافَى الأسْلَم.. على المواطن يرتكزُ الوطن، وتَكُونُ الوطنية.. وعلى المدرسة أن تُعلّم الناشئة أن أيَّ فردٍ هو مُهمّ، وضروري، وله حقوق، وعليه واجبات.. وأن تُعلّمه المدرسةُ معنَى الحقوقِ والواجبات، وتُقدّم له، وبالملمُوس، نماذجَ لكيفية احترام الذات، واحترامِ الغير، واحترام القانون، وقَبُولِ رأيِ الأغلبية... هذا مسلكٌ إلى الخروج من التجربة الديمقراطية، والدخول في الفعلِ الديمقراطي، أي من الهواية إلى الاحتراف.. وتكونُ الديمقراطيةُ سلوكًا، وليس بيعًا وشراءًا للصّناديق.. ويتعلمُ التلاميذُ من تعليمِنا الأوّلي إلى الثانوي أبجدياتِ الديمقراطيةِ الحقّة، ومعنَى الرأي، والرأيِ الآخر.. ويَفهمُ تلاميذُنا معنَى الأغلبيةِ الحكومية.. ويُدركون بالملموس أن أغلبيةَ الأصوات لا تَمنحُ الحكومةَ بطاقةً بيضاء للاستعلاءِ على الأقليات.. وأن هذه الأقليات نفسَها إذا جمعناها، وَجدنا أنها هي في مجموعِها تُشكلُ الأغلبيةَ الحقيقية.. ويتعلمُ أطفالُنا أن من يصلُ إلى كراسي الحكومة هو مسؤولٌ أمام القانون، وأن الشططَ في استعمال السلطة سيَقوده إلى السجن.. التجاوُز يعني الوقوف في قفص الاتهام.. وأنَّ السجنَ مسألةُ حكم قضائي.. هذه الصور وغيرُها تُعلم أطفالنا منَي الانضباط.. وكيف يكُونون وطنيين، متشبّثين بالوطن، وحقوقِ وواجباتِ المواطن.. وهنا تكُون لتاريخنا مكانةٌ أكبر.. فالسابقون قد كافحوا من أجل الاستقلالِ الترابي للبلد، واللاحقون يبنُون المؤسسات، ويُشاركون في التنمية، ويُعلّمون غيرَهم ضرورية الالتزام بحقوقِ الإنسان... هذه وغيرُها من الدروس الوطنية التي يتمُّ تدريسُها في دول ديمقراطية كبيرة مثل اليابان والولايات المتحدةالأمريكية والدنمارك وماليزيا وغيرِها... الديمقراطيةُ ليست تراميًّا على الصناديق.. إنها سلوكُ احترام، وتعاون، وبناءٍ مشترك.. وفي مدارسنا، تكونُ أيضا لغاتُنا الوطنية، ولغاتٌ أخرى.. وثقافاتٌ أخرى معها نتفاعل، ومنها نتعلم، وبها نستفيد... ونتواصلُ مع العالم.. ونتعمقُ في فهمِ هذا العالم.. وفهمِ المشاكلِ المطروحة، لكي نُساهم في ابتكارِ حلولٍ جديدة، ونكونَ بالفعل شريكا فاعلا في قضايا العالم.. هذه دروسٌ من المفروض أن يتعلَّمها أطفالُنا لكي ينشأوا على الوعي بالواقع العالمي، وبواقعِنا، بما فيه الصعوباتُ والإكراهات.. ويتدربُ أطفالُنا على لُعبة الحلول..ويتعلمُون معنى السلطة.. وأنواعَ السُّلَط.. والدبلوماسيةَ الرسمية.. والموازية.. والسياسة، والتعايُش، والسلام، والأمن، والأمان... وكيف يُحافظون على كوكب الأرض.. وكيف تكونُ الحمايةُ للطبيعة.. وكلُّ هذه وغيرُها في منهجيةٍ دراسيةٍ متواصلةٍ من الابتدائي إلى الثانوي.. وعندما تأتي الانتخابات، يَعرفُون وهُم شباب، كيف يتتبّعون الحملاتِ الانتخابية، وعلى أيِّ أساسٍ يمكنُ التصويتُ لهذا المرشحِ أو ذاك.. وبهذا تكونُ المدرسةُ لا تقتصرُ على تعليم القراءة والكتابة، بل هي تَصنعُ الأساس الضروري لرجالاتِ الدولة، وللأطُر العُليا، وللبرلمان، والجماعات، والحكومة... وستكونُ هذه نظرةً متطورةً للوطنية.. وترتبطُ الوطنية بسلوكٍ واضح، بعيدًا عن شُحنةِ مشاعر.. العقلُ سوف يكونُ محورَ الوطنية.. وبتعبيرٍ آخر: وطنيةً غيرَ صمّاء.. وغيرَ بكماء.. وغيرَ عمياء.. الوطنيةُ الجديدة ستكونُ عاقلة.. فاهمة.. مُبصرة.. مُتفاعلة مع الداخلِ والخارج.. وسيَبتكرُ النُّبغاءُ من شبابِنا لُعبًا إلكترونيةً على مَقاسنا، لكي يتدرّبَ أطفالُنا أكثر على أن الوطنَ ليس خيالا، بل هو واقع، وأن هذا الوطنَ هو نفسُه المواطن.. وينصهرُ الوطنُ في المواطن، والمواطنُ في الوطن، وتنتهي الشعارات، وتعودُ إلينا الوطنيةُ من ماضٍ قد انتهى، لتكُونَ وطنيتُنا الحديثة ضياءًا في طريق بلدنا.. وهذه هي الوطنيةُ التي نريد إنقاذَها من تُجّار الوطنية.. الوطنيةُ ليست بقرةً حَلُوبًا.. ولا ريعًا.. إننا نحنُ الوطن.. والمواطن.. والوطنية.. [email protected]