محكمة ألمانية تلغي غرامة رادار من نوعية اقتناها المغرب.. وجدل محلي حول نجاعته    أنغولا تنتصر على زامبيا في "الشان"    حموشي يؤشر على تعيينات جديدة في مناصب المسؤولية بمصالح الأمن الوطني بالدار البيضاء    بينهم قاصرون.. عشرات المواطنين يقفزون في البحر للعبور إلى سبتة والترحيل لمدن أخرى يطال الموقوفين    زلزال بقوة 6.19 درجة يضرب تركيا    رسمياً وابتداء من نونبر.. إدارة الغذاء والدواء الأمريكية تعطي الضوء الأخضر لقطرة VIZZ لعلاج ضعف النظر    صرخة العرائش:قراءة في بلاغ الجسد المديني ومقاومة المعنى !    بعد مشاركتها في مهرجان المضيف .. دعاء يحياوي تحيي حفلها الأول بمهرجان صيف العرائش    عامل إقليم شفشاون يستقبل "مغاربة المهجر" ويشدد على تبسيط المساطر وتحفيز الاستثمار    مسؤول أممي يحذر من الخطة الإسرائيلية بشأن غزة    توقعات أحوال الطقس ليوم غد الاثنين    أشرف حكيمي: "إنه حلم أن ألعب مع المغرب خلال كأس إفريقيا للأمم"    أشرف حكيمي: اتهامي بالاغتصاب ظالم    تشكيلة المنتخب المحلي أمام كينيا    باحثون مغاربة يرسمون "خرائط التربة الخصبة" من أجل دعم الفلاحين في إدارة التسميد        "البوليساريو" تتدثر بثوب الضحية لمواجهة المواقف الدولية في الصحراء المغربية    مغاربة يحتجون على رسو سفينة بطنجة    رحيل الشيخ جمال .. نور يتجدد وروح لا تموت    شروط قبول المنقطعين بالتعليم العتيق    هل يختفي "البيتكوين"؟ .. "الذهب الرقمي" يواجه امتحان البقاء الأخير    التقلبات ترفع الذهب في المغرب ب"زيادة طفيفة".. وضُعف الطلب مستمر    انطلاق مهرجان "صيف العرائش 2025″+ فيديو        بعثة تجارية بلغارية تستعد لزيارة المغرب    مجلة الشرطة .. ملف خاص حول الدورة السادسة لأيام الأبواب المفتوحة للأمن الوطني    وقفة احتجاجية بألميريا للمطالبة بكشف مصير المختفي مروان المقدم    إذا حضر الاحتراف، يغيب الاختلاف أو التنازع: من يحمي الدستورانية في المغرب؟        يوليوز 2025 هو الأقل حرارة في 6 سنوات في المغرب.. لكنه "مخادع" مناخيا    خط بحري جديد لنقل الفواكه والخضروات المغربية نحو أوروبا    حادث شغل يودي بحياة عاملة زراعية مغربية في إسبانيا    لماذا غابت القوى اليسارية والعلمانية عن مشهد تحرير سوريا؟    مداخل المرجعية الأمازيغية لبناء مغرب جديد    قادة أوروبا يؤكدون دعم أوكرانيا ويواصلون الضغط على روسيا    ميسي يواصل الغياب عن إنتر ميامي بسبب إصابة عضلية طفيفة    تشاد.. 20 عاما سجنًا لرئيس الوزراء السابق    بعد انهيار قاتل.. منجم نحاس في تشيلي يستأنف العمل    دراسة: الفستق مفيد لصحة الأمعاء ومستويات السكر في الدم    ارتفاع ودائع الجالية في البنوك المغربية إلى 213,2 مليار درهم    4 قتلى في محاولة اقتحام مركز شرطة بإيران    أشبال الأطلس يختبرون جاهزيتهم أمام مصر قبل مونديال الشيلي    استشهاد 37 فلسطينيا بنيران الجيش الإسرائيلي في غزة معظمهم من منتظري المساعدات    دراسة تحذر.. البريغابالين قد يضاعف خطر فشل القلب لدى كبار السن    ماذا نعرف عن فيروس "شيكونغونيا" الذي أعاد شبح "كورونا" إلى العالم؟    ليفاندوفسكي ولامين جمال يتبادلان اللكمات في تدريب طريف (فيديو)    إطلاق "GPT-5" يكشف فجوة بين طموحات "OpenAI" وتجربة المستخدمين    سقوط شاب من قنطرة وسط طنجة أثناء تصوير فيديو على "تيك توك" (صور)    "زومبي" الرعب وموت أخلاق الحرب    "بعيونهم.. نفهم الظلم"    "رابأفريكا" ينطلق بحضور جماهيري لافت    وفاة محمد المنيع عمدة الفنانين الخليجيين    بطاقة «نسك» لمطاردة الحجاج غير الشرعيين وتنظيم الزيارات .. طريق الله الإلكترونية    هنا جبل أحد.. لولا هؤلاء المدفونون هنا في مقبرة مغبرة، لما كان هذا الدين        الملك محمد السادس... حين تُختَتم الخُطب بآياتٍ تصفع الخونة وتُحيي الضمائر    المغاربة والمدينة المنورة في التاريخ وفي الحاضر… ولهم حيهم فيها كما في القدس ..    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



ماذا تحتاج لصناعة جيل فريد؟


معطيات:
يعيش المسلمون الآن فترة ليست هي أزهى ولا أفضل عصورهم بكل تأكيد، وإن كنا نوقن بفضل من الله أن الغد يحمل في طياته الكثير من الأمل واستعادة الكثير مما افتقدنا في العقود الأخيرة!
