المتصرفون بجهة فاس مكناس يطالبون بإنصافهم الإداري ورد الاعتبار لمهامهم داخل قطاع التعليم    حقوقيون يدينون "الملاحقات الكيدية" ضد الناشط إبراهيم ڭيني ويطالبون بحمايته    النفط ينخفض وسط مخاوف من تصاعد التوترات التجارية    الخطوط الملكية المغربية تجري محادثات لشراء طائرات من "إمبراير"    "أوكسفام": أربعة أثرياء في إفريقيا أغنى من نصف سكان القارة    معظمهم أطفال ونساء.. مقتل 36 فلسطينيا بهجمات إسرائيلية على قطاع غزة    المنتخب المغربي يحافظ على موقعه في الترتيب العالمي وعلى صدارته قاريا وعربيا    بعد ليلة في العراء.. ساكنة آيت بوكماز تواصل مسيرتها الاحتجاجية ضد التهميش وسط تضامن واسع    بعد ‬الإعلان ‬عن ‬نمو ‬اقتصادي ‬بنسبة ‬4.‬8 % ‬وتراجع ‬التضخم ‬    الفاسي الفهري: المغرب يراهن على الفرصة الديمغرافية لتحقيق مكاسب تنموية    تحسيس بمخاطر السباحة في السدود والوديان من طرف وكالة الحوض المائي لكير-زيز-غريس    الصينيون يكتشفون الجنوب المغربي: آيت بن حدو وجهة ثقافية عالمية    جدل واسع في طنجة بعد رفع تسعيرة الطاكسيات الصغيرة إلى 7 دراهم    مجلس ‬المستشارين ‬يصادق ‬على ‬قوانين ‬مهمة    هل ‬هو ‬الظلام ‬الذي ‬ينبثق ‬عنه ‬الفجر ‬الصادق ‬؟    متقاعدو ‬المغرب ‬يخرجون ‬اليوم ‬من ‬جديد ‬إلى ‬الشارع    خورخي فيلدا: الانتصار على الكونغو أعاد الثقة ل"لبؤات الأطلس" قبل مواجهة السنغال    لويس إنريكي: الظفر بلقب الموندياليتو هدف سطرناه منذ بداية الموسم    أشرف حكيمي: الرحيل عن ريال مدريد لم يكن قراري    مشروع قانون إعادة تنظيم المجلس الوطني للصحافة بين التأهيل أم التقييد.    توقعات أحوال الطقس اليوم الخميس    سقوط سيارة في وادٍ قرب مدرسة أجدير بسبب السرعة المفرطة    استفحال ظاهرة الاعتداء على أعوان السلطة ببرشيد وسلطات الأمن تتحرك بحزم    حسن الزيتوني.. عامل الحسيمة الذي بصم المرحلة بأداء ميداني وتنموي متميز    الإيطالي سينر والصربي ديوكوفيتش يتأهلان لنصف نهائي بطولة ويمبلدون لكرة المضرب    محكمة كورية جنوبية تصدر مذكرة توقيف جديدة في حق الرئيس السابق    تحطم مقاتلة تابعة لسلاح الجو الهندي ومصرع طياريها    دراسة كندية: التمارين المائية تخفف آلام الظهر المزمنة    المغرب يعلن رسميا افتتاح سفارته في دمشق واستئناف العمل بمختلف مصالحها    المدرسة الدولية بالجديدة تميز وتألق مستمر في الباكالوريا المغربية وباكالوريا البعثة الفرنسية    لبؤات الأطلس يلدغن الكونغو في مباراة لا تُنسى    مجزرة كروية في أمريكا .. الملكي يتهاوى أمام إعصار باريس    "غي -تا" تكشف عن ملامح عملها الفني الجديد "كروا غوج"    باريس سان جيرمان يكتسح ريال مدريد برباعية ويتأهل لنهائي مونديال الأندية    مراكش.. توقيف فرنسي من أصل جزائري مطلوب دوليًا في قضايا تهريب مخدرات    حموشي يؤشر على تعيينات أمنية    في سابقة طبية إفريقية.. المغرب يشهد أول عملية جراحية بتقنية "v-NOTES" لاستئصال الرحم    مازغان يطلق المطعم الموسمي الجديد    مجلس المستشارين يصادق على مشروع قانون التأمين الإجباري الأساسي عن المرض رقم 54.23    بنسعيد: التحولات التي يشهدها قطاع الصحافة أفرزت الحاجة إلى تحيين الإطار التشريعي المنظم لمهنة