قطاع المحاماة بفيدرالية اليسار الديمقراطي يعلن رفضه لمشروع قانون مهنة المحاماة ويحذر من المساس باستقلالية الدفاع    دياز يخطف أنظار الإعلام الإسباني ويقود أسود الأطلس للتألق في كان المغرب    توقعات أحوال الطقس لليوم الأربعاء    سرقة القرن في ألمانيا.. 30 مليون يورو تختفي من خزائن بنك    وقف تنفيذ حكم إرجاع 38 مطروداً ومطرودة إلى عملهم بفندق أفانتي    أحكام بالسجن في حق المتابعين في الأحداث التي رافقت احتجاجات "جيل زد" بمراكش    كيوسك الأربعاء | إصلاحات ضريبية تدخل حيز التنفيذ غدا الخميس        المغرب يترأس مجلس إدارة معهد اليونسكو للتعلم مدى الحياة    كأس الأمم الأفريقية.. مباراة شكلية للجزائر ضد غينيا الإستوائية ومواجهة مصيرية للسودان    الجديدة 10 أشهر حبسا نافذا في حق يوتوبر بالجديدة    ارتفاع أسعار الإنتاج الصناعي بالمغرب خلال نونبر 2025 رغم تراجع بعض القطاعات    أنفوغرافيك | لأول مرة تتجاوز حاجز 300 مليون دولار.. مداخيل المغرب من صادرات الأفوكادو    قطارات "يوروستار" تستأنف الخدمة    ألمانيا وفرنسا تؤجلان القتال الجوي    إسرائيل تهدّد بتعليق عمل منظمات    صنع في المغرب .. من شعار رمزي إلى قوة اقتصادية عالمية    إطلاق حملة واسعة لتشجير المؤسسات التعليمية بإقليم الفحص-أنجرة    قتيل وثلاثة جرحى في حادث إطلاق نار وسط كندا    أسود الأطلس يتعرفون على منافسهم في موقعة يوم الأحد برسم ثمن نهائي الكان    الحماس يغمر تدريبات "أسود الأطلس"    دياز يتصدر العناوين في الصحف الإسبانية    السنغال تتصدر والكونغو الديمقراطية وبنين تعبران إلى ثمن نهائي "الكان"            أمطار جديدة تغرق خيام النازحين في غزة وتفاقم الأزمة الإنسانية    بورصة الدار البيضاء تنهي تداولاتها بأداء إيجابي    قانون التعليم العالي الجديد: بين فقدان الاستقلالية، وتهميش الأستاذ، وتسليع المعرفة    ‬السيادة الديموقراطية…. ‬بين التدخل الخارجي ‬والفساد الداخلي!‬‬‬‬‬    تخفيضات في أسعار المحروقات بالمغرب قبيل دخول السنة الميلادية الجديدة    كتابة الدولة المكلفة بالصيد البحري تعلن افتتاح الموسم الشتوي لصيد الأخطبوط    كان المغرب 2025 : تشيكينيو كوندي يدعو إلى الهدوء والانضباط قبل مواجهة الكاميرون    الأطالس تجذب القر اء بتركيزها على جمالية الخرائط ومحتواها التعليمي    الإمارات تعلن سحب "ما تبقى" من قواتها في اليمن "بمحض إرادتها"    باحثون فلسطينيون ومغاربة يقاربون الأبعاد الروحية والإنسانية لأوقاف أهل المغرب في القدس    21 فنانا مغربيا يعرضون مشاعرهم وذاكرتهم في «ذبذبات داخلية» بالدار البيضاء    ميتا تستحوذ على أداة الذكاء الاصطناعي مانوس المطورة في الصين    من أشقاء إلى خصوم.. محطات رئيسية في العلاقات السعودية الإماراتية    تسجيل ما مجموعه 1770 مليون متر مكعب من الواردات المائية منذ فاتح شتنبر 2025    