طعم الهزيمة مُرٌّ مرارة العلقم، ولا يستسيغ الهزيمة إلا من فقد الإحساس والطموح والأمل. وربما كانت الهزيمة سببا في استنهاض الهمم، وتوحيد الصفوف، وبعث العزيمة في النفوس. والشرط الأساسي والأول لكي تنقلب الهزيمة انتصارا أو بداية انتصار، هو وجود قائد يعرف نقط قوة فريقه أو جيشه أو حزبه أو جماعته، فيستثمرها أفضل استثمار. ويعرف نقط الضعف، فيسعى لكي يتجاوزها بكل طريقة ممكنة. والهزيمة مُرََّةٌ ، أو بالأحرى " خايبة" بالعامية المغربية، بغض النظر عن المجال أو النشاط أو اللعبة التي تحدث فيها هذه الهزيمة. وتكرار الهزائم أشد مرارة. بل هي أكبر خيبة تصيب فريقا أو حزبا أو طالبا أو قائدا أو مديرا. فيصبح موضع تنذر ونذير شؤم حيثما ذكر. تذكروا رجلا إسمه إيريك غيريتس ، وستحسون فعلا ماذا يعني تكرار الخيبات، وتوالي الإخفاقات. وطبعا حتى مع الإقرار بأن كرة القدم ليست كل شيء في هذه الدنيا، وهي لن تقدم شيئا ولن تؤخر في الاقتصاد والتنمية والتقدم. ولا يمكن التعويل عليها وحدها لإعطاء صورة عن بلد ما. لكن قد تكون هذه اللعبة، وسواها من الرياضات الأخرى ، مؤشرا على ما يحدث داخل بلد من البلدان. وقد تعطي دلالات أولية على أحوال البلد الأخرى في باقي المجالات. استحضارا للروح الرياضية، نقول إن الهزيمة في مقابلة ما ، ينبغي تقبلها بصدر رحب، لكي يبقى للرياضة طابعها الإنساني والثقافي الذي يعتبر عنصرا رئيسيا في خلق الصلات والعلاقات بين شعوب عالمنا المعاصر. ومن الشوفينية التي لا معنى لها، بناء مواقف معينة بناء على نتيجة مقابلة في كرة القدم. لكن حين نكون مطلعين على خبايا الأمور، ونكون على علم أن ما يحدث على المربع الأخضر من تقهقر وتراجع مرده إلى خلل في السياسة، ومن بينها طبعا السياسة الرياضية كجزء من كل، وكمجال من باقي المجالات، هنا يصبح للوطنية معنى، وللغيرة على القميص الوطني وقع في نفوس المواطنين، لأنهم سوف يتساءلون : لماذا يحدث مثل هذا في بلادنا على جميع المستويات؟ لماذا تجد أقلية قليلة هم أعضاء الجامعة الوطنية لكرة القدم ، يتصرفون في أموال عمومية، فقط كي ينتصروا للعبث ولتبذير الأموال، ولتبديد الطاقات؟. فعقب كل مباراة كان يخوضها المنتخب الوطني لكرة القدم، كنا ننتظر خبرا واحدا في اليوم الموالي : إقالة ، أو استقالة ، أو طرد ، أو حتى التودد لهذا المدرب البلجيكي المغمور جدا كي يترك المنتخب الوطني ، وبعدها فأرض الله واسعة ، له ان يتجه حيث يشاء. ومع ذلك لا يسعنا إلا أن نشكر السيد إيريك غيريتس، لأنه استقال أو رضي بالإقالة. نشكره لأنه وفر علينا مبالغ هامة يمكن أن تساهم في النهوض بالرياضة الوطنية حين تصبح عقلنة الموارد المالية بندا رئيسيا في كل نشاط رياضي ، وفي كل تعاقد مع مدرب جديد، وفي كل مشاركة في تظاهرة رياضية. نقطة الانطلاقة أو حجر الزاوية هو تلك الكلمة السحرية التي أصبحت ضرورة في كل نشاط ، أعني الحكامة الجيدة. ودون الدخول في التفاصيل لشرح هذا المفهوم ومختلف معانيه ودلالاته، يكفي الآن في عجالة