باراغواي تجسد اعترافها بالسيادة المغربية على الصحراء بإعلان فتح قنصلية عامة    صمصم: جيل جديد من برامج التنمية الترابية المندمجة.. انطلاق المشاورات في الأقاليم ال 75 ابتداء من الأسبوع المقبل    مكتب المطارات يتوقع تحقيق 6.4 مليار درهم معاملات في 2026    إسرائيل تقصف مخزن أسلحة في غزة    إنقاذ قارب للهجرة السرية على متنه 22 مغربياً أبحروا من سواحل الحسيمة    ملامح الحزن ومأزق الوجود في ديوان «أكثر من شجرة أقل من غابة» للشاعر علي أزحاف    المعارضة الاتحادية بمجلس النواب تدقق في القضايا الكبرى في مشروع قانون المالية    بتنسيق مغربي إسباني.. تفكيك شبكتين دوليتين وحجز 20 طناً من الحشيش داخل شحنات فلفل    "منخفض جوي أطلسي" يجلب أمطارا وزخات متفرقة نحو الشمال المغربي    ملاعب الرباط تستعد: "الأمير مولاي الحسن" و"البريد" يحتضنان معارك الملحق الإفريقي للتأهل لمونديال 2026    المنتخب المغربي يواجه منتخب الموزمبيق ودياً في أكادير استعداداً لكأس إفريقيا    التوقيع على ملحق اتفاقية استثمارية بين المملكة المغربية ومجموعة "رونو المغرب"    دعوات للنيابة العامة من أجل التحقيق في تصريحات التويزي حول "طحن الورق"    حركة "جيل زد"... فرصة لإعادة المعنى للسياسة! (1)    تعيين محمد الطوزي عميدا لكلية العلوم الاجتماعية بالجامعة الدولية للرباط    جلسات ماراطونية لمحكامة جيل زيد بكل من طنجة والعرائش والقصر الكبير    المديرية العامة للأمن الوطني تعقد شراكة مع شركات التامين الفرنسية    اتفاقية استثمارية بين المغرب ومجموعة "رونو" تُحدث 7.500 منصب شغل    السياحة المغربية تلامس أفق 18 مليون سائح... و124 مليار درهم من العملة الصعبة حصاد مرتقب    لامين يامال يشتري قصر بيكيه وشاكيرا    جرائم ‬بيئية ‬ترتكبها ‬معاصر ‬الزيتون ‬تهدد ‬الموارد ‬المائية ‬بالمغرب    ترامب يتأسف لعدم السماح له بالترشح لولاية رئاسية ثالثة    "أكاديمية المملكة" تصدر موسوعة "مناظرة العلوم الإنسانية والاجتماعية" في 4 مجلدات    بورصة الدار البيضاء تستهل تداولاتها على وقع الارتفاع    علماء يكتشفون حياة ميكروبية تحت جليد القطب الشمالي    الدار البيضاء تحتفي بالفلامنكو الأندلسي عبر عرض استثنائي لفرقة باليه الأندلس    مهرجان الدوحة السينمائي يعلن عن لجنة تحكيم المسابقة الدولية للأفلام الطويلة    غوارديولا يتطلع إلى عودة مرموش لكامل لياقته    إعصار "ميليسا" العنيف يضرب جامايكا ويسبب خسائر في الأرواح    صقور الصّهيونية    قيمة شركة "إنفيديا" تقترب من مستوى 5 تريليونات دولار القياسي    مقتل جندي إسرائيلي في قطاع غزة    التويزي يوضّح حقيقة عبارة "طحن الورق" ويؤكد: المقصود هو التلاعب في الفواتير لا خلط الدقيق    الأمن يوقف المتورط في قضية اغتصاب مساعدة محام بالبرنوصي    البرلاسين يفتح صفحة جديدة مع الرباط ويجدد دعمه لمبادرة الحكم الذاتي في الصحراء    الساكنة الحقيقية لمخيمات تندوف... عندما تنكشف أكاذيب النظام الجزائري    شباب المحمدية يبسط سيطرته على صدارة القسم الثاني    "سباق التناوب الرمزي المسيرة الخضراء" يصل محطة طرفاية-العيون    بنسعيد يترأس حفل تنصيب لجنة تحكيم الجائزة الكبرى للصحافة    شيخوخة اللسان!    