عبد الله جعفري، أول صحفي رياضي في العالم يتوج بجائزة خاصة من الاتحاد الدولي لتأريخ وإحصاءات كرة القدم (IFFHS)    مصرع عامل بشركة "صوميكوتراد" في حادث شغل مأساوي بطنجة (صور)    قصة مؤثرة من قلب طنجة.. فيلم Calle Malaga يمثل المغرب في الأوسكار 2026    الرباط.. وزير الدفاع الهندي يزور ضريح محمد الخامس    سفينة مغربية ترسو بإيطاليا في انتظار استكمال الإبحار نحو قطاع غزة    السيسي يصدر عفوا عن الناشط السياسي علاء عبد الفتاح    المغرب والهند يوقعان مذكرة تفاهم للتعاون في المجالات الدفاعية والأمن السيبراني    هشام العلوي يرفع دعوى قضائية ضد يوتيوبر رضا الطاوجني    ملف "الراعي الصغير".. قاضي التحقيق يأمر بإخراج الجثة وإعادة التشريح    "مولاي هشام" يرفع دعوى قضائية    بورصة الدار البيضاء تغلق على ارتفاع    المثقف المغربي والوعي النقدي    الكتابة والمشاركة في زمن الرقمنة: تأملات حول المعنى والتلقي..!    من غرفة مغلقة بتيزنيت..."أفراك ⴰⴼⵔⴰⴳ" أو حينما يكشف العبث المسرحي عن قسوة السلطة ومصير الإنسان    بوريطة يلتقي مفوض الاتحاد الإفريقي للشؤون السياسية والسلام والأمن في نيويورك    هيئة نصرة قضايا الأمة تستنكر منع الوقفات التضامنية مع غزة    الإعلام الإيطالي: طنجة المتوسط.. الميناء المغربي الذي أعاد رسم خريطة التجارة العالمية            عدة بلديات ترفع العلم الفلسطيني تزامنا مع اعتراف باريس بدولة فلسطين في الأمم المتحدة    بوعياش: أي سياسة عمومية لا تنطلق من مقاربة حقوقية ستظل غير مجدية في تحقيق أهداف التنمية المستدامة    بن غفير: لو كنت رئيسا للوزراء لاعتقلت عباس الآن    زعيم كوريا الشمالية يعلن حصوله على أسلحة سرية    رسميا.. أشرف حكيمي يغيب عن حفل الكرة الذهبية بسبب مباراة الكلاسيكو الفرنسي    معرض "كريماي 2025" .. المغرب يفوز بكأس إفريقيا والشرق الأوسط للطاهيات    مهرجان الدوحة للأفلام 2025 يفتتح فعالياته بفيلم "صوت هند رجب".. تحية مؤثرة للصمود وقوة السينما    التكريس التشريعي للمرصد الوطني للإجرام في قانون المسطرة الجنائية الجديد يضع المغرب ضمن الدول التي تتبنى أفضل الممارسات في مجال الحكامة الجنائية    توقيف مواطنين أجنبيين بمطار أكادير المسيرة متورطين في تهريب المخدرات    الذهب عند مستوى قياسي جديد مع توقعات بخفض الفائدة الأمريكية    مندوبية التخطيط: تباطؤ معدل التضخم السنوي في المغرب إلى 0.3% في غشت    "فيدرالية اليسار" يدين منع وقمع المحتجين بمختلف المدن ويرفض تحويل الشارع إلى مسرح للترهيب    هلال الناظور مهدد بخسارة نقاط مباراته أمام شباب الريف الحسيمي بسبب اعتراض تقني    وجدة تحتضن النسخة 14 للمهرجان الدولي المغاربي للفيلم        توقعات أحوال الطقس ليوم غد الثلاثاء    استمرار الاضطرابات في مطارات أوروبية بعد هجوم إلكتروني        المغرب ينهزم أمام الأرجنتين في نهائي الدوري الدولي للفوتسال    الحزب المغربي الحر يستنكر الغياب الملحوظ بجماعة تطوان ويطالب بالمساءلة القانونية        هزة أرضية بقوة 3.5 درجاتتضرب سواحل مدينة الحسيمة    قيوح يتجه إلى مغربة الأسطول البحري وتعزيز السيادة في القطاع    ترحيب عربي باعتراف المملكة المتحدة وكندا وأستراليا والبرتغال بدولة فلسطين    دي ‬ميستورا ‬بمخيمات ‬تندوف ‬بعد ‬مشاورات ‬بموسكو ‬    مدينة يابانية توصي باستخدام الأجهزة الرقمية ساعتين فقط يوميا    غوارديولا يشكو من الإرهاق البدني بعد التعادل أمام أرسنال    ياوندي.. الخطوط الملكية المغربية تخلق جسورا لتنقل مواهب السينما الإفريقية (عدو)        مستخلص الكاكاو يقلل من خطر أمراض القلب عبر