أن نقول: إما الحكامة الجيدة أو الهدر بشكله الأكثر بشاعة . إما أن نستثمر كل الإمكانيات والقدرات والموارد، بما فيها المواهب والطاقات الرياضية، وإما أن نحرق كل الأوراق ونهدر كل الطاقات. الأمل أن يكون رحيل غيريتس ، وفقه الله في مساره الرياضي مع غيرنا ، رسالة واضحة لكل الذين راهنوا على هذا الرجل، وحاولوا أن يُقنعوا المواطنين أن الرجل استثناء، وأنه تنازل عن الملايين وربما الملايير في السعودية من أجل تدريب المنتخب الوطني لكرة القدم، وربما أرادوه "وطنيا" أيضا أو صورة أخرى للمهدي فاريا. آن الأوان أن يقتدي كل هؤلاء بالسيد غيريتس، لقد قالت لهم الجماهير بالواضح وبالمرموز : إرحلوا ... وعليهم أن يرحلوا. وأظن نتيجة مباراة اليوم ضد المنتخب الوطني للموزمبيق هي رسالة قوية لهم وتذكير صادع بأن يلعبوا ورقة " معركة الشرف " وبكل شجاعة ، فاختياراتهم كانت فاشلة. ولا داعي أن يحسبوا اختيار السيد رشيد الطاوسي إنجازا لهم، لقد فعلوا ذلك مضطرين وفي الدقائق الأخيرة قبل أن يعلن الحكم نهاية المقابلة. ومع ذلك إذا استقالوا بشرف ، وسمحوا لكرة القدم الوطنية أن تتنفس هواء نقيا جديدا ، ورفعوا أيديهم عن الناخب الوطني كي " يقوم بشغله " حسب قواعد ومعايير اللعبة، ولم يصروا على الإمساك بالكراسي لا ستنساخ المآسي، إذا فعلوا ... سيكونون في مستوى اللحظة الكروية التاريخية. ربما ستكون هذه فرصة انطلاقة أسود الطلس من جديد. وسنقول لهم : شكرا ... وبارك الله سعيكم. فقط "قيلونا" .. ********************************************* بعيدا عن الماضي ومآسيه الرياضية، لا يسعنا إلا أن نشكر كل لاعبي المنتخب الوطني الذين دافعوا عن القميص الوطني بكل غيرة ورجولة وقتالية. فكان لهم شرف الانتصار الذي اعتقد كثيرون – تشاؤما – إنه بعيد جدا إن لم يكن أشبه بالمستحيل. وكان لهم شرف تأكيد نتيجة الانتصار، بحيث كانوا كرماء جدا ... ألسنا مغاربة وشيمتنا الكرم ؟ ... فضاعفوا العطاء للمنتخب الوطني للموزمبيق، وربما ظنهم بخلاء . ولولا طريقة بعض المنتخبات الإفريقية في اللعب التي هدفها إضاعة الوقت وتمويت المقابلة واللعب على أعصاب الخصم بدل لعب الكرة بشكل جيد واحترافي ... لولا هذه الطريقة، لربما أجزل لهم لاعبو المنتخب الوطني العطاء أكثر.. وأكثر. دون أن ننسى الإشارة لغياب التركيز في بعض الأحيان ، مما حال دون تسجيل أهداف أخرى. وهذا لا يعني أن الخصم كان سهلا لين الجانب، لقد ناور كثيرا خاصة في بداية المباراة. واستطاع أن يدافع عن نتيجة الذهاب قرابة شوط كامل. قبل أن يفك اللاعب برادة اللغز ، ويفتح السبيل أمام باقي لاعبي المنتخب ليشاركوا ، عبر ممر couloir أسامة اسعيدي ( و ياله من ممر سعيد !! ) ، وعن طريق لمساته السحرية التي افتقدناها كثيرا ، في وجبة الكرم الحاتمي وهم يستقبلون فريق الموزمبيق في مراكش الحمراء. هنيئا لهم ... وهنيئا للجمهور المغربي الذي تفاعل بكل وجدانه مع المقابلة المصيرية. فربما يكون انتصار المنتخب الوطني لكرة القدم مقدمة