الصحافة    أزيد من 160 مفقودا بفيضانات تكساس    الوكيل العام بالرشيدية ينفي تعرض طفل بومية لاعتداء جنسي ويكشف نتائج تشريح الجثة    المغرب يفتح باب المشاركة بالأوسكار    إسرائيل تنفذ عملية برية بجنوب لبنان    "مجرم حرب يدعم تاجر سلاح".. بوريل ينتقد ترشيح نتنياهو لترامب لجائزة نوبل    أكثر من مليون متابع لفرقة تولّد موسيقاها بالذكاء الاصطناعي    عندما ينقلب "الحياد الأكسيولوجي" إلى سلسلة ثنائيات شاردة!    كاظم جهاد: جاك ديريدا والمسألة الفلسطينية    ظاهرة "طوطو" هل نُربي جيلاً لتمجيد الصعلكة!؟    الشاعر حسن نجمي يفوز بجائزة ابن عربي الدولية للأدب العربي    تورونتو تحتفي بعبق السوق المغربي    الطالبة ماجدة بن علي تنال شهادة الدكتوراه في الكيمياء بميزة مشرف جدا    ممارسة الرياضة بانتظام تقلل الشعور بالاكتئاب والتوتر لدى الأطفال    "مدارات" يسلّط الضوء على سيرة المؤرخ أبو القاسم الزياني هذا المساء على الإذاعة الوطنية    التوفيق: معاملاتنا المالية مقبولة شرعا.. والتمويل التشاركي إضافة نوعية للنظام المصرفي    التوفيق: المغرب انضم إلى "المالية الأساسية" على أساس أن المعاملات البنكية الأخرى مقبولة شرعاً    التوفيق: الظروف التي مر فيها موسم حج 1446ه كانت جيدة بكل المقاييس    طريقة صوفية تستنكر التهجم على "دلائل الخيرات" وتحذّر من "الإفتاء الرقمي"    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



الأسباب التي تتيسر بها ليلة القدر
نشر في هسبريس يوم 05 - 06 - 2018

يترقب المغاربة بأقصى شغف وشوق إحياء ليلة القدر بعد صلاة العشاء ليوم الإثنين المقبل 26 رمضان الموافق ل 11 يونيو فِي كل مساجد المملكة البالغة أكثر من 50 ألف مسجد، غير أن درجة إقبال الناس على إحيائها يعرف مداً وزجراً حسب الوازع الديني لكل واحد، فمنهم ظالم لنفسه، ومنهم مقتصد، ومنهم سابق بالخيرات .
فضل ليلة القدر:
إنها الليلة التي أنزل فيها القرآن، وإنها خير من ألف شهر، أي: ما يعادل عبادةَ 83 سنة و 4 أشهر، وفيها ينزل جبريل، وتنزل معه الملائكة إلى الأرض حتى يضيق بهم الأرض كما رُوي عن أبِي هريرة أن الملائكة تكون فِي الأرض في تلك الليلة أكثر من عدد الحصى، ويستحب أن يحضرها الصبيان لأن في ذلك تمريناً لهم على فعل الخير ورجاء نزول الرحمة بسببهم، وفيها يُقَدِّر الله جميع ما يقع فِي السنة من أحداث ووقائع، ولذا سُميت ليلة القدر، بل يُقَدِّر الله فيها مقدار الأرزاق، والمطر، والموتى الذين سيموتون فِي تلك السنة، ولذا قال تعالَى: *فيها بإذن ربهم من كل أمر* فاحرص -رعاك الله- أن يلقاك القدر فِي أبهى صورة، وأحسن شارة ليسجل لك أجمل ما تتمناه، وأفضل ما ترجوه، فإذا فاتتك هذه الليلة فلا تجد ذلك الأجر الكبير، والفضل العظيم فِي جميع أيام السنة إلَى حين وصول تلك الليلة المباركة مرة أخرى فِي السنة المقبلة فتأمل وتنبه، ولا تكن من الغافلين.
طرق إحياء ليلة القدر بين الأعراف المرعية والتعاليم الشرعية:
اعتاد السواد الأعظم من الناس إحياء ليلة القدر إلَى وسط الليل غالباً، أو وَقْتٍ متأخر من الليل نادراً،أو ثُلُثِهِ الأول أحياناً، والثلث كثير، وقليل منهم من يستمر فِي إحيائها حتى مطلع الفجر كما جاء فِي آخر سورة القدر.
