إدارة أولمبيك خريبكة تحتح على الحكام    "عشر دقائق فقط، لو تأخرت لما تمكنت من إخباركم قصتي اليوم" مراسل بي بي سي في غزة    "العدالة والتنمية" يندد بدعوات إلى استقالة ابن كيران بعد خسارة انتخابات جزئية    فريق يوسفية برشيد يتعادل مع "الماط"    مدرب بركان يعلق على مواجهة الزمالك    "العدالة والتنمية" ينتقد حديث أخنوش عن الملك خلال عرض حصيلته منددا بتصريح عن "ولاية مقبلة"    مرصد يندد بالإعدامات التعسفية في حق شباب محتجزين بمخيمات تندوف    مكناس.. اختتام فعاليات الدورة ال16 للمعرض الدولي للفلاحة بالمغرب    البطولة: المغرب التطواني يضمن البقاء ضمن فرق قسم الصفوة وبرشيد يضع قدمه الأولى في القسم الثاني    بايتاس: ولوج المغاربة للعلاج بات سريعا بفضل "أمو تضامن" عكس "راميد"    كلمة هامة للأمين العام لحزب الاستقلال في الجلسة الختامية للمؤتمر    طنجة تسجل أعلى نسبة من التساقطات المطرية خلال 24 ساعة الماضية    ماذا بعد استيراد أضاحي العيد؟!    ولي العهد الأمير مولاي الحسن يترأس الجائزة الكبرى لجلالة الملك للقفز على الحواجز    اتحاد العاصمة ما بغاوش يطلعو يديرو التسخينات قبل ماتش بركان.. واش ناويين ما يلعبوش    الدرهم يتراجع مقابل الأورو ويستقر أمام الدولار    تعميم المنظومتين الإلكترونييتن الخاصتين بتحديد المواعيد والتمبر الإلكتروني الموجهة لمغاربة العالم    أشرف حكيمي بطلا للدوري الفرنسي رفقة باريس سان جيرمان    بعد كورونا .. جائحة جديدة تهدد العالم في المستقبل القريب    حماس تنفي خروج بعض قادتها من غزة ضمن "صفقة الهدنة"    مقايس الامطار المسجلة بالحسيمة والناظور خلال 24 ساعة الماضية    طنجة.. توقيف شخص لتورطه في قضية تتعلق بالسرقة واعتراض السبيل وحيازة أقراص مخدرة    الأسير الفلسطيني باسم خندقجي يظفر بجائزة الرواية العربية في أبوظبي    بيدرو سانشيز، لا ترحل..    محكمة لاهاي تستعد لإصدار مذكرة اعتقال ضد نتنياهو وفقا لصحيفة اسرائيلية    "البيغ" ينتقد "الإنترنت": "غادي نظمو كأس العالم بهاد النيفو؟"    الفيلم المغربي "كذب أبيض" يفوز بجائزة مهرجان مالمو للسينما العربية    اتفاق جديد بين الحكومة والنقابات لزيادة الأجور: 1000 درهم وتخفيض ضريبي متوقع    اعتقال مئات الطلاب الجامعيين في الولايات المتحدة مع استمرار المظاهرات المنددة بحرب إسرائيل على غزة    بيع ساعة جَيب لأغنى ركاب "تايتانيك" ب1,46 مليون دولار    بلوكاج اللجنة التنفيذية فمؤتمر الاستقلال.. لائحة مهددة بالرفض غاتحط لأعضاء المجلس الوطني    العسكر الجزائري يمنع مشاركة منتخب الجمباز في بطولة المغرب    دراسة: الكرياتين يحفز الدماغ عند الحرمان من النوم    حصيلة ضحايا القصف الإسرائيلي على عزة ترتفع إلى 34454 شهيدا    التاريخ الجهوي وأسئلة المنهج    توقيف مرشحة الرئاسة الأمريكية جيل ستاين في احتجاجات مؤيدة لفلسطين    طنجة "واحة حرية" جذبت كبار موسيقيي الجاز    تتويج الفائزين بالجائزة الوطنية لفن الخطابة    الفكُّوس وبوستحمّي وأزيزا .. تمور المغرب تحظى بالإقبال في معرض الفلاحة    شبح حظر "تيك توك" في أمريكا يطارد صناع المحتوى وملايين الشركات الصغرى    المعرض الدولي للفلاحة 2024.. توزيع الجوائز على المربين الفائزين في مسابقات اختيار أفضل روؤس الماشية    نظام المطعمة بالمدارس العمومية، أية آفاق للدعم الاجتماعي بمنظومة التربية؟ -الجزء الأول-    خبراء "ديكريبطاج" يناقشون التضخم والحوار الاجتماعي ومشكل المحروقات مع الوزير بايتاس    مور انتخابو.. بركة: المسؤولية دبا هي نغيرو أسلوب العمل وحزبنا يتسع للجميع ومخصناش الحسابات الضيقة    المغرب يشارك في الاجتماع الخاص للمنتدى الاقتصادي العالمي بالرياض    هيئة كبار العلماء السعودية: لا يجوز الذهاب إلى الحج دون تصريح    صديقي: المملكة قطعت أشواط كبيرة في تعبئة موارد السدود والتحكم في تقنيات السقي    مهرجان إثران للمسرح يعلن عن برنامج الدورة الثالثة    سيارة ترمي شخصا "منحورا" بباب مستشفى محمد الخامس بطنجة    خبراء وباحثون يسلطون الضوء على المنهج النبوي في حل النزاعات في تكوين علمي بالرباط    ابتدائية تنغير تصدر أحكاما بالحبس النافذ ضد 5 أشخاص تورطوا في الهجرة السرية    السعودية: لا يجوز الحج في هذه الحالة.. ويأثم فاعله!    قبائل غمارة في مواجهة التدخل الإستعماري الأجنبي (8)    الأمثال العامية بتطوان... (584)    انتخابات الرئاسة الأمريكية تؤجل قرار حظر "سجائر المنثول"    كورونا يظهر مجدداً في جهة الشرق.. هذا عدد الاصابات لهذا الأسبوع    الأمثال العامية بتطوان... (583)    بروفيسور عبد العزيز عيشان ل"رسالة24″: هناك علاج المناعي يخلص المريض من حساسية الربيع نهائيا    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



دور القرآن والشيخ المغراوي .. وحقيقة المذهب الوهابي
نشر في هسبريس يوم 17 - 05 - 2012

كتب الأستاذ عبد الله الجباري على صفحات جريدة هسبريس؛ مقالة تحت عنوان: "إعلام الأستاذ المغراوي بحقيقة مذهبه الوهابي".
وإذا ما تجاوزنا الخلفية المذهبية التي تؤطر الكاتب وتوجه آراءه ومواقفه ..
فإن الواجب الشرعي يطوق أعناقنا بمسؤولية كشف مضمون مقالته الذي يصطدم مع التوجيه القرآني: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُونُوا قَوَّامِينَ لِلَّهِ شُهَدَاءَ بِالْقِسْطِ وَلَا يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ عَلَى أَلَّا تَعْدِلُوا اعْدِلُوا هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ} [المائدة: 8]
كما يصطدم مع قوله سبحانه: {أَوْفُوا الْمِكْيَالَ وَالْمِيزَانَ بِالْقِسْطِ وَلَا تَبْخَسُوا النَّاسَ أَشْيَاءَهُمْ وَلَا تَعْثَوْا فِي الْأَرْضِ مُفْسِدِينَ} [هود: 85]
وغير خاف على القارئ اللبيب أن مقالة السيد الجباري التي هاجم فيها دور القرآن والشيخ المغراوي؛ تأتي في سياق سياسي معين، وفي أفق انفراج يعرفه ملف دور القرآن، الشيء الذي لا يروق التيار الصوفي.
وهذه الخلفية كانت حاضرة بقوة في المقالة؛ وبلغ تأثيرها على كاتبها إلى حد اتهام مؤسسة "دور القرآن" وعالمها المؤسس؛ بفرية "اتباع المذهب الوهابي" و"نشر العنف" و"تبني الحنبلية المتشددة"، بل و"عدم إنزال النبي صلى الله عليه وسلم منزلته!!!" ..
ولا أراني بحاجة إلى إعادة التذكير بما بيناه مرارا من الآثار الإيجابية لدور القرآن في مجال الدعوة إلى الله وتعليم العلوم الشرعية وتحفيظ القرآن الكريم وإتقان تلاوته؛ لكنني في المقابل سوف أثبت أن دور القرآن لا تتبنى مذهبا اسمه المذهب الوهابي؛ وذلك من خلال المحاور التالية:
حقيقة المذهب الوهابي:
لم يكن الدكتور المغراوي مجانبا للصواب ولا مقارفا للكذب؛ حين قال بأنه لا يعرف شيئا اسمه المذهب الوهابي أو الطائفة الوهابية؛ لسبب مقنع؛ وهو أننا لا نعرف شخصا أو طائفة تبنت مذهبا بهذا الاسم أو انتسبت إليه.
