بالأرقام .. أخنوش يكشف تدابير حكومته لمساندة المقاولات المتضررة جراء الأزمة الصحية    الجامعة الملكية المغربية لكرة القدم تصدر بلاغا حول قرار معاقبة اتحاد العاصمة الجزائري    خلال 4 أشهر.. إصدار 2905 من تراخيص الاستعمالات المشروعة للقنب الهندي    هادي خبار زينة.. أسماء المدير مخرجة "كذب أبيض" فلجنة تحكيم مهرجان كان العالمي    المنتخب المغربي أقل من 17 ينهزم أمام مصر    مطار مراكش المنارة الدولي: ارتفاع بنسبة 22 في المائة في حركة النقل الجوي خلال الربع الأول من 2024    طقس الخميس.. أجواء حارة وقطرات مطرية بهذه المناطق    ظهور حيوان مفترس يستنفر سلطات طنجة    الصحراء المغربية، ركيزة أساسية لتعزيز الفضاء الإفريقي الأطلسي والساحلي    المغرب ومنظمة "الفاو" يوقعان على وثيقة "مستقبل مرن للماء" بميزانية 31.5 مليون دولار    رئيس وزراء اسبانيا يفكر في الاستقالة بعد فتح تحقيق ضد زوجته في قضية فساد    تسريب فيديوهات لتصفية حسابات بين بارونات بتطوان    اللجنة الجهوية للتنمية البشرية بالشمال تصادق على برنامج عمل يضم 394 مشروعا برسم سنة 2024    رئيس الوزراء الإسباني "يفكر" في تقديم استقالته بعد الإعلان عن فتح تحقيق ضدّ زوجته    العدو الجزائري يقحم الرياضة من جديد في حربه على المغرب    الجامعة الملكية لكرة القدم تتوصل بقرار ال"كاف" بشأن مباراة نهضة بركان واتحاد العاصمة الجزائري    بطولة فرنسا لكرة القدم.. باريس سان جرمان يفوز على مضيفه لوريان 4-1    القضاء الفرنسي يؤكد إدانة رئيس الوزراء السابق فرانسوا فيون بقضية الوظائف الوهمية    النصب على حالمين بالهجرة يقود سيدتين الى سجن الحسيمة    أخنوش: الحكومة دأبت منذ تنصيبها على إطلاق مسلسل إصلاحي جديد وعميق يحقق نهضة تربوية وثورة تعليمية    الجزائر تتوصل رسميا بقرار خسارة مباراة بركان و"الكاف" يهدد بعقوبات إضافية    الكاف: نهضة بركان ربحو USMA بثلاثية فالألي والروتور ملعوب فوقتو فبركان    توقعات بتأجيل كأس أمم أفريقيا المغرب 2025 إلى يناير 2026    بنكيران يهاجم أخنوش ويقول: الأموال حسمت الانتخابات الجزئية    وزير النقل… المغرب ملتزم بقوة لفائدة إزالة الكربون من قطاع النقل    لأول مرة في التاريخ سيرى ساكنة الناظور ومليلية هذا الحدث أوضح من العالم    أخنوش مقدما الحصيلة المرحلية: إجراءات الحكومة هدفها مناعة الأسرة التي هي "النواة الصلبة لكل التدخلات"    إستعدادُ إسرائيل لهجوم "قريب جداً" على رفح    جهة طنجة تناقش تدابير مواجهة الحرائق خلال فصل الصيف    خارجية أمريكا: التقارير عن مقابر جماعية في غزة مقلقة    أخنوش: ما تحقق في نصف الولاية الحكومية فاق كل التوقعات والانتظارات    قطب المنتجات المجالية نقطة جذب لزوار الملتقى الدولي للفلاحة بالمغرب 2024    سنطرال دانون تسلط الضوء على التقدم المحقق في برنامج "حليب بلادي" لفلاحة مستدامة ومتجددة    أيام قليلة على انتهاء