توفي صباح الأحد الماضي بأحد المستشفيات الخاصة في حي "حسّان" بالعاصمة الرباط، المحجوبي أحرضان، مؤسس حزب "الحركة الشعبية"، عن عمر يناهز 100 سنة. ولقد كان الفقيد من مؤسسي حزب الحركة الشعبية بعد استقلال المغرب، بمعية الراحل عبد الكريم الخطيب، كما تقلد وظائف حكومية عديدة. في هذه الشهادة، يستعرض الكاتب موحى الناجي الكثير من مناقب الراحل خلال مساره السياسي والإنساني، وما خلفه من ورائه من أقوال تثبت وطنيته ووفاءه لبلده. وهذا نص المقال: قبل أيام، رحل عنا المناضل والوطني الغيور المرحوم المحجوبي أحرضان، أحد الشخصيات البارزة والرمزية للمغرب الحديث. كان رحمه الله رجلا متعدد الأبعاد لكن يبقى أولا وأخيرا رمزًا للوطنية الأصيلة. كان مفكرا عظيما، وكاتبا موهوبا، وفنانا مشهورا، وسياسيا محنكا. ناهيك عن إسهاماته الهائلة في استقرار المغرب وفي مجال التنمية البشرية. أشاطر ما ورد في كتاب موحى ختوش في قوله "كان أحرضان شخصية غير عادية، لها بشكل موضوعي جوانب متعددة تجسد انصهار الهوية المغربية الأصيلة بتعددها وثرائها وتنوعها مع الانفتاح على الحداثة والعالم" ("أحرضان: شغف الحرية"، 2000). صرح المرحوم المحجوبي أحرضان في حديث لصحيفة "أجوردوي لو ماروك" قبل سنوات قائلا: "سأستمر في المقاومة والصمود ما دمت على قيد الحياة." ورد المرحوم على سؤال منتقديه بعد انتخابه رئيساً للحركة الشعبية سنة 2005 لماذا لا يفسح ساستنا الطريق تلقائيًا للجيل الجديد؟" بأن الجواب بسيط: "خدمة بلدك لا يمكن احتسابها بالسنوات". "قيل لي، لماذا أنت في السياسة؟ حسنا! أشعر بأنه من واجبي. أولاً، السياسة هي الحياة اليومية. أمارس السياسة للدفاع عن قضايا معينة تبدو أساسية بالنسبة لي، بنفس الطريقة التي أكتب بها أو أرسم بها للتعبير عما هو مهم بالنسبة لي. عليك أن تفكر في الآخرين، وتتحدث إليهم، وتشرح لهم أشياء، وتقنعهم، وتشجعهم". هذا هو الجانب الأكثر جلاء في شخصية المرحوم أحرضان. لطالما دافع عن بلاده التي كرس لها الحب والتعلق غير المشروط. بالنسبة إليه، حب الوطن ومصالح الوطن فوق المصالح الشخصية أو الحزبية، وفوق كل اعتبار. شخصيته الوطنية المنفتحة والمتفائلة جذبت انتباهي دائمًا وإعجابي الكبير منذ صغري. لقد استمعت لخطاباته باهتمام واسع لأنه تحدث بكثير من الحكمة، وهي سمة مميزة للعظماء. كما قرأت مذكراته الرائعة وبعضا من كتاباته وأشعاره الجميلة، وتأثرت بلوحاته الفنية الخالدة. لقد أكسبه ذكاؤه وانفتاحه احترام كل من عمل معه. في الحقيقة كان مدرسة في النزاهة السياسية والانتماء الصادق للوطن. على المستوى الشخصي، كان أحرضان رمزا للأصالة المغربية. جسد هذه الأصالة في كل أبعادها: في لباسه وحركاته وكلماته ونمط عيشه في الحياة. الكل يعترف له بالشجاعة التي كانت تنبع من شخصه. كان يتمتع بموهبة استثنائية في الجمع بين الفنان والسياسي والكاتب والشاعر والفلاح والمواطن البسيط. الشيء الذي سمح له بقيادة مسيرة فنية مثالية. ساعده انفتاحه الواسع على اكتساب ثقافة واسعة. لقد كان رمزا حقيقيا للتنوع الثقافي، وشخصية رئيسية في المشهد المغربي. كما كان رجلا مخلصا لنفسه ومبادئه، خدوما لوطنه، ولأصدقائه وثقافته. مساوٍ لنفسه، كان حكيما ويتحرى الصدق في أقواله وأفعاله. كانت النزاهة قوة أحرضان التي يحبها كل المغاربة، سواء الناطقين بالعربية أو بالأمازيغية. لقد كان المرحوم رمزا من رموز الثقافة الأمازيغية وهرما من أهرام العمل الوطني. حتى الذين يختلفون معه في ترتيب أولويات العمل السياسي يحتفظون له دائما بالود والمحبة في قلوبهم والتقدير في نفوسهم لاعتزازه المعلن بالانتماء للوطن وافتخاره الدائم بخدمة بلده وقربه والتحامه بالفئات الشعبية وتشبثه بالثقافتين الأمازيغية والعربية وتفتحه على الثقافة الفرنسية. كان ذلك الإنسان الأمازيغي الذي فضل الوطن على القبيلة. دعم الوحدة متصديا للتفرقة، وظل صامدا في وجه كل التقلبات والموجات، محافظا على توازنه، مستمتعا بفنه التشكيلي الرائع، فكان له ولإخوته شرف توحيد صفوف الحركة الشعبية، رغم ما تركته المبادرة من تفاعلات، إلا أنها ستبقى مبادرة سامية ترقى إلى مستوى بعض مبادرات ما بعد الاستقلال. ذلك أنها أتت في وقت تشهد فيه البلاد تفريخ الأحزاب لكثرة الغاضبين والمغضوب عليهم. رحم الله الفقيد، وإنا لله وإنا إليه راجعون