وسط هذا الزخم مما يعرف بالحداثة ومتغيراتها سواء الفكرية أو التقنية، التي تطل علينا بكل عقلانيتها ومستحيلاتها، تاه المسلمون معها في أودية متشعبة، لا يكاد ينضبط سيرهم فيها على إيقاع منتظم، فبين مقلد أعمى، وبين آخذ منها أسوأ ما أنجبت، وبين حذر لا يقترب منها إلا لما وافق هواه، وبين معاند لسنن الله في أنامه، أن يدوّل الأيام بينهم، فيرفض كل ما أنجبت حضارات الغرب.
لا يخفى حال المسلمين المستضعفين سياسياً في بقاع الأرض، وعدم وجود قوة حقيقية للمسلمين قادرة على الدفع عنهم، أو استقطابهم، على حسب الحال، أو عدم الرغبة في ذلك أحياناً!
أصبح الشباب الآن حائراً، لا يكاد يجد ملاذاً آمناً وجواباً مطمئناً، فأحداث السنوات العشر الأخيرة، صنعت ضباباً كثيفاً وفجوة بين الشباب والعلماء، في الحق وحجته، نتيجة لاضطراب وقع بين العلماء في تفسير الحوادث وإنزال الدليل عليها ومعالجتها بفهمهم الخاص للآيات، فنشبت حالة من الصراع الفكري والعقدي وصلت إلى حد التفسيق والتبديع بل والتكفير بين جموع المسلمين.
أما عن ظاهرة الإلحاد وما فيها من غياب تام للوعي، والثقافة الإسلامية، نتيجة للتربية الخاطئة، وغياب الدور التوعوي التربوي من الأبوين، مروراً بالمدرسة والمسجد وانتهاء بالشارع والأصدقاء، عضده انتشار منابر الإلحاد في العالم والدعوة إليه باسم العلم!
أما عن مصادر الثقافة العلمية عند عامة المسلمين، فتكاد تنحصر الآن في مشاهدة الأفلام والبرامج التليفزيونية، وقراءة الروايات والقصص، ومتابعة مواقع التواصل الاجتماعي وما تقدمه من مواد متنوعة لا يكاد يميز فيها الخبيث من الطيب إلا لمن كان من أهل الدراية بذلك.
تحديات:
نستخلص من هذه المعطيات كماً هائلاً من التحديات التي يواجهها المسلمون نذكر منها ما يهمنا الآن:
1- الوعي: فإدراك المشكلة ووعيها هو أول خطوات الحل، ولا أزعم أن الوعي غائب تماماً، لكنه وعي ناقص، وغير كاف. وأول الوعي هو إدراك ما كان عليه المسلمون، منذ أمد ليس بالبعيد، وماذا كانوا وقدموا إلى العالم، وكيف كان ينظر العالم إليهم. ويؤسفني، حين أطلع على بعض الكتب التي تروي قصة الحداثة العلمية وكيف نهضت أوربا من ثباتها العميق، والتي كتبها أو ترجمها أناس من العرب والمسلمين، لا يذكرون في هذه النهضة ومسبباتها عالماً مسلماً واحداً. وعجب ذلك، فمئات الاختراعات والاكتشافات التي قام بها العديد من المسلمين في أوقات عصور أوربا الوسطى المظلمة، سواء على المستوى التقني أو الجغرافي أو الطبي، كانت أحد أهم عوامل نهضة أوربا الحديثة، ولا يكاد يخفى مناقشات المسلمين الفكرية لأسلاف الغرب من اليونانيين الفلاسفة ونقدها وردها وشرحها أيضاً.