إجراءات الحكومة تساعد على الحفاظ على استقرار أسعار السمك في مستويات معقولة    سقوط عشرات القتلى في قطاع غزة    الجديدة.. تأجيل محاكمة شبكة 'السمسرة والتلاعب بالمزادات العقارية' إلى 4 نونبر المقبل    آفاق واعدة تنتظر طلبة ماستر "المهن القانونية والقضائية والتحولات الاقتصادية والرقمية" بطنجة    "لبؤات U17" يغادرن مونديال الفتيات    مندوبية السجون تعلن الإغلاق النهائي لسجن عين برجة    في حلقة جديدة من برنامج "مدارات" بالإذاعة الوطنية:أضواء على صفحات منسية من تاريخ الحركة الأدبية بالمغرب، من خلال سيرة الشاعر أحمد الزعيمي وديوانه المحقق..    عبد الإله المجدوبي.. العرائشي الذي أعاد للذاكرة دفئها وللمكان روحه    ميسي يتطلع للمشاركة في كأس العالم 2026 رغم مخاوف العمر واللياقة    النمل يمارس التباعد الاجتماعي عند التعرض للأمراض والأوبئة    دراسة حديثة تحذر من مغبة القيادة في حالة الشعور بالإرهاق    مواد سامة وخطيرة تهدد سلامة مستعملي السجائر الإلكترونية    اكتشاف خطر جديد في السجائر الإلكترونية يهدد صحة الرئة    وضع نص فتوى المجلس العلمي الأعلى حول الزكاة رهن إشارة العموم    حِينَ تُخْتَبَرُ الْفِكْرَةُ فِي مِحْرَابِ السُّلْطَةِ    أمير المؤمنين يأذن بوضع نص فتوى الزكاة رهن إشارة العموم    وضع نص فتوى المجلس العلمي الأعلى حول الزكاة رهن إشارة العموم    المجلس العلمي الأعلى يضع نص فتوى الزكاة رهن إشارة العموم    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



آهات في ظلال الجحيم
نشر في هسبريس يوم 25 - 11 - 2013


إلى كل من علمني الحرف فمبدأ الحياة.
إلى معلمي السيد حسبان معلم الإبتدائي للغة العربية، والذي علمني دون أن ينهرني يوما.
إلى كل من أطعمني كسرة خبز ليستقيم بها عظمي..
إلى تلك التي آمنت بي أني الفتى الوسيم فقدرتني، إلى زوجتي و أختي فاطمة الزهراء.
إلى رفيق الدرب في الكفاح أخي عبد الصمد كظيمي.
إلى هسبريس و الصحفي المقتدر الآن، كاتب الإنشاء المميز في طفولته، حسن الأشرف..
أهدي نجاح وحيد..
..
آهات في ظلال الجحيم.
يسود نوع من الهدوء الناعم اللحظة. و على غير عادته يمعن النظر بلا غض بصر، كما لو كان لأول مرة يسمعها أو يراها. قد تظن في حملقته تلك أنه مغرم أو مجنون يفتعل حركة النظر في لا توازن هذه. فعلا، يعشق الحصة الآن في شغف و هو يتابع في تركيز، كثيف حديثها عن موضوع قد يمس صباه في ذكرى أضحت تعاوده في رعشة بين الفينة و الأخرى. وفي تناسق حركة الجسم مع نغمة الكلمة و نور الفكر حيث هدوء الحضور من الطلبة، تلقي محاضرتها ذات العينين الزرقوتين والشعر الأشقر المتسلسل الناعم، وكأنها تريد بذلك إلقاء قصيدة شعرية غزلية. مازالت أركان المادة تشد الطالب وحيد في اهتمام و تأثر كبيرين وهي تتمايل أمام الطلبة في تراقص بلا مبالاة و كأنها ثملة في سكرة تشرح النقاط الأساسية الأربعة بخصوص علم التربية الحديثة. شرح المحاضرة السويدية كاميليا أندرشون في سكنات الفصل الذي كان يسوده سكون أبنائه من الطلبة الذين كانوا يتكونون من خمسة عشر طالب و طالبة، جعل وحيد يدخل في حالة هبنوزية تخترق ما وراء الزمكان، ليهيم به ذاك كله و ينقله في سهو بين طيات الطفولة المدرسية و ذكرياتها..
