يتنافس أرباب المقاهي في كل أحياء العاصمة الإسماعيلية على استغلال الملك العام والسطو عليه، دون حسيب ولا رقيب، باحتلالهم للرصيف المخصص للراجلين بضمه إلى المقهى وتسييجه وحرمانهم منه وبالرمي بهم إلى الإسفلت، دون احترام لكرامتهم، مع العربات بغض النظر على سنهم وجنسهم. وتجاوز بعض أرباب المقاهي احتلال الرصيف إلى احتلال الفضاءات المحاذية لتلك المقاهي والمقابلة لها، تلك الفضاءات الخضراء بما فيها تلك التي توجد بين مفترق الطريقين. نصبوا فيها المظلات ونشروا فيها الطاولات والكراسي بعد تسييجها. والسلوك المَرَضي نفسه يفعله أصحاب المحلات التجارية والمهنية، من بقالة وبائعي خضر ومصلحي سيارات وعجلات وحدادة وغاسلي سيارات ونجارة... كلهم وغيرهم أجهزوا على الفضاءات الموجودة أمام محلاتهم وحوّلوها إلى ملكية خاصة. ولقد امتدت هذه العدوى المشينة المتمثلة في استغلال الملك العام والسطو عليه إلى الأحياء السكنية بالمدينة، فأصبحت هي السائدة، حيث يعمد السكان إلى تسييج الأرصفة الموجودة أمام منازلهم والفضاءات في واجهة منازلهم وتحويلها إلى ممتلكاتهم في منظر مستفز مقزز هو تجلّ للصورة التي بني وتشكل بها المواطن عندنا في المدينة.. مواطن أناني بئيس يسيج الملك العام ويسطو عليه ثم يضع له بابا ويحكم إغلاقه واستعماله مستودعا للمتلاشيات كما هو الحال في حي النعيم وحي الأطلس ومرجان وتولال.... على سبيل المثال لا الحصر.. هذه هي واحدة من تجليات السيبة في مدينة مكناس والسؤال هو: ما المانع من فرض احترام القانون؟ أليست هذه مسؤولية السلطة والمنتخبين؟ أين الأحزاب السياسية؟ أين النقابات؟ بالرغم من نداءات وتحذيرات بعض جمعيات المجتمع المدني بالمدينة ودقها نقوس الخطر. تحول المرض إلى وباء فتاك بجمالية المدينة بل وبقيم المواطنة، وقد يصبح هو قدر ومصير مدننا عامة التي لم يعد لها من المدنية إلا الاسم. ألا يشكل هذا السلوك اير المدني مؤشرا خطيرا على تشجيع الخرق السافر للقانون عامة، ويصبح الشاذ قاعدة والحق والقانون باطلا؟ يلزم الانتباه إلى أن السكوت على هذه الفظاعات التي تهدد مكناس قد تكون له عواقب وخيمة على مستقبلها؛ فليس بهذه الوضعية وأمثالها سننمي السياحة ونطورها، وليس بهذه الوضعية سنجلب الاستثمار، وليس بهذه الحالة سندافع على ملف ترشيح المغرب للمونديال مستقبلا، وليس بها سنربي النشء (رجال ونساء الغد) على المواطنة؛ لأن الطفل اليوم الذي ولد وسيكبر في هذا الفضاء المريض بفيروس اسمه الاحتلال المفضوح للملك العام سيصاب بانفصام في الشخصية عندما نقول له في المدرسة: يلزم احترام القانون، يلزم المشي فوق الرصيف، يلزم احترام البيئة وصيانتها يلزم ...أليس هذا علامة على "السكيزوفرينيا"؟ *أستاذ من جامعة مولاي إسماعيل مكناس