خفض الالتهابات    دراسة: الإفطار المتأخر قد يُقلل من متوسط العمر المتوقع    الدفاع الجديدي يوضح حادثة القميص    الجدل حول الإرث في المغرب: بين مطالب المجتمع المدني بالمساواة وتمسك المؤسسة الدينية ب"الثوابت"    دراسة.. النحافة المفرطة أخطر على الصحة من السمنة    الرسالة الملكية في المولد النبوي        الذكاء الاصطناعي وتحديات الخطاب الديني عنوان ندوة علمية لإحدى مدارس التعليم العتيق بدكالة    مدرسة الزنانبة للقرآن والتعليم العتيق بإقليم الجديدة تحتفي بالمولد النبوي بندوة علمية حول الذكاء الاصطناعي والخطاب الديني    الملك محمد السادس يدعو العلماء لإحياء ذكرى مرور 15 قرنًا على ميلاد الرسول صلى الله عليه وسلم    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



الامازيغية في الدستور: اعتراف أم إقصاء؟
نشر في هسبريس يوم 26 - 09 - 2013

يعد ترسيم الامازيغية في الدستور مطلبا محوريا من بين عشرات المطالب التي رفعتها الحركة الامازيغية منذ عقود. وقد جاء في العديد من بياناتها ومنشوراتها ما يفيد أن غياب الاعتراف الدستوري بالمكون الامازيغي للهوية المغربية واعتبار العربية اللغة الرسمية الوحيدة للبلاد هو احتقار للذات المغربية وتنكر لتاريخها وتكريس لعدم المساواة بين الناطقين بالعربية والناطقين بالأمازيغية.
وقد نجح النشطاء الامازيغ إلى حد كبير في إقناع الفاعلين السياسيين وصناع القرار على أعلى مستوى بوجهة نظرهم وبمشروعية مطلبهم، فكانت النتيجة ترسيم اللغة الامازيغية في دستور 2011 لأول مرة في المغرب والتنصيص على كون الامازيغية مكون من بين مكونات الهوية الوطنية المغربية.
اختلفت ردود أفعال الجمعيات والنشطاء الامازيغ في شأن ما جاء به الدستور الجديد فيما يخص الامازيغية، فمنهم من اعتبر الامر إنجازا عظيما ومنهم من رأى فيه مجرد محاولة امتصاص الغضب الامازيغي، في حين ذهب صنف ثالث إلى اعتبار الاعتراف الدستوري مكسبا حقيقيا يفرض التجنيد لتحصينه وتنزيل مضمونه على أرض الواقع.
في مقالنا هذا، سنحاول قدر المستطاع التحلي بالموضوعية العلمية والحياد السياسي والأيديولوجي، قصد تحليل المقتضيات الدستورية المرتبطة بالشأن الامازيغي وفرز ما يمكن اعتباره مكسبا للأمازيغية وما يتناقض مع مصلحة هذا المكون الثقافي المغربي.
1. المكاسب الدستورية للأمازيغية
لا شك أن ما جاء به دستور 29 يوليوز2011 من اعتراف بالمكون الامازيغي وترسيم اللغة الامازيغية يعتبر مكسبا حقيقيا للأمازيغ ولكل المغاربة. فبعد أن كانت كل الدساتير المغربية المتعاقبة تتنكر لهذه الثقافة وتقتصر على التنصيص على لغة رسمية واحدة، كسر الدستور الجديد هذا التقليد وكرس التعددية الثقافية واللغوية، ليشكل بذلك قطيعة لدساتير الاحادية اللغوية والثقافية.
هكذا نص القانون الاسمى للبلاد في تصديره، لأول مرة في التاريخ الدستوري المغربي، على تعددية مكونات الهوية الوطنية المتمثلة في ثلاث عناصر: المكون العربي الاسلامي، المكون الامازيغي والمكون الصحراوي الحساني.
إن كان هذا التنصيص لا يغير شيئا في طبيعة الهوية المغربية التي كانت دائما متعددة المكونات، فأهميته السياسية والقانونية تتجلى في سد الطريق أمام كل من يدعو إلى إقصاء بعض هذه المكونات أو إلى بناء هوية وحدوية على أساس مكون واحد.
في نفس السياق، اختفت من نص الدستور بعض العبارات المنافية للتعدد الهوياتي، خاصة عبارة "المغرب العربي" التي تعتبرها الحركة الامازيغية عبارة اقصائية. ففي الفقرة المتعلقة بالانتماء الاقليمي للبلد، نص الدستور على انتماء المملكة المغربية إلى "المغرب الكبير" والتزامها بالعمل على بناء "الاتحاد المغاربي".
