خورخي فيلدا: المنتخب الوطني المغربي مستعد لأي فريق في نصف نهائي العرس الإفريقي    أرسنال يضم مادويكي من تشلسي بعقد لخمس سنوات وسط احتجاج جماهيري    القوات الملكية الجوية تنفذ عملية إنقاذ ناجحة لمواطنين فرنسيين على متن زورق شراعي قبالة أكادير    كأس أمم إفريقيا لكرة القدم للسيدات.. المنتخب المغربي يعبر لنصف النهائي بفوز مقنع على مالي    أنفوغرافيك | ⁨جامعة محمد الخامس تقود سفينة البحث العلمي في المغرب خلال 2025⁩    تفاصيل دعم مشاريع إنتاج أعمال سينمائية برسم الدورة الثانية من 2025    توقعات أحوال الطقس لليوم السبت بالمغرب    كلية العلوم القانونية والاقتصادية والاجتماعية عين الشق تحتضن مناقشة رسائل تخرج الطلبة الفلسطينيين    "القسّام": إسرائيل تعطّل المفاوضات    السغروشني: تكوين الشباب رهان أساسي لتحفيز التحول الرقمي بالمغرب    تعزيز التعاون يجمع المغرب وموريتانيا    استئناف موسم صيد الأخطبوط بالمغرب    الدفاع الجديدي يتعاقد مع حارس موريتانيا    سيدات نيجيريا إلى نصف نهائي "الكان"    فتاح العلوي: مونديال 2030 فرصة تاريخية لتحقيق نمو اقتصادي كبير    أسعار النفط تتكبد خسارة أسبوعية ب1%    تعاون مغربي فلسطيني في حقوق الإنسان    سائقو النقل بالتطبيقات يطالبون بترخيص السيارات المستعملة عبر دفتر تحملات    حملة هندية تستهدف ترحيل آلاف المسلمين .. رمي في البحر وهدم للمنازل    "الأشجار المحظورة" .. الشاعر المغربي عبد السلام المَساوي ينثر سيرته أنفاسًا    زيادة كبيرة في أرباح "نتفليكس" بفضل رفع أسعار الاشتراكات    أخنوش: تنظيم مشترك لكأس العالم 2030 يسرع التحول الاستراتيجي للمغرب    لقجع:كأس إفريقيا 2025 ومونديال 2030.. مقاربة إستراتيجية للبنيات التحتية والاستثمار تقوم على الاستمرارية من أجل إرث مستدام    حادث سير إثر انقلاب سيارة تقودها سيدة مقيمة بهولندا في منحدر بالحسيمة    توقيف شخصين وحجز كميات من مخدر الشيرا        رياض مزور يكشف التحول الصناعي نحو الحياد الكربوني    الارتفاع ينهي تداولات بورصة الدار البيضاء    إشارة هاتف تقود الأمن إلى جثة الطبيبة هدى أوعنان بتازة    أخنوش: التنظيم المشترك لمونديال 2030 عامل تسريع لتحول استراتيجي للمغرب    توقعات أحوال الطقس ليوم غد السبت    إحداث أزيد من 6200 مقاولة مع متم ماي الماضي بجهة الشمال    البيت الأبيض يكشف: ترامب مصاب بمرض مزمن في الأوردة الدموية    بأمر من المحكمة الجنائية الدولية.. ألمانيا تعتقل ليبيا متهما بارتكاب جرائم حرب وتعذيب جنسي    اتحاديو فرنسا يرفضون إعادة إنتاج "الأزمة" داخل الاتحاد الاشتراكي        حرب خفية على المنتجات المغربية داخل أوروبا.. والطماطم في قلب العاصفة    اشتباكات بين عشائر ومقاتلين "دروز"    نجل المهدي بن بركة يؤكد تقدم التحقيق بعد ستين عاما من اختطاف والده    "أنا غني".. سجال هاشم يستعد لإشعال صيف 2025 بأغنية جديدة    مدينة تيفلت تفتتح سهرات المهرجان الثقافي الخامس بباقة موسيقية متنوعة    دراسة: الذكاء الاصطناعي يحول تخطيط القلب العادي إلى أداة فعالة لاكتشاف عيوب القلب الهيكلية        افتتاح بهيج للمهرجان الوطني للعيطة في دورته ال23 بأسفي تحت الرعاية الملكية السامية        جيش الاحتلال الصهيوني يواصل مجازره ضد الفلسطينيين الأبرياء    رحيل أحمد فرس.. رئيس "فيفا" يحتفي بالمسيرة الاستثنائية لأسطورة كرة القدم الإفريقية    بعد تشخيص إصابة ترامب بالمرض.. ماذا نعرف عن القصور الوريدي المزمن    "مهرجان الراي للشرق" بوجدة يعود بثوب متجدد وأصوات لامعة    البيت الأبيض يعلن إصابة ترامب بمرض مزمن    وداعا أحمد فرس    دراسة تكشف العلاقة العصبية بين النوم وطنين الأذن    زمن النص القرآني والخطاب النبوي    "مدارات" يسلّط الضوء على سيرة المؤرخ أبو القاسم الزياني هذا المساء على الإذاعة الوطنية    التوفيق: معاملاتنا المالية مقبولة شرعا.. والتمويل التشاركي إضافة نوعية للنظام المصرفي    التوفيق: المغرب انضم إلى "المالية الأساسية" على أساس أن المعاملات البنكية الأخرى مقبولة شرعاً    التوفيق: الظروف التي مر فيها موسم حج 1446ه كانت جيدة بكل المقاييس    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



