تمديد أجل إيداع ملفات طلبات الدعم العمومي للصحافة والنشر والطباعة والتوزيع إلى غاية 30 شتنبر المقبل    المغرب يحتضن المؤتمر الثامن لجمعية المحاكم العليا الفرنكوفونية بمشاركة 30 دولة    السفير هلال: المناظرة الوطنية تعزز تموقع المغرب بين الدول الإفريقية الرائدة في الذكاء الاصطناعي    مطار الحسيمة ينتعش مجددا.. ارتفاع ب12 في المئة وعدد الرحلات في تصاعد    اعتقال اللاعب الجزائري يوسف بلايلي في مطار باريس    ألا يحق لنا أن نشك في وطنية مغاربة إيران؟    وفاة غامضة لسجين في "خلية شمهروش" داخل زنزانته بالعرائش    تفكيك شبكة نصب واحتيال خطيرة استهدفت ضحايا بهويات وهمية بجرسيف    نشرة إنذارية.. موجة حر مع الشركي وزخات قوية مرتقبة بالمملكة    فيلدا يؤكد جاهزية اللبؤات لبطولة أمم إفريقيا ويراهن على التتويج    بحث يرصد الأثر الإيجابي لبرنامج الدعم الاجتماعي المباشر على الأسر المغربية    تحالف دول الساحل يشيد بالمبادرات الملكية لصالح تنمية إفريقيا    شرعوا في تنفيذ مشروعهم لزعزعة الاستقرار .. تفكيك خلية من 4 متطرفين بايعوا زعيم داعش    مع اعتدالها قرب السواحل وفي السهول الداخلية .. يوعابد ل «الاتحاد الاشتراكي»: درجات الحرارة في الوسط والجنوب ستعرف انخفاضا انطلاقا من غد الجمعة    5 أعوام سجنا للرئيس السابق للرجاء محمد بودريقة مع المنع من إصدار الشيكات    تجاذب المسرحي والسرد الواقعي في رواية «حين يزهر اللوز» للكاتب المغربي محمد أبو العلا    في لقاء عرف تكريم جريدة الاتحاد الاشتراكي والتنويه بمعالجتها لقضايا الصحة .. أطباء وفاعلون وصحافيون يرفعون تحدي دعم صحة الرضع والأطفال مغربيا وإفريقيا    إيران تعلق التعاون مع الطاقة الذرية    "المنافسة": سلسلة التوزيع ترفع أسعار الأغذية وتتجاهل انخفاضات الموردين    في قلب الولايات المتحدة.. ربع الملعب مغاربة و"ديما بونو" تصدح والسعوديون يحبون المغرب            سعر النفط يستقر وسط هدوء مؤقت    نتائج بورصة البيضاء اليوم الأربعاء    مطالب برلمانية للحكومة بالكشف عن المكاسب التنموية للمغرب من استضافة كأس العالم 2030    بنسعيد: معرض الألعاب الإلكترونية يتحول إلى محطة لبناء اقتصاد رقمي مغربي    "الاستقلال" يدين استهداف السمارة    تفكيك خلية "داعشية" بين تطوان وشفشاون شرعت في التحضير لمشروع إرهابي        إخماد حريق أتى على 16 هكتارا في غابة "بني ليث" بإقليم تطوان    32 قتيلا في غارات على قطاع غزة    تيزنيت تستعد لاحتضان الدورة الجديدة من «الكرنفال الدولي للمسرح»    ندوة توصي بالعناية بالدقة المراكشية    ‬بعد جدل "موازين".. نقابة تكرم شيرين        موجة الحرارة تبدأ التراجع في أوروبا    صحيفة "الشروق" التونسية: ياسين بونو قدم أداء "ملحميا بكل المقاييس" في كأس العالم لأندية كرة القدم    أنغام تخرج عن