بل هناك من يعتبرها عادة اجتماعية، أو موسماً سنوياً، حين يعمد إلَى ذبح الذبائح، والانشغال بترتيبات الأكل، وشرب الأتاي والمكسرات، وراء كل عشر ركعات، وبعده الكسكس بنوعيه، وأنواع الفواكه، وأصبح كل هذا مقحماً فِي برنامج الليلة عند كثير من القبائل، حتى سماها البعض استرواحا بليلة القِدر بكسر القاف. يضاف إلى كل ما ذُكر ما يُسمع فِي مقصورة النساء من التسابق إلَى القرب من المكيفات فِي الحواضر، أو أمام النوافذ فِي البوادي -إن وجدت- مع ما يرافق ذلك من أصوات متصلة تتناغم مع ضوضاء الصبيان وصراخهم حتى غدا ذلك أشبه ما يكون بعادات مُحَكَّمة، وتقاليد منغرسة فِي تقاليدنا نكاد لا نخرج عنها إلا بمقدار.
أما الرجال فزادوا على عوائد النساء ضغثاً على إبالة كما يقال، فترى بعضهم ينصرف مباشرة بعد تناول العشاء بالمسجد، أو ينشغل بالتردد على كل مساجد المدينة حتى يأتيه الملل والسآمة من كثرة التجوال، وآخرون يأتيهم العياء والتعب من كثرة العمل اليومي، أما البعض الآخر فيغلب عليهم النوم لعدم اعتيادهم له، وصعوبة تحملهم مشقة السهر، وهناك فئة أخرى يعللون تخلفهم بضعف ترتيل الإمام وعدم حصول الخشوع، وآخرون لا تتحمل أجسامهم القيام طوال الليل بسبب الداء السكري أو الشيخوخة والكبر، هذا فِي وقت تكتظ فيه المقاهي بالناس فِي تلك الليلة إلى مطلع الفجر، ومن السابق لأوانه الآن الحديث عن التخلص من هذه العوائد السيئة على المديين القريب والمتوسط، ناهيك عن الكلام على القطيعة النهائية عنها، لأن ترك المألوفات يصعب على النفوس تركها، والانفكاك منها، ومحال أن يكون ما ترسخت عليه الطبائع منذ مديد الأزمان يُتجنب في الحين، ويترك على التَّوِّ، لِعُسْر تجنبه، وصعوبة الانفصال عنه، وبالجملة فقد تعددت الأسباب وعدم قيام الليلة حتى مطلع الفجر واحد .
يا حسرة على العباد:
لِماذا نغفل عن كل هذه الخيرات الكثيرة، ونترك هذه الفضائل الحميدة، ولا نحيي ليلة القدر كما أحياها المصطفى وأسلافه من بعده، فيفوتنا بذلك أجر كبير، وخير كثير، وما أحوجنا إلَى من ينير لنا الطريق لتسهيل إحيائها، وتبسيط طرق قيامها، لأن عوائد الناس وطرق احتفالهم بها مخالِفة في الشكل والجوهر لإحياء السلف لها، مع أخطاء فادحة ومخالفات شنيعة، ومن ثَم وجب أن نُعَلَّمَ الجاهل، ونُنَبِّه الغافل، وننصح الْمُقَصِّر، وبناء عليه ارتأيت أن أُذَكِّر السادة القراء الأفاضل ببعض الميسرات التِي تتيسر بها ليلة القدر لا شك إن فعلها الإنسان سيفوز -إن شاء الله-بأجرها دون تعب ولا ملل، وهذه أهمها:
أنواع الميسرات :
هذه الميسرات لا تعدو أن تنقسم بالجملة إلَى قسمين: ميسرات باطنية تؤول بمجموعها إلَى ترسيخ حب العبادة فِي القلب وتُّقوي الروح، وتذكي المشاعر، وتُوقد الضمير حتى تتكون عندك أيها الصائم الكريم ملكة روحية قوية، ستعينك -إن شاء الله- على إحياء الليلة دون تعب، بل تحييها بذوق رفيع، وحلاوة ممتعة.
وميسرات ظاهرية: مدارها بعض الأعمال اليدوية، والأشغال المعتادة التِي يفعلها الإنسان فِي يومه، لكنْ لو عمل ببعض هذه النصائح والإرشادات لوجَّه تلك الأعمال أحسن توجيه بما يتناسب مع حصوله على فضل الليلة، ولا يتعارض من جهة مع مصالحه الخاصة والمهنية، جامعاً بذلك بين العمل الدنيوي، والأجر الأخروي.
