من روان الفرنسية إلى طنجة.. رحّالة فرنسي يقطع نحو 2200 كلم على دراجته لنشر التسامح    الكعبي يقود الأسود للفوز على البنين في ودية فاس    حادثة سير خطيرة بالعرائش تُسفر عن نقل شاب في حالة حرجة إلى مستشفى طنجة    من الاحتجاج إلى المواجهة .. أمريكا أمام اختبار أمني غير مسبوق والمارينز في قلب المعركة    ماكرون يشيد بالتزام جلالة الملك بتطوير الاقتصاد الأزرق في إفريقيا    هجوم "ضخم" بمسيرات روسية يستهدف كييف وأوديسا    حاكم كاليفورنيا: ترامب رئيس ديكتاتوي    من يوقف هذا العبث؟ حركات بهلوانية مميتة بشوارع العرائش… والخطر يهدد الأرواح    انطلاق عملية مرحبا 2025 بتعليمات سامية من جلالة الملك    المنتخب الوطني يفوز على نظيره البنيني بمقصية جميلة من الكعبي    تشكيلة المنتخب المغربي أمام بنين    السفينة "مادلين" تصل ميناء أشدود    السعودية تقرر إصدار "شواهد" للحجاج والمعتمرين تثبت إتمامهم للمناسك    رئيس مليلية المحتلة يتهم المغرب ب"معاقبة" اقتصاد المدينة ويحذر من تداعيات خطيرة    انتخابات جزئية مرتقبة بالناظور والدريوش لملء مقاعد شاغرة بمجالس جماعية    تقرير البنك الدولي يعزز مكانة ميناء طنجة المتوسط    ارتفاع ليالي المبيت بمؤسسات الإيواء السياحية المصنفة ب9 في المائة    توقعات أحوال الطقس ليوم غد الثلاثاء    غرق طفل وشاب في مناطق سباحة خطرة وسط موجة حر        منظمة الصحة تحذر من متحور جديد لكورونا والمغرب مطالب باتخاذ تدابير استباقية    ساعة ذكية تنقذ حاجة مغربية من موت محقق أثناء أداء مناسك الحج    خبراء مغاربة: متحور كورونا لا يثير القلق لكن الحذر واجب للفئات الهشة    استقرار أسعار الذهب مع تزايد التفاؤل قبيل محادثات التجارة بين الولايات المتحدة والصين    الشغب الرياضي يقود ثلاثة شبان للاعتقال بالدار البيضاء    الملك محمد السادس يوجه رسالة إلى المشاركين في قمة "إفريقيا من أجل المحيط"    ديستانكت وJul يطلقان أغنية "Princessa"        كرة القدم.. المنتخب الوطني لمواليد 2000 فما فوق يفوز على تشاد (6-0)    ريال مدريد يضم الموهبة المغربية عبد الله وزان من أياكس    رغم غياب الأضاحي.. كرنفال بوجلود الدولي يعود في دورته الثامنة بنفس متجدد وإشعاع عالمي    شركة إيطالية تفوز بعقد ضخم لتطوير البنية التحتية لمشروع القطار فائق السرعة بين القنيطرة ومراكش    إلغاء لقاء منتخب تونس بالدار البيضاء    مفتش شرطة يطلق النار بمدينة فاس    حادثة "تريبورتر" السراغنة: الوزير قيوح يوفد لجنة مركزية من 12 مسؤولا إلى عين المكان    تشانغشا.. بوابة الصين نحو إفريقيا عبر طريق التجارة الحديثة    المغرب يستقبل تدفقاً غير مسبوق للسياح الصينيين في 2025 مع زيادة قياسية في الحجوزات    مهرجان الدارالبيضاء للفيلم العربي يستقطب نجوم الصف الأول للتحكيم    