جدل يرافق دعما يفوق مليار سنتيم في قطاع الصيد .. والدريوش: التمويل دولي    طنجة – تطوان – الحسيمة تسجل أعلى معدل نشاط في المغرب وأدنى مستويات البطالة مقارنة بجهات كبرى    دعمت برلمانيا في حزبها بأزيد من مليار سنتيم.. تصريح غير مسبوق لوزيرة في حكومة أخنوش يثير الجدل    إسرائيل تقر خطة "السيطرة" على غزة    رشق الرئيس الكيني بالحذاء خلال تجمع جماهيري    باحثون أمريكيون يبتكرون "تيرابوت".. أداة ذكاء اصطناعي للعلاج النفسي    تتويج مثير لكلوب بروج بكأس بلجيكا وشمس الدين الطالبي يرفع العلم المغربي احتفالاً    أوقفها ثم أعادها.. مصطفى أوراش يتراجع عن التجميد ويُعلن استئناف البطولة    الأمن يوقف شخصا هدد بارتكاب اعتداءات قاتلة ضد مشجعي الملاعب    المنقبة والسفاح.. أخبار حول اختطاف الأطفال تجر سيدة للتحقيق    كلمة وزير الصحة في حفل استقبال أعضاء البعثة الصحية    التهراوي يترأس مراسيم استقبال أعضاء البعثة الصحية للحج برسم موسم الحج 1446 / 2025    التهراوي يستقبل البعثة الصحية للحج    فرق المعارضة تؤجل جمع توقيعات ملتمس الرقابة ضد الحكومة إلى الأسبوع المقبل بسبب سفر إلى موريتانيا    ولد الرشيد: المقاربة الدبلوماسية المغربية انتقلت إلى منطق المبادرة والاستباق مرتكزة على شرعية تاريخية    نحو ابتكار نظام معلوماتي لتثمين ممتلكات الجماعات الترابية المغربية.. مؤلف جديد للدكتور محمد لكيحال    أسعار الذهب ترتفع مدعومة بتراجع الدولار    بورصة البيضاء تستهل تداولاتها على وقع الانخفاض    العلاقات الاقتصادية الصينية العربية تتجاوز 400 مليار دولار: تعاون استراتيجي يمتد إلى مجالات المستقبل    عمر حجيرة.. زيارة البعثة الاقتصادية المغربية لمصر رسالة واضحة على رغبة المملكة في تطوير الشراكة والتعاون بين البلدين    الرباط.. استقبال أعضاء البعثة الصحية لموسم الحج 1446ه/2025م    الكوكب يواصل نزيف النقاط واتحاد يعقوب المنصور يعزز موقعه في المركز الثالث    مفاوضات متواصلة تؤجل الكشف عن الأسماء المغربية في موازين    النفط ينخفض بأكثر من دولارين للبرميل مع اتجاه أوبك+ لزيادة الإنتاج    غنيمة حزبية في هيئة دعم عمومي    أسود الأطلس يواصلون التألق بالدوريات الأوروبية    باريس.. الوجه الآخر    فرنسا والاتحاد الأوروبي يقودان جهودا لجذب العلماء الأميركيين المستائين من سياسات ترامب    الرابطة المغربية لمهنيي تعليم السياقة تطالب بإحداث رخصة خاصة للسيارات الأوتوماتيكية    توقعات أحوال الطقس اليوم الإثنين    بعد فتح الجمارك.. مواد البناء المغربية تغزو سبتة المحتلة    رحلة كروية تنتهي بمأساة في ميراللفت: مصرع شخص وإصابة آخرين في انقلاب سيارة قرب شاطئ الشيخ    المتصرفون التربويون يلوحون بالإضراب والجامعة الوطنية تتهم الوزارة ب"اللامبالاة"    التقنيون يواصلون الإضراب الشهري احتجاجا على تجاهل حكومة أخنوش    أسعار صرف أهم العملات الأجنبية اليوم الاثنين    محمد وهبي: نتيجة التعادل مع نيجيريا منطقية    عودة تير شتيغن إلى برشلونة تسعد الألمان    رسميًا.. ألكسندر أرنولد يعلن رحيله عن ليفربول    العثور على جثث 13 عاملا بعد اختطافهم من منجم ذهب في بيرو    ترامب يأمر بإعادة فتح سجن الكاتراز بعد 60 عاما على إغلاقه    تفاصيل إحباط تفجير حفلة ليدي غاغا    