الميسرات الظاهرة:
1- عدم الإكثار من الأكل:
من أهم الأمور الظاهرة التي يستعين بها العلماء على إحياء الليل التقليل من الأكل، وقد نقل الإمام الغزالِي في الإحياء عن بعض الشيوخ أنه يقف على المائدة كل ليلة من رمضان ويقول: معاشر المريدين لا تأكلوا كثيراً فتشربوا كثيراً، فترقدوا كثيراً، فتتحسروا عند الموت كثيراً، وغرضه من ذلك ألاَّ تثقل أجسامهم فيعجزون عن القيام، ويؤيد هذا ما رواه ابن أبِي شيبة عن أنس بن مالك، وزر بن حُبيش أنهما كانا يقولان فِي ليلة القدر: فإذا كانت تلك الليلة فليفطر أحدكم على لبن وليُؤَخِّر فطره إلَى السحر.
أما فِي واقعنا المعاصر فعكسوا المقصود، ونقضوا المراد فأصبح الدواء داء، أعنِي أن الإنسان إذا كانت عادته أن يشرب 2 زلفات من الحرير فإنه فِي ليلة القدر يضاعفها إلَى أربع بدعوى القيام، أو يكثر من المشروبات مقارنة مع جميع الليالِي، لأن داره ستكون تلك الليلة خاوية على عروشها فاحتاط وتَزَوَّد لِبعد وقت السحور، فهذا يكون مآله الإصابة بالخمول والتعب، وملء المعدة، وحصول التخمة، فيحس بجسمه أنه يحتاج إلَى راحة مطلقة، ومن ثَم إلَى نوم عميق، فلا يستطيع -لو أراد- حتى الجلوس إلَى ثلث الليل، فضلاً عن الركوع فيه، فكيف أن يحيي الليلة كلها.
2- ألايكثر الصائم من الأعمال نهار ليلة القدر:
كثير من الناس لا يفكر كيف سيحيي ليلة القدر حتى قُرب صلاة المغرب أو بعدها لنفس اليوم، هذا بعد أن أنهكته كثرة الأعمال طيلة النهار، وأجندته مثقلة فِي ذلك اليوم بمختلف الالتزامات والعلاقات الاجتماعية التي تُضعف قوة الإنسان وتركيزه، ومُحَال أن يُحيي الصائم المنهك تلك الليلة، سيما وأن إحياء الليل كله يتعذر على كثير من الخلق، فلا يتصور أن يتعب الصائم نفسه بالنهار وفِي حرارة مرتفعة ثُم يأتِي لإحياء الليلة وجوارحه وقتها أَعْيَتْها الأشغال، وطاقتُه أضعفتها الأعمال، فيفقد الإنسان الخشوع، فيضعف ذلك إيمانه الروحي، ويخف نشاطه الجسمي، وتنكسر غرائزه الروحية، فتنجذب نفسه إلَى الركون والراحة والنوم.
ونحن والحمد لله مقبلون على إحياء ليلة القدر السبت المقبل فهلموا جميعاً إلَى الاستفادة من هذه الأسباب فنُعجِّل برمجة جميع أشغالنا اليومية ليوم السبت إلَى يوم الجمعة، وإذا تعذر ذلك يتم استئنافها إلَى يوم الأحد، ليبقى يوم السبت يوم راحة، ومتنفس للطاعة، وفسحة للعبادة، وإذا تعذر ذلك فإن الله سبحانه وتعالَى لا يكلف نفساً إلا وسعها : *وما جعل علينا في الدين من حرج* وفوق طاقتنا لا نلام.
3- أن ينام الصائم قسطاً من النهار:
اعلم أرشدنا الله وإياك إلى الصواب أنه يجب أن ينام الصائم فترة يستريح بها في نهار ليلة القدر، وقد كان السلف الصالح ومن تبعهم بإحسان ينامون فِي الظهيرة ويستعيدون نشاطهم ليتقوّوْا به على العبادة، كما كان الرسول يقيل فِي الزوال ويستريح فيه، والأحاديث فِي ذلك مشهورة وفِي دواوين السنة بالتفصيل مذكورة. والقصد من تلك القيلولة أنها تأتي فِي وسط الأعمال التي يفعلها الإنسان فِي يومه، فإذا كسرها بساعتين أو ثلاث يتجدد نشاطه، وتتقوى عزيمته على مزيد من الأعمال، فيزول الإرهاق، ويسترجع قوته، أما إذا استمر طيلة اليوم فلا شك أنه سيتعب، ويزداد ذلك التعب أكثر إن أحيى ليلة القدر، لذا فإن التبصر والحكمة توجبان أن يستعين الإنسان بقيلولة النهار لأن فوائدها الصحية والجسدية لا تخفى.