والوهابية لقب أطلقه التيار الصوفي والحركة الاستشراقية على الدولة السعودية الأولى، وعلى الحركة الإصلاحية التي قادها الشيخ محمد بن عبد الوهاب رحمه الله؛ تنفيرا للمسلمين من هذه الحركة وإيهاما بأنها مذهب خامس أحدثه الشيخ محمد.
وقد راجت هذه الإشاعة في الأوساط الفكرية والسياسية، لكن المنصفين العارفين بخبايا الأمور يدركون حقيقة الأمر؛ ويعلمون أن الوهابية ليست مذهبا محدثا بقدر ما أنها حركة إصلاحية سلفية تهدف إلى الرجوع بالدين إلى أصوله الصحيحة وتطبيقاته المشروعة، كما هو صريح قول المستشرق الإسباني (أرمانو): "إن كل ما ألصق بالوهابية من سفاسف وأكاذيب لا صحة له على الإطلاق".
وجاء في دائرة المعارف البريطانية: "الحركة الوهابية اسم لحركة التطهير في الإسلام، والوهابيون يتبعون تعاليم الرسول وحده، و يهملون كل ما سواها، وأعداء الوهابية هم أعداء الإسلام الصحيح".
ويكفينا في الموضوع؛ شهادة أديب المغرب؛ العلامة عبد الله كنون الذي قال في كتابه النبوغ المغربي (ص. 125): "يقال اليوم في كل من كان سلفي العقيدة: إنه وهابي تنكيتا عليه وتنفيرا من مذهبه".
وكنت قد كتبت مقالة أبرزت فيها استكشاف أحد أبرز علماء المالكية وفقهائهم المتأخرين لما يسمى بالمذهب الوهابي؛ وهو العلامة محمد ابن عزوز التونسي المالكي (ت 1334ه).
ترجم له الكتاني في فهرس الفهارس رقم (490)، واصفا له بقوله: "هذا الرجل كان مسند أفريقية ونادرتها، لم نر ولم نسمع فيها بأكثر اعتناء منه بالرواية والإسناد والإتقان والمعرفة ومزيد تبحر في بقية العلوم والاطلاع على الخبايا والغرائب من الفنون والكتب والرحلة الواسعة وكثرة الشيوخ، إلى طيب منبت وكريم أرومة"اه.
كان الشيخ محمد بن عزوز مطلعا على ما يتردد من كلام حول (الوهابية)، وأنهم طائفة مبتدعة في الدين تكفر المسلمين وتعتدي على تراثهم.
إلا أنه لم يرض أن يبقى في تصوره وحكمه على هذا التوجه؛ أسير الأخبار والحكايات، فهذا شأن قليل المعرفة أو صاحب المصلحة أو المتعصب الذي لا يرضى أن يقال له أخطأت.
ذلك كله لم يحكم موقف الشيخ ابن عزوز، بل سلك مسلك العلماء المنصفين؛ فبحث وقرأ واستشهد الثقات؛ ومن ذلك أنه أرسل إلى صديق له في المدينة النبوية رسالة يستجلي منه فيها الأمر، ثم أرسل الرسالة نفسها إلى "البيطار" علامة بلاد الشام يريد منه جوابا شافيا1.
ومما جاء فيها: "أخبرني بإنصاف، واعلم أنك مسؤول في عرصات القيامة عن ذلك:
أخبرني عن "الوهابية" الذين ترون معاملتهم، وحالتهم مع السنة، والحضرة النبوية، فأنا إلى الآن ما اجتمعت بوهابي، وقد تناقضت عندي المسموعات بالأذن والمرئيات في الكتب بالأعين:
بعض الناس يقولون: الوهابية يحقرون المقام النبوي، ولا يرون فرقا بينه وبين بقعة خالية في الأرض، ويقولون لمن شرب الدخان: أشركت بالله، ويضللون من أثنى على رسول الله صلى الله عليه وسلم على المنارة، ويكفرون من زار قبرا ودعا الله عنده ويستحلون دمه.