شغب الملاعب يقود أشخاصا للاعتقال بالدار البيضاء    صاحبة السمو الملكي الأميرة للا حسناء تزور بباكو المهرجان الدولي للسجاد بأذربيجان    أكاديمية المملكة تحتفي بآلة القانون    مقبرة الرحمة بالجديدة بدون ماء.. معاناة يومية وصمت الجهات المعنية    العثور على جثث 13 عاملا بالبيرو    طنجة.. حملات أمنية متواصلة لمكافحة الدراجات النارية المخالفة والمعدّلة    كأس أمم إفريقيا U20 .. المغرب يتعادل مع نيجيريا    الاحتفاء بالموسيقى الكلاسيكية خلال مسابقة دولية للبيانو بمراكش    الأميرة لالة حسناء تشارك كضيفة شرف في مهرجان السجاد الدولي بباكو... تجسيد حي للدبلوماسية الثقافية المغربية    بريطانيا تطلق رسمياً لقاح جديد واعد ضد السرطان    نجم الراب "50 سنت" يغني في الرباط    من المثقف البروليتاري إلى الكأسمالي !    دراسة: الشخير الليلي المتكرر قد يكون إنذارا مبكرا لارتفاع ضغط الدم ومشاكل القلب    التدين المزيف: حين يتحول الإيمان إلى سلعة    مصل يقتل ب40 طعنة على يد آخر قبيل صلاة الجمعة بفرنسا    كردية أشجع من دول عربية 3من3    وداعًا الأستاذ محمد الأشرافي إلى الأبد    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



دور القرآن والشيخ المغراوي .. وحقيقة المذهب الوهابي
نشر في هسبريس يوم 17 - 05 - 2012

كتب الأستاذ عبد الله الجباري على صفحات جريدة هسبريس؛ مقالة تحت عنوان: "إعلام الأستاذ المغراوي بحقيقة مذهبه الوهابي".
وإذا ما تجاوزنا الخلفية المذهبية التي تؤطر الكاتب وتوجه آراءه ومواقفه ..
فإن الواجب الشرعي يطوق أعناقنا بمسؤولية كشف مضمون مقالته الذي يصطدم مع التوجيه القرآني: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُونُوا قَوَّامِينَ لِلَّهِ شُهَدَاءَ بِالْقِسْطِ وَلَا يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ عَلَى أَلَّا تَعْدِلُوا اعْدِلُوا هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ} [المائدة: 8]
كما يصطدم مع قوله سبحانه: {أَوْفُوا الْمِكْيَالَ وَالْمِيزَانَ بِالْقِسْطِ وَلَا تَبْخَسُوا النَّاسَ أَشْيَاءَهُمْ وَلَا تَعْثَوْا فِي الْأَرْضِ مُفْسِدِينَ} [هود: 85]
وغير خاف على القارئ اللبيب أن مقالة السيد الجباري التي هاجم فيها دور القرآن والشيخ المغراوي؛ تأتي في سياق سياسي معين، وفي أفق انفراج يعرفه ملف دور القرآن، الشيء الذي لا يروق التيار الصوفي.
وهذه الخلفية كانت حاضرة بقوة في المقالة؛ وبلغ تأثيرها على كاتبها إلى حد اتهام مؤسسة "دور القرآن" وعالمها المؤسس؛ بفرية "اتباع المذهب الوهابي" و"نشر العنف" و"تبني الحنبلية المتشددة"، بل و"عدم إنزال النبي صلى الله عليه وسلم منزلته!!!" ..
ولا أراني بحاجة إلى إعادة التذكير بما بيناه مرارا من الآثار الإيجابية لدور القرآن في مجال الدعوة إلى الله وتعليم العلوم الشرعية وتحفيظ القرآن الكريم وإتقان تلاوته؛ لكنني في المقابل سوف أثبت أن دور القرآن لا تتبنى مذهبا اسمه المذهب الوهابي؛ وذلك من خلال المحاور التالية:
حقيقة المذهب الوهابي:
لم يكن الدكتور المغراوي مجانبا للصواب ولا مقارفا للكذب؛ حين قال بأنه لا يعرف شيئا اسمه المذهب الوهابي أو الطائفة الوهابية؛ لسبب مقنع؛ وهو أننا لا نعرف شخصا أو طائفة تبنت مذهبا بهذا الاسم أو انتسبت إليه.