إحصاء الأشخاص الذين يمكن استدعاؤهم لتشكيل فوج المجندين .. شباب أمام فرصة جديدة للاستفادة من تكوين متميز يفتح لهم آفاقا مهنية واعدة    الولايات المتحدة تنذر "تيك توك": إما قطع العلاقات مع بكين أو الحظر    برنامج دعم السكن.. معطيات رسمية: 8500 استفدو وشراو ديور وكثر من 65 ألف طلب للدعم منهم 38 فالمائة عيالات    الفوائد الصحية للبروكلي .. كنز من المعادن والفيتامينات    دراسة: النظام الغذائي المتوازن قد يساهم في تحسين صحة الدماغ    مدير المنظمة العالمية للملكية الفكرية : الملكية الفكرية تدعم جميع جوانب الحياة في المغرب، بما في ذلك الزليج    ارتفاع حصيلة العدوان الإسرائيلي على غزة إلى 34 ألفا و262 شهيدا منذ بدء الحرب    مقترح قانون لتقنين استخدم الذكاء الاصطناعي في المغرب    إعلان فوز المنتخب المغربي لكرة اليد بعد انسحاب نظيره الجزائري    دراسة: تناول الأسبرين بشكل يومي يحد من خطر الإصابة بسرطان القولون        اختتام فعاليات الويكاند المسرحي الثالث بآيت ورير    كلمة : الأغلبية والمناصب أولا !    مبادرة مغربية تراسل سفراء دول غربية للمطالبة بوقف دعم الكيان الصهيوني وفرض وقف فوري للحرب على غزة    دراسة تبيّن وجود صلة بين بعض المستحلبات وخطر الإصابة بمرض السكري    في شأن الجدل القائم حول مدونة الأسرة بالمغرب: الجزء الأول    جلسة قرائية تحتفي ب"ثربانتس" باليوم العالمي للكتاب    الموت يفجع شيماء عبد العزيز    أسعار الذهب تواصل الانخفاض    "الراصد الوطني للنشر والقراءة" في ضيافة ثانوية الشريف الرضي الإعدادية بعرباوة    صدور رواية "أحاسيس وصور" للكاتب المغربي مصطفى إسماعيلي    "نسب الطفل بين أسباب التخلي وهشاشة التبني"    لقاء يستحضر مسار السوسيولوجي محمد جسوس من القرويين إلى "برينستون"    الأمثال العامية بتطوان... (580)    الإيمان القوي بعودة بودريقة! يجب على الرجاء البيضاوي ومقاطعة مرس السلطان والبرلمان أن يذهبوا إليه    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



أية معارضة نريد؟
نشر في هسبريس يوم 09 - 01 - 2013

إذا كانت تجربة التناوب على الحكومة في المغرب قد أفرزت النتائج التي يعرفها الجميع فإن هناك تناوبا موازياً لم ينل الاهتمام الكافي بالنظر إلى انعكاساته على النسق السياسي والتي قد تتجاوز أهميتها نتائج التناوب الحكومي ويتعلق الأمر إذن بالتناوب على المعارضة، فقد خلف دخول أحزاب الكتلة إلى الحكومة فراغا ملحوظا في كرسي المعارضة على اعتبار أن أحزاب الأغلبية السابقة ظلت مرتبطة جوهريا وشكليا بالحكم ولم يكن ظهور أي منها مرتبطا بحاجة مجتمعية أو بنقاش فكري أو إيديولوجي. ففي هذه الحالة من الضعف البنيوي تنظيميا وسياسيا ، تبادلت المعارضة مع السلطة الأدوار، بحيث تحول الحزب المعارض إلى سلطة في فترة معينة ، وتحول حزب السلطة إلى حزب معارض في فترة أخرى ، وهكذا يتم الصراع والاختلاف بين الطرفين.