صمتها: لا علاقة لي بأزمة شيرين وكفى مقارنات وظلم    الأمني: حضور رئيس الحكومة في البرلمان.. بين مزاعم بووانو وحقيقة الواقع    التوفيق: الظروف التي مر فيها موسم حج 1446ه كانت جيدة بكل المقاييس    عُطل مفاجئ يصيب منصة "إكس" ويثير شكاوى المستخدمين عبر مواقع التواصل    اعتراف دولي متزايد بكونفدرالية دول الساحل.. مايغا يدعو إلى تمويل عادل وتنمية ذات سيادة    التنسيقية المهنية للجهة الشمالية الوسطى للصيد التقليدي ترفع مقترحاتها بخصوص '' السويلة '' للوزارة الوصية    الرعاية الملكية السامية شرف ومسؤولية و إلتزام.        دورتموند يعبر مونتيري ويضرب موعدا مع الريال في ربع نهائي كأس العالم للأندية    أتلتيكو مدريد يتعاقد مع المدافع الإيطالي رودجيري قادما من أتالانتا    ترامب يحث حماس على قبول "المقترح النهائي" لهدنة 60 يوما في غزة    نيوكاسل الإنجليزي يعتذر عن مشهد مسيء في فيديو الإعلان عن القميص الثالث    ملتقى فني وثقافي في مرتيل يستكشف أفق البحر كفضاء للإبداع والتفكير    عاجل.. بودريقة يشبّه محاكمته بقصة يوسف والمحكمة تحجز الملف للمداولة والنطق بالحكم    طريقة صوفية تستنكر التهجم على "دلائل الخيرات" وتحذّر من "الإفتاء الرقمي"    أكادير تحتضن أول مركز حضاري لإيواء الكلاب والقطط الضالة: المغرب يجسّد التزامه بالرفق بالحيوان    وقت الظهيرة في الصيف ليس للعب .. نصائح لحماية الأطفال    حرارة الصيف قد تُفسد الأدوية وتحوّلها إلى خطر صامت على الصحة        ضجة الاستدلال على الاستبدال    وزير الأوقاف: خدمات واضحة تحدد تكلفة الحج الرسمي وتنسيق مسبق لضبط سعر الصرف    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



ملامح التحديث بمنظومة التعليم المدرسي
نشر في هسبريس يوم 31 - 10 - 2013

تعلمنا تجارب الكثير من المجتمعات أن التربية تشكل بوابة رئيسية لبناء وترسيخ مجتمع الحداثة والديموقراطية . فالحداثة من حيث هي مناخ فكري وسوسيو ثقافي سائد ومهيمن في المجتمعات المعاصرة إن هي إلا تتويج لسيرورة متراكمة من المعارف والتقنيات وطرائق وفنون وأساليب العيش والتعايش والحكامة السياسية للاجتماع البشري .
يجوز الحديث اليوم عن الحق في الحداثة تماما كما نتحدث عن الحق في التعليم والتربية ، ما دامت الحداثة تشكل إطارا عاما لتحقيق خدمات و إشباع حاجات مادية وروحية مختلفة للإنسان ، فضلا عما يتميز به هذا الإطار الحداثي العام الذي يتنظم داخله الاجتماع البشري من سيادة مبادىء وقيم وحقوق مطلوبة ومرغوبة صارت تأخذ أبعادا كونية . و لأن التحديث كمشروع إرادوي وكوظيفة معقلنة تنهض بها مؤسسات مختلفة ومتعددة ليس من اليسير حصر وبيان آليات اشتغالها وآثارها في زمن منظور، فإن التركيز هنا سيقع على مؤسسة التربية والتكوين باعتبارها أهم مؤسسة لنشر وترسيخ قيم الحداثة والتحديث .