وهؤلاء القادحين فيهم يقولون على سبيل القدح: "هم تابعون ابن تيمية"، فهنا جاء التناقض؛ فإن ابن تيمية إمام في السنة كبير، وطود عظيم من أطواد العرفان، حافظ للسنة النبوية، ومذهب السلف، يذب عن الدين، ويقمع المارقين، كالمعتزلة والقدرية، والرافضة والجهمية، ما فارق سبيل الصحابة والتابعين والأئمة الأربعة قيد أنملة، .. فإن كان الوهابية حقيقة على منهج ابن تيمية وابن القيم ونحوهما من فقهاء الحنابلة السنية فهم أسعد الناس بالشريعة؛ لأن ابن تيمية وأصحابه لم يسيء القول فيهم إلا القاصرون عن درجاتهم، علما وتحقيقا، والراسخون في العلم شهدوا بعلو مكانتهم. وإن كان الوهابية متصفين بالصفات الذميمة المشار إليها أولا، فأول خصم لهم ابن تيمية ونظراؤه من أئمة الحنابلة، فليسوا بتابعيهم.
وبعض الناس يقولون: الوهابية هم القائمون بالسنة، المتجنبون للبدع، المتبعون للحديث الشريف، وعلى مذهب أحمد ابن حنبل وطريقة السلف في الاعتقاد...".
واعلموا أن من البلايا المتسلطة على الدين وإيمان المسلمين أنه صار الذي يصدع بالحديث النبوي الصحيح مقدما له على عصارة المتفقهين يقال له: أنت وهابي!
وأحكي لكم لطيفة: كنت سألت بعض متفقهة مكة الحنفية عن رجل أعرفه من أكبر الفضلاء، قلت له: كيف حال فلان؟ فقال لي: ذلك وهابي. فقلت له: كيف وهابي؟ فقال: يتبع البخاري!"اه2.
وفي بيان اعتماده في بحثه على المطالعة والدراسة يقول ابن عزوز:
"وقد كنت طالعت الرسائل المؤلفة من محمد بن عبد الوهاب وأصحابه، ورأيت ما كتبه الجبرتي في "تاريخه" من عقائدهم وسيرتهم؛ فما هي إلا طريق السنة ليس فيها ما ينكر، ورأيت رسائل القادحين فيهم ينسبون لهم الدواهي والعظائم .."3 اه.
وقال: "فلما ارتحلت إلى المشرق سنة 1316، واطلعت على كتب أهل هذا الشأن باستغراق الوقت؛ لا واشي ولا رقيب، وأمعنت النظر بدون تعصب، فتح الله على القلب بقبول الحقيقة، وعرفت سوء الغشاوة التي كانت على بصري، وتدرجت في هذا الأمر حتى صارت كتب الشوكاني وصديق خان وشروح بلوغ المرام وما والاها أراها من أعز ما يطالع، أما كتب الشيخين ابن تيمية وابن القيم فمن لم يشبع ولم يرو بها فهو لا يعرف العلم.
.. ومنذ عرفت الحقائق، استرذلت الحكم بلا دليل"اه
قلت: فهل ينصف كاتبنا، ويسترذل –هو بدوره- الحكم بلا دليل؟؟
وحسبه أن الدولة السعودية نفسها وعلماءها لا يعترفون بشيء اسمه المذهب الوهابي؛ فكيف يتهم الشيخ المغراوي بالكذب حين يقول بأنه لا يعرف المذهب الوهابي؟؟
إننا حين نتكلم عن السلفية لا نتحدث عن مذهب أحدثه أحمد بن حنبل أو ابن تيمية أو ابن عبد الوهاب أو غيرهم؛ ولكننا نتكلم عن منهج تديّن به رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه، وجدده في المغرب أعلام كبار من رجال العلم والسياسة والأدب والفكر؛ ليس أولهم السلطان العلوي مولاي سليمان بن محمد، وليس آخرهم العلامة المناضل شيخ الإسلام محمد بن العربي العلوي وتلميذه الدكتور العلامة المتفنن تقي الدين الهلالي، وتلميذ هذا الأخير: الدكتور محمد المغراوي ..
وليس من الهين محو هذه الصفحة المشرقة من تاريخ المغرب وواقعه، بممحاة متحاملة من قبيل مقالة السيد عبد الله الجباري.