ومن المؤسف انه لا توجد في المغرب ثقافة خاصة بالمعارضة لأن الأحزاب السياسية المغربية ظلت حاضرة في المشهد السياسي فقط بكياناتها و غائبة في روحها ، وعلى الرغم من كل المقومات الديمقراطية فهي تنظر إلى الواقع بعيون لا تسمح بالنظر إلى ابعد ما دونها وأنها غالباً ما تتقيد بسياسة وثقافة الارتياب من الآخر وبذلك تحاصر نفسها بجملة كبيرة من العدائيات ضد الآخر إلى حد يجعل الآخر يعاديها ويرفضها فكراً وسلوكاً وممارسة، وهذه الثقافة والتي يمكن أن نطلق عليها اسم"ثقافة الارتياب" قد أثرت سلباً على العمل الحزبي التعددي وهذا ليس تخميناً ولكن هذا الذي بات يلاحظ بصورة واضحة على المشهد الحزبي في بلادنا . وفي ظل هذا المناخ يتساءل المواطن المغربي و المهتم بالشأن السياسي عن تعريف واضح وتوصيف منطقي وحقيقي للمعارضة التي نريد ، وبات من اللازم أيضا طرح الأسئلة التالية:هل هناك في المغرب معارضة حقيقية و مسؤولة ؟ وكيف يمكن للأحزاب المشكلة في السابق بإيعاز من السلطة،و التي كانت بمثابة فرقة إغاثة النظام أن تمارس المعارضة ؟
فهل نحن إذن بحاجة لمعارضة مثالية تحلم بالمدينة الفاضلة مجرد حلم وبدون أي أمل في التحقيق ؟ أم نحن بحاجة لمعارضة باهتة لمجرد المعارضة فقط ؟وهل نحن بحاجة لمعارضة كمعارضة بعض الرموز المكشوفين الذين لهم أجنداتهم الخاصة جدا ومصالحهم وحساباتهم الضيقة جدا والذين لا هم لهم إلا تحقيق مصالحهم الشخصية فقط دون التفكير في مصلحة الآخرين ؟ أم نحن بحاجة لمعارضة أولئك المتضررين الذين يحاولون اللحاق ولو بلحسة من طبق الوطن إذ فاتهم ذلك ولم يتح لهم استغلال المنصب والوظيفة حيث غادروها إلى التقاعد ويحاولون العودة علّهم ينجزون ما فاتهم ؟ أم معارضة طلاب المال والجاه والكراسي وشراء الذمم والتزوير والعبث بمصالح الوطن ؟ نعم ما هي المعارضة التي نريد ؟هل هي كمعارضة الذي يهذي بما لا يعرف أم الذي يعيد اسطوانته المشروخة منذ أعوام بذات النغمة واللحن والمفردة بدون تغيير وبلا منطق ؟
قبل الإجابة عن هذه الأسئلة ، لا بد أن نؤكد في البداية أن مفهوم (المعارضة) يعتبر من تلك المفاهيم المُلتبسة التي ينبغي تحرير و ترشيد معناها ومؤداها في ثقافتنا السياسية المعاصرة على وجه الخصوص والذي نريده إذن في هذه المقالة على وجه التحديد هو إعادة النظر جذريا في ثقافة المعارضة وأخلاقياتها.