تنطرح ، بصدد عمل التحديث بطريق التربية والتكوين ، تساؤلات من قبيل : هل تنهض منظومتنا التربوية على تصور واضح لدور التربية في ترسيخ قيم الحداثة ؟ ماهي أهم المظاهر أو الملامح الدالة على تصريف هذا التصور من خلال الوثائق والمرجعيات التأسيسية وعلى رأسها الميثاق الوطني للتربية والتكوين ومن خلال البرامج والمناهج ؟ ألا توجد أمثلة مضادة لتدابير وممارسات قد تشتغل كعوائق مشوشة على مشروع التربية على التحديث والحداثة ؟
إننا لا نزعم تقديم إجابات شافية عن هذه التساؤلات بقدر ما نروم الاسترشاد بها على طريق تلمس بعض ما نعتبره ملامح بارزة ومظاهر دالة ،بالأقل ،على إرادة التحديث في منظومتنا التربوية الحالية .
1. مظاهر التحديث المرتبطة بالبرامج ومناهج المواد الدراسية
1. 1 . التربية على الديموقراطية ودولة الحق والقانون
ينص الميثاق الوطني للتربية والتكوين في القسم المتعلق بالمبادىء والمرتكزات الثابتة لنظام التربية والتكوين على " تربية المواطن على المشاركة الإيجابية في الشأن العام والخاص وعلى تبني الممارسة الديموقراطية في ظل دولة الحق والقانون " (الميثاق الوطني للتربية والتكوين ، النسخة العربية المتداولة ، ص9 ) فلأول مرة إذن يتم النص صراحة على مفهومي الديموقراطية ودولة الحق والقانون كمرتكزات وغايات ثابتة في نظامنا التربوي . ومعلوم أن هذين المرتكزين يشكلان رافعتين أساسيتين للحداثة في المجتعات المعاصرة .
1.2. الاختلاط
ينبغي ألا ننسى أن الاختلاط بالمؤسسات التعليمية وداخل الأقسام من حيث هو إعمال وتجسيد لمقاربة النوع الاجتماعي، يعتبر مكسبا حداثيا هاما بالمغرب . وتأتي قيمته وأهميته من كونه لا يزال يشكل ، إلى اليوم ، موضوع جدال في بعض المجتمعات التي نتقاسم وإياها جذورا وآفاق فكرية وثقافية . هذا إلى جانب مشاريع معتمدة ترمي تطبيق مقاربة النوع والمساواة بين الجنسين ليس فقط على مستوى الحق في التمدرس بل وأيضا على مستوى الولوج إلى مواقع التدبير والمسؤولية . يكفي أن نشير هنا إلى مشروع " دعم تدبير المؤسسات التعليمية بالمغرب" الجاري تنزيله حاليا على المستويين الإقليمي والمحلي بشراكة مع الطرف الكندي والذي يشمل " المساواة بين الجنسين " كمكون أساسي من مكوناته
1.3 . التعليم الأولي
أصبح التعليم الأولي الذي يهم الأطفال من أربع إلى ست سنوات ، في تصور الميثاق الوطني للتربية والتكوين ، جزءا من النظام التربوي ينبغي أن يوضع على سكة الإدماج التدريجي بمؤسسات التعليم الابتدائي مما جعله يحقق أرقاما متقدمة على طريق الانتشار والتعميم فضلا عن التحول من تعليم نخبوي إلى تعليم جماهيري مفتوح في وجه فئات اجتماعية واسعة . وإذا علمنا أن الرافد العصري لهذا التعليم ماض في التأثير بشكل إيجابي على نظيره العتيق ، أمكن أن نقول إن التعليم الأولي وبخاصة في نمطه العصري ، هو في حد ذاته مظهر بارز للتحديث بمنظومتنا التربوية . ويكفي أن نستحضر ما يرتبه من آثار إيجابية على المسار التربوي اللاحق للمتعلم وما يخلقه من دينامية في المرحلة الابتدائية .
