يشهد ملف الصحراء المغربية تصعيدا خطيرا في الآونة الأخيرة، بعد تهديد جبهة البوليساريو بالعودة إلى السلاح وبنقل بنياتها العسكرية والإدارية من تندوف بالجزائر إلى المنطقة العازلة شرق الحزام الأمني؛ وهو أمر رفضته الرباط ودعت الأممالمتحدة والمجتمع الدولي إلى اتخاذ موقف حازم تجاه الجبهة الانفصالية، وإلا ستتحمل المملكة المغربية مسؤوليتها. المتتبع للنزاع حول الصحراء المغربية لديه انطباع بأن الاستفزازات الأخيرة للبوليساريو ليست مجرد محاولة للضغط على المنتظم الدولي لتبني تقرير يخدم أطروحتها الانفصالية، بل نوايا وخلفيات الجزائر الأساسية أكبر من أن تكون مجرد استفزازات؛ فهي محاولة منها لتغيير قواعد اللعبة بالمنطقة. ليس هذا أول استفزاز أو تهديد بالعودة إلى السلاح تعلنه جبهة البوليساريو ضد المغرب، فقد سبق لها أن أعلنته كذلك في السنوات الماضية دون أن تجد أطروحتها الانفصالية صدى لدى المنتظم الدولي، ما يؤكد مرة أخرى أن حل المشكل المفتعل حول الصحراء المغربية يتأرجح بين تسوية سياسية ترضي جميع الأطراف، وعودة مستحيلة إلى حرب لم يعد أحد يرغب فيها أو قادرا على تحمل نتائجها. يبدو من خلال تصلب المواقف المعلنة أن التوصل إلى حل عن طريق المفاوضات أصبح أمرا معقدا، طالما أن جبهة البوليساريو وحليفتها الجزائر غير مستعدتين لتقبل المقترح المغربي المتمثل في الحكم الذاتي الموسع كمخرج معقول وحل وسط ممكن بين وضع قائم على الأرض من قبل المغرب وحلم استقلال لم يعد أحد، عدا الجزائر، متحمسا له؛ لأن قبول المقترح المغربي يعني تخلي البوليساريو عن مطلبها الأساسي التي بنت أطروحتها عليه. قضية الصحراء المغربية أصابها الإهمال والجمود ولم يعد أحد تقريبا يكترث لها؛ حتى الأممالمتحدة قد سئمت منها، إذ اقتصر دورها على التمديد الدائم لعمل القوات الدولية العاملة هناك. من الواضح ألا أحد أصبح مستفيدا من هذا الوضع سوى المغرب الذي يعزز تواجده بالمنطقة مع مرور الوقت؛ وهذا ما يثير حفيظة الجزائر ويدفعها إلى تبني مواقف عدائية ضد المملكة، بالإضافة إلى سعيها إلى إجهاض خطتها الجديدة القائمة على الانفتاح على مختلف الدول ومحاصرة البوليساريو قاريا وجهويا ودوليا. فمند تأسيسها بتاريخ 10 مايو1973، لم تشهد جبهة البوليساريو الانفصالية عزلة تهدد وجودها أسوأ مما تعرفه في الفترة الحالية. الأزمة الحالية أكثر عمقا ويمكن أن تكون لها عواقب بإمكانها أن تقوض بشكل خطير جبهة البوليساريو، الأمر الذي ستكون له تداعيات حقيقية على قضية الصحراء برمتها. جبهة البوليساريو أصابها التصدع إلى حد تنامي الشكوك في مستقبلها؛ فالمحتجزون بمخيمات تندوف ينتظرون الفرصة المناسبة للفرار بسبب القمع الممارس عليهم بشكل مستمر وتدهور ظروفهم المعيشية وإحساسهم بالإحباط لغياب آفاق أمامهم، والمسلحون أنفسهم لم يعودوا يؤمنون بالأطروحة الانفصالية، وأصبحوا ينشطون في مجال التهريب عبر الساحل وجنوب الصحراء. وأمام هذه الوضعية المتأزمة يسعى النظام الجزائري، الذي هو على حافة الإفلاس بسبب الأزمة الاقتصادية واستنزاف كل عائداته النفطية لدعم جبهة البوليساريو على حساب الشعب الجزائري، إلى إثارة المشاكل والقلاقل مع المغرب، وبالتالي زعزعة استقراره. الاستفزازات المتكررة للبوليساريو، رغم تأكدها من عدم