ولعله من نافلة القول أن نؤكد بدورنا أنه ليس من السهل أو اليسير تعريف مفهوم المعارضة السياسية، أو تحديد هويتها بشكل دقيق وواضح، السبب في ذلك يعود إلى اختلاف هذا المفهوم بين طرف وآخر تبعاً لإطاره السياسي، أو للمرجعية الأيديولوجية التي يستمد منها منظومته المعرفية، مما يفسح المجال أمام تعدد وتنوع تعريف المعارضة، فنظر إليها البعض من قناة معناها اللغوي ، إذ تأتي كلمة «معارضة» في اللغة العربية بمعنى «الاحتجاج، المخالفة، الممانعة»، وبذلك وضع تحت يافطتها كل من عارض أو اعترض على الواقع القائم، دون النظر إلى محتوى هذه المعارضة أو بنيتها، إلى حد أنه لصق صفة "معارضة" على تلك الجماعات البشرية التي تنأى بنفسها عن أنماط التكيف مع المجتمع وتأنف عن المشاركة في أنشطته المختلفة.... في حين رفض آخرون تحويل هذا المصطلح إلى عباءة فضفاضة ينزوي تحتها كل من هب ودب، واعتمدوا مفهوماً يقتصر على القوى التي تحمل مشروعاً جذرياً لقلب المجتمع وبناء نموذجها البديل على أنقاضه وبين هذا وذاك نهض رأي ثالث يرفض تعبير " المعارضة بشكل عام " ويؤكد على ضرورة قرنها بصفة تنسجم مع حدود ومحتوى البرنامج السياسي وأشكال النضال الذين على أساسهما تعارض ماهو قائم .
وفي الديمقراطيات العريقة، يأتي معنى المعارضة السياسية بأنها «انتقاد حزب من الأحزاب أو فئة لأعمال الحكومة أو السلطة والتصدي لها بإظهار عيوبها» و تلبس المعارضة لباس نقيض السلطة لإظهار عيوبها، ومراقبة أدائها، عندما تكون تلك الحكومة ممثلة عن الشعب، فالشعب اختارها من أجل إصلاح حالها، و أيضاً اختارت المعارضة لكن بدرجة أقل لمراقبة السلطة. فالمعارضة إذن ليست كلمة وبهرجة، بل هي بناء في النظام الديمقراطي، عندما تتسلم الأغلبية السلطة في الدول التي لديها هذا النظام، تلجأ الأقلية في النظام ذاته إلى المعارضة لمراقبة الأكثرية التي يجب ألا تلجأ إلى استخدام ما لديها من غالبية لتفرض على الناس ما تشاء من قوانين، أو لتستخدم صلاحياتها استخداماً سيئاً لا ينسجم مع القانون. فالمعارضة إذن صمام أمان في وجه السلطة ذات الغالبية لضمان عدم ديكتاتورية الأغلبية، وهذا في النظم الديمقراطية المتطورة التي يكون فيها الشعب وحده مصدر السلطات.
وعلى هذا الأساس، فقد آن الأوان لدفع مفهوم المعارضة السياسية في المغرب خطوة إلى الأمام، واعتبار المعارضة المنشودة التي تستحق هذا الاسم، قولاً وفعلاً، هي " المعارضة الديمقراطية " والتي تلتف حول برنامج عام للتغيير الديمقراطي وتنظم ممارساتها وسائل سلمية علنية وصريحة تقوم على مبادئ حرية الرأي والتعبير، فاتحة ذراعيها لاستقبال كافة المنظمات و الهيئات والشخصيات الديمقراطية، من أي موقع جاءت، مع التأكيد أن مثل هذه المعارضة تبقى على مسافة واضحة وبينة، من كل القوى التي تتنكر لوسائل النضال الديمقراطي السلمي، أو التي مازالت تحمل في أحشائها بديلاً سياسياً معادياً للديمقراطية، قومياً كان، أو شيوعياً، أو إسلامياً. وتعتمد المعارضة المتقدمة والمتطورة التي تأتي منسجمة مع معارضة الدول المتقدمة والديمقراطية؛ على لغة الدليل والحجة والمنطق والعقلانية، ولن تكون أبداً لغة الدفاع عن السلطة.
وإذا كان الأمر كذلك فأية معارضة إذن نريد في مغرب اليوم ؟!..