والوهابية لقب أطلقه التيار الصوفي والحركة الاستشراقية على الدولة السعودية الأولى، وعلى الحركة الإصلاحية التي قادها الشيخ محمد بن عبد الوهاب رحمه الله؛ تنفيرا للمسلمين من هذه الحركة وإيهاما بأنها مذهب خامس أحدثه الشيخ محمد.
وقد راجت هذه الإشاعة في الأوساط الفكرية والسياسية، لكن المنصفين العارفين بخبايا الأمور يدركون حقيقة الأمر؛ ويعلمون أن الوهابية ليست مذهبا محدثا بقدر ما أنها حركة إصلاحية سلفية تهدف إلى الرجوع بالدين إلى أصوله الصحيحة وتطبيقاته المشروعة، كما هو صريح قول المستشرق الإسباني (أرمانو): "إن كل ما ألصق بالوهابية من سفاسف وأكاذيب لا صحة له على الإطلاق".
وجاء في دائرة المعارف البريطانية: "الحركة الوهابية اسم لحركة التطهير في الإسلام، والوهابيون يتبعون تعاليم الرسول وحده، و يهملون كل ما سواها، وأعداء الوهابية هم أعداء الإسلام الصحيح".
ويكفينا في الموضوع؛ شهادة أديب المغرب؛ العلامة عبد الله كنون الذي قال في كتابه النبوغ المغربي (ص. 125): "يقال اليوم في كل من كان سلفي العقيدة: إنه وهابي تنكيتا عليه وتنفيرا من مذهبه".
وكنت قد كتبت مقالة أبرزت فيها استكشاف أحد أبرز علماء المالكية وفقهائهم المتأخرين لما يسمى بالمذهب الوهابي؛ وهو العلامة محمد ابن عزوز التونسي المالكي (ت 1334ه).
ترجم له الكتاني في فهرس الفهارس رقم (490)، واصفا له بقوله: "هذا الرجل كان مسند أفريقية ونادرتها، لم نر ولم نسمع فيها بأكثر اعتناء منه بالرواية والإسناد والإتقان والمعرفة ومزيد تبحر في بقية العلوم والاطلاع على الخبايا والغرائب من الفنون والكتب والرحلة الواسعة وكثرة الشيوخ، إلى طيب منبت وكريم أرومة"اه.
كان الشيخ محمد بن عزوز مطلعا على ما يتردد من كلام حول (الوهابية)، وأنهم طائفة مبتدعة في الدين تكفر المسلمين وتعتدي على تراثهم.
إلا أنه لم يرض أن يبقى في تصوره وحكمه على هذا التوجه؛ أسير الأخبار والحكايات، فهذا شأن قليل المعرفة أو صاحب المصلحة أو المتعصب الذي لا يرضى أن يقال له أخطأت.
ذلك كله لم يحكم موقف الشيخ ابن عزوز، بل سلك مسلك العلماء المنصفين؛ فبحث وقرأ واستشهد الثقات؛ ومن ذلك أنه أرسل إلى صديق له في المدينة النبوية رسالة يستجلي منه فيها الأمر، ثم أرسل الرسالة نفسها إلى "البيطار" علامة بلاد الشام يريد منه جوابا شافيا1.
ومما جاء فيها: "أخبرني بإنصاف، واعلم أنك مسؤول في عرصات القيامة عن ذلك:
أخبرني عن "الوهابية" الذين ترون معاملتهم، وحالتهم مع السنة، والحضرة النبوية، فأنا إلى الآن ما اجتمعت بوهابي، وقد تناقضت عندي المسموعات بالأذن والمرئيات في الكتب بالأعين:
بعض الناس يقولون: الوهابية يحقرون المقام النبوي، ولا يرون فرقا بينه وبين بقعة خالية في الأرض، ويقولون لمن شرب الدخان: أشركت بالله، ويضللون من أثنى على رسول الله صلى الله عليه وسلم على المنارة، ويكفرون من زار قبرا ودعا الله عنده ويستحلون دمه.
