تداولت مصادر موثوقة في واشنطن أن مأدبة العشاء التي نظمها السفير الجزائري لدى الولاياتالمتحدة، صبري بوقادوم، لم تلقَ أي تجاوب يُذكر من قبل أعضاء السلك الدبلوماسي المعتمدين في العاصمة الأمريكية. ووفق المعطيات المتوفرة، لم يحضر المأدبة سوى عدد محدود من الموظفين الجزائريين العاملين بالسفارة، إلى جانب سفيرة تونس، وسط غياب شبه تام للتمثيليات الدبلوماسية الكبرى. عادة ما تكون مثل هذه المناسبات فرصة لإعادة نسج العلاقات، وبناء جسور التعاون مع الفاعلين الدبلوماسيين الأمريكيين والدوليين. غير أن اللامبالاة الواسعة التي قوبلت بها دعوة السفير بوقادوم أثارت موجة من التساؤلات حول مكانة الجزائر الدبلوماسية في المرحلة الحالية، خاصة في ظل التوترات الإقليمية التي تحيط بسياساتها الخارجية، بدءاً من ملف الساحل الإفريقي، مروراً بعلاقاتها المتدهورة مع المغرب، وانتهاءً بتحالفاتها المتزايدة مع قوى توصف في واشنطن بأنها خصوم استراتيجيون، كروسيا وإيران. مصادر في واشنطن نقلت أن غياب الحضور في تلك المأدبة لم يكن مجرد مصادفة، بل يعكس بروداً متنامياً في العلاقات بين الجزائر وبعض العواصم الغربية، وعلى رأسها واشنطن. ويُعزى ذلك، وفق تقديرات خبراء العلاقات الدولية، إلى مواقف الجزائر التي غالباً ما تُصنف على أنها راديكالية، وغير منسجمة مع التوجهات الأمريكية، خاصة فيما يتعلق بمواقفها من النزاع في أوكرانيا، وقربها من المحور الروسي، فضلًا عن علاقتها المعقدة بالملف الإيراني. ولعل ما يزيد من هذا الإحراج هو التراجع الملحوظ في التواصل الجزائري مع مراكز التفكير الأمريكية الكبرى (Think Tanks)، وكذلك غياب أي مبادرات دبلوماسية فاعلة داخل أروقة الكونغرس الأمريكي، في وقت تعتمد فيه الدول الأخرى على آليات ضغط مدروسة لفرض رؤاها السياسية. في المقابل، يلاحظ المراقبون نشاطاً مكثفاً للدبلوماسية المغربية في واشنطن، حيث تُسجل السفارة المغربية حضوراً بارزاً في الفعاليات السياسية، والملتقيات الاقتصادية، واللقاءات الثنائية مع مسؤولين أمريكيين، وهو ما يكرس صورة مغايرة تماماً عن الأداء الدبلوماسي الجزائري. ويربط بعض المحللين بين هذا التراجع الجزائري، والتحولات الكبيرة في موازين القوى الإقليمية، خصوصاً بعد تزايد عدد الدول المعترفة بمغربية الصحراء، والدعم الأمريكي الواضح لمقترح الحكم الذاتي المغربي، ما جعل الجزائر تجد نفسها في عزلة متنامية، حتى داخل بعض الدوائر الإفريقية والعربية. الوضع الراهن في واشنطن يدفع للتساؤل عمّا إذا كانت القيادة الجزائرية ستُراجع أسلوب تعاطيها مع الساحة الدولية، خاصة بعد فشل سياسة "عدم الانحياز الجديد" التي تتبناها في تحقيق مكاسب حقيقية. فالتشبث بخطاب المقاومة والتصعيد الإقليمي، دون أدوات دبلوماسية فعالة ومدروسة، قد يؤدي إلى مزيد من التهميش، خصوصاً مع صعود قوى إفريقية جديدة تحظى بقبول أوسع على الساحة الدولية. حادثة مأدبة بوقادوم، وإن بدت بسيطة في ظاهرها، إلا أنها تحمل دلالات دبلوماسية عميقة. فهي تجسيد لعزلة سياسية بدأت تتجلى في عواصم القرار العالمي، مما يطرح علامات استفهام كبرى حول مستقبل الدور الجزائري في النظام الدولي، في ظل تصاعد انتقادات الداخل، وتراجع الفعالية الخارجية. وبينما تمضي الرباط بثبات في تعزيز شراكاتها، تجد الجزائر نفسها أمام حتمية التغيير أو التآكل البطيء في موقعها الجيوسياسي.