إننا في مغرب اليوم، لا نريد معارضة لا نرى منها أي عمل جاد سوي الصخب الإعلامي بلا فائدة، معارضة تكتفي فقط بمهاجمة الآخرين دون طرح البدائل على الشعب وبدون العمل حتى على تحسين صورتهم هم أولا. بمعنى أخر فالمعارضة التي نريد لا تقتصر فقط على نشر الغسيل، أو إذاعة الأسرار، ولا تحكمها إطلاقا الحسابات الذاتية والمصالح الحزبية الضيقة، و لا تستخدم وسائل بيروقراطية أو سلطوية إن صح التعبير لنصرة أفكارها ومواقفها الخاصة والتي تتنافى وتتناقض مع الروح الديمقراطية التي تدعوا ليها. فإن الأحزاب التي تدعى بأحزاب المعارضة يجب أن تقوم بالنقد من أجل تفعيل الإمكانيات لتحقيق التطوير والتطور، وليس بقصد التجريح والمس بكرامة هذا أو ذاك كما أصبحنا نرى في بعض جلسات مجلس النواب و المستشارين.
وهكذا، فإن العمل السياسي في صيغة المعارضة لا يعني إلا المنافسة الشريفة من أجل الرفع من شأن الوطن والمواطنات والمواطنين ؛ ففي ظل المنافسة الجادة فإن الغلبة تكون للفكرة المفيدة، وللمشروع العملي.‏ فالمعارضة التي نريد هي تلك التي تقوم بطرح المشاريع المختلفة أمام المواطنين والمواطنات لاختيار أفضلها وأكثرها توافقا مع مصلحتهم في مجتمعهم؛ معارضة تؤمن بأن الصراع الحقيقي ليس بين الأشخاص وإنما بين الأفكار، والحلول الممكنة التي تقترح لصنع التنمية المادية والثقافية والفكرية. ولقد باتت المعارضة الحقيقية حاجة ملحة كما الخطط التنموية والإستراتيجيات المستقبلية الضامنة للقادم من الأيام، وحتى المواطن العادي بدأ يفكر ببعض الذي يسمع ويرى ويضع الأمور في ميزان المصلحة العليا للبلاد فيخلص إلى أن المعارضة يجب أن تكون وأن تأخذ مكانها في صفحة حياة المواطن والمجتمع كصمام أمان يحمي مصلحته ويدافع عن حقه في الحياة الكريمة وحصته من مجتمعه في مكتسباته وحقوقه واستحقاقاته.
إن تغيير سياسة المعارضة أصبح أمرا واجبا ولابد من طرح البدائل على الشعب بالاقتران مع نقد السلطة الحاكمة والنزول إلى الشارع لإقناع الناس بأفكارهم. فمن حق المعارضة أن تنتقد وتعترض وتراقب عمل الحكومة وتستجوب رئيس الوزراء والوزراء في أي شأن من شؤون المجتمع والدولة وفق آليات دستورية وقانونية وتقديم المقترحات والبدائل لتصحيح الخطأ والخلل هذا من جهة ومن جهة أخرى فانه على المعارضة أن تحترم وتعترف بسلطة الحكومة المنتخبة كما يجب على الأغلبية أن تحترم الأقلية السياسية وتتعاون معها لأجل الصالح العام فهذه الأقلية لاينبغي لها أن تقوم بالمعارضة لأجل المعارضة بل إن المعارضة تشكل جزءا متمما للنظام السياسي وقد تكون غدا في الحكومة والعكس.
إن دور المعارضة طبيعي و يرتبط بطبيعة الإنسان بالاختلاف فمن غير الممكن أن يتشابه الناس في أفكارهم جميعا أو نحصل على إرادة إجماع في قضية ما لأن الإجماع هو (فشل) في الحقيقة لأجل حل الاختلافات بشفافية وبعقلانية لتلافي تعطيل أي قرار يخدم المجتمع لذلك يفترض بالأحزاب السياسية أن تعترف بأن المواقف والآراء السياسية هي في الحقيقة (غير ثابتة) دائما فهي قابلة للتغيير وان الموافقة والوصول إلى رأي في قضية ما لا يتمان في كثير من الأحيان إلا من خلال ( التعارض ) في الأفكار ووجهات النظر الذي يجري من خلال النقاش الحر والعام سلميا.
