لا يستطيع مستخدم الفايسبوك، وهو يطوف بأركانه، أن يهرب من قراءة نكتة ما تتكون من سطرين أو ثلاث، أو الابتسام ولو ببخل على صورة ما.. فالكوميديا صارت تستعمر الكثير من جنبات الموقع الاجتماعي الأشهر، بل أن الصفحات المتخصصة في السخرية، تحتوي على أكبر عدد من المعجبين يتجاوز، في الكثير من الأحيان، ذلك الموجود في الصفحات الجادة، وهو أمر لا يتعلق فقط بالمغرب بل يصل إلى دول عدّة.. صفحة "نوادر إنجليزية" مثلا وصلت إلى قرابة مليون وربع مليون معجب، وهو رقم كبير للغاية لا تتجاوزها فيه إلا صفحات بعض النجوم الغنائيين والرياضيين.. منذ تعرف المغاربة على الفايسبوك وهم يتبادلون النكات والسخرية عبر صفحاته، ومع هبوب رياح التغيير الديمقراطي، تحول النقاش الفايسبوكي إلى نوع من الجدية، ما لبثت أن تحولت هي الأخرى، إلى سخرية، خاصة مع ظهور صفحات جعلت من بنكيران، شباط، لشكر، وباقي الشخصيات الحزبية والسياسية، أدوات تكسب من خلالها عشرات المتتبعين الجدد، لما توفره هذه الشخصيات من مواقف تصل حد التهكم.. ما الذي يضحك المغاربة على الفايسبوك تحديدا؟ هل استطاعت الصفحات الفايسبوكية المغربية أن تتجاوز الفكاهة السطحية إلى السخرية الجادة؟ وهل بمقدور الفايسبوك أن يعوض أشكال الكوميديا التقليدية من مسرح وسكيتشات وأفلام؟ بوزبال..وشخصيات الترول في صفحات الفايسبوك ظَهر، غير أنه خرج منها نحو المواقع الإخبارية، والإعلانات التجارية، بل وحتى الكلام اليومي الذي يتداوله الشباب والمراهقين.. بوزبال، واحد من الكوميديين المشهورين داخل وجوه الترول، اكتسب شهرة عالية النظير أهلته ليكون واحدا من أكثر الشخصيات المغربية تأثيرا في السنة الماضية، حتى وهو مجرد شخصية إلكترونية.. وجوه الترول، بصفة عامة، أظهرت قوتها الكبيرة على التعبير وعلى الاندماج في مواقف متنوعة، فمثلا ذلك الوجه الضاحك، الذي يعود للاعب كرة سلة صيني، استطاع أن يعبر عمّا يريد البعض قوله بمجرد كلمات قليلة تعطيها ملامحه الساخرة بعدا قويا، مما يظهر أن الكوميديا القوية، كما يقول بذلك مجموعة من أساتذة الفن المسرحي، هي كوميديا المواقف وليست فكاهة الخطاب، مادامت صورة بسيطة قد تبعث على الضحك أكثر من تكرار الكثير من النكات السطحية أو الكثير من عروض المسرح التجاري.. ياسين مسواط، واحد من مسيري إحدى أكبر صفحات بوزبال على الفايسبوك، التي وصلت لقرابة 600 ألف معجب، يقول إن ما دفعهم إلى الاشتغال على شخصية بوزبال هو أن هذه الشخصية موجودة على أرض الواقع ، أصحابها الطبقة العريضة من هذا الشعب ، حاملها كل من يصنف نفسه بأنه ولد الشعب، ويعيش نوعا من الإقصاء والتهميش، ويزيد ياسين بأن نجاح الشخصية يعود لأنها سلطت الضوء على قضايا هي من صلب اهتمام المواطن والشارع المغربي ولكونها خاطبت مختلف الفئات العمرية. ويمكن أن نتحدث عن أن أكثر ما يتخصص فيه بوزبال هو السخرية الاجتماعية، وذلك راجع كما يخبرنا مسواط إلى الرغبة في تغيير الوضع الاجتماعي من سيء إلى أحسن، وإلى الرغبة في الابتعاد عن السياسة وتجاذباتها، رغم أن هذه الأوضاع الاجتماعية لها علاقة وطيدة بالميدان السياسي، ولا يمكن إغفال البعد السياسي عن ما هو اجتماعي. ماروك أنسوليت..