وهؤلاء القادحين فيهم يقولون على سبيل القدح: "هم تابعون ابن تيمية"، فهنا جاء التناقض؛ فإن ابن تيمية إمام في السنة كبير، وطود عظيم من أطواد العرفان، حافظ للسنة النبوية، ومذهب السلف، يذب عن الدين، ويقمع المارقين، كالمعتزلة والقدرية، والرافضة والجهمية، ما فارق سبيل الصحابة والتابعين والأئمة الأربعة قيد أنملة، .. فإن كان الوهابية حقيقة على منهج ابن تيمية وابن القيم ونحوهما من فقهاء الحنابلة السنية فهم أسعد الناس بالشريعة؛ لأن ابن تيمية وأصحابه لم يسيء القول فيهم إلا القاصرون عن درجاتهم، علما وتحقيقا، والراسخون في العلم شهدوا بعلو مكانتهم. وإن كان الوهابية متصفين بالصفات الذميمة المشار إليها أولا، فأول خصم لهم ابن تيمية ونظراؤه من أئمة الحنابلة، فليسوا بتابعيهم.
وبعض الناس يقولون: الوهابية هم القائمون بالسنة، المتجنبون للبدع، المتبعون للحديث الشريف، وعلى مذهب أحمد ابن حنبل وطريقة السلف في الاعتقاد...".
واعلموا أن من البلايا المتسلطة على الدين وإيمان المسلمين أنه صار الذي يصدع بالحديث النبوي الصحيح مقدما له على عصارة المتفقهين يقال له: أنت وهابي!
وأحكي لكم لطيفة: كنت سألت بعض متفقهة مكة الحنفية عن رجل أعرفه من أكبر الفضلاء، قلت له: كيف حال فلان؟ فقال لي: ذلك وهابي. فقلت له: كيف وهابي؟ فقال: يتبع البخاري!"اه2.
وفي بيان اعتماده في بحثه على المطالعة والدراسة يقول ابن عزوز:
"وقد كنت طالعت الرسائل المؤلفة من محمد بن عبد الوهاب وأصحابه، ورأيت ما كتبه الجبرتي في "تاريخه" من عقائدهم وسيرتهم؛ فما هي إلا طريق السنة ليس فيها ما ينكر، ورأيت رسائل القادحين فيهم ينسبون لهم الدواهي والعظائم .."3 اه.
وقال: "فلما ارتحلت إلى المشرق سنة 1316، واطلعت على كتب أهل هذا الشأن باستغراق الوقت؛ لا واشي ولا رقيب، وأمعنت النظر بدون تعصب، فتح الله على القلب بقبول الحقيقة، وعرفت سوء الغشاوة التي كانت على بصري، وتدرجت في هذا الأمر حتى صارت كتب الشوكاني وصديق خان وشروح بلوغ المرام وما والاها أراها من أعز ما يطالع، أما كتب الشيخين ابن تيمية وابن القيم فمن لم يشبع ولم يرو بها فهو لا يعرف العلم.
.. ومنذ عرفت الحقائق، استرذلت الحكم بلا دليل"اه
قلت: فهل ينصف كاتبنا، ويسترذل –هو بدوره- الحكم بلا دليل؟؟
وحسبه أن الدولة السعودية نفسها وعلماءها لا يعترفون بشيء اسمه المذهب الوهابي؛ فكيف يتهم الشيخ المغراوي بالكذب حين يقول بأنه لا يعرف المذهب الوهابي؟؟
إننا حين نتكلم عن السلفية لا نتحدث عن مذهب أحدثه أحمد بن حنبل أو ابن تيمية أو ابن عبد الوهاب أو غيرهم؛ ولكننا نتكلم عن منهج تديّن به رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه، وجدده في المغرب أعلام كبار من رجال العلم والسياسة والأدب والفكر؛ ليس أولهم السلطان العلوي مولاي سليمان بن محمد، وليس آخرهم العلامة المناضل شيخ الإسلام محمد بن العربي العلوي وتلميذه الدكتور العلامة المتفنن تقي الدين الهلالي، وتلميذ هذا الأخير: الدكتور محمد المغراوي ..
وليس من الهين محو هذه الصفحة المشرقة من تاريخ المغرب وواقعه، بممحاة متحاملة من قبيل مقالة السيد عبد الله الجباري.
ألست منتهياً عن نحت أثلتنا ... ولستَ ضائرها ما أطت الإبل
كناطح صخرة يوماً ليفلقها ... فلم يضرها وأوهى قرنَه الوعل
دور القرآن الكريم لا تدرس الوهابية:
وعلى فرض وجود مذهب اسمه الوهابية؛ فإن دور القرآن لا تدرس هذا المذهب، بل تدرس العلوم الشرعية التي تقرب معاني القرآن والسنة، منفتحة على كل الإنتاجات العلمية التي أفرزها علماء الأمة الإسلامية.