برقية تهنئة من الملك محمد السادس إلى عاهلي المملكة الأردنية الهاشمية بمناسبة عيد الجلوس الملكي    الحرب التجارية تؤثر على أداء الصين    "هولوغرام موازين" يشعل الخلاف بين عائلة عبد الحليم حافظ والمنظمين        تقرير.. قادة من الوليساريو يتسللون إلى صفوف "داعش" ويهددون أوروبا من داخل الساحل    مشجع يفارق الحياة في نهائي دوري الأمم الأوروبية    العراق يحظر رواج "الكاش" في مؤسسات الحكومة    المغرب يضاعف رهانه على صناعة السيارات الكهربائية: لتصل إلى 60% من إجمالي الإنتاج في أفق 2030    تحطم طائرة تقل 20 شخصا في ولاية تينيسي الأمريكية    كأنك تراه    المغرب يحتفي بثقافته في قلب الصين عبر ألحان التراث وإيقاعات الفلكلور    طفولة مخيمات تندوف بين فكي الدعاية السياسية والإستغلال الإيديولوجي تحت غطاء "عطل في سلام"    تعزية إلى الكولونيل رضوان أحصاد في وفاة شقيقته    عيد لصاحبة القبر    الصحة العالمية تحذر من ارتفاع إصابات "كوفيد-19" بسبب متحور جديد وتدعو لتشديد الإجراءات الوقائية    انسيابية في رمي الجمرات واستعدادات مكثفة لاستقبال المتعجلين في المدينة المنورة    العرض ما قبل الأول للفيلم الطويل "الربحة"    يوميات حاج (9): بين منى ومكة .. الانعتاق من شهوات سنين الغفلة    الحجاج ينهون رمي الجمرات في أول أيام العيد    الحجاج يبدأون رمي "جمرة العقبة" الكبرى في مشعر منى    









سلسلة أنواع القلوب (16) مقامات القلب السعيد (3) مقام منابذة كثرة الحلف
نشر في هوية بريس يوم 15 - 02 - 2016


هوية بريس – الإثنين 15 فبراير 2016
وقفنا في المناسبة الأخيرة على الجزء الثاني من مقام "ضرورة منابذة الكذب" ضمن "سلسلة أنواع القلوب"، حيث تبينا أن أضرار الكذب عديدة، وأخطاره متنوعة، منها أنه استجلاب للصفات الذميمة، واستدعاء للأخلاق السقيمة، وأنه يورث مقت الرب سبحانه، ويعاقب عليه أشد العقاب، وأن انعكاساته على الصحة خطيرة.
ونتابع بيان هذه المقامات، بمقام "ضرورة منابذة كثرة الحلف" انطلاقا من حديث عبد الله بن عمر – رضي الله عنه -، الذي جعلناه أسا لهذه المقامات، حيث قال النبي -صلى الله عليه وسلم-: "أُوصِيكُمْ بِأَصْحَابِي، ثُمَّ الَّذِينَ يَلُونَهُمْ، ثُمَّ الَّذِينَ يَلُونَهُمْ، ثُمَّ يَفْشُو الْكَذِبُ حَتَّى يَحْلِفَ الرَّجُلُ وَلاَ يُسْتَحْلَفُ، وَيَشْهَدَ الشَّاهِدُ وَلاَ يُسْتَشْهَدُ. أَلاَ لاَ يَخْلُوَنَّ رَجُلٌ بِامْرَأَةٍ إِلاَّ كَانَ ثَالِثَهُمَا الشَّيْطَانُ. عَلَيْكُمْ بِالْجَمَاعَةِ، وَإِيَّاكُمْ وَالْفُرْقَةَ، فَإِنَّ الشَّيْطَانَ مَعَ الْوَاحِدِ، وَهُوَ مِنَ الاِثْنَيْنِ أَبْعَدُ. مَنْ أَرَادَ بُحْبُوحَةَ الْجَنَّةِ فَلْيَلْزَمِ الْجَمَاعَةَ. مَنْ سَرَّتْهُ حَسَنَتُهُ، وَسَاءَتْهُ سَيِّئَتُهُ، فَذَلِكَ الْمُؤْمِنُ" صحيح سنن الترمذي.
