منحت الأكاديمية السويدية جائزة نوبل في الآداب للكاتب المجري لاسلو كراسناهوركاي، أحد أبرز الأصوات السردية في أوروبا الوسطى، تكريماً ل"منجزه الأدبي الآسر والرؤيوي الذي يؤكد، في خضمّ رعبٍ ينذر بنهاية العالم، قوّة الفن"، كما جاء في بيان الأكاديمية. يُعد كراسناهوركاي، المولود عام 1954 في بلدة جيولا جنوب شرق المجر، أحد آخر كبار الروائيين الذين يحملون روح أوروبا الشرقية ما بعد الحرب، حيث تمتزج الكآبة بالعبث، والرؤية الفلسفية بالسخرية السوداء. وصفته الأكاديمية بأنه "كاتب ملحمي عظيم في تقليد كافكا وتوماس بيرنهارد، يزاوج بين العبث والمغالاة الهزلية، وينفتح في الوقت نفسه على الشرق بتأملٍ وروحانية لافتتين". من "تانغو الخراب" إلى "هيرشت 07769": ملحمة ضد الفوضى بدأ كراسناهوركاي مسيرته الأدبية عام 1985 برواية "تانغو الخراب" (Satantango) التي جعلت اسمه معروفاً في المجر وأوروبا الشرقية. العمل الذي يصوّر قرية غارقة في الفساد والانهيار الاجتماعي عُدّ استعارة عن سقوط النظام الشيوعي، ثم تحوّل إلى فيلم بالأبيض والأسود أخرجه المخرج الشهير بيلا تار عام 1994، في واحدة من أبرز التجارب السينمائية المقتبسة عن الأدب الحديث. تلتها أعمال جعلت منه كاتب "نهاية العالم"، بحسب وصف الكاتبة الأمريكية سوزان سونتاغ، مثل "كآبة المقاومة" (1989) و**"حرب وحرب" (1999)**، حيث يواجه أبطاله عالماً يغلي بالعنف واللاجدوى، فيما تظل الكتابة لديهم شكلًا من أشكال النجاة. وفي روايته "بارون وينكهايم يعود إلى الديار" (2016)، يقدم كراسناهوركاي هجاءً لاذعاً لمجتمع فقد بوصلته الأخلاقية. بين الشرق والغرب: أدب التأمل في زمن الانهيار لم يكتفِ كراسناهوركاي بميراث أوروبا المأزوم، بل حمل شغفه نحو الشرق الأقصى. فكانت رحلاته إلى الصين واليابان مصدر إلهام لأعمال مثل "جبل شمالاً، بحيرة جنوباً، طرق غرباً، نهر شرقاً" (2003) و**"سيوبو هناك في الأسفل" (2008)**، التي تستلهم الأسطورة اليابانية عن "حارسة فاكهة الخلود". وقد وصف الكاتب نفسه تجربته قائلاً: "إنه التمعن في الواقع إلى حد الجنون". هذا التمعن يظهر في جُمله الطويلة المتدفقة التي نادراً ما تنتهي، وفي نظرته إلى العالم ككون ينهار ببطء تحت ثقل ذاته. كاتب صامت في زمن الصخب خلف مظهره الهادئ وشعره الأبيض الطويل، يختبئ كاتب يكتب كما لو كان آخر الشهود على خراب البشرية. وقد نال كراسناهوركاي جائزة مان بوكر الدولية عام 2015، ليصبح اليوم ثاني مجري يفوز بجائزة نوبل بعد إيمري كيرتس (2002). آخر أعماله، رواية "هيرشت 07769" (2021)، تُعتبر تأملًا قاتمًا في اضطرابات ما قبل جائحة كورونا في ألمانيا، أما روايته الساخرة الأخيرة "زشيمله أودافان" فتعود إلى المجر، لتروي حكاية عجوز يخفي سراً ملكياً ويمثل ذاكرة وطنٍ يعيش تناقضاته بين الماضي والحاضر. بمنحه جائزة نوبل، تكرّس الأكاديمية السويدية مسيرة كاتب ظلّ لعقود يكتب عن الفوضى كقدرٍ إنساني، وعن الفن كخلاصٍ محتمل. في عالمٍ تتنازع فيه الصخب والسطحية، يبدو فوز كراسناهوركاي بمثابة تذكير بأن الأدب، حتى في أكثر لحظاته قتامة، يظلّ ملاذًا من الجنون الجماعي، ونافذةً مفتوحة على إمكانية الفهم وسط الخراب.