وفي الوقت الذي تُولي مزيد عناية واهتمام بتراثنا المالكي الغني؛ فإنها تشجع أيضا على الانفتاح على علوم باقي الأئمة والمذاهب:
ففي التفسير مثلا تولي عناية خاصة لتفسير العلامة القرطبي، لكنها لا تقصي –مثلا- تفسير ابن جرير وابن كثير أو نحوهما من التفاسير النافعة.
وفي الحديث والفقه؛ تدرس موطأ الإمام مالك، مع الاهتمام بباقي مصادر السنة وعلى رأسها الصحيحان.
وفي العقيدة تدرس مقدمة الرسالة لمالك الصغير؛ الإمام ابن أبي زيد القيرواني، دون أن تترك الاستفادة من العقيدة الطحاوية للإمام الحنفي أبي جعفر الطحاوي، وكتاب التوحيد للإمام الحنبلي محمد ابن عبد الوهاب.
فهذا التنوع ظاهرة إيجابية، ولم يزل هو ديدن العلماء، وليس من المفيد أن ننغلق وننحصر في ما يسميه البعض الخصوصية المغربية، والتي يقصد بها رفض كل ما جاء من المشرق.
وللإشارة فإن البرامج العلمية لدور القرآن صادق عليها المجلس العلمي المحلي منذ تأسست دور القرآن.
دور القرآن لا تتبنى المذهب الحنبلي:
تحامَل الكاتب على المذهب الحنبلي تحاملا يطفح بالتعالم ومشاعر الكراهية، ثم زعم أن دور القرآن تنشر ما سماه: الحنبلية المتشددة!
والحقيقة أن دور القرآن لم تتبن يوما تدريس مذهب الإمام أحمد رحمه الله، ولم يجعل مشايخها أصول هذا المذهب ومسائله مرجعا في إجاباتهم على أسئلة الناس الدينية، بل منهجهم في ذلك توخي الدليل من القرآن والسنة وعدم إحداث قول لم يقل به إمام من أئمة الإسلام.
وهذا لا يعني القطيعة مع مذهب الإمام أحمد أو عدم وجود مسائل توافق فيها ما أفتى به هذا الإمام المبجل، بل دور القرآن تنفتح على مذاهب الأئمة الأربعة واجتهادات علماء السنة دون تعصب ولا جمود مذهبي.
والشيخ المغراوي وغيره من العلماء السلفيين إذا أخذوا ببعض الأحكام التي توافق المذهب الحنبلي؛ فإنهم لا يتعصبون لتلك الأقوال ولا يفرضونها على من خالفهم؛ وقد خالفتُ الشيخ المغراوي في مسائل؛ كمسألة حرمة التصوير بالآلة ومسألة وجوب تغطية المرأة لوجهها ومسألة سياقة المرأة للسيارة ..، ولم أر منه إنكارا ولا تشددا ولا سعيا لفرض رأيه ..
وليت شعري كيف يزايد الكاتب على الشيخ المغراوي في الاحتفاء بعلم الإمام مالك، ويتهمه بما سماه التشدد الحنبلي؛ مع أننا لا نعرف للكاتب إنتاجا علميا يقارب تأليف الشيخ؛ المسمى: "فتح البر في الترتيب الفقهي لتمهيد ابن عبد البر" المطبوع في ستة عشر مجلدا، وكتابه الآخر: "بغية المستفيد في ما زاده الاستذكار على التمهيد"؟!
دور القرآن تنبذ العنف:
من أغرب افتراءات الكاتب؛ إيهامه بأن دور القرآن تتبنى أسلوب العنف، والأشد غرابة هو الدليل الذي قدمه برهانا على تلك التهمة؛ والمتمثل في الحرب التي جرت قديما بين آل سعود والدولة العثمانية!
وبعيدا عن هذا التلاعب العجيب بالتاريخ، والذي يكشف تمحل الكاتب، وحرصه على إعطاء صورة سلبية عمن يخالفهم مذهبيا بأي وجه كان؛ نذكر القراء بأن دور القرآن تجاوز عمرها الأربعين سنة، قدمت خلالها للوطن خدمات جليلة؛ منها: المشاركة في حفظ الأمن والسلم والاستقرار، ومقاومة أسباب الفتن والاضطرابات، والواقع يصدق ذلك أو يكذبه ..