الاستهلاك المعتدل للقهوة والشاي يحسن وظائف الرئة ويقلل خطر الأمراض التنفسية        أثمان الصناعات التحويلية تزيد في نونبر    المعرض الوطني الكبير 60 سنة من الفن التشكيلي بالمغرب    فعاليات برنامج مسرح رياض السلطان لشهر يناير تجمع بين الجرأة الإبداعية ونزعة الاكتشاف    تأسيس المكتب المحلي للأطر المساعدة بمدينة سلا    لجنة العدل تشرع في مناقشة مشروع قانون المسطرة المدنية    المغنية الأمريكية بيونسي على قائمة المليارديرات    رسالة تهنئة من السفيرة الصينية يو جينسونغ إلى المغاربة بمناسبة عام 2026    وفاة أيقونة السينما الفرنسية بريجيت باردو عن 91 عاما        علماء روس يبتكرون مادة مسامية لتسريع شفاء العظام    علماء يبتكرون جهازا يكشف السرطان بدقة عالية    الحق في المعلومة حق في القدسية!    وفق دراسة جديدة.. اضطراب الساعة البيولوجية قد يسرّع تطور مرض الزهايمر    جائزة الملك فيصل بالتعاون مع الرابطة المحمدية للعلماء تنظمان محاضرة علمية بعنوان: "أعلام الفقه المالكي والذاكرة المكانية من خلال علم الأطالس"    رهبة الكون تسحق غرور البشر    بلاغ بحمّى الكلام    فجيج في عيون وثائقها    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



حول صيام يوم عاشوراء والاحتفال به
نشر في هسبريس يوم 23 - 09 - 2018

يحتفل غالبية المسلمين "السنة" في اليوم العاشر من شهر محرم "عاشوراء" من كل عام، حيث يعدونه عيدا سنويا يوسعون فيه على عيالهم ويتزاورون فيما بينهم، كما يعدون صوم هذا اليوم قربة من القربات وذلك استنادا عدد من المتون السنية والتاريخية التي تجعل صوم هذا اليوم سُنة قام بها الجيل الأول من الصحابة والتابعين اقتداء بالرسول (ص). وذلك في الوقت الذي نجد فيه فريقا آخر من المسلمين "الشيعة" يرفعون شعار الحزن ويحيون طقوس مأساة وقعت لقرون خلت، كان ضحيتها أحد أبرز أقطاب أهل البيت النبوي، ألا وهو الإمام الحسين، نجل الإمام علي (ع) وحفيد رسول الله (ص) مع ثلة من خيرة أصحابه وأهل بيته.
فما مدى صحة الأحاديث المروية في فضل يوم عاشوراء وصيامه؟ وكيف تحولت أكبر مأساة عاشها أهل بيت الرسول (ص) إلى مناسبة لإظهار الفرح والسرور؟
لعل من أشهر الأحاديث في فضل صيام يوم عاشوراء ما ذكر بصيغ مختلفة إن لم تكن متناقضة في عدد من الروايات، منها ما ورد في البخاري عن ابن عباس (رض) قال: "قدم النبي المدينة فرأى اليهود تصوم يوم عاشوراء فقال: ما هذا؟ قالوا: هذا يوم صالح نجى الله فيه بني إسرائيل من عدوهم فصامه موسى، قال: "أنا أحق بموسى منكم فصامه وأمر الناس بصيامه"، ومنها ما جاء في رواية لمسلم:"حين صام رسول اللَّه(ص) يوم عاشوراء، وأمر بصيامه، قالوا: يا رسول اللَّه إنه يوم تعظّمه اليهود والنصارى؟ فقال(ص): فإذا كان العام القابل- إن شاء اللَّه - صمنا اليوم التاسع، قال: فلم يأت العام المقبل، حتى توفي رسول اللَّه (ص).