ألست منتهياً عن نحت أثلتنا ... ولستَ ضائرها ما أطت الإبل
كناطح صخرة يوماً ليفلقها ... فلم يضرها وأوهى قرنَه الوعل
دور القرآن الكريم لا تدرس الوهابية:
وعلى فرض وجود مذهب اسمه الوهابية؛ فإن دور القرآن لا تدرس هذا المذهب، بل تدرس العلوم الشرعية التي تقرب معاني القرآن والسنة، منفتحة على كل الإنتاجات العلمية التي أفرزها علماء الأمة الإسلامية.
وفي الوقت الذي تُولي مزيد عناية واهتمام بتراثنا المالكي الغني؛ فإنها تشجع أيضا على الانفتاح على علوم باقي الأئمة والمذاهب:
ففي التفسير مثلا تولي عناية خاصة لتفسير العلامة القرطبي، لكنها لا تقصي –مثلا- تفسير ابن جرير وابن كثير أو نحوهما من التفاسير النافعة.
وفي الحديث والفقه؛ تدرس موطأ الإمام مالك، مع الاهتمام بباقي مصادر السنة وعلى رأسها الصحيحان.
وفي العقيدة تدرس مقدمة الرسالة لمالك الصغير؛ الإمام ابن أبي زيد القيرواني، دون أن تترك الاستفادة من العقيدة الطحاوية للإمام الحنفي أبي جعفر الطحاوي، وكتاب التوحيد للإمام الحنبلي محمد ابن عبد الوهاب.
فهذا التنوع ظاهرة إيجابية، ولم يزل هو ديدن العلماء، وليس من المفيد أن ننغلق وننحصر في ما يسميه البعض الخصوصية المغربية، والتي يقصد بها رفض كل ما جاء من المشرق.
وللإشارة فإن البرامج العلمية لدور القرآن صادق عليها المجلس العلمي المحلي منذ تأسست دور القرآن.
دور القرآن لا تتبنى المذهب الحنبلي:
تحامَل الكاتب على المذهب الحنبلي تحاملا يطفح بالتعالم ومشاعر الكراهية، ثم زعم أن دور القرآن تنشر ما سماه: الحنبلية المتشددة!
والحقيقة أن دور القرآن لم تتبن يوما تدريس مذهب الإمام أحمد رحمه الله، ولم يجعل مشايخها أصول هذا المذهب ومسائله مرجعا في إجاباتهم على أسئلة الناس الدينية، بل منهجهم في ذلك توخي الدليل من القرآن والسنة وعدم إحداث قول لم يقل به إمام من أئمة الإسلام.
وهذا لا يعني القطيعة مع مذهب الإمام أحمد أو عدم وجود مسائل توافق فيها ما أفتى به هذا الإمام المبجل، بل دور القرآن تنفتح على مذاهب الأئمة الأربعة واجتهادات علماء السنة دون تعصب ولا جمود مذهبي.
والشيخ المغراوي وغيره من العلماء السلفيين إذا أخذوا ببعض الأحكام التي توافق المذهب الحنبلي؛ فإنهم لا يتعصبون لتلك الأقوال ولا يفرضونها على من خالفهم؛ وقد خالفتُ الشيخ المغراوي في مسائل؛ كمسألة حرمة التصوير بالآلة ومسألة وجوب تغطية المرأة لوجهها ومسألة سياقة المرأة للسيارة ..، ولم أر منه إنكارا ولا تشددا ولا سعيا لفرض رأيه ..
وليت شعري كيف يزايد الكاتب على الشيخ المغراوي في الاحتفاء بعلم الإمام مالك، ويتهمه بما سماه التشدد الحنبلي؛ مع أننا لا نعرف للكاتب إنتاجا علميا يقارب تأليف الشيخ؛ المسمى: "فتح البر في الترتيب الفقهي لتمهيد ابن عبد البر" المطبوع في ستة عشر مجلدا، وكتابه الآخر: "بغية المستفيد في ما زاده الاستذكار على التمهيد"؟!
دور القرآن تنبذ العنف:
من أغرب افتراءات الكاتب؛ إيهامه بأن دور القرآن تتبنى أسلوب العنف، والأشد غرابة هو الدليل الذي قدمه برهانا على تلك التهمة؛ والمتمثل في الحرب التي جرت قديما بين آل سعود والدولة العثمانية!
وبعيدا عن هذا التلاعب العجيب بالتاريخ، والذي يكشف تمحل الكاتب، وحرصه على إعطاء صورة سلبية عمن يخالفهم مذهبيا بأي وجه كان؛ نذكر القراء بأن دور القرآن تجاوز عمرها الأربعين سنة، قدمت خلالها للوطن خدمات جليلة؛ منها: المشاركة في حفظ الأمن والسلم والاستقرار، ومقاومة أسباب الفتن والاضطرابات، والواقع يصدق ذلك أو يكذبه ..