معالي الوزير
نشر في هسبريس يوم 14 - 10 - 2019

! لم أعد أذكر إن كانت تلك لحظات حلم أم يقظة طافت بمخيلتي حول جنباتٍ من شوارع العاصمة الرباط ونحن نجول دون إحراج أو تكليف. حينها كان يلازمني شعور بالرغبة في أن أعاتبك عتابا دون ملامة، وأن أسألك سؤالا دون إلزام. كنتَ قد أشرتَ لي بكلّ فخر واعتزاز إلى نقاوة شارع النخيل وجماليته، وما كِدتَ لتُتمّ كلامك حتّى خانتني عفويتي لأذكّرك دون هوادة بالحال البئيس والوضع الاجتماعي المزري لحيّي المعاضيد والتقدّم المجاورين للشارع بقليل من الكيلومترات. وتلك لحظة أدركنا خلالها نحن-معاليكم والعبد الضعيف-أنه لا جدوى من الخوض في هذا النوع من النقاش، خصوصا إذا ما كنّا نسعى إلى أن ننعم بجلسة مسائية مريحة على رشفات فنجانَي "قهوة عربية" من على سطح أحد الفنادق في الشارع نفسه.
لكن سيدي! كيف لي ولكم أن نتشارك الحديث دون الخوض في جديد السياسة وما يربط ذلك من مواضيع الساعة. كنتم حينها معالي الوزير شديد الذكاء، ولكي تُخرجني من مسار الأسئلة المُحرجة، استبقتَ الفكرة وطلبتَ رأيي حول معايير الكفاءة في قيادة الإدارة ومهنية التسيير! سؤال تطلّب منّي التأمّل لهُنيهات مُصوّبا نظري حول فنجان قهوتي لأخذ رشفتين متتاليتين وأُعيد الفنجان في غاية من المهل إلى مكانه كي أجيبك بعدها بصوت خافت هادئ إلى حدّ ما قائلا: "إن سؤالك في غاية الأهمية سيدي". كانت نظراتك توحي إليّ برغبتك الأكيدة في الخوض في الموضوع وجعل تحليل مصطلح الكفاءة عنوان لجلستنا تلك.
استأنفتُ الحديث مشيرا إلى أن مصطلح الكفاءة تشمله تعاريف ومعاني دلالاتها تهم جوانب المعرفة والمهارة ومدى المهنية في مجال ما، خصوصا على مستوى ممارسة عمل ما، أو على مستوى المسؤولية على الممارسة، مع العلم أنّ ضمان استمرارية المعرفة وتطويرها رهين بجودة التعليم بصفة عامّة وكذا بقدرة الجامعات والمعاهد على خلق المهارات اللازمة كمُعطى أساسيّ للنهوض بالتنمية الاجتماعية البشرية ولمواجهة تحدّيات اقتصاد مُعولَم ومواكبة تحولات ديمقراطية قوامها الفكر والمعرفة على وجه الخصوص.
قاطعني معالي الوزير وطرح سؤالا يهمّ وصف الكفاءة أو الشخص الكفء. فإذا بي أرتجل في الكلام لكن سرعان ما أخذت في انتقاء الكلمات لأُشير إلى أن الشخص الكفء (أو الكفاءة) يشمل المعرفة والممارسة والمهارة؛ حيث المهارة تستوجب على الأقلّ حدّا أدنى من المعرفة والمؤهلات حسب مجال العمل المطلوب، مع ضرورة استمرارية تطوير هذه المؤهلات خلال الممارسة دون تحديد سقف نهائي لمعيار الكفاءة. كما يشترط في الكفاءة القدرة على وصف المهمة أو العمل الواجب القيام به، بذلك يصبح العمل مرئيا ويشهد لصاحبه بالأهلية والاستحقاق.
كنت قد توقفت عن الكلام لِبُرهة أنتظر تعقيب معالي الوزير، لكن نظراته وعينيه على عينيَّ ظلّتا ثابتتين وشفتيه تتراقصان بنصف ابتسامة وكأنها تطلب منّي الاسترسال في الحديث مجدّدا؛ فارتأيت أن أركز أكثر على جانب الكفاءة في فنّ الإدارة والتسيير إذا ما أردنا ربط ذلك بالخصاص والأعطاب التي يعرفها التدبير الإداري في البلاد، خصوصا بعد الخطاب الملكي الأخير بمناسبة الذكرى ال20 لتربعه على العرش والذي دعا فيه إلى ضرورة إشراك الكفاءة في مختلف مناصب المسؤولية الحكومية والإدارية للوقوف على مشاريع المرحلة الجديدة، وكذلك كنخب قادرة على النهوض بالتنمية البشرية وتطوير تدبير القطاعات الحيوية كالصحة والتعليم وتشجيع خلق مناصب الشغل.
