يقول كوسمي: "يوم جميل؛ لقد توجهت إلى الكنيسة في وقت مبكر". يبدو بالتأكيد أن القداس أثر عليه بصورة جيدة في هذا الأحد المشمس في توغو، وهي مستعمرة ألمانية سابقة. كل يوم أحد يتوجه المتعبدون إلى كاتدرائية "القلب المقدس" في العاصمة لومي، تردد أصداء صلواتهم في أنحاء الكاتدرائية ذات "الطراز القوطي" في المدينة التي تسكنها مليونا نسمة؛ العظة الصارمة تحث مرتادي الكنيسة على الانضباط والاعتدال. ولكن الكثير من مرتادي الكنيسة، الآن، على وشك المشاركة في طقوس تبعد كل البعد عن أن تكون منضبطة ومعتدلة، وهي "طقوس فودو". لقد احتشدوا في منطقة خارج المدينة لخوض هذه التجربة التي لا حدود لها، هذا النوع الذي لا يمكن أن يقدمه إلا "قساوسة فودو"، الذين يرددون الأغاني القوية ويضربون بأقدامهم على الأرض. ويعد كوسمي أحد المنتمين إلى هذه الفئة، وينضم إليه كبار السن بالقرية ومجموعة من الزائرين الألمان. هنا يحل تبجيل "إله الحرب كوكو" بدلا من عبادة "الثالوث المسيحي". ويوضح كوسمي، صاحب ال60 عاما الذي درس الألمانية في لومي ويعد من أتباع "مذهب فودو"، أن "الإله كوكو" يمنح الشجاعة والقوة والحماس في المعركة ضد القبائل المعادية. ويعد "الإله كوكي" إله الحرب القوي ل"قبيلة إيوي"، إحدى قبيلتين رئيستين في توغو بجانب "قبيلة كاباي". وفي الحياة اليومية، يحمي "الإله" من الغيرة والمنافسة في الحب، وفوق كل ذلك من الأرواح الشريرة. وتبدأ المراسيم بقسيس كبير السن يقوم بسكب سائل ذي رائحة لبن قوية من يقطين على أرض، ذات لون مائل إلى الحمرة، أمام المشاركين. وعندما يذوب المزيج المكون من نشا الذرة والمياه وأشجار النخيل في التربة، يمكن للغرباء أن يطؤوا بأقدامهم على الأرض. ويحتشد عدد من سكان القرى في موقع المراسيم أسفل أشجار "كابوك"، وتبدأ النساء بمعية الرجال، الذين يرتدون ملابس ملونة، الرقص على الإيقاع .. بينهم كبير الراقصين الذي يقوم بالدوران بسرعة ليصبح "مبعوث الإله". ويقول المتعبدون إنهم لا يمانعون من التقاط الزوار للصور؛ والألمان دائما مرحب بهم بحسب قولهم، حيث يشير البعض إلى أنهم يتأسفون لاضطرار المستعمرين الألمان إلى الرحيل عام 1914، ويقول كبير الأساقفة: "لو لم يرحلوا كنا سنكون أفضل حالا الآن". وحتى هذا اليوم، هناك نصب تذكاري في لومي يرمز إلى معاهدة الحماية بين الملك ملابا والقنصل العام الألماني جوستاف ناشتيجال، الموقعة سنة 1884. مع ذلك،تصف كتب التاريخ الحديثة فترة الاستعمار بأنها كانت فترة القمع والاستبداد لمواطني توغو. في الوقت الحالي، تنشط الكثير من منظمات الإغاثة الألمانية في المنطقة بين غاناوبنين، على خليج بنين، ويحظى الزائرون، خاصة المنتمون إلى ألمانيا، بترحيب حار في البلاد. ومازالت توجد في توغو نماذج لفن العمارة وقت الاستعمار، بعضها يتم الحفاظ عليه بصورة جيدة، والبعض لا يحظى بالاهتمام نفسه، مثل أنقاض المحطة الإذاعية للإمبراطورية الألمانية في "اتاكبامي"، على بعد 150 كيلومترا شمال لومي. فقبل وصول الفرنسيين، عام 1914، فجر الألمان مبنى المحطة. ما تبقى هو موقع يبدو سرياليا لمنشآت فنية تبدو مثل المنحوتات. وفي منطقة كارا، على بعد 400 كيلومتر شمال لومي، تعيش "قبيلة كابي". الكثير من أفراد القبيلة يعملون حدادين، ولكن لا توجد مطارق أو سنادين. بدلا من ذلك يقومون بتصنيع مجارف للمزارعين من أطر العجلات. وفي الوقت الذي يجلس فيه الشباب على كراسي مقاهي الإنترنت يروُون قصصا حول الحياة في المدينة الكبيرة، تقوم أمهاتهم وشقيقاتهم بحمل المياه والفاكهة إلى أكواخهن الصغيرة في القرية. وفي ضواحي لومي يبيع التجار في بنين، مهد "مذهب فودو"، الأغراض المطلوبة لإقامة شعائر الصلوات. يقطع قساوسة "مذهب الفودو" مسافة طويلة للعثور على المراد. وبالنسبة للزائرين فإن هذه الأسواق بمثابة "مقر للأهوال لا يمكن تفويت مشاهدته". يحمل نسيم الهواء رائحة اللحم الفاسد. جماجم القردة والطيور النافقة والوطاويط والثعابين مكدسة على الطاولات مثل الجوائز. يتعين على الزائرين الأوروبيين أن يتركوا أفكارهم المتعلقة بالرفق بالحيوان في غرفهم الفندقية. التجار في هذه المنطقةمنفتحو الذهن بصورة كبيرة.،فقد قدم أحدهم لزائر أجنبي "مجسم سماعة تليفون"، وهو عبارة عن قطعة صغيرة من الخشب، وقال للزائر: "قبل أن تغادر، قل أمنيتك لسماعة التليفون واغلقها بسدادة خشبية، بعد ذلك تمتع برحلة جيدة".