1.4 . الانفتاح على اللغات بالتعليم الابتدائي
نقتصر على ذكر مظهرين أساسيين للتحديث في هذا المستوى من التعليم يجسدهما تدريس الأمازيغية من حيث هو تعبير عن وعي حداثي بأهمية المصالحة مع الذات والانطلاق منها صوب الآفاق الأخرى وتدريس اللغة الأجنبية الأولى منذ السنة الثانية الابتدائية وما يدل عليه من توجه نحو توسيع دائرة الانفتاح على العالم وذلك بالرغم مما يلاقيه هذان المستجدان على أرض الواقع ، مرحليا ، من صعوبات البداية المرتبطة بتوفير الموارد البشرية المؤهلة والمناهج الدراسية والنماذج البيداغوجية الملائمة .
1.5. مواصلة الانفتاح بالتعليم الثانوي الإعدادي
إلى جانب مواصلة استراتيجية الانفتاح على العالم من خلال الشروع في تدريس اللغة الأجنبية الثانية ( الأنجليزية ) تتجلى إرادة التحديث بالتعليم الثانوي الإعدادي في الحمولة التحديثية لمضامين بعض المواد الدراسية كالتكنولوجيا والإعلاميات والتربية التشكيلية والفنية والتربية الأسرية . ومما يدل على الطابع الحداثي والوظيفة التحديثية لمثل هذه المواد ما تعبر عنه بعض الأوساط من مواقف سلبية تجاه بعض مضامين هذه المواد .
1.6 . الثانوي التأهيلي
إن الملمح التحديثي الذي يستوقفنا أكثر من غيره في إطار الهندسة الجديدة للتعليم الثانوي التأهيلي هو تعميم الدرس الفلسفي بمختلف مستوياته ومسالكه . إن تدريس الفلسفة عندنا يندرج في صلب إشكالية التحديث والتقليد ، كما أن لأصل هذه الإشكالية في المجال الاجتماعي انعكاس في المجال المدرسي . فالملاحظ أن حدي الإشكالية : ( تحديث / تقليد) تحكمهما علاقة طردية عكسية ، بلغة أهل المنطق . فكلما زاد واتسع أحدهما ضاق الثاني وانكمش . والعكس صحيح . لقد وقعت الفلسفة كمادة دراسية كما يعلم الجميع ، في أواخر سبعينيات القرن الماضي ، ضحية حالة من التوتر الاجتماعي بين قطبي الحداثة والتقليد فكانت نتيجته ، في المجال المدرسي ، نشوء شعبة دراسية تراثية جديدة في الجامعات وتهميش الفلسفة كشعبة في الجامعة وكمادة دراسية بالتعليم الثانوي . فهل حدث ذلك صدفة أم لأن الفلسفة تعتبر مادة التربية على قيم الحداثة في المجالات السياسية والاجتماعية والثقافية ؟
وبالنظر إلى ما يعيشه المجتمع المغربي من دينامية جديدة نتيجة لأوراش الإصلاح المفتوحة في العديد من المجالات من ضمنها مجال التربية والتكوين ، يمكن القول إننا نعيش اليوم وضعية شبيهة بوضعية أواخر السبعينيات من القرن الماضي ولكن بشكل معكوس . يدل على ذلك ، ربما ، أن ما يلاحظ من التفات إلى مادة الفلسفة بإعادة توطينها في منظومة التربية والتكوين إنما يندرج في سياق ترسيخ وتحصين قيم المجتمع الحداثي الديموقراطي .
واستكمالا لدور ووظيفة مادة الفلسفة في التربية على قيم الحداثة في إطار المناخ الدولي الجديد ، تعززت منظومتنا التربوية ببعض البرامج ذات التوجهات والأهداف التحديثية نذكر منها
أ برنامج التربية على حقوق الإنسان
يتوج هذا البرنامج التزام المغرب بالانخراط في عشرية التربية على حقوق الإنسان التي أقرتها الأمم المتحدة . وقد تمحور محتواه حول إشاعة ثقافة حقوق الإنسان في المجال المدرسي كقناة موصلة إلى المجتمع مع التركيز على المفاهيم الحقوقية المركزية التالية : الكرامة ، الحرية ، المساواة ، التسامح ، التضامن ، الديموقراطية والقانون . وينتظر تصريف هذا المحتوى في مختلف مراحل التعليم عبر استراتيجة الدمج ضمن مواد دراسية حاملة هي : اللغة العربية ، اللغة الفرنسية ، التربية الإسلامية ، الاجتماعيات والفلسفة .