ويكفي أن نقف على هاتين الروايتين من تعارض مربك، حيث تحدثنا الأولى عن أمر النبي (ص) بصيام عاشوراء مباشرة بعد قدومه إلى المدينة، في حين ترجئ الثانية هذا الأمر إلى السنة الأخيرة قبل وفاته، حتى أنه لم يتمكن من صيامه، بل إننا نجد روايات أخرى تتحدث عن صومه لهذا اليوم قبل حلوله بالمدينة كما جاء عن هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ عَنْ أَبِيهِ أَنَّ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا قَالَتْ: "كَانَ يَوْمُ عَاشُورَاءَ تَصُومُهُ قُرَيْشٌ فِي الْجَاهِلِيَّةِ وَكَانَ رَسُولُ اللَّهِ (ص) يَصُومُهُ فَلَمَّا قَدِمَ الْمَدِينَةَ صَامَهُ وَأَمَرَ بِصِيَامِهِ فَلَمَّا فُرِضَ رَمَضَانُ تَرَكَ يَوْمَ عَاشُورَاءَ فَمَنْ شَاءَ صَامَهُ وَمَنْ شَاءَ تَرَكَهُ"!!
وهو ما يستدعي التوقف عند هذا الحديث الذي تفوح من خلال متنه المتناقض رائحة الوضع –الكذب على رسول الله (ص)- فضلا عن بعض الملاحظات النقدية التي لا تستقيم والمنطق السليم، منها: أن التقويم الهجري الذي يرتبط بالقمر والذي يعتمد عليه في تحديد يوم عاشوراء في شهر محرم، هو خاص بالمسلمين وقد وضع في عهد عمر بن الخطاب (رض)، وهو يختلف طبعا عن التقويم العبري عند اليهود، حيث لا يمكن بأي حال من الأحوال أن يصادف صيامهم لهذا اليوم نفس تاريخ عاشوراء عندنا في كل عام، فضلا عن أن اليهود المعاصرين لنا لا يحتفلون بهذا اليوم ولا يعرفونه أصلا، حيث يؤكد الدكتور عبدالوهاب المسيري بأن اليوم الوحيد الذي تصومه اليهود هو يوم "الغفران" أو يوم "كيبور" وهو الصوم الوحيد الذي ورد في أسفار موسى الخمسة.. وقد أورد الدكتور سعدي أبو حبيب في كتابه "القاموس الفقهي" أن "عاشوراء: اليوم العاشر من شهر المحرم عند جماهير العلماء، وهو اسم إسلامي لا يُعرف في الجاهليّة" وقد وافقه ابن الأثير في "النهاية" وإبن دريد في "الجمهرة" والقاضي عياض في "مشارق الأنوار".
زد على ذلك أن النبي (ص) كان في موقع التشريع لدين جديد هو الإسلام، وبذلك فهو لم يكن معنيا بممارسات وطقوس أتباع الأديان الأخرى التي طالها التحريف كما جاء في عدد من آيات القرآن الكريم، خاصة وأن الفقهاء والمحدثين الذين يروجون لمظاهر الفرح والسرور في "عاشوراء" التي يدعون نسبتها لليهود فرحا بنجاة موسى هم أنفسهم يحرمون الاحتفال مع المسيحيين بمناسبة مولد عيسى (ع) أليس في هذا تناقض!؟
من جهة أخرى، فقد شكك الدكتور الغامدي، وهو باحث ومستشار في مركز علوم القرآن والسنة، وقد شغل منصب مدير عام هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر بمنطقة مكة المكرمة سابقًا، في مقال له نشر بصحيفة "اليوم" السبت (15 أكتوبر 2016)، في الحديث الوارد في فضل صيام عاشوراء وذلك لاختلاف ألفاظه بتعدد المرويات، إضافة إلى التباس المقصود براوي الحديث الذي أخرجه البخاري: "أبو قتادة"، وما إذا كان هو الصحابي أبو قتادة الأنصاري، أم التابعي أبو قتادة العدوي البصري؟.
وأضاف أن كلا الراويين ليس من المحتمل نقلهما الحديث عن رسول الله، لأنه لا يُعرف سماع لأبي معبد البصري (المذكور في سلسلة إسناد البخاري) عن أبي قتادة الأنصاري، ولأن أبو قتادة العدوي البصري تابعي، وبالتالي تنتفي احتمالية نقله الحديث مباشرة عن رسول الله (ص).