وسيجد القارئ المنصف المرتكزات الشرعية لهذا الموقف في كتابَيّ: "السلفية في المغرب ودورها في محاربة الإرهاب"، و"الأدلة القطعية على تحريم التفجيرات التخريبية التي تمارس باسم الجهاد وإنكار المخالفات الشرعية".
دور القرآن تعظم رسول الله صلى الله عليه وسلم:
إن أعظم ما اشتط فيه قلم هذا الكاتب المفتري؛ ما أقدم عليه من الجريمة النكراء والفرية الشوهاء، التي ألصقها بمن عرفوا بشدة تمسكهم بسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ وهي أنهم "لا ينزلون النبي (صلى الله عليه وسلم) المكانة اللائقة به"!!!
وأرى من المعيب أن أقحم قلمي في إثبات محبة السلفيين لرسول الله صلى الله عليه وسلم وشدة اتباعهم له واقتدائهم به إلى حد يحمل غيرهم –ومنهم الكاتب- على رميهم بالتشدد والحرفية.
ألم تر أن السيف يزرى بقدره ° إذا قيل هذا السيف أمضى من العصا
والعجيب أن الكاتب استلزم من نقد الشيخ المغراوي للأخطاء الموجودة في كتاب "دلائل الخيرات"؛ كون المنتقد لا يحب رسول الله صلى الله عليه وسلم!
وليت شعري كيف منعه هواه أن يُطلع القراءَ على كتاب الشيخ المغراوي الذي ألفه تحت عنوان: "تعظيم قدر النبي صلى الله عليه وسلم"، وقبله كتاب: "حاجتنا إلى السنة"، وما اشتملا عليه من الدعوة إلى إنزال النبي صلى الله عليه وسلم المكانة اللائقة به؟!
أمشمت أنت أقواما صدورهم ° عليّ فيك الى الأذقان تلتهب
إن يسمعوا الخير يخفوه وإن سمعوا ° شرّا أذاعوا وإن لم يسمعوا كذبوا
تكميل:
ما أشرنا إليه فيما يتعلق بالبرامج العلمية لدور القرآن وآثارها الدعوية والتربوية وخدماتها التنموية، لا تعني أن يتفق علماؤها ودعاتها مع إخوانهم العلماء والدعاة في مؤسسات أخرى، في كل المسائل الخلافية4؛ كمسائل التصوف والعقائد الكلامية والأحكام الفقهية ونحو ذلك.
وليس السبيل في التعامل مع ذلك الخلاف؛ كتابة المقالات التحريضية والنيل من العلماء العاملين ورميهم بالتشدد ..؛ كما فعل الكاتب ..
ولا الشطط في استعمال السلطة ومصادرة الحقوق القانونية والدستورية؛ كما فعلت الداخلية حين أغلقت مقرات دور القرآن سنة 2007 ..
إنما السبيل الشرعي؛ هو الحوار العلمي المؤدب، والنقاش الوطني المسؤول، في ضوء قول الله تعالى: {فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلًا} [النساء: 59]
فعلى كاتب المقال وأمثاله من الكتاب والسياسيين والفاعلين الجمعويين؛ أن يتقوا الله، وأن يقدموا مصلحة الوطن واستقراره، على حساباتهم السياسية مع من يكنون لهم مشاعر الكراهية ويحملون تجاههم النظرة الإقصائية، كما هو حال الكاتب مع دور القرآن والشيخ المغراوي .. و(الوهابية).
*****
1 الرسالة أثبتها بنصها: العلامة جمال الدين القاسمي في رسالة إلى العلامة الألوسي مؤرخة ب: 20 ذي الحجة 1327، مطلعها: "اطلعت على رسالة بخط العلامة الفاضل السيد محمد المكي بن عزوز .."، ورسالة ابن عزوز مؤرخة ب: ذي الحجة 1327 ه؛ راجع كتاب: [الرسائل المتبادلة بين القاسمي والألوسي ص. 104].
2 الرسائل المتبادلة بين القاسمي والألوسي ص. 106/107.
3 المصدر نفسه (ص. 104).
4 بغض النظر عن كون الخلاف معتبرا أو لا.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.