انتصارات كثيرة في كل المجالات السياسية والاقتصادية والتنموية. والشكر للناخب الوطني السيد رشيد الطاوسي ، الذي نفس عن الجمهور المغربي كثيرا من الاحتقان. والمؤكد أنه لعب دور المصالحة بين هذا الجمهور وبين المنتخب الوطني. وقد أثبت فعلا أن " قد لسانه قد دراعه "، واستطاع في ظرف وجيز بناء منتخب وطني قادر على المنافسة. لأنه عرف كيف يخاطب في اللاعبين وطنيتهم وغيرتهم وشوقهم للانتصار ولو في مقابلة لكرة القدم. المهم أنه أدى مهمته بامتياز، وبذلك يدحض مقولات من عولوا دائما على ناخب أجنبي، يتطلب التعاقد معه ميزانية ضخمة فقط كي يجني الخسارة تلو الخسارة. نشكر للسيد رشيد الطاوسي مرتين بصفته الشخصية، ونشكر ، أكثر من مرة ، في شخصه كل الأطر المغربية الغيورة على الرياضة الوطنية. وهي قادرة على فعل الكثير للنهوض بهذه الرياضة وغيرها من الرياضات، ليكون الأبطال المغاربة أبطالا حقا، ويبقى الأسود أسودا، وبالتالي نمسح مسلسل الخيبات، وننسى الصناعة الفاسدة : صناعة أبطال من ورق بتقنية الدوباج و رفع جرعة المنشطات، وكأن العالم ليس فيه إلا الأغبياء الذين لا يفرقون بين البطل وبين مدعي البطولة. قرأت على موقع التواصل الاجتماعي هذه الخلاصة المعبرة: لقد نال السيد غيريتس مليارا عن كل هدف سجله مع المنتخب الوطني ! ! !. لست أدري كيف احتسبت هذه النتيجة، ولا من احتسبها. لكن ينبغي أن نضيف إليها إنجازا آخر ، طبعا يحسب له هو ،كما يحسب لمن اختاره للقيام بهذه المهمة، لقد ساهم الرجل بشكل متواصل في رفع ضغط الدم والسكري لدى قطاع واسع من الجمهور المغربي. وهناك من أصيب به ابتداء ، جراء "الفقسات" المتوالية. شافى الله الجميع. مرة أخرى لا ينبغي تحميل رياضة كرة القدم فوق اللازم، بحيث نجعلها حجر الزاوية. ومن الروح الرياضية، القبول بكل النتائج سارة وغير سارة. هذا عين العقل، وعلى الرأس والعين. لكن حين تمتزج الهزائم ، مع الاستهتار بمشاعر المغاربة، مع تبديد المال العام، مع الإصرار على احتقار رأي الناس ... فإن الأمر يدعو للجدية وفعل كل ما هو لازم لتغيير اتجاه البوصلة. الآن ، وقد تحقق بعض المراد ، بقي أن نهمس في أذن كل لاعب ، وفي أذن السيد رشيد الطاوسي : نعْم البدايةُ ... نعم الروح القتالية التي تباريتم بها ... ونعم الإصرار من جانبكم على الفوز الكبير. لكن هي بداية ... والطريق طويل لكي يتأكد حضور المنتخب الوطني في كل التظاهرات الإفريقية والعالمية إن شاء الله... لكن على طول الطريق منعرجات ، ومنعطفات ، ومنحدرات وعرة، وحفر عميقة ... وأخاديد عريضة. فهناك دائما من يحفر لكي يبدد رصيد النجاح الذي يحققه الآخرون. يفعل ذلك بغريزة انتقامية وبروح غير وطنية. لكن الأخطر هو الغرور ... الغرور مقبرة النجاح. ولقد جربنا خيبات من قبل ، كان سببها الغرور. علّمْهم، حضرة الناخب الوطني المحترم، أن الغرور غير وارد بالمرة، لأنكم تمثلون ، ولو على مربع أخضر، وطنا أكبر. سنهبك الحب والتقدير ... ويحفظ الوطن كله لكم هذا الجميل. [email protected]