أما بخصوص الأحاديث التي وردت في عدد آخر من المتون السنية والتي تحض على التوسعة على الأهل وغيرها من الأعمال التي يقوم بها غالبية المسلمين في مناسبة "عاشوراء"، فإن الشيخ الألباني وهو من أبرز محققي السلفية المعاصرين قد أنكرها في كتابه "تمام المنة"1، وذلك ردا على رواية "من وسع على نفسه وأهله يوم عاشوراء وسع الله عليه سائر سنته". فقال بعد تبيان ضعف طرق الحديث.."وهكذا سائر طرق الحديث مدارها على متروكين أو مجهولين ومن الممكن أن يكونوا من أعداء الحسين رضي الله عنه الذين وضعوا الأحاديث في فضل الإطعام والاكتحال وغير ذلك يوم عاشوراء معارضة منهم للشيعة الذين جعلوا هذا اليوم يوم حزن على الحسين رضي الله عنه لأن قتله كان فيه"..، وقد نقل المناوي عن المجد اللغوي أنه قال: "ما يروى في فضل صوم يوم عاشوراء والصلاة فيه والإنفاق والخضاب والإدهان والاكتحال بدعة ابتدعها قتلة الحسين رضي الله عنه".
يقول المقريزي ما نصه: "فلمّا زالت الدولة (حكم الفاطميين) اتّخذ الملوك من بني أيّوب يوم عاشوراء يوم سرور ويوسعون فيه على عيالهم ويتبسطون في المطاعم ويصنعون الحلاوات ويتّخذون الأواني الجديد ويكتحلون ويدخلون الحمام، جرياً على عادة أهل الشام، التي سنّها الحجّاج في أيّام عبد الملك بن مروان، ليرغموا به آناف شيعة علي بن أبي طالب كرّم الله وجهه، الذين يتخذون يوم عاشوراء يوم عزاء وحزن على الحسين بن علي، لأنه قتل فيه وقد أدركنا بقايا مما عمله بنو أيّوب، من اتّخاذ يوم عاشوراء يوم سرور وتبسّط .."2 .
ومن هنا تظهر شبهة افتراء مثل هاته الأحاديث التي تدعو إلى الفرح والسرور، ونسبتها إلى النبي (ص) من طرف بعض الكذابين خدمة للأمويين الذين تورطوا في عهد الطاغية يزيد بن معاوية في مجزرة كربلاء، وذلك للتغطية على جريمتهم النكراء المتمثلة في القتل والتمثيل بجثت الإمام الحسين (ع) وأصحابه وسبي نسائه في العاشر من محرم .
يقول سهل بن سعيد الساعدي، وهو من صحابة رسول الله (ص): دخلت إلى الشام فإذا بالأعلام قد نشرت والدفوف ضربت والناس يقول بعضهم لبعض أيامك عليك مباركة بقتل الخارجي والحمد لله الذي نصر أميرنا يزيد. فقلت: إ لأهل الشام عيد لا نعرفه نحن أهل العراق. فإذا بشيخ يبكي فقلت له يا شيخ إن بكائك لأكثر عجبا فقال لي: من أنت قلت له: أنا صاحب رسول الله سهل بن سعيد، فكثر بكاؤه وقال: يا سهل الآن سوف يأتون برأس الحسين و رؤوس آل بيته و أنصاره وبنات محمد والزهراء سبايا!!
هوامش:
1- تمام المِنّة في التعليق على [ فِقه السُنّة ] )، ص 412، طبع دار الرّاية. كما وقد جزم ابن تيميّة بأنّ حديث التوسعة على الأهل كذب، وذكر أنّه سُئل الإمام أحمد عنه، فلم يردّ شَيئًا، وأيّد ذلك أنّ أَحدًا من السّلف لم يستحب التوسعة(على الأهل) يوم عاشوراء، وأنّه لا يُعرَف شيء من هذه الأحاديث على عهد القرون الفاضلة، وقد فصل القول في هذا في [ الفتاوى ] ج2 ص248- 256.
2- الخطط المقريزيّة، ج1، ص 490.
*باحث مغربي


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.