فمغرب اليوم يحتاج إلى معارضة قوية ذات برامج واضحة هادفة ، معارضة تصوغ أهدافها ضمن الأهداف العامة للمجتمع، والتي تؤمن بمبدأ العدالة وتطبقه أولا بين كوادرها، وهذه هي المعارضة الأبقى والأسرع وصولا إلى الهدف . و تعرف أنظمة الحكم الديمقراطية تمامًا كيف تستثمر رأي المعارضة في كل مشاريع القوانين التي تنوي سنها، أو الأنظمة والتعليمات التي تنوي تطبيقها، أو التعديلات التي تنوي إجرائها. وفي كل ديمقراطيات العالم تعتبر المعارضة الرشيدة المسؤولة ضرورة، إذ لا يمكن أن يستوي الحكم إلا بها، ولا يمكن أن تكون هناك مساحة للديمقراطية وأن تجد هذه الديمقراطية سبيلاً للتطبيق، إلا بوجود المعارضة القوية الرشيدة. وإذ تعتبر المعارضة المسؤولة الرشيدة صمام الأمان الحقيقي للدولة الديمقراطية حيث تمنع الدولة من الانزلاق إلى الهاوية في كثير من الأحيان، عن طريق وضع اليد على الجُرح من جهة، وعن طريق السعي لتطبيق برامجها عندما تتاح لها الفرصة لذلك، على اعتبارها واحدة من أدوات التغيير.
إننا ، في مغرب اليوم نريد معارضة مسؤولة ورشيدة ، تبني آراءها على دراسات، ينتج عنها بلورة المواقف تجاه الأحداث، وتعتمد الحجة والمنطق في طرحها، وفي حواراتها ونقاشاتها، وتعتمد في أغلب الأوقات لغة الحوار للوصول إلى الهدف، ومن ثمّ تكون الأقدر على صياغة الأهداف وتحديد الوسائل وفق منهجية مقبولة لدى الشارع بشكل عام، وترتكز على جوهر الأشياء وبعيدة عن التسطيح والتحاور في العموميات مما يجعلها مؤهلة أكثر من غيرها لاستقطاب الشارع وبالتالي مرشحة للوصول إلى الحكم أكثر من غيرها.
و يجب على الأحزاب والحركات السياسية المغربية أن تعي جيدا ماهية المعارضة ودور المعارضة لا لأجل المعارضة بحد ذاتها بل لتنشيط دورة الحياة السياسية للوصول إلى عمل حكومي وسياسي يخدم المواطن المغربي أولا وأخيرا فالواقع السياسي المغربي يشير إلى ضعف في فهم ودور المعارضة فاغلب الأحزاب السياسية تركض نحو الجلوس على مقاعد الوزارة وهذا مهم جدا ولكن من يقوم بدور المعارضة؟ نحن نحتاج إلى معارضة فاعلة وسلمية وواقعية . أن المعارضة المسؤولة الرشيدة التي نريد ، هي المعارضة الوطنية الملتزمة بثوابت الوطن، التي تحمل برنامجًا واضحًا قابلا للتطبيق، معارضة تسعى بالوسائل السلمية للوصول إلى الحكومة، وتعتمدها كوسيلة للوصول إلى تحقيق الأهداف عن طريق الإقناع والاقتناع، معارضة منفتحة على الجميع، تؤمن بلغة الحوار، وتحتكم إلى صناديق الاقتراع وتقبل برأي الأغلبية، معارضة بعيدة عن الشخصنة ، ولا تحمل أهدافًا غير الأهداف الوطنية والتنموية التي يسعى الجميع إلى تحقيقها، معارضة تفهم معنى الحرية على أنه عدم الاعتداء على حرية الآخرين، وتعرف أن لهذه الحرية حدود يجب عدم تجاوزها، معارضة حريصة على الوحدة الوطنية ، معارضة تعتمد في نهجها على التواصل مع الجماهير وتسعى لحل مشاكلهم بدلا من أن تصبح ظاهرة صوتية تنتشر في البرامج الحوارية .