فما كان لنهضة الغرب أن تكون لولا نهضة المسلمين العلمية أولاً، التي بدورها قامت على أطلال نهضة الرومان والفرس، واللاتي نهضن على حضارات مصر القديمة، والإغريق، والصين، وهكذا، تسلسلاً، سنة الله في أرضه، يداول الأيام بين الناس، حتى يردّ العلم إلى أصله الأصيل متمثلاً في قوله تعالى: {وَعَلَّمَ آدَمَ الأَسْمَاءَ كُلَّهَا} [البقرة: 31].
والوعي بالمخاطر التي تواجهها الأمة نوعان في الجملة:
الأول: داخلية، وهذه أشبه بمرض داخل جسد الأمة، ينهكه، كأزماتها الأخلاقية، والاقتصادية، والاجتماعية، والحزبية البغيضة فيما بين أبناء الأمة، وهي أشرس الأدواء، وكذلك ضعف الأمة عامة ابتداء من ضعف بنية شبابها البدنية، وضعف البحث العلمي، وضعف المؤلفات الفكرية والمعلوماتية، إلخ.
الثاني: خارجية، وتمثل مشاكل الأمة السياسية، مع الدول الأخرى، والغزو الفكري، المتمثل في الحداثة الفكرية، ومنها انفتاح أبواب مواقع التواصل الاجتماعي على الثقافات المتعددة التي لم يكن يعرف عنها أحد الشيء الكثير، حتى أصبحت عملية نسخ أساليب الحياة والثقافة من الشعوب الأخرى عملية في غاية السهولة والسرعة والخطر!
2- التحدي الثاني: وهو الحاجة إلى خطوات إصلاحية سريعة ودقيقة لكثير من الأنظمة داخل الدول الإسلامية، فعلى سبيل المثال:
أولاً: إصلاح العملية التعليمية، ومنهجها، والإنفاق ببذخ على البحث العلمي، فالدول العربية ترتيبها غير مبشر في جدول الدول الأكثر إنفاقاً على البحث العلمي، حيث تقع مصر في المرتبة 30 تسبقها المملكة العربية السعودية في المرتبة 20، والأهم من البحث التطبيق، وأهم من التطبيق، تأمين التطبيق.
ثانياً: الإصلاح الإداري داخل المؤسسات الحكومية وشبه الحكومية أمر حتمي لعلاج الكثير من الأزمات العلمية والثقافية والدينية، فإدارة الدولة الحديثة الآن، تقوم على نجاح إدارة المؤسسات بها، وكلما نجحت الدولة في إدارة مؤسساتها كلما استطاعت أن تستفيد أكثر بمواردها وأن ترشد استهلاكها، وتتحكم في نفقاتها، وهذا يدفعنا إلى العنصر الثالث.
ثالثاً: محاربة الفساد الإداري والمالي داخل الدولة، فهذان لعمري لا ينفكان، ولا يوجد فساد وخلل مالي، إلا وجد قبله فساد إداري، ونعني بالفساد الإداري، تقديم الهوى والمحاباة والمصالح الشخصية عند اتخاذ القرارات الإدارية وتعيين القيادات والتوظيف عامة.
رابعاً: وأهمها، الاهتمام بالعنصر البشري، وتطويره، فالدول لا تقوم إلا على أكتاف أبنائها، فوجب تقوية هذه الأكتاف والعقول، أعني، البدن والذهن. فتكون الأنشطة الرياضية أساسية في الدراسة، وكذلك التربية العسكرية داخل المدارس، وفي فصول الصيف. كذلك إنشاء مساحة في المناهج التعليمية للابتكار وأعمال العقول في كل ما هو مباح فيطلق الطلاب العنان لتخيلاتهم لمستقبل أمتهم، ودينهم، والعالم من حولهم.