وسيجد القارئ المنصف المرتكزات الشرعية لهذا الموقف في كتابَيّ: "السلفية في المغرب ودورها في محاربة الإرهاب"، و"الأدلة القطعية على تحريم التفجيرات التخريبية التي تمارس باسم الجهاد وإنكار المخالفات الشرعية".
دور القرآن تعظم رسول الله صلى الله عليه وسلم:
إن أعظم ما اشتط فيه قلم هذا الكاتب المفتري؛ ما أقدم عليه من الجريمة النكراء والفرية الشوهاء، التي ألصقها بمن عرفوا بشدة تمسكهم بسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ وهي أنهم "لا ينزلون النبي (صلى الله عليه وسلم) المكانة اللائقة به"!!!
وأرى من المعيب أن أقحم قلمي في إثبات محبة السلفيين لرسول الله صلى الله عليه وسلم وشدة اتباعهم له واقتدائهم به إلى حد يحمل غيرهم –ومنهم الكاتب- على رميهم بالتشدد والحرفية.
ألم تر أن السيف يزرى بقدره ° إذا قيل هذا السيف أمضى من العصا
والعجيب أن الكاتب استلزم من نقد الشيخ المغراوي للأخطاء الموجودة في كتاب "دلائل الخيرات"؛ كون المنتقد لا يحب رسول الله صلى الله عليه وسلم!
وليت شعري كيف منعه هواه أن يُطلع القراءَ على كتاب الشيخ المغراوي الذي ألفه تحت عنوان: "تعظيم قدر النبي صلى الله عليه وسلم"، وقبله كتاب: "حاجتنا إلى السنة"، وما اشتملا عليه من الدعوة إلى إنزال النبي صلى الله عليه وسلم المكانة اللائقة به؟!
أمشمت أنت أقواما صدورهم ° عليّ فيك الى الأذقان تلتهب
إن يسمعوا الخير يخفوه وإن سمعوا ° شرّا أذاعوا وإن لم يسمعوا كذبوا
تكميل:
ما أشرنا إليه فيما يتعلق بالبرامج العلمية لدور القرآن وآثارها الدعوية والتربوية وخدماتها التنموية، لا تعني أن يتفق علماؤها ودعاتها مع إخوانهم العلماء والدعاة في مؤسسات أخرى، في كل المسائل الخلافية4؛ كمسائل التصوف والعقائد الكلامية والأحكام الفقهية ونحو ذلك.
وليس السبيل في التعامل مع ذلك الخلاف؛ كتابة المقالات التحريضية والنيل من العلماء العاملين ورميهم بالتشدد ..؛ كما فعل الكاتب ..
ولا الشطط في استعمال السلطة ومصادرة الحقوق القانونية والدستورية؛ كما فعلت الداخلية حين أغلقت مقرات دور القرآن سنة 2007 ..
إنما السبيل الشرعي؛ هو الحوار العلمي المؤدب، والنقاش الوطني المسؤول، في ضوء قول الله تعالى: {فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلًا} [النساء: 59]
فعلى كاتب المقال وأمثاله من الكتاب والسياسيين والفاعلين الجمعويين؛ أن يتقوا الله، وأن يقدموا مصلحة الوطن واستقراره، على حساباتهم السياسية مع من يكنون لهم مشاعر الكراهية ويحملون تجاههم النظرة الإقصائية، كما هو حال الكاتب مع دور القرآن والشيخ المغراوي .. و(الوهابية).
*****
1 الرسالة أثبتها بنصها: العلامة جمال الدين القاسمي في رسالة إلى العلامة الألوسي مؤرخة ب: 20 ذي الحجة 1327، مطلعها: "اطلعت على رسالة بخط العلامة الفاضل السيد محمد المكي بن عزوز .."، ورسالة ابن عزوز مؤرخة ب: ذي الحجة 1327 ه؛ راجع كتاب: [الرسائل المتبادلة بين القاسمي والألوسي ص. 104].
2 الرسائل المتبادلة بين القاسمي والألوسي ص. 106/107.
3 المصدر نفسه (ص. 104).
4 بغض النظر عن كون الخلاف معتبرا أو لا.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.