على مستوى اخر، حملت الفقرة الثانية من الفصل الخامس للدستور مكسبا تاريخيا للأمازيغية بتنصيصها على كون هذه الاخيرة لغة رسمية للدولة. فبغض النظر عن المفردات والعبارات التي جاء بها هذا التنصيص، فاللغة الامازيغية أصبحت بمقتضى هذا الفصل لغة رسمية جاز بل وجب اعتمادها في التواصل المؤسساتي والاداري. وعليه فكل النصوص التشريعية والتنظيمية التي تقصي الامازيغية أو التي لا تعترف لها بالطابع الرسمي تصبح نصوصا غير دستورية.
2. مقتضيات دستورية ضد الامازيغية
رغم كون الدستور الجديد يحمل عدة مقتضيات ايجابية للأمازيغية كما فصلنا في ذلك أعلاه، إلا أن بعض المقتضيات والتعابير المستعملة في هذا النص مازالت تكرس اقصاء الامازيغية وسمو المكون العربي على المكون الامازيغي.
يظهر ذلك بشكل جلي في الصيغة المستعملة للتعبير عن تعددية مكونات الهوية الوطنية. هذه الصيغة جاءت بمفردات فضفاضة و غير واضحة. فتم ربط المكون العربي بالمكون الاسلامي بشكل يوحي أن كل ما هو عربي فهو إسلامي و أن كل ما هو أمازيغي أو صحراوي حساني فهو غير ذلك. كما تم الفصل بين المكون العربي من جهة والمكون الصحراوي الحساني من جهة أخرى وكأن هذا الاخير ليس عربيا.
ترتيب هذه المكونات كما جاء في الدستور يضعنا أيضا أمام خلل واضح يكرس النظرة الدونية للأمازيغية. فقد كان من الاجدر تسبيق المكون الامازيغي على المكون العربي انسجاما مع درجة التجذر التاريخي لكل مكون ومع الارادة السياسية الهادفة الى إعادة الاعتبار للأمازيغية المعبر عنها في أكثر من مناسبة.
إلا أن ما يمكن اعتباره أكبر خطر على الامازيغية هو ما جاء به الدستور الجديد من تنصيص على انتماء المغرب إلى الامة العربية. فقد جاء في تصديره أن المملكة المغربية تؤكد وتلتزم "بتعميق أواصر الانتماء الى الامة العربية الاسلامية، وتوطيد وشائج الاخوة والتضامن مع شعوبها الشقيقة".
إن خطورة هذا المقتضى تتجلى في امرين اساسيين؛ أولهما كون دستور 2011 أول نص قانوني يشير إلى الانتماء العربي للمغرب، أي إلى كون المغاربة عرب. فالدساتير السابقة تفادت الحسم في هوية المغرب واكتفت بترسيم اللغة العربية دون التنصيص عن الانتماء العربي للمغرب.
أما الامر الثاني فيتعلق بغياب مقتضى مماثل يقر بانتماء المغرب إلى الامة الامازيغية. كل هذا يمكن أن يِؤدي إلى تأويلات غير سليمة، كأن تعتبر الامازيغية مجرد مكون هوياتي محلي من مكونات الهوية العربية أو أن يعتبر المكون الامازيغي مجرد هوية أقلية وجب عليه الانصهار في الهوية العربية للأغلبية.
من جانب اخر، يمكن اعتبار ربط تفعيل ترسيم الامازيغية بقانون تنظيمي الية غير صحية للأمازيغية، من جهة لكون اصدار مثل هذا القانون خاضع لاعتبارات وحسابات سياسوية وحزبية مما يمكن أن يؤجله إلى أجل غير مسمى. ومن جهة أخرى كون هذه الالية تعرقل ما يمكن ان تحققه الامازيغية دون الحاجة إلى القانون التنظيمي، كاعتمادها في الاوراق النقدية، الطوابع البريدية والمخزنية، النشيد الوطني، وثائق إثبات الهوية وغيرها.
هكذا يتضح جليا أن الدستور الجديد يحمل في طياته عدة مقتضيات كفيلة بحماية الامازيغية ورد الاعتبار لها، كما يتضمن أيضا مجموعة من المقتضيات قد تفرغ الاولى من محتواها لكونها تكرس لعدم المساواة بين المكونين الهوياتيين وبين اللغتين الرسميتين للبلاد. إلا أن تنزيل مقتضيات الدستور الجديد و ما سيرافقه من اصدار النصوص التشريعية والتنظيمية واجتهاد القضاء الدستوري قد يكرس هذه المفارقة وقد يصححها بشكل ينسجم مع المبادئ العامة التي جاء بها النص الدستوري من ديموقراطية، حرية ومساواة.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.