ب برنامج التربية على قيم ومبادىء مدونة الأسرة الجديدة
جاء هذا البرنامج في سياق إقرار مدونة جديدة للأسرة بالمغرب ويهدف إلى التربية على ما تكرسه من مبادىء وقيم كونية وأصيلة كالعدل والمساواة والحق والاحترام والتضامن والتقدم والكرامة والمسؤولية . أما الاستراتيجية المتبعة فهي نفسها القائمة على الدمج ضمن مضامين وكتب مدرسية لمواد حاملة هي الفلسفة والتربية الإسلامية والاجتماعيات والتربية الأسرية .
يبدو أن ملامح ومظاهر التحديث التي تناولناها ، إلى الآن ، لها ارتباط بمضامين وبرامج ومواد دراسية . غير أن التربية على مبادىء وقيم المواطنة في ظل المجتمع الحداثي الديموقراطي ودولة الحق والقانون يمكنها أن تتم عن طريق أدوار الحياة المدرسية .
2. التحديث عن طريق تفعيل أدوار الحياة المدرسية
لا يمكن أن تختزل الانتظارات من برامج التربية على المواطنة وحقوق الإنسان وقيم ومبادىء المجتمع الحداثي الديموقراطي في تحقيق أهداف تقنية وبيداغوجية صرف من خلال البرامج والمناهج والكتب المدرسية الجديدة والتي سيتم استكمال حلقتها الأخيرة بإصدار الكتب الخاصة بمستوى السنة الثانية من سلك الباكالوريا قبل حلول الموسم الدراسي المقبل 2007 2008 ، بل المؤمل أن تشتغل هذه البرامج كمشروع سوسيوثقافي يمتد ليطول السلوكات والممارسات ليس فقط داخل المؤسسات التعليمية وإنما أيضا داخل المجتمع . من هنا بروز فكرة ومشاريع الأندية التربوية وخلايا الاستماع والوساطة التربوية ومراصد القيم على مستوى الأكاديميات والنيابات .
1.2 .الأندية التربوية
تجسيدا لمقتضيات وروح الميثاق الوطني للتربية والتكوين ، ظهرت ، في السنين الأخيرة ، مراجع تشريعية ، في قطاع التربية الوطنية ، في شكل مذكرات وزارية تشجع على تأسيس وتنشيط الأندية التربوية المختلفة ( المواطنة حقوق الإنسان البيئة المعلوميات ...) كفضاءات تربوية وأدوات للتنشيط التربوي والثقافي وتفعيل أدوار الحياة المدرسية . وبالنظر إلى ما تحمله مرجعيتها التشريعية المنظمة من تجديد وتحديث على مستوى التصور وإلى ما تؤسس له من علاقة متطورة بين المدرسة ومحيطها ، فإن مشروع الأندية التربوية يعتبر خطوة متقدمة تجاوزت بالفعل مفهوم الأنشطة المدرسية الموازية التقليدي على طريق تقديم القيمة المضافة الضرورية لتفعيل أدوار الحياة المدرسية في مجال التربية على القيم .
2.2 . خلايا الاستماع والوساطة التربوية
تجد هذه التجربة الجديدة التي تأسست بإحدى أكاديميات التربية والتكوين ( مراكش تانسيفت الحوز ) مرجعيتها التشريعية في السياسة والتوجهات والأهداف الوطنية الرامية إلى تثبيت وتعميم التمدرس ومحاربة ظواهر الهدر والانقطاع والفشل الدراسي . أما منهجية اشتغالها فتقوم على التشارك والاندماج بين أدوار مختلف الفاعلين في المجالات التربوية والثقافية والاجتماعية ومساهمة الخبراء والمختصين في مجالات القضاء وعلم النفس وعلم الاجتماع قصد اختيار وسطاء مدرسيين وتأهيلهم بإخضاعهم لدورات تكوينية تخصصية مع إعمال الشراكة بهدف إشراك الإخصائيين القضائيين والنفسانيين وكذا جمعيات المجتمع المدني ذات الاهتمام في معالجة حالات ومشكلات محددة .