4-الاغتسال والتطيب :
كان النبِي يغتسل بين المغرب والعشاء ليلة القدر، وروي كذلك عن علي بن أبِي طالب، أما إبراهيم النخعي فيغتسل كل ليلة فِي العشر الأواخر، وكان السلف يستحبون ذلك، وكذا التطيب بأجود أنواع العطور، ويستجمرون بأفضل أنواع البخور، ويختارون أجود ثيابهم الفاخرة ليلبسوها فِي ذلك اليوم، وقد كان لتميم الداري حلة اشتراها بألف درهم، ويلبسها فِي ليلة القدر فإذا انقضت الليلة طواها حتى الليلة المقبلة. فيجيب علينا أن نقلد أجدادنا قولاً وفعلاً، سراً وجهراً بما يتوافق مع عموم قوليْه تعالَى: *وإنا على آثارهم مقتدون* وقوله تعالى: *خذوا زينتكم عند كل مسجد* فنبالغ فِي التنظف والتزين بأجمل الألبسة، والتطيب بالعود، ومختلف الروائح الطبية، وحلق العانة، والاهتمام بكل خصال الفطرة من تقليم الأظفار، وقص الشارب، وليُقَس ما لَم يُقل، وكل ذلك يهيئ النفس للإقبال على القيام، ويستفرغ الإنسان الجهد، ويستجمع الفكر ليتجه رأساً لرأس نحو المبالغة في الاجتهاد في العشر الأواخر، وأن يفعل فيها ما لَم يفعله فِي العشرين الأولَى، وللآخرة خير من الأولَى لعلنا إن فعلنا كل ذلك أن ندخل فِي قوله من قام ليلة القدر إيماناً واحتساباً غفر له ما تقدم من ذنبه .
الميسرات الباطنية :
لا أريد أن أسرد هذه الميسرات واحدة واحدة وإنما أُجملها عرضاً لا استعراضاً، وهي أن يفكر الإنسان فِي مآله الأخروي ويخشى على نفسه من كثرة الذنوب والمعاصي التِي عملها فيكون ذلك سبباً فِي اندفاعه نحو التوبة فيندم على ما فات من السيئات، ويتحسر على ما ارتكب من المحرمات، ويشتد اندفاعه أكثر إذا تذكر عذاب القبر وأهوال الآخرة، فتتولد فيه غرائز إيمانية شيئاً فشيئاً حتى تستحكم على نفسه، ومن ثَم يشتد شوقه إلَى فضل تلك الليلة ليمحو ذنوبه، ويزيل خطاياه، فيُهيِّجُه ذلك، ويقوي رجاءه، لأن النفس ذواقة للأسرار، تواقة للخير، وفي ذلك زيادة إيمان وتلقيح الأرواح، ومن ثَم ينتظر بأقصى شغف ليلة السبت المقبل للإنقضاض على سيئاته ليمحوها من صحائفه كما تمحى الحروف من الألواح.
وقد تعمدت عدم سرد الميسرات الباطنية لصعوبة تقبلها، وتباين أفهام الناس في إدراكها، وعدم تمرن العقول على مثلها، ففصلت القول فِي الميسرات الظاهرة لأن النفوس ميَّالة بطبيعتها إلَى ما هو واقعي وظاهر بَيِّن لا تكلف فيه ولا التباس، وأرجو أن أكون موفقاً فِي تشخيص الأمراض والسموم التِي تمنع الكثرين من إتمام قيام ليلة القدر، وكذا فِي بيان المسالك التِي نسهل بها على الناس إحياءها بأسلوب متوسط أرجو أن يرضي أذواق الجميع،مع ربط كل ذلك بكيفيات تنزلاتهاعلى الواقع، مصحوبة بآليات طرق إعمالها تنظيراً وتطبيقاً.
وكما لا يخفى على شريف علم القراء، أنَّ تلك المسالك جارية على نسق عملي ممزوجة ببعض الوقائع والعادات المؤصلة من النصوص الشرعية، وعلى نسقٍ تلتقي فيه الطرق العملية للميسرات الظاهرة بأوضح صورها، والمقاصد الخفية للميسرات الباطنية بجمالية أسرارها.
*عضو مختبر الاجتهاد المعاصر قضايا وأسس -كلية الشريعة- أكادير.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.