الأولى والأكبر هي أكبر صفحة للفكاهة الفايسبوكية على الإطلاق، وواحدة من أكبر الصفحات الفايسبوكية المغربية، انطلقت في يونيو 2009، غير أن المتتبع لنشاطها يدرك أنها لم تتخصص في مجال كوميدي محدد، بل هي تقوم بنشر الصور المضحكة التي قد تتواجد في صفحات أخرى أجنبية، ثم تحاول مغربتها بزيادة بعض التعاليق، كما يلاحظ أن الصفحة لا تستخدم بشكل كبير شخصيات الترول، وتحاول الابتعاد ما أمكن عن المواضيع السياسية. وعموما فإن صفحة ماروك أنسوليت ما كانت لتكون الأولى لولا انطلاقتها في بدايات تَعرُف المغاربة على الفايسبوك، فغالبا ما لا تتعمق في المواضيع، لتكون كلمة الفكاهة هي الأقرب لها وليس الكوميديا أو السخرية التي تشترط موقفا معينا من وراء عملية الإضحاك، كما أن الصفحة كثيرا ما تزيغ حتى عن الفكاهة، وتقوم بنشر الأخبار من بعض المواقع الإلكترونية، الشيء الذي لا يجعل منشوراتها تنتشر بالشكل السريع الذي تتطور من خلاله صفحات فايسبوكية أخرى. سي قشوب.. رائد الكوميديا السياسية الفايسبوكية منذ اعتلائه منصة الفايسبوك، في فبراير من هذه السنة، وهو يحصد علامات الإعجاب لتتجاوز حوالي 200 ألف، رائد السخرية السياسية الفايسبوكية بامتياز، فلا توجد صفحة في تخصصه وصلت للنجاح الباهر الذي حققه في ظرف قصير، سألناه لماذا اختار هذا المجال بالضبط، فأجاب بأن "التخلف السياسي الكبير الذي نعيشه، والذي يجعل كثيرا من السلطات تتركز، يؤدي إلى فساد يستمد شرعيته من الاستبداد، لذلك كان لزاما على أصوات الحق أن تعارض هذه السياسة المخزنية باستخدام أساليب متعددة من بينها السخرية أو التقشاب الذي كان على الدوام واحدا من أكثر طرق المعارضة تأثيرا في التاريخ"، مستشهدا في ذلك بشارلي شابلن، أحمد مطر، ناجي العلي وآخرون. ويحاول سي قشوب، كما يخبرنا في دردشتنا معه، أن يحسس بخطورة الوضع في المغرب، وأن يُعَرّف المغاربة على "التراجعات الخطيرة" التي تحدث حاليا ك "الالتفاف على مطالب الشعب واستهدافه في حقوقه وحرياته"، وهو بهذا لا يريد الإضحاك البسيط بل يتعداه إلى السخرية ذات الوعي السياسي، خاصة مع السخط الشعبي على الأوضاع المعيشية والسياسات المخزنية والحكومية، وهو السخط الذي ساهم كثيرا في نجاح سي قشوب نظرا لرغبة الكثير من الشباب المغربي المرتاد للفايسبوك في رؤية أنفسهم داخل صفحة تلامس معاناتهم وآلامهم. لدى سي قشوب مشاريع متنوعة مستقبلا، فهو يعمل حاليا على إنشاء موقع إلكتروني، ويصر على لعب دوره الساخر حتى ولو تحول المغرب إلى دولة ديمقراطية وفق تعبيره المعلن على أنه سيبقى دوما مراقبا ومنتقدا، مادامت السخرية السياسية من سمات الأنظمة الديمقراطية عبر العالم. هل قصد المغاربة الفايسبوك من أجل الضحك؟ من سمات الشبكات الاجتماعية، التي تعد أيقونة لعصر الانترنت الحالي، أنها لم تكتف فقط بنشر ما كان ينشر سابقا على باقي وسائل الإعلام من سكيتشات ومقاطع مسرحية ونكات مكتوبة، بل أنها تجاوزت ذلك لتعلن عن نوع جديد من الكوميديا القائم على البساطة، فبصورة واحدة وتعليق بسيط، يمكن للمستخدم أن يرفه عن نفسه ويشارك الفكاهة مع أصدقائه في وقت قصير جدا، أسباب ازدهار الكوميديا الفايسبوكية كما يقول الباحث في علم الاجتماع يوسف معضور هي كثيرة ومن بينها رداءة المنتوج الكوميدي على القنوات الوطنية الذي لا يستجيب لحاجيات المشاهد الترفيهية، والذي لا يحترم ذوقه ولا يعكس واقعه، فهذه القنوات تعيش نمطية قاتلة على حد تعبيره، وذلك من خلال تكرار نفس المواضيع الفارغة المحتوى و أيضا احتكار نفس الوجوه للشاشة الصغيرة منذ عشرات السنين، إضافة إلى تراجع دور المسرح المغربي بشكل ملحوظ في الآونة الأخيرة. ومن الأسباب كذلك التي أدت لهذا الحريكٌ الفايسبوكي، هو اختيار المستخدم داخله للمادة الفكاهية التي يريد، بخلاف التلفاز بشكل عام الذي يقدم لمشاهديه ما يراه صالحا لهم دون مراعاة الذوق الفني خاصة في القنوات الوطنية التي كثيرا ما يتحكم الخط التحريري العام في المواد الفكاهية. إلا أن الانتقال إلى الفايسبوك، لا