وإذا كانت النتائج المباشرة لتجربة كتلك التي أتينا على ذكرها هنا تتمثل في إنقاذ كثير من الحالات من الانقطاع عن الدراسة بسبب مشاكل العنف الأسري والانحراف الأخلاقي ، فإن الأثر الأهم ربما هو ما يترتب عن هذه التجربة من تراكم على مستوى التربية على الحوار والإنصات وتفريغ المكبوتات باعتبارها آليات ضرورية لفهم الذات وتنمية الشخصية المستقلة للمتعلم والمتعلمة .
يبدو إذن أن الأكاديميات الجهوية للتربية والتكوين قد بدأت تتحرك وتبادر في هذا المجال الحيوي بهدف تفعيل أدوار الحياة المدرسية في التربية على الحرية والديموقراطية والمواطنة المسؤولة مما يعني أن التربية على القيم تتطور بالعلاقة مع تطور التدبير والحكامة في قطاع التربة والتكوين .
1.3 . التدبير والحكامة كمظهر للتحديث
إذا كان تاسيس الأكاديميات الجهوية للتربية والتكوين بموجب قانون 07.00 يجسد اختيار سياسة اللامركزية واللاتمركز في قطاع التربية الوطنية ، فإنه يعتبر أيضا مظهرا أساسيا من مظاهر التحديث من شأنه أن يعمل على تطوير أساليب التدبير والحكامة على مستوى الجهات في هذا القطاع . وبالفعل فقد تم نقل الكثير من القرارات إلى الجهات والأقاليم ، بل وإلى المؤسسات التعليمية مع اعتماد المنهجية الديموقراطية سواء داخل المجالس الإدارية للأكاديميات أو داخل مجالس تدبير المؤسسات التعليمية وبإشراك التلاميذ والتلميذات لتصبح المدرسة والحياة المدرسية عموما مجالا وفضاء ومناسبة ممتازة للتربية على ثقافة المشاركة في صنع واتخاذ القرارات باعتبارها قيمة أساسية من قيم المجتمع الحداثي الديموقراطي .
3. بعض مظاهر التقليد وأسبابه
غير أن وجود هذه الملامح الدالة ، بالأقل ، على تبلور إرادة التحديث في منظومتنا التربوية لا تنفي وجود أمثلة مضادة ومشوشة ، وإن بشكل جزئي ومؤقت ، لها ،هي أيضا ، مظاهر وتجليات وأسباب نذكر منها على سبيل التمثيل :
1.3 . استمرار اشتغال التقليد من خلال أنماط ومضامين التعليم
لقد مر بنا أن التعليم الأولي علامة بارزة على التحديث الجاري في منظومتنا التربوية غير أن استمرار توزع هذه المرحلة من التعليم بين النمطين : الحديث والتقليدي قد يحد من قيمتها وفعاليتها وما ينتظر أن تخلقه من دينامية ، بشكل متكافىء ، في المراحل الدراسية اللاحقة . وإلى جانب هذا ، يشتغل التقليد من خلال مضامين بعض المواد الدراسية المعروفة بشكل لا يتناسب مع إرادة التحديث الظاهرة ، من جهة ، ومع نية الحد من مضاعفات مشكلة الأمية الوظيفية ووضعية عدم التلاؤم بين التكوين ومتطلبات ولوج عالم الشغل في الألفية الحالية من جهة ثانية . تبرز هذه المشكلة أيضا من خلال تآكل التعليم والتعلم النافع والناجع بسبب المضامين المدرسة وبرامج بعض المواد الدراسية بالتعليم المدرسي وبعض شعب التعليم العالي مما يعمق الهوة بين راهن التعليم والتكوين في هذه المواد والشعب من جهة وحاجات ومتطلبات سوق الشغل من جهة ثانية .