جدواها، قد تخفف الضغط الداخلي الذي يمارس عليها من داخل تندوف، خصوصا الضغط الممارس عليها من رواد حركة "المبادرة الصحراوية من أجل التغيير"، ونجاحها في تحويل تركيز وانتباه سكان المخيمات، ونقل شدة الضغط إلى الجانب المغربي، لن ينفع في النيل من المغرب. المملكة المغربية دولة قائمة الذات، وقادرة على التحمل والاستمرار، بينما قد تتلاشى البوليساريو وتندثر إن لم يكن ذلك ما أصابها فعلا. من جهتها تحاول الجزائر، التي تأخذ بيد من حديد مقاليد الأمور، تصدير مشاكلها الداخلية بهدف اختلاق توتر خارجي يغطي على ما يجري داخل التراب الجزائري. فظروف الجزائر سيئة وأي تصعيد في الصحراء المغربية سيزيد من حجم الخسائر الجزائرية أكثر. كل هذه العوامل تُنبئ بتطورات خطيرة تتجاوز سقوط العملية السياسية، والعودة إلى ما قبل 1991، وهذا ما يحدق بأمن واستقرار المنطقة كاملة. فاجعة تحطم الطائرة العسكرية الجزائرية قرب مطار بوفاريك العسكري، والتي كانت متوجهة إلى مخيمات تندوف وعلى متنها عدد كبير من أفراد الجيش الجزائري وقوات من ميليشيات البوليساريو تطرح أكثر من علامة استفهام حول النوايا الحقيقية للبوليساريو وحليفتها الجزائر. ماذا تخفيه إذن جبهة البوليساريو من وراء الاستفزازات المتكررة وإصرارها على التواجد بالمنطقة منزوعة السلاح؟.. حادث تحطم الطائرة العسكرية الجزائرية يؤكد بالملموس تورط الجزائر في التنسيق مع ميلشيات البوليساريو، ويطرح تساؤلات حول المشروع الجزائري الخطير الذي تدبره مخابراتها ضد المغرب. الجزائر تحاول جاهدة تثبيت تواجد الجمهورية الوهمية في المنطقة العازلة التي تعتبرها "أرضا محررة"، بإقامة مخيمات جديدة في تفاريتي وبير لحلو. والبوليساريو مدعومة بحليفتها الجزائر تتجه بالأساس إلى إيجاد الإقليم كركن أساسي، لابد منه، لتجاوز عدم استجماعها لأركان الدولة كشرط لادعاء قيام الجمهورية الوهمية؛ في اتجاه ممارسة السيادة على المناطق العازلة التي تشكل بعدا إداريا وسياسيا بالغ الأهمية. يحاول النظام الجزائري، الذي يستعمل عائدات النفط لإرشاء بعض أعضاء المينورسو للتغاضي على تحركات ميلشيات البوليساريو بالحدود المغربية، التأسيس لمخططه الجهنمي بدفع البوليساريو إلى إعمار المنطقة منزوعة السلاح، وسعيه وراء تغيير الوضع القائم في المنطقة العازلة وخلق وضع جديد الهدف منه هو انتزاع اعتراف وإقرار أممي صريح أو على الأقل ضمني يشرعن تواجدها في المنطقة. وإن تحقق هذا سيكون كارثة بكل المقاييس. وتبقى التساؤلات مستمرة ومتناسلة حتى الكشف عن النوايا الحقيقية لجبهة البوليساريو من وراء التصعيد الخطير على الحدود المغربية، وتلكؤ الأممالمتحدة في تحمل مسؤولياتها بالمنطقة وتساهلها معها، وعدم توجيه إدانة صريحة لها وأمرها بالانسحاب الفوري من المنطقة. السلطات المغربية مطالبة بإصدار موقف حازم للرد على استفزازات الجبهة، ومراقبة تنقل ميلشيات البوليساريو وتحركاتها في المنطقة العازلة. وعلى المغرب مطالبة هيئة الأممالمتحدة بالتدخل العاجل واتخاذ التدابير الضرورية لمنع أي محاولة لتغيير الوضع القائم وعدم السماح للجبهة الانفصالية بخلق وضع شاذ قد يفتح الباب أمام عواقب خطيرة. * باحث في العلوم السياسية (كلية العلوم القانونية، الاقتصاية و الاجتماعية – اكدال/الرباط – )