قبل أن تَلج مقرّ البرلمان، يجب أنْ تمرّ أوّلا على مكتبٍ صغير للشرطة عند مدخل الباب الضيّق، الذي لا يتّسع لأكثر من شخصين والذي يتواجد ضمن الواجهة الخلفية لمقر المبنى التشريعي، تستوفي إجراءات الأمان والتحقق من الهوية، أمّا إن كانت لديك سيارة فيجب عليك أن تتركها في مكان بعيد، لأنّ البرلمان لا يتوفّر على موقفٍ للسيارات ل "الزوار العاديّين"، وجنبات الطريق الضيّقة التي ينفتح عليها الباب الخلفيّ للمجلس غالبا ما تكون مكتظّة بسيارات الموظفين، بينما لا يفتح مرآب المرفق إلا لسيّارات الوزراء ومسؤولي المجلس. الأدراج المُؤدّية إلى القاعة الكبرى، التي تُعقد فيها الجلسات مفروشة بسجّادٍ أحمرَ نظيفٍ، وفي مداخل القاعات زرابٍي حمراء، ويتمر اللون ذاته في الطغيان على أروقة المبنى، على الأرائك والستائر الطويلة، فيما الأرضية يكسوها الرّخام الأبيض، وعلى الجُدران شاشات تلفزيونية تُعرض عليها الأنشطة المقامة داخل قاعات المجلس. خلال جلسة المُساءلة الشهرية الأخيرة لرئيس الحكومة، والتي كان موضوعها قضية الوحدة الترابية، دخل عبد الإله بنكيران إلى القاعة الكبرى للجلسات على الساعة الحادية عشرة صباحا بالضبط، وهو الموعد المحدّدُ لانطلاق أشغال الجلسة، غير أنّ الجلسة لم تنطلق إلا في حدود الساعة الحادية عشرة والربع، بعدما قضّى رئيس الحكومة زهاء عشر دقائق في مصافحة النواب والوزراء الحاضرين، قبل الجلوس في مقعده، إلى جانب وزير الدولة عبد الله بها، ووزير الاتصال الناطق الرسميّ باسم الحكومة، مصطفى الخلفي. بعد جلوس بنكيران، كان هذا الأخير قِبْلة لعدسة المصوّرين الذين التفّوا حوله، قبل أن تخفت أضواء عدسات كاميراتهم وتتوقّف أصابهم عن الضغط على أزرار التصوير، واقتربوا أكثر من رئيس الحكومة، الذي دخل معهم في حديث.. أصغى الجميع لكلام الرئيس بعض الوقت قبل أن يضحكوا بشكل جماعي؛ لا بدّ أنهم سمعوا من بنكيران "قفشة" جعلتهم يضحكون.. كالعادة. بعد ما يقارب ربع ساعة عن الموعد المحدّد لانطلاق الجلسة، تناوَل رئيس مجلس النواب، كريم غلاب، المطرقة الخشبية الصغيرة الموضوعة إلى يمينه وطرق بها طرقات خفيفة على المنصّة الخشبية، طالبا من النواب أن يلتزموا بالهدوء ويتفضّلوا بالجلوس إلى أماكنهم، ثم أعطى انطلاق أشغال جلسة مُساءلة رئيس الحكومة، على وقع عبارة "ننطلق على بركة الله". يقوم رئيس الحكومة، بعد أن تلا الأمين العامّ للمجلس، الذي كان جالسا إلى يمين كريم غلاب، جُملة من القرارات التي اتخذها المجلس، وينطلق بخطوات بطيئة نحو المنصّة، وقبل أن يشرع رئيس الحكومة في تدخّله، طلب رئيس المجلس من النواب الترحيب بوفْد من جمهورية اليمن، يترأسه وزير الدولة اليمني. قام النواب من أماكنهم وصفقّوا، ترحيبا بالوفد اليمني، وعندما استداروا نحو المنصّة الخلفيّة المخصّصة للزوار، حيث كان من المفترض أن يجلس الوفد، وجدوا أنّ هذا الأخير لم يحضر بعد! ضحك الجميع، فيما تدارك كريم غلاب الحرج بعبارة "نتمنّى أن يلتحق بنا ضيوفنا بعد لحظات"، ثم انطلقت أشغال الجلسة. قبل أن يشرع رئيس الحكومة في الحديث، عَبَّ شُربة من كأس الماء الموضوعة على يمينه. رئيس المجلس أيضا وُضعت إلى يمينه قارورة زجاج مملوءة بالماء، وكأس، فيما الأمين العامّ للمجلس ُمستثنى من الماء، إذ لم توضع إلى يمينه ولا إلى يساره لا قارورة ولا كأس. عددُ الكاميرات التي تنقل أشغال الجلسات التي تعقد بالقاعة الكبرى لمجلس النواب يصل إلى خمْس كاميرات، اثنتان مثبّتتان على الجدار الخلفيّ للمنصّة (تُصوّران النواب)، واثنتان على الجانبين الأيمن والأيسر للقاعة، وواحدة مثبّتة على الجدار المقابل للمنصّة. منصّة مجلس النواب مكسوّة بالخشب، فيما يكسو الرّخام والجبس "البلدي" خلفيتها. الجدران أيضا والسقف مكسوّ بالخشب والجبس، فيما تصطفّ ستة كراسي جلدية بلون أحمر غامق، وأمامها ميكروفونات أمام المنصّة؛ خمسة منها لها حجم واحد، فيما الكرسيّ الخامس يبدو أكثر حجما؛ إنّه كرسيّ الرئيس. أمّا المقاعد المخصّصة للوزراء والنواب فحجمها واحد، مع اختلاف لونها؛ مقاعد الوزراء تكتسي لونا أحمرَ غامقا، ومقاعد النواب لونا أصفرَ باهتا، فيما لون المقاعد المخصّصة للزوار والصحافيين تكتسي اللون البنّي؛ اللافتُ للانتباه هو أنّ عدد المقاعد المخصّصة للوزراء، والتي تحتلّ الصفيّن الأولين، هو 39 مقعداً، أيْ عدد أعضاء الحكومة الحالية بالضبط؛ ربّما يكون بنكيران قد أخذ هذا المُعطى بعين الاعتبار قبل تشكيل حكومته الثانية! عندما وصل الوفد اليمنيّ الذي كان في زيارة إلى مجلس النواب، وكان رئيس الحكومة حينها يلقي مداخلته، لم يجد أعضاء الوفد مقاعد شاغرة للجلوس، وكان الحلّ هو "إفراغ" المقاعد من الصحافيين، وبعض الحضور، ليجلس مكانهم أعضاء الوفد اليمنيّ. الصحافيون الذي اضطروا لمغادرة مقاعدهم أكملوا عملهم في الممرّ الضّيق الفاصل بين الباب الرئيسيّ لقاعة الجلسات ومقاعد النواب. النواب البرلمانيون، حسبَ ما بدا من جلسة المساءلة الشهرية الأخيرة لرئيس الحكومة يلتزمون بوضع هواتفهم المحمولة في حالة صمت، إذْ لم يُسمع داخل القاعة رنين هاتفٍ إلا مرّتين فقط، أمّا توقيت المداخلات، سواء بالنسبة لرئيس الحكومة أو للنواب، (45 دقية لرئيس الحكومة و 5 دقائق لكل فريق برلماني)، فيبدأ عدّها التنازليّ مباشرة بعد الشروع في إلقاء المداخلة. التوقيت المخصّص لمداخلات رئيس الحكومة والنواب يظهر على الجانب الأيمن لشاشتين معلّقتين خلف المنصّة، وعندما ينتهي التوقيت المحدّدُ يظهر خطّ أحمر تحت العدّاد، وإذا لم يتوقف المتدخّل، يتناول رئيس الجلسة المطرقة الخشبية ويطلب منه أن يتوقف، وإذا لم يفعل، تنقطع الحرارة بين الميكروفون الذي يتحدّث أمامه المتدخّل ومكبّرات الصوت الموزّعة على أرجاء القاعة، وهنا يضطرّ للتوقف. أغلب رؤساء الفرق الذين تدخّلوا لم يلتزموا باحترام الوقت المخصّص لهم، ما عدا واحدٍ أو اثنين، فيما استغرق تدخّل رئيس الحكومة في الجزء الأول من مداخلته 30 دقيقة و 50 ثانية، محتفظا بحوالي 14 و 10 دقائقَ من الزمن الإجمالي المخصّص له (45 دقيقة)، وفي المداخلة الثانية المخصّصة للتعقيب على مداخلات رؤساء الفرق استغرق 11 دقيقة و 58 ثانية، ليصل مجموع الزمن الذي استغرقه تدخّله بجزئيْه 42 دقيقة و08 ثوانٍ، بفارق دقيقتين و 52 ثانية عن المدّة الزمنية الإجمالية المخصّصة له. بعد انتهاء الجلسة، تحلّق العشرات من النواب على رئيس الحكومة، الذي غادر القاعة بعد دقائق معدودات نحو سيارته الحكومية داخل مرآب المجلس. خارج مقر المجلس كان خمسة من عناصر الشرطة ينظّمون حركة السير؛ يوقف أحدهم السيارات المارّة على الطريق المحاذية، في انتظار أن تخرج سيارة رئيس الحكومة، الذي كان في انتظاره أربعة من عناصر الحرس الخاصّ، على متن سيارة خاصّة. تخرج سيارة رئيس الحكومة فيتحرك عنصرا أمن، كانا يقفان مقابل الباب، ليقدّمان التحيّة، وتنطلق العربة التي يسبقها شرطيّ درّاج، وخلفها سيارة الحرّاس الخاصّين الأربعة الذين أصبحوا يرافقون بنكيران في الآونة الأخيرة، بعد أن حاصره المعطلون مرتين في شوارع العاصمة الرباط.