2.3 . صعوبة تدبير الإكراهات الكمية مع تحقيق الجودة
مما لا شك فيه أن الجودة هي العلامة الأبرز للحداثة والتحديث وللفعالية في المنظومات التربوية المعاصرة . ومما لا شك فيه أيضا أن منظومتنا التربوية تواجه إكراهات كمية على مستوى التجهيزات الأساسية وعلى مستوى الموارد البشرية . وبالنتيجة فإن ما تستدعيه هذه الإكراهات من مجهودات مالية يضعف الإمكانيات المالية المرصودة للإنفاق العمومي على الجودة . فللجودة كلفة مالية . إلا أن هذا لا يعني أن بلادنا لا تبذل المجهودات اللازمة للاشتغال على الأهداف الكمية والنوعية في نفس الوقت . لكن وكما نقرأ في تقرير الخمسينية " على الرغم من كون التعليم هو القطاع الأكثر كلفة بالنسبة للمجموعة الوطنية ، فإنه يظل في نفس الوقت أقل القطاعات قدرة على الأداء الناجع "( 50 سنة من التنمية البشرية بالمغرب وآفاق 2005 : المغرب الممكن : إسهام في النقاش العام من أجل طموح مشترك ، مطبعة دار النشر المغربية ، 2006 ، الدار البيضاء ، ص ص 107 108 ) وذلك ربما بسبب تلك الإكراهات الكمية
3.2 . صعوبة التوافق حول المشروع المجتمعي
إذا كانت مؤسسة التربية والتعليم تلعب الأدوار الرئيسية في التأسيس للمجتمع الحداثي وترسيخه وتحصينه كما تعلمنا التجارب التاريخية لكثير من المجتمعات التي عبرت حديثا إلى الحداثة في المجالات الثقافية والصناعية ، فإن نفس هذه التجارب تعلمنا أيضا أنه كلما تم التوافق حول المشروع المجتمعي بطريقة سلسة وبدون صعوبات وترددات من هذا الطرف أو ذاك وكلما كان ثقل التقليد في الانطلاق الفكري والسياسي أخف ، إلا وكان العبور إلى الحداثة وإلى "روح العصر " أيسر وأهون . ولعل ثقل التقليد هو ما يجعل المجتمع المغربي ، كما جاء في تقرير الخمسينية المذكور ، مجتمعا تشهد مرجعية قيمه سيرورة متحولة مع كونه ما يزال مترددا إزاء الحداثة .( ص ص 34 35 )
تضمن الخطاب الملكي الأخير بمناسبة ذكرى 20 غشت إشارة واضحة إلى الحاجة إلى مواكبة نوع من التحديث الصناعي والتقني القائم ببلادنا والذي يؤدي إلى خلق فرص عمل في " المهن الجديدة بالمغرب " ( صناعة السيارات مراكز الاستقبال صناعة الطائرات وغيرها ). ولا تخفى أهمية ودور منظومة التربية والتكوين في تحقيق هذه المواكبة . وإذا كان ما يبعث على الارتياح ، في ظل الوضعية الراهنة غير المرضية لأداء المنظومة التعليمية ، هو " ما تم تحقيقه من نتائج إيجابية في ميادين التكوين المهني " ،فإن المطلوب تعزيز هذه النتائج بحسن استثمار ما يميز المواطن المغربي من ميل طبيعي للانفتاح على اللغات والثقافات الأجنبية من أجل إعداده وتأهيله للعمل في هذه المهن الجديدة للمغرب دون إغفال التكوين المهني على الحرف والمهن اليدوية والتقنية . الآن وقد تمت العودة إلى ربط التكوين المهني بقطاع التربية الوطنية فهل ننتظر دفعة جديدة لعمل التحديث عن طريق التربية والتكوين ؟
* مفتش فلسفة بنيابة الناظور


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.