فصورة الدولة الذهنية داخل الأدمغة، تنعكس إيجاباً أو سلباً، على إيمان الشباب بقدرة دولهم وثقتهم فيها على إحداث التغيير، وقدرتها على تلبية احتياجاتهم الأساسية، التي كفلها الإسلام لهم، وخير مثال لذلك هو هروب العقول والكفاءات إلى دول غير إسلامية، لشعورهم أن احتياجاتهم الرئيسة لن يتم المساس بها، وأن العمل والقدرة على العطاء هو الفيصل بين الغث والسمين، وأن التنافس الشريف في بيئة محايدة يبرز مهارة الشخص وكفاءته، ثم يكون المقابل «على الأقل» مناسباً للجهد المبذول!
إن القرآن والسنة العملية، إنما أعطت النموذج والإرشاد لقيام الأمم، من خلال تحقيق قيم العدل والمساواة وإعلاء كلمة الحق، ولا تكاد تقرأ مثل هذه الآية الفذة كدليل لما أقوله لك: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُونُوا قَوَّامِينَ بِالْقِسْطِ شُهَدَاءَ لِلَّهِ وَلَوْ عَلَى أَنفُسِكُمْ أَوِ الْوَالِدَيْنِ وَالأَقْرَبِينَ إن يَكُنْ غَنِيًّا أَوْ فَقِيرًا فَاللَّهُ أَوْلَى بِهِمَا فَلا تَتَّبِعُوا الْهَوَى} [النساء: 135]، وإنما تقوم الأمم بمثل ذلك، ولا تنهض إلا على مثل الحق والعدل!
كيف نصنع جيلاً فريداً؟
لا شك أنك بدأت الآن في رسم صورة ذهنية لمدخلات صناعة الجيل الفريد من خلال قراءتك للسطور السابقة، ففيها الكثير من آليات صناعة هذا الجيل الفريد، لكن دعني أخبرك بعصب مدخلات هذه الصناعة:
1- المدخلات الإيمانية: وهي أعظم المدخلات على الإطلاق وأشرفها والمكوّن الأساس للنموذج الإنساني المسلم، ونجاح فعاليتها وإتيان ثمرتها المرجوة منها، يكون من خلال منهجين:
المنهج الأول: إعادة صياغة المعلومة، ولا أعني ههنا «تجديد الخطاب الديني» فأنا ممن لا يثقون بهذه العبارة، فتجديد الدين عندي المذكور في حديث أبي داود «إِنَّ اللَّهَ يَبْعَثُ لِهَذِهِ الْأُمَّةِ عَلَى رَأْسِ كُلِّ مِئَةِ سَنَةٍ مَنْ يُجَدِّدُ لَهَا دِينَهَا»، معناه تجديد كلمة لا إله إلا الله في قلوب الناس، وإنما أعني القالب اللغوي، والأسلوب التعبيري، ليكون بسيطاً لا يصل لحد الإسفاف واستعمال الدارج من اللغة، فالشباب الآن بعيد كل البعد عن اللغة العربية ومصطلحاتها وأساليبها الرصينة، وبلاغتها الساحرة، وأصابت العجمة لسان الشباب بسبب غزو التعليم الأجنبي من جانب، وضعف مواد اللغة العربية التي يتم تدريسها من جانب آخر، فلكي تصل المعلومة بسهولة وجب على الدعاة والمؤسسات الدعوية استعمال السهل والرشيق من العبارة، الهين في التذكر والاستعمال.
المنهج الثاني: استعمال كافة الآليات الحديثة في إيصال هذه المعلومات إلى الناس، بشكل أكثر جاذبية من الناحية التسويقية، والجذب البصري، والإخراج الفني، لأنني أوقن أن الشباب الآن إنما يقضي أكثر وقته على مواقع التواصل، ويشاهد كل ما هو مبهر جذاب في المقام الأول، ومختصر في المقام الثاني، فكلما كانت المعلومة قصيرة، جذابة، سهلة كلما كان تأثيرها أكبر. فما المانع مثلاً أن يتم تلخيص كتب التفسير بعد البحث والتدقيق ثم صياغة المعلومة في صورة مبسطة، لتفسير الآية، في جملة أو اثنتين، اختصاراً لسرد عشرات الأحاديث والآثار والشروح لهذه الآية!