القسم الرابع ابتدائي عند المعلم قسمان.
الصباح الباكر من الموسم الدراسي لتسع مائة و ألف و سبعة و سبعين ليس ككل الأصبحة، حيث السكوت التام، إلا أنه ليس كهذا الذي يتملكه الآن.
الصمت هناك بداخل الفصل كان يتخلله سكون مميت تلفظ الأطفال معه أنفاسها، إذ أن كل أنواع العصي و السياط اتخذت لها أحسن مكان بخزانة السيد قسمان، معلم اللغة الفرنسية بمدرسة بلال في حي بورنازيل بالدار البيضاء. أشبه ما يكون بجلاد سجون وهو يمارس هواية العقاب في كل صباح كان يبدو قاسم الأطفال، الإسم على مسمى. لا شيء سوى الرعب و الخوف بالفصل رقم عشرة، الذي كانت تمارس فيه كل أنواع العذاب و التمييز.. لم يكن للسود حظ في هذا القسم، حيث أقصوا بأحد الصفوف الأربعة البعيدة عن مجلس المعلم، صحبة الكسالى و ذوي الملابس الرثة من أبناء المعوزين القادمين من أحياء الصفيح. صف سيلتحق به التلميذ الأبيض البشرة رشيد في ما بعد بسبب اسمه العائلي لكحل. و في هجر تام لم يكن لهؤلاء الجمع من الأطفال حق في المشاركة بمعظم الحصص عدا ساعة العقاب ضربا بالسياط أو إحدى تلك العصي حثما، و التي كانت ترتعش لها فرائسهم.. "سبيس دي كوشو نوار" ياخنازير السود، كانت هي العبارة الفرنسية و الشتيمة التي يخاطب بها المعلم قسمان تلاميذته المهمشين في فصله. عبارة سيورثها لزميليه في التعليم، المعلمان منصور الطويل و الطامزي ذو العصبية الحادة الهيستيرية المعروف بها، و اللذان كانا بدورهما أداة عذاب لنصف جيل بأكمله مر بهذه المحطة المرعبة قبل سنة تسع مائة و ألف و سبعة و سبعين.
وحيد، طفل أسمر من أصول صحراوية بفيلالة، نحيف البنية و ذو الحادية عشر ربيعا. وراء صمته الدائم كانت قصة والدته التي كانت تهجر بيت أبيه و إخوته السبعة على الدوام. هذا الهجر الذي سيطول في ما بعد إلى الأبد حيث لا أحد سيعرف لها أثرا. ترى على محياه مسحة من الحزن، ولون السمار يبدو أحيانا إما داكنا أو ذابلا بسبب الجوع و الخوف الدائم من موجه دعوته المعلم قسمان. الحقيقة أن التلميذ وحيد عرف إقصاء فيما بعد حتى في صف محرومي قسمان. زملاء الفصل كانوا ينادونه "ولد الفاعلة" لسبب غياب أمه الدائم والذي كانت تعلمه كثير من أمهات هؤلاء الصبية الخنازير من فصيلته.. لقب ولد الفاعلة كان أشد وطأة من هذا الذي كان ينعث به هو و رفقاؤه من طرف المعلم قسمان. هو يعلم علم اليقين أن أمه بريئة من افتراء زملائه، حتى وإن لم يكن يفقه ذاته سبب الهجر ذاك.. فضلا عن أنه كان دائم السكوت، فهو كان يسهو كثيرا بنظرات ثاقبات كما لو كان يبحث عن شيء. سهوه ذاك كان عادة سبب عقابه في عديد من المرات. إلا أن هذه المرة ارتمى على الأرض وفمه يسيل دما، لا تستطيع أن تميزه عن رعافه اللذان غطا وجهه تحت ركلات المعلم قسمان في ذلك اليوم الذي كان ذكرى مغادرة أمه بيت أبيه.. الذكرى، يريد الطفل أن يعيش معها ملامح أمه التي كان يتفقدها في تحسس بنظراته الضائعة تلك، والتي ستكون أحد أسباب التنكيل به.. كأنه يسجد في انحناء ارتمى الطفل وحيد على الأرض بالصف الخلفي وراء زملائه من الشاكلة و هو يئن في ألم و في أنين صوت كأنه ما بين أزيز النحل و صوت الطنين بل، و كأنه يتفوه في وجع أمي أبي، ملقى بجنب الحائط..
فرص الدراسة في السويد.
السيد وحيد ما بك؟ ما الذي يبكيك؟ يصحى الشاب ذو المنكبين القويين و الصدر العريض الآن على سؤاليها في رعب يظن أنه في فصل المعلم قسمان. . و في ذعر مازال يلاحقه و حزن معا يتعتع، لا شيء س..يدتي كاميليا.. تذ..ككرت فقط أأ..مي..ممعن النظر من جديد إلى محاضرته و كأنه يتوسل الرحمة...
كلمة آسف بها ينهي مبرره متابعا الحصة من جديد.
فرص الدراسة بالسويد.
سي س ن، csn هيأة حكومية سويدية تهتم بنفقات الطلاب المدرسية. يحق لكل تلميذ أو طالب يعيش في السويد و ابتداء من سن السادسة عشر، الحصول على نقذية مدرسية في كل شهر تقارب الألف و ثلاث مائة درهم مغربي. كما يحق لكل الطلبة الجامعيين أو حتى الاستدراكيين على مستوى الثانوية من الكبار االذين تتراوح أعمارهم مابين الثامنة عشر و إلى ما لا نهاية الحصول على إعانة أو حتى قرض مدرسي يؤهله للعيش الكريم تتقاضى عليه الدولة ضريبة رمزية تخبر السيدة كاميليا شيئا من هذا الطلبة حيث وحيد مازال يمعن بكل اهتمام. خبر حصوله على الإعانة الخاصة و التي يخصصها المعهد بتعاون مع البلدية لتفوقه الدراسي أعاد إلى الطالب وحيد السرور من جديد.
مناهج التربية و التعليم في السويد.
السويد شأنه شأن بقية الدول المتقدمة، بلد استطاع أن يفرق بين الثقافة و التربية. فالتربية في المدارس و المؤسسات التعليمية السويدية تأخذ في معانيها تلك الصورة الأفلاطونية حيث إعطاء الجسم و الروح كل ما يمكن من الجمال والكمال، ولا أحد له الحق في إفساد هذه التركيبة الفلسفية حتى و إن كان المفسد الوالدان.. فالتربية بهذا المفهوم تنمو عبر مراحل في قناة رئيسية إسمها الثقافة والتي يستمدها الطفل من شبكات فرعية عدة بدء من البيت والتلفاز و المدرسة فمرورا بالجمعية الرياضية فالصديق الذي عادة ما يحصل عليه من هذه الأخيرة أو المدرسة. الثقافة هي تلك المعرفة التي تؤخذ عن طريق الإخبار والتلقي والاستنباط في شكل متناسق مع ما يسمى التربية. هذا التناسق في تكوين أكاديمي يؤدي في ما بعد إلى تحصيل علمي بالمؤسسة التعليمية، حيث إجماع هنا أن العلم هو المعرفة التي تؤخذ عن طريق الملاحظة والتجربة والاستنتاج مازال يتابع الطالب وحيد شرح المحاضرة السيدة كاميليا أندرشون قبل أن تخلص الحصة ليخرج من الفصل منشرح الصدر و هو يعلم أنه لن يعود إلى فصول قسمان، منصور أو طامزي.. كما أنه لن يحضن أباه الذي كان قد هجره مباشرة بعد رحيل أمه بسنتين و الذي علم بوفاته من وقت قريب.
وما إن تذكر تسجيله بالقنصلية المغربية والذي لم يكتمل في المرة السابقة حتى انتابه الذعر من جديد. فتعسفات مبارك هناك تذكره بظلم المعلم قسمان والسفارة أضحت لديه كالفصل رقم عشرة. ليقرر أن لا يذهب و يكتفي اليوم بحزنه على أبيه.. يطأطئ رأسه وهو يهمس في صوت خافت دعاء، رحم الله أبي..


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.