إذا، نظرات السيد الوزير كانت كافية لأجيبه بصوت فيه نبرة من الحدّة، وأذكّره بأن المرحلة اليوم تتطلّب نُخبا تعي جيدا المفهوم الحقيقي للإدارة، وتُدرك أسس التسيير والتدبير الناجحَين. على هذا الأساس نرى أنه من الضروري الاستناد إلى معايير محددة في اختيار الكفاءة في المجال الإداري، نذكر منها:
أولا: الإدراك الجيّد لمفهوم الإدارة
إن إدراك الشخص لوصف عمله هو إشارة إلى أهلية الشخص نفسه. ومفهوم الإدارة هنا يشمل القيام بوظائف محدّدة من أجل تحقيق هدف أو أهداف محددة تمّ التخطيط لها مسبقا. أهداف ووظائف وجب على المدير الكفء معرفتها وفهمها بشكل جيّد مع القدرة على التنظيم والقيادة وتوجيهه لأعضاء التسيير ومنه للعاملين، وذلك باتباع أنجع الطرق وبأقلّ تكلُفة. والقائد أو المدير الكفء هو من يملك القدرة على توجيه فريق عمله إلى تحديد الأهداف ودراستها وتقييم ظروف قابلية تحقيقها مع الأخذ بعين الاعتبار كلّ العوامل التي من شأنها أن تؤثر سلبا أو إيجابا على تحقيق هذا الهدف. ولعلّ أهم عامل إيجابي يمكنه الإسهام في إنجاح أي هدف أو مشروع هو قدرة المدير على تشجيع فريق عمله عن طريق توفير ظروف حرية التمييز والإبداع والاستقلالية في طرح الأفكار والمقترحات مع مراعاة رقابة الانضباط والنزاهة في العمل.
ثانيا: الخبرة المُكتسبة
ما من قائد أو مدير ناجح في وظيفته إلاّ وكان جامعا لخبرات مهنية ومهارات بمثابة سندٍ متين يضمن له القدرة على مواجهة التحديات الوظيفية ورصد آليات بلوغ الهدف.
ولعلّ تحلّي القائد بمهنية التعامل داخل الإدارة أيّا كان نوعها يظل قائما كشرط أساسي لترك الانطباع الإيجابي اللاّزم والفوز بحظ القَبول من طرف جميع زملائه ومنه التمكن من بناء جسر الثقة بين هذا القائد ومن حوله داخل الإدارة. ونستدرج في هذا الإطار مهارة إسناد الواجبات والمهام، والقدرة على توجيه فريق العمل، وإخماد التوترات عند الخلاف وإنصاف أهل الحق. أمّا قابلية التعاون والقدرة على الإصغاء وكذا ميزة مهارة التقديم وعرض المواضيع كلّها مُكتسبات مهنية تشهد لأهلية القائد الإداري ولكفاءته.
ثالثا: المكسب المعرفي والفكري
مكسب يتمثل في ما جناه المتعلّم من علم وتكوين أكاديمي على أساسه يتم التعامل مع المواضيع المطروحة والتحديات الشائكة، وذلك باعتماد التحليل العلمي وتجميع حصيلة النتائج والفرز بينها بهدف اختيار الحلّ الأمثل وبأقلّ تكاليف. وتلك واحدة من الأسباب التي تستوجب أهمية الحفاظ على التعبئة الفكرية وعلى إيجاد قاعدة نخبة تحتضن هذا الفكر من أجل الخوض في إحداث بنية متراصة لثورة فكرية بأدوات وميكانزمات تساير تطورات الأحداث، وتشمل كل شرائح المجتمع لنشر التوعية والقيام بالتوجيه في الاتجاه الصحيح.
رابعا: مكسب مهنية التسيير ومهارة الإدارة
القدرة على ترتيب الأفكار بعد تجميعها وتنقية الأولويات والحسم في النتائج تعتبر شرطا أساسيا وجزء لا يتجزأ من وظائف الإدارة والتسيير. كما أن ميزة التنسيق بين الزمن المحدد لعمل أو مشروع ما والواردات البشرية وبرنامج إتمام العمل لا يمكنها أن تفضي إلاّ إلى بلوغ الهدف بنتائج مقنعة ومرضية لجميع المعنيين.
وختاما، فكل تلك المهارات المذكورة أعلاه لا يمكنها أن تتحقق إن لم يكن الشخص الكفء له قناعات ومبادئ مبنية على النزاهة والتفاني في العمل وحب المُكلّف للوظيفة المسندة إليه.
أتمنى لمعالي الوزير التوفيق، كما أتمنى له أن يكون مُدركا جيدا لأهمية المعرفة والفكر والأهلية والمهارة والإبداع ودور ذلك كله في إدراك الأهداف. وما أحوج مؤسسته لتسييرٍ وتدبيرٍ عمادهما التجربة المهنية والكفاءة الأكاديمية.
*أكاديمي خبير مقيم بألمانيا


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.