كذلك عرض التاريخ الإسلامي من خلال الأفلام الوثائقية، وهي أسهل وأسرع طريق لقلوب الناس، إذا ما صنعت بالشكل اللائق. ومن أراد إسقاط أي أمة عضّ في تاريخها ونهش، فتاريخنا يتعرض لهجمات شرسة الآن لإسقاطه، لذلك، تجد أمماً لا يكاد يكون لها تاريخ يذكر، أو تاريخها كله إجرام وشرّ، تحاول بكل وسيلة أن تصنع لنفسها تاريخاً عبر أفلام السينما والكتابات المزيفة، لأنها تعلم جيداً سطوة التراث على الناس، وأن طبيعة البشر هي الاستقواء والفخر والاعتزاز بكل ما هو قديم، ولا يوجد أمة لديها من التراث ما تفتخر به كأمة الإسلام، نعم، فيه سلبيات وعثرات، وهذا حال الدول، أن يكون لها بداية وصحوة ومرض فنهاية، ثم تتكرر. الشاهد أن عجلة الحياة ووتيرتها الفائقة السرعة الآن لا تكاد تعطي مجالاً لغير المتخصصين (وهم أكثر الناس) للاطلاع والقراءة والمعرفة، بل هم في الحقيقة ينتظرون مثل هذا الفيديو القصير أو المعلومة القصيرة «كحبة دواء» لابتلاعها سريعاً، والمضي، وهذا مما لا يكاد يخفى.
2- الأمر الثاني: تشجيع الابتكار والبحث العلمي منذ الصغر وذلك من خلال:
أولاً: إنشاء مؤسسات بحثية متخصصة على مستوى العالم الإسلامي، للعمل على ثلاثة أسس:
تشجيع البحث العلمي لدى الشباب منذ المراحل الدراسية الأولى.
تبني واحتضان الابتكارات والمشاريع العلمية الجادة وتمويلها.
تحويل المشاريع العلمية إلى منتجات حقيقية (استهلاكية، طبية، صناعية…).
أعلم أن تمويل ذلك، وإلزام رؤوس الأموال بإنتاجه، أمر صعب، لكنني لا أشك أنه من خلال تحويل الأفكار والمشاريع البحثية إلى منتجات سيدر أرباحاً، وستكون عملية التمويل بعد ذلك لهذه المؤسسات أمراً سهلاً، خاصة وأن عندنا كثير من الصيغ الإسلامية لتمويل المشاريع التي يمكن أن تساهم من خلالها البنوك الإسلامية في تمويلها، كالاستصناع والسلم والمرابحة مثلاً، والسوق الإسلامي سوق ضخم خصب، وكذلك الأسواق العالمية معظمها سيكون سهل الاختراق بإذن الله، الأمر فقط يحتاج إلى إرادة ونية صادقة، وإلا قل لي كيف بدأت الشركات الصناعية العظمى في أنحاء العالم؟ نعم، بالجهد والبذل والسعي الدؤوب للتطوير والإنتاج.
ثانياً: إنشاء مؤسسات بحثية للعلوم الشرعية والإنسانية،
كثيراً ما كنت أتحدث عن إنشاء مؤسسة عالمية إسلامية تهتم بمصادر التراث الإسلامي وتحقيقه، من ناحية المتون، والأسانيد، وأن يتم إصدار مثل Guidelines علمية (قواعد علمية) للدراسات البحثية الخاصة بعلوم الحديث والآثار وتحقيق التراث، فإلى الآن لا يوجد قواعد علمية حقيقية متفق عليها لتحقيق التراث الإسلامي، سواء قصدنا بذلك الحديث النبوي، أو التراث بجملته مما يحتويه من آثار.
إذا اتحدت جهود الباحثين على مستوى العالم لاستنباط قواعد علمية لمناهج التحقيق والبحث، من خلال الوقوف على مناهج المتقدمين ومحاولة استنباط ضوابطهم في النقد، ومن خلال استعمال مناهج علم الإحصاء، للوقوف على قوة الروايات وصحتها، سيكون لدينا أقوى خط دفاع عن التراث عرفه التاريخ.
كذلك العمل من خلال هذه المؤسسات على إنتاج بحوث استقصائية إنسانية، لعلاج أزماتنا الاجتماعية عامة، كارتفاع معدلات الطلاق والإدمان والإلحاد والسمنة..، التي نحتاج معها الوقوف على أسبابها الحقيقية، بمنهجية علمية بحثية، فنجمع بيانات، ونحللها، ونعطي حلولاً واقعية سواء من خلال إصدار الفتاوى، أو سن قوانين تتلاءم مع نتائج هذه الدراسات.