ويجب إذن أن يتمحور معنى المعارضة الحقيقية في مغرب اليوم حول مفهوم (المشاركة)، سواء كانت تلك المشاركة على مستوى إعادة صياغة الثقافة السياسية نفسها أو على مستوى تقديم الرأي والمشورة أو حتى على مستوى الإسهام العملي في صناعة السياسات العامة، لأنه بالنظر إلى طبيعة الإنسان الاجتماعية والتي لا تجعله في أي حال من الأحوال أن يؤدي رسالته ويقوم بواجباته في دفع عجلة الحياة إلى الأمام بمفرده وصولا إلى الرقي الذي يطمح له كل فرد في المجتمع مهما بلغت قدرات ذلك الفرد، فلابد له من الحاجة إلى الآخر كما حاجة الآخر إليه.
من هنا فإن الأحزاب السياسية ببلداننا في حاجة إلى التعلم من الممارسة والنظرية معا، وفي حاجة ماسة إلى برنامج تلتزم به من أجل تجسيده عمليا؛ كما أن كل حزب يختار صف المعارضة؛ يجب عليه أولاً تحديد من يعارض، وما هي أهداف معارضته، وماذا يريد؟ وخصوصاً أن المعارضة لا تولد فجأة، بل تأتي نتيجة حراك متراكم طويل المدى واضح للعيان انه السلوك الذي يجب أن يسود في مغربنا الجديد تماشيا مع توجه جديد مرجعيته دستور جديد، خصوصا وقد تعددت منابر التعبير وفتحت أبوابها بعيدا عن كل تحكم.
ولعل ما تحتاجه حقا هذه الأحزاب اليوم أكثر من أي وقت مضى ، هو التحرر من كوابح الماضي وآلامه وتعقيداته، وأن تبني وعياً جديداً، لا يأخذ الديمقراطية وسيلة تسعى من خلالها إلى تحقيق هدف ما أو اكتساب نصر سياسي عابر، بل كونها، غاية بحد ذاتها، تفرض على الجميع أن يتعلم ويعلم كيف ينصهر في بوتقتها، فكراً وسياسةً وسلوكاً.
وتأسيسا على ما ورد ذكره ، يبقى واردا بان نقول : إن المعارضة حالة سياسية صحية وحاجة عصرية ماسة وأسلوب حياة ديمقراطي مطلوب، فوجود المعارضة الحقيقية و المسؤولة ضرورة كقيمة سياسية ديمقراطية لأجل تقويم وأداء عمل الحكومة فيما إذا أخفقت، لان أعضاء الحكومة هم من البشر يتعرضون للأخطاء والهفوات ومن هنا يبرز دور وأهمية المعارضة المسؤولة و الرشيدة في المراقبة والمساءلة ومن ثم التقويم العام، فالمعارضة أخيرا هي ليست لأجل الصراع من اجل البقاء بل هي تنافس لخدمة الصالح العام . وأظن لو أننا في المغرب فهمنا جيدًا دور المعارضة الحقيقية والرشيدة لما وصلنا إلى ما نراه الآن، حيث تحولت المعارضة - في كثير من الأحيان - إلى زعيق صوتي وملاسنات كلامية في مجلس النواب بغرفتيه أو في بعض البرامج الحوارية بقنواتنا التلفزية ، كما أنها ابتعدت بشكل كبير عن التواصل مع الجماهير وحل مشاكلهم وتأطيرهم ، وبنت حساباتها على الخصومة السياسية، التي ربما تهدم أكثر مما تبني.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.