يخلو هو الآخر من مشاكل، فبالنظر إلى ضعف التكوين لمجموعة من مدراء الصفحات الفايسبوكية، وعدم معرفتهم بأخلاقيات النشر، إضافة إلى الرغبة في الوصول إلى أكبر عدد من المعجبين، يجعل من مجموعة من الأخطاء الفاضحة واضحة، كالاستهزاء من أشخاص نظرا لشكلهم الخارجي، استغلال الأطفال، التفوه بعبارات غير تربوية، عدم التحقق من الخبر قبل التعليق عليه، التشجيع على اللغة السوقية، وما إلى ذلك من المشاكل التي تنتشر بشكل كبير بين جنبات الفايسبوك.. ما الذي يضحك الفايسبوكيين المغاربة تحديدا؟ قبل الإجابة عن هذا السؤال، يطرح سؤال موازٍ يتعلق بنوعية الكوميديا الفايسبوكية ومدى كونها مقترنة بالسطحية، وهو سؤال لا يقبل الإجابة بالنفي أو التأكيد، ذلك لأن الفايسبوك مثله مثل أية وسيلة نشر، يبقى وعاء لنقل المادة من منتجها إلى الجمهور -ولو أنه شكل ثورة على وسائل الإعلام التقليدية باعتباره تفاعليا بالدرجة الأولى-، وبالتالي فطريقة استخدامه هي التي تحدد نوعية هذه الكوميديا ، سطحية أم عميقة، وهل تعبر حقا عن تناقضات المجتمع المغربي أم أنها تكرس من الظواهر السيئة وأحكام القيمة المتسرعة. يرى معضور أن الفايسبوكيين المغاربة يختارون بعناية ما يريدون التفاعل معه، ويتجهون بشكل كبير نحو جنس النكت الساخرة التي تعرض مواقف متنوعة، خاصة ما يتعلق بالجانب السياسي الذي يصفه معضور بالجاذب الأول في عالم الكوميديا الفايسبوكية، خاصة مع ما يعيشه المشهد السياسي المغربي مؤخرا من مواقف تترجم للتو إلى رسوم كاريكاتورية و صور مركبة بالفوطوشوب بتعليقات ساخرة وتحمل لمسات إبداعية، حيث تم إبداع شخصيات أثثت لفضاء القارة الزرقاء برسوم ثابتة ومتحركة تعكس الواقع ، تفاعل معها الجمهور الافتراضي كثيرا وأصبح يتداولها في معيشه اليومي. أما شامة درشول، الخبيرة في قضايا الإعلام الاجتماعي، فهي تؤكد على أن المغاربة شعب يصعب إضحاكه، ولا يضحك على أي شيء كان، وهو ما يظهر في الفايسبوك، فالشخصية المغربية داخل هذا الفضاء الرقمي، متحفظة مقارنة مع الشخصية المصرية أو الخليجية، ويظهر هذا التحفظ في نظر شامة في معدل الرقن على زر الإعجاب، فالمغربي لا يرقن على صفحة أو صورة ما إلا إذا كانت تعجبه فعلا. وتزيد شامة أن مغاربة الفايسبوك يميلون أكثر إلى الكوميديا السوداء المعروفة في الدارجة المغربية ب"التقشاب"، فهم يحبون أن تنقل إليهم مادة منشورة ما يجري في حياتهم اليومية، لكن بصورة ساخرة، أي أن تتحدث المادة عنهم وبلسانهم، خاصة في ظل الظروف الاجتماعية الصعبة التي تعيشها الأكثرية بينهم، فمغاربة الفايسبوك، كما تقول شامة، لا يضحكون من أجل الضحك فقط، بل يضحكون حين يستنتجون رسالة من وسط الكلام المغلف بسخرية تكشف الوجه الآخر لمجتمعنا وعالمنا ككل، وتدفع أيضا إلى التفكير في طرق بديلة للتعايش مع هذا المجتمع. وبشكل عام، فالمغاربة آخذين في التعود على الفايسبوك، والدولة بدأت تعي ضرورة مثل هذه الشبكات الاجتماعية، والمتخصصين في العلوم الاجتماعية يحاولون التأقلم مع هذا المولود الجديد الذي خلخل الكثير من الموضوعات، ومن بينها موضوعة الكوميديا وطرق اشتغالها، فلا عجب أن تجد الواحد منا داخل عرض مسرحي ينتظر منه بعض الفكاهة، إلا أنه في نفس الوقت، يبحر عبر شاشة هاتفه النقال بين أمواج بوزبال وقشوب وماروك أنسوليت، مما يؤكد، أن المواطن المغربي بشكل خاص، والعالمي بشكل عام، يشهد تحولا كثيرا في كيفية استقباله لما يراه مهما له، الشيء الذي يجعل من الفايسبوك ظاهرة خطيرة لم تكتف فقط بإسقاط بعض الأنظمة، ولكن كذلك جميع الطرق التي تربينا عليها في تفاعلنا مع محيطنا.