3- الأمر الثالث: نبذ غول التعصب، والحزبية البغيضة، وهي السوس الذي ينخر داخل جسد الأمة، حتى كاد يفتك بها، فلا يسلم مسلم من تكفير أو تفسيق أخيه المسلم، وكل أمر الله ورسوله نبذ الحزبية والعصبية والدعوة إلى التوحد، ففي الصحيح عَنْ جَابِرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، قَالَ: لَمَّا نَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ: {قُلْ هُوَ الْقَادِرُ عَلَى أَن يَبْعَثَ عَلَيْكُمْ عَذَابًا مِّن فَوْقِكُمْ} [الأنعام: 65]، قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم : «أَعُوذُ بِوَجْهِكَ، قَالَ: {أَوْ مِن تَحْتِ أَرْجُلِكُمْ} [الأنعام: 65]، قَالَ: أَعُوذُ بِوَجْهِكَ، {أَوْ يَلْبِسَكُمْ شِيَعًا وَيُذِيقَ بَعْضَكُم بَأْسَ بَعْضٍ} [الأنعام: 65]، قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم : «هَذَا أَهْوَنُ أَوْ هَذَا أَيْسَرُ».
ويفسر هذه الأخيرة، حديث مسلم عن سعد بن أبي وقاص، قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم : «سَأَلْتُ رَبِّي ثَلَاثاً، فَأَعْطَانِي ثِنْتَيْنِ وَمَنَعَنِي وَاحِدَةً، سَأَلْتُ رَبِّي أَنْ لَا يُهْلِكَ أُمَّتِي بِالسَّنَةِ فَأَعْطَانِيهَا، وَسَأَلْتُهُ أَنْ لَا يُهْلِكَ أُمَّتِي بِالْغَرَقِ فَأَعْطَانِيهَا، وَسَأَلْتُهُ أَنْ لَا يَجْعَلَ بَأْسَهُمْ بَيْنَهُمْ فَمَنَعَنِيهَا».
وقال تعالى: {وَجَاهِدُوا فِي اللَّهِ حَقَّ جِهَادِهِ هُوَ اجْتَبَاكُمْ وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ مِّلَّةَ أَبِيكُمْ إبْرَاهِيمَ هُوَ سَمَّاكُمُ الْمُسْلِمِينَ مِن قَبْلُ وَفِي هَذَا لِيَكُونَ الرَّسُولُ شَهِيدًا عَلَيْكُمْ وَتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ} [الحج: 78]، فالله هو الذي سمانا مسلمين، بلا حزبية ولا تعصب، ولا جماعات ولا فرق، ملة واحدة، وأمة واحدة.
وقال جلّ جلاله: {وَلا تَكُونُوا مِنَ الْمُشْرِكِينَ 31 مِنَ الَّذِينَ فَرَّقُوا دِينَهُم وَكَانُوا شِيَعًا كُلُّ حِزْبٍ بِمَا لَدَيْهِمْ فَرِحُونَ} [الروم: 31، 32]، وقال صلى الله عليه وسلم لما سمع الناس قالوا يا للمهاجرين، ويا للأنصار: «مَا بَالُ دَعْوَى الْجَاهِلِيَّةِ، دَعُوهَا فَإِنَّهَا مُنْتِنَةٌ»، ولم يسمح رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يستمع حتى المشكلة ولا تفاصيلها، بل كان تركيزه صلى الله عليه وسلم على نبذ العصبية والفرقة، ولا يفوتنا أن الأمر بين خير فريقين عرفهم الإسلام، المهاجرين والأنصار!
والله عزّ وجل ذم كلمة الحزب بمشتقاتها في كتابه في أكثر من عشرين موضعاً، لم يمدح جلّ جلاله هذا الاسم إلا في موضعين، موضع المائدة: {وَمَن يَتَوَلَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا فَإنَّ حِزْبَ اللَّهِ هُمُ الْغَالِبُونَ} [المائدة: 56]، والثاني موضع المجادلة: {أُوْلَئِكَ حِزْبُ اللَّهِ أَلا إنَّ حِزْبَ اللَّهِ هُمُ الْمُفْلِحُونَ} [المجادلة: 22].
هذا وبالله والتوفيق وحده، وفي الحديث أكثر من ذلك، وفيما ذكرنا إشارة وإلهام، وصل اللهم وسلم وبارك على سيدنا محمد، والحمد لله رب العالمين.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.