إن صاحب القلب السعيد، المطمئن بالإيمان، لا يحتاج إلى تأكيد صدقه في أقرب مناسبة، وأحيانا من غير سبب معتبر، حتى يحلف ولما يطلب منه الحلف، لأن هذا الفعل دليل على الشك في التصديق، أو على محاولة التمويه الزائف بالحلف، فيكون علامة على ضعف صاحبه، وقلقه من تدني قيمته، ونضوب مصداقيته عند المخاطَب، مما جعل الحلف في زماننا كثيرا، بحق وبغير حق، عن علم وعن جهل، في الأمر العظيم الخطير، وفي الأمر الوضيع الحقير، لا يبالي بعضنا أن يقسم بالأيمان المغلظة شاهدا على وقوع لشيء لم يقع، أو على عدم وقوع شيء قد وقع، في الجد، وفي الهزل، حتى جعلوا الله تعالى عرضة للأيمان فيما لا يليق به عز وجل، كأن يحلف أحدهم أن اللاعب الفلاني خير من اللاعب الفلاني، ويحلف الآخر بعكس قوله، ويحلف أحدهم بأن هذا الفريق هو الذي سيغلب، ويحلف الآخر بأن الفريق الآخر هو الذي سيغلب، يتسارعون في الأيمان والشهادة، كما قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "خَيْرُ النَّاسِ قَرْنِي، ثُمَّ الَّذِينَ يَلُونَهُمْ، ثُمَّ الَّذِينَ يَلُونَهُمْ، ثُمَّ يَجِيءُ أَقْوَامٌ تَسْبِقُ شَهَادَةُ أَحَدِهِمْ يَمِينَهُ، وَيَمِينُهُ شَهَادَتَهُ" متفق عليه. وهذا يدل على تلاشي تعظيم الرب في نفوس هؤلاء، وابتذال الاحترام والإعظام الواجبين له. قال الزمخشري في أحد معنَيَيْ قوله تعالى: "وَلَا تَجْعَلُوا اللَّهَ عُرْضَةً لِأَيْمَانِكُمْ": "ولا تجعلوا الله مَعرِضاً لأيمانكم فتبتذلوه بكثرة الحلف به". ولذلك أوصانا الله تعالى بحفظ الأيمان، وعدم صدورها إلا عند الحاجة إليها. قال تعالى: "وَاحْفَظُواْ أَيْمَانَكُمْ". وبين أن كثرة الحلف دليل على كذب صاحبه، فقال تعالى: "وَلَا تُطِعْ كُلَّ حَلَّافٍ مَّهِينٍ".
فمن اضطر إلى الحلف، وجب أن يكون صادقا، على ثقة بصحة ما حلف عليه، لقوله -صلى الله عليه وسلم- – وقد سَمِعَ رَجُلاً يَحْلِفُ بِأَبِيهِ -: "لاَ تَحْلِفُوا بِآبَائِكُمْ، مَنْ حَلَفَ بِاللَّهِ فَلْيَصْدُقْ، وَمَنْ حُلِفَ لَهُ بِاللَّهِ فَلْيَرْضَ، وَمَنْ لَمْ يَرْضَ بِاللَّهِ فَلَيْسَ مِنَ اللَّهِ" صحيح سنن ابن ماجة.
وقد يحلف المرء كذبا لتحصيل منفعة زائلة، يكسب بها قضية في محكمة، أو يدفع بها عقوبة يستحقها، أو يحصل بها أجرا قليلا.. وهذا على شفا خطر عظيم، يقابل مقدار الجراءة على رب العالمين. قال تعالى: "إِنَّ الَّذِينَ يَشْتَرُونَ بِعَهْدِ اللَّهِ وَأَيْمَانِهِمْ ثَمَناً قَلِيلاً أُولَئِكَ لا خَلاقَ لَهُمْ فِي الْآخِرَةِ وَلا يُكَلِّمُهُمُ اللَّهُ وَلا يَنْظُرُ إِلَيْهِمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَلا يُزