طلبة الطب والصيدلة يتفاعلون بشكل إيجابي مع دعوة أخنوش    أسعار النفط تتجه لإنهاء سلسلة خسائر استمرت أسبوعين    توقعات أحوال الطقس غدا السبت    بعد حوار أخنوش للي أكد فيه بلي مكايناش سنة بيضاء.. طلبة الطب: أجلنا المسيرة الوطنية ومستعدين للحوار    بورصة الدار البيضاء تستهل تداولات الجمعة على وقع الانخفاض    تعليمات خاصة من الكاف لمراقبة الصغيرة والكبيرة فديبلاصمون اتحاد العاصمة للمغرب تفاديا لتزوير الحقائق وكذوب الكابرانات    واش غايسمعو ليه؟.. بركة خايف يتفركع المؤتمر وصيفط رسالة للمؤتمرين: استحضروا التوافقات البناءة وقيم حب الوطن – فيديو    نسبة انتشار التدخين بين التلاميذ اللي عمرهم بين 13 و15 عام وصلات ل6 % وبنموسى: الظاهرة من الأسباب المباشرة ديال ضعف التحصيل الدراسي    جرسيف.. مشروع بكلفة 20 مليون درهم لتقوية تزويد المدينة بالماء الشروب    بروفيسور عبد العزيز عيشان ل"رسالة24″: هناك علاج المناعي يخلص المريض من حساسية الربيع نهائيا    السعودية قد تمثل للمرة الأولى في مسابقة ملكة جمال الكون    وانغ يي يتلقى مقابلة تحريرية مع شبكة الجزيرة الإعلامية القطرية    أخنوش: الأسرة في قلب معادلتنا التنموية وقطعنا أشواطاً مهمة في تنزيل البرامج الاجتماعية    أخنوش يحسم الجدل بخصوص التعديل الحكومي    الملك يهنئ عاهليْ هولندا بالعيد الوطني    مجمع الفوسفاط ينجح في تعبئة ملياري دولار عبر سندات اقتراض دولية    المغرب يطرح مناقصة لبناء مزرعة رياح بقدرة 400 ميغاوات    من بينهم الرجاء والوداد.. "الفيفا" تمنع 12 فريقا مغربيا من التعاقدات    الصين تتعبأ لمواجهة حالات الطوارئ المرتبطة بالفيضانات    أخنوش.. هذا ما يمنع الزيادة في أسعار "البوطاغاز"    "IA Branding Factory"… استفادة 11 تعاونية من الخدمات التكنولوجية للذكاء الاصطناعي    رسميا.. بدر بانون يعود لأحضان فريقه الأم    بطولة إفريقيا للجيدو... المنتخب المغربي يفوز بميداليتين ذهبيتين ونحاسيتين في اليوم الأول من المنافسات    الأمير مولاي رشيد يترأس بمكناس مأدبة عشاء أقامها الملك على شرف المدعوين والمشاركين في المعرض الدولي للفلاحة بالمغرب    انهيار أشرعة الطاحونة الحمراء في باريس "مولان روج"    درنا الرقمنة بكري.. الوزيرة مزور فتحات كونكور مدير التحول الرقمي ومن الشروط تجيب خمس نسخ ورقية من الضوسي باش دفع للمنصب    انطلاق أشغال مشروع تهيئة الغابة الحضرية "ليبيكا" بالعرائش    مؤسسة (البيت العربي) بإسبانيا تفوز بجائزة الشيخ زايد للكتاب في دورتها ال18    "لمسات بألوان الحياة".. معرض تشكيلي بتطوان للفنان مصطفى اليسفي    عرض فيلم "أفضل" بالمعهد الفرنسي بتطوان    رغم القمع والاعتقالات.. التظاهرات الداعمة لفلسطين تتواصل في العالم    زلزال استقالات يضرب الخارجية الأمريكية بسبب دعم بايدن لحرب إسرائيل على غزة    معرض لفلاحة 16 بمكناس كبر وخاصو يتوسع. دورة مقادة كان مشكوك فيها 3 اشهر. اقبال كبير وتجاوب مزيان وحركة دايرة    عدد العمال المغاربة يتصاعد في إسبانيا    تحت اشراف الجامعة الملكية المغربية للملاكمة عصبة جهة سوس ماسة للملاكمة تنظم بطولة الفئات السنية    وزير دفاع إسرائيل: ما غنوقفوش القتال حتى نرجعو المحتجزين لعند حماس    الدكتور عبدالله بوصوف: قميص بركان وحدود " المغرب الحقة "    شاهد كيف عرض فيفا خريطة المغرب بمتحفه في زوريخ    القبض على مطلوب في بلجيكا أثناء محاولته الفرار إلى المغرب عبر إسبانيا    هل دقت طبول الحرب الشاملة بين الجزائر والمغرب؟    تسليط الضوء بالدار البيضاء على مكانة الأطفال المتخلى عنهم والأيتام    طنجة تحتضن ندوة حول إزالة الكربون من التدفقات اللوجستية بين المغرب و أوروبا    البيرو..مشاركة مغربية في "معرض السفارات" بليما لإبراز الإشعاع الثقافي للمملكة    نهضة بركان تطرح تذاكر "كأس الكاف"    مؤتمر دولي بفاس يوصي بتشجيع الأبحاث المتعلقة بترجمة اللغات المحلية    التحريض على الفسق يجر إعلامية مشهورة للسجن    الأمثال العامية بتطوان... (582)    "مروكية حارة " بالقاعات السينمائية المغربية    في اليوم العالمي للملاريا، خبراء يحذرون من زيادة انتشار المرض بسبب التغير المناخي    خبراء ومختصون يكشفون تفاصيل استراتيجية مواجهة المغرب للحصبة ولمنع ظهور أمراض أخرى    جراحون أميركيون يزرعون للمرة الثانية كلية خنزير لمريض حي    أكاديمية المملكة تعمق البحث في تاريخ حضارة اليمن والتقاطعات مع المغرب    ماركس: قلق المعرفة يغذي الآداب المقارنة .. و"الانتظارات الإيديولوجية" خطرة    قميصُ بركان    لأول مرة في التاريخ سيرى ساكنة الناظور ومليلية هذا الحدث أوضح من العالم    دراسة: تناول الأسبرين بشكل يومي يحد من خطر الإصابة بسرطان القولون    في شأن الجدل القائم حول مدونة الأسرة بالمغرب: الجزء الأول    "نسب الطفل بين أسباب التخلي وهشاشة التبني"    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



ملاحظات منهجية حول نص الاجتماعيات المثير للجدل
نشر في هوية بريس يوم 18 - 10 - 2021

أثار نص في مادة الاجتماعيات للمستوى الخامس ابتدائي موجة سخط عارمة على وسائل التواصل الاجتماعي وفي صفوف عدد من الفاعلين والمهتمين، الذين رأوا فيه تعريضا بشخص رسول الله صلى الله عليه وسلم، بعدما جاء فيه:
"انتزِعت عائشة من بين لعبها، وسُلّمت إلى رجل ينتمي لقبيلة والدها، لم تلتق به إلا أمام القاضي الذي أبرم عقد زواجهما، وافق علال بأن يزوج طفلته لصديقه رغم أنها تصغره ب 28 عاما، إذ يقول إنّ عادات قبيلته لا ترى البنت إلا في بيت زوجها كيفما كان سنها".
لقد دفعني تنامي حالة الرفض والغضب التي تسبب فيها النص المذكور إلى تعميق النظر فيه، بعد أن عقدت العزم على أخذ مسافة كافية تضفي على قراءتي قدرا من الموضوعية التي تتيح فهم الأمور على حقيقتها ووضعها في مراتبها. والحقيقة أنني أصبت بالذهول والدهشة أمام نص اقتطع بشكل فج من مصدره، وفي غياب أدنى متطلبات نقل المعرفة من مجالها الاصلي إلى مجال التدريس، ليقدم صورة عائشة الطفلة الصغيرة التي تنتزع من بين لعبها، وتجبر على الزواج بصديق والدها الذي يكبرها ب 28 سنة، والمنتسبين معا لنفس القبيلة.
حاولت الدفع باقصى درجات العفوية وحسن الظن لأخرج النص من دائرة الاتهام التي أحاطت به، لكني أخفقت، فمشهد واحد ووحيد سيطر على مخيلتي وأبى أن يغادرها؛ إنهم يلمحون لعائشة رضي الله عنها، ولمحمد عليه الصلاة والسلام. غالبت لمرات عدة هذه الصورة التي استقرت في ذهني. أعدت قراءة النص مرة ومرتين وثلاث، اجتهدت في التأويل وحسن الظن بمهندسيه، لكني فشلت أن أتخيل غير الذي تخيلت… أي مماثلة مقيتة تلك التي قد تتسبب مثل هذه النصوص في ترسيخها في أذهان الكبار بله الصغار؟
يبدو الأمر أقرب إلى محاولة استدعاء غير بريئة لحدث زواج النبي عليه السلام من عائشة رضي الله عنها، لخلق حالة تطابق غير معقولة بينه وبين قصة الطفلة عائشة.
وحتى إذا افترضنا أن فريق التأليف ولجان المصادقة لم يتعمدوا المس بثوابت الأمة ورموزها (وهذا ما أتمناه)، فإن الأمر لا يخلو من ملاحظات منهجية، نوردها كالآتي:
– الملاحظة الأولى:
أشار فريق التأليف في هامش النص أن هذا الأخير منقول "بتصرف" عن "الجزيرة نت 2016" غير أنه، وبعد الاطلاع على تقرير الجزيرة المشار إليه، تبين أن الأمر يتعلق بعملية اقتباس أكثر منها بعملية تصرف، ذلك ان التصرف في نص ما يقتضي تلخيص فكرة أو أفكار وردت في فقرة من فقراته أو فيه كله، والحال أن التصرف الذي وقع في النص الأصلي طال فقط اسم عبد الرحيم (والد الفتاة)، الذي تم استبدال اسمه باسم آخر وهو علال، فأي تصرف هذا الذي يشير إليه فريق التأليف؟ وهنا نتساءل لماذا لم يعمد المؤلفون إلى تغيير اسم عائشة باسم آخر؟ ولماذا الحديث عن انتزاعها من بين لعبها؟ ولماذا الإبقاء على فكرة علاقة الصداقة التي تجمع بين الأب والزوج؟ وكونهما من قبيلة واحدة؟ ألم يخش (المتصرفون) أن يتم الربط بين عائشة (النص) وعائشة زوجة النبي صلى الله عليه وسلم؟ أليست العناصر الشكلية للتطابق متوافرة بما يكفي لتحقق هذا الشعور الكاذب المقزز؟ لنتأمل عناصر التطابق والمماثلة الآتية:
– عائشة (النص) 13 سنة/ عائشة رضي الله عنها 13 سنة
– انتزاع عائشة من بين لعبها/ ما روي عن عائشة ولعبها
– علاقة الصداقة بين الأب والزوج/ علاقة الصداقة بين النبي صلى الله عليه وسلم وأبي بكر رضي الله عنه.
– انتساب الزوج والأب لقبيلة واحدة/ انتساب النبي وأبي بكر لقبيلة واحدة.
إن احتفاظ النص بكل عناصره وشخوصه وأحداثه يجعلنا أمام نص مقتبس وليس متصرف فيه كما ادعى فريق التأليف، فباستثناء تعويض اسم عبد الرحيم بعلال كما سبقت الإشارة إليه، لم يتم التصرف في أي فكرة من أفكار النص أو أحداثه الرئيسة أو الفرعية أو شخوصه. ولأن حدود التصرف المطلوبة في المجال التعليمي أوسع مما يتصوره البعض، فقد كان من اللازم أن يتم ذلك بشكل فعلي دون المس بالحدث الرئيس المراد مدارسته واستنتاج العبرة منه (تجنب تزويج القاصرات)، بل إن استبدال اسم عائشة باسم آخر كان لربما كافيا لدرء كل التأويلات التي تسبب فيها اقتباس فقرة من تقرير صحفي دون أي تصرف، اللهم التصرف السيء المشين الذي وقع.
الملاحظة الثانية:
عدم إعمال ما يعرف بالنقل الديداكتيكي الذي هو نقل للمعرفة من فضائها العلمي الخالص إلى فضاء الممارسة التربوية، لتناسب خصوصيات المتعلمين العمرية وتستجيب لحاجاتهم النفسية والمعرفية، وذلك عن طريق تكييفها وإخراجها وفق وضعيات تعليمية– تعلمية، وهذا يقتضي بالضرورة إدخال تغييرات على المعرفة الأصلية وإعادة هيكلتها لتصير معرفة قابلة للتدريس، وهي في هذه الحالة "تقرير الجزيرة نت 2016″، الذي يشكل بهذا المعنى معرفة أكاديمية موجهة للجمهور البالغ القادر على فصل الذات عن الموضوع، وربط المضامين بسياقاتها، لذلك فهي معرفة محكومة بضوابط مهنية وعلمية تختلف كثيرا عن المعرفة المدرسية، ومن تم فهي تحتاج كأي معرفة عالمة إلى أن تحول إلى معرفة قابلة لأن تقدم للتلاميذ، بما يتطلبه ذلك من ضمان تحقق الانسجام مع المبادئ والأسس والمرتكزات التي تقوم عليها المنظومة، وفي مقدمتها الثوابت الدينية والوطنية، وخصوصيات المنهاج الدراسي المغربي الذي يجعل التربية على القيم واحدة من أهم مداخله، فضلا عن ضرورة استحضار المكتسبات القبلية للمتعلمين في إطار تفاعلهم الدائم مع محيطهم السوسيوثقافي، وكذا استعداداتهم العاطفية ومستوياتهم الإدراكية، وغير ذلك من المحددات التي ينبغي التعاطي معها بكل وعي خلال عملية التأليف المدرسي. لقد كان الأجدى والأحوط في النازلة التي بين أيدينا أن يتنبه فريق التأليف ولجنة المصادقة إلى ما قد يتسبب فيه النص المعتمد من تشويش على الصورة الذهنية التي يحملها الطفل المغربي المسلم حول شخصية رسول الله صلى الله عليه وسلم وأم المؤمنين عائشة رضي الله عنها، فالاستدعاء الفج لأسماء كعائشة والقبيلة، والحديث عن لعب عائشة، وعن صداقة الأب والزوج، والزواج في سن مبكرة، كل ذلك قد يدفع الطفل إلى استحضار الحدث السيري لزواج النبي صلى الله عليه وسلم، ومماثلته بما ورد في النص، والنتيجة لا قدر الله هي المس بثابت من ثوابت الاعتقاد الراسخة لدى المسلمين اتجاه رسول الله صلى الله عليه وسلم، علما أن البون شاسع بين النموذجين سياقا وحدثا وتفسيرا.
الملاحظة الثالثة:
تتعلق بمسؤولية لجان المصادقة فيما حصل من انزياح منهاجي خطير، لذا فالمطلوب اليوم هو استدراك ما وقع سواء في هذا النص أو في غيره من النصوص، لأن هذه اللجان مستأمنة قانونيا وبيداغوجيا على سلامة المناهج التعليمية وخلو الحوامل البيداغوجية من كل ما من شأنه التشويش على بناء وترسيخ منظومة القيم لدى الناشئة، ومن هنا لا بد من التذكير بضرورة الإسراع بإخراج اللجنة الدائمة للبرامج والمناهج المنصوص عليها في القانون الإطار 17-51، والتي تنتظرها مسؤلية جسيمة على هذا المستوى.
في انتظار ذلك، ولأنه من المستبعد جدا أن تعمد الوزارة إلى سحب الكتاب المدرسي المعني، فإن الواجب يحثم على الأقل توجيه مذكرة تحث المدرسين على التنبه للأمر، وتحصين المتعلمين من كل ما من شأنه التشويش عليهم حين التعامل مع النص المذكور، فالرهان على الفاعلين من داخل المنظومة من مفتشين ومؤطرين وأساتذة ومربين مطلوب في معالجة مثل هذه الاختلالات، بما يمتلكونه من سلطة تربوية تتيح لهم التعاطي الواعي والمسؤول مع المعارف المبثوثة داخل الكتب المدرسية، فالنقل الديداكتيكي الذي سبق أن أشرنا إليه، لا يهم فقط فرق التأليف المدرسي، بل هناك نقل ديداكتيكي داخلي يتولاه المدرس نفسه في إطار تفاعله النشط مع المعرفة ومع الكتاب المدرسي، الذي ينبغي أن يبقى على الدوام فرضية لتصريف المنهاج الدراسي وليس المنهاج كله.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.