عشية عطلة نهاية أسبوع من الهدوء، يعلّق حراك "جيل زد" خطواته دون أن يعني ذلك أنه استنفذ اندفاعه. فبعد خمسة عشر يومًا من التعبئة المتواصلة في عدد من مدن البلاد، أعلن منظمو الحركة عن هدنةٍ تكتيكية تهدف إلى تعزيز الصفوف قبل استئناف مرحلة جديدة من الحراك تكون، بحسبهم، "أكثر فعالية وتأثيرًا". تأتي هذه الخطوة في مناخ سياسي متوتر، تزامن مع خطاب مؤسساتي أُلقي عصر الجمعة دعا إلى "تسريع" برامج التنمية في القطاعات الحيوية: التعليم، الصحة، والتماسك الترابي — وهي قطاعات اجتماعية كان اختلالها في الأصل سببًا في انطلاق هذا الحراك الجديد. ولم يتضمّن الخطاب أيّ إشارة إلى احتجاجات الشباب، ولا إلى الحوادث المأساوية التي شهدتها مدن مراكش وسلا ووجدة ولقلعة قرب أكادير، حيث لقي ثلاثة شبان، أحدهم سينمائي، حتفهم بالرصاص. أما موقع Le360.ma شبه الرسمي فاعتبر خطاب الملك أمام البرلمان بمناسبة افتتاح الدورة الخريفية "خطاب دولة لا خطاب ظرف". بعض الأوساط السياسية رأت فيه رغبة في التهدئة، فيما لم يُخفِ آخرون شعورهم بالنقص معتبرين أن الهوة الجيلية ما تزال بلا جواب واضح. وتستمر التكهنات حول تعديل حكومي محتمل، تغذيها موجة الغضب الاجتماعي المتصاعدة التي تختبر قدرة الحكومة على الصمود. وبتعليق التجمعات مؤقتًا، يسعى ناشطو "جيل زد" إلى تجنّب الإرهاق والانزلاق نحو الاستغلال السياسي، مع الحفاظ على تماسك الحركة. في بيان نُشر مساء الجمعة، أكدت الحركة على ضرورة "تعزيز التنظيم والتنسيق" استعدادًا لمرحلة جديدة من التعبئة. وظلّت المطالب ثابتة منذ انطلاق هذا الحراك: محاسبة الفاسدين، تحسين الخدمات العمومية، وتحميل الحكومة مسؤولية الأزمة الاجتماعية. منذ ظهوره في 27 سبتمبر، غيّر حراك "جيل زد" قواعد الاحتجاج في المغرب. فهو يرفض أي تأطير حزبي أو نقابي، وينظم نفسه عبر منصة رقمية هي "ديسكورد" التي يتفاعل فيها أكثر من 200 ألف شاب يوميًا. شعاراته: إصلاح الحكامة، تكافؤ الفرص، محاربة الفساد، والعدالة الاجتماعية. وقد منحت التجمعات السلمية، التي انتشرت عبر تيك توك وإكس (تويتر سابقًا)، للشباب حضورًا لم يسبق له مثيل منذ 20 فبراير 2011، في خضم موجة "الربيع العربي". الحكومة، على لسان ناطقها الرسمي مصطفى بايتاس، أعلنت أنها "مستعدة للحوار"، لكنها شددت على أن الحوار "يحتاج إلى طرفين". لكن كيف يمكن الحوار مع حركة لا قيادة لها ولا وجه رسمي؟ تجد السلطة التنفيذية نفسها اليوم أمام جيل منزوع من المؤسسات، عصيّ على الاحتواء، لكنه منظم. حركة عند مفترق الطرق الهدنة التي أعلنتها "جيل زد" هي في الوقت نفسه علامة نضج ولحظة شكّ. يقول أحد المحللين السياسيين، مفضلاً عدم ذكر اسمه: "من دون استجابة سياسية ملموسة – لا إصلاح ولا حتى إشارة رمزية – قد تستعيد الشوارع الرقمية أنفاسها لتعود أكثر إصرارًا." وتشير نقاشات داخلية إلى التحضير ل يوم وطني جديد للاحتجاج، ربما بعد عرض مشروع قانون المالية لسنة 2026. لكن ما يتجاوز الحدث ذاته هو أن "جيل زد" كشف عن فجوة جيلية عميقة. فهؤلاء الشباب، المولودون بين 1997 و2012، يرفضون عمودية السلطة ويفضلون العمل الأفقي عبر الشبكات، حيث تتداول الكلمة بحرية. شعارهم – "صوت جيل جديد وضمير هذه الأمة" – يلخص إرادتهم في استعادة الكلمة العامة في بلد يشكل فيه الشباب ثلث السكان. في هذه الأثناء، تطرح النخبة السياسية المغربية على نفسها أسئلة مؤرقة: + كيف يمكن الاستجابة لجيل لا يجد نفسه لا في الأحزاب ولا في المؤسسات؟ + إلى أي مدى يمكن أن يذهب هذا الحراك الرقمي وقد تحول إلى فاعل اجتماعي؟ + وكيف يمكن تأطير طاقة مدنية ترفض وصاية الأطر التقليدية؟ أسئلة كثيرة ستبقى بلا أجوبة ما لم تلتق اللغة السياسية بالاستماع الاجتماعي. يدخل المغرب بذلك مرحلة مراقبة متوترة، معلّقة بين الانتظار وإعادة التكيّف وإعادة تشكيل صامتة للسلطة. وفي الختام، تلخّص الشبيبة نفسها حالتها الذهنية في بيان نشرته عبر مواقع التواصل: "نحن هنا. نحن حاضرون في الشارع. وجودنا مشروع ولا يعتمد على أي اعتراف. اللامبالاة لن تجعلنا نتراجع. بالعكس، ستدفعنا إلى مزيد من التنظيم، والتعبئة، والمقاومة السلمية." مجموعة "جيل زد" منشور على وسائل التواصل الاجتماعي بتاريخ 11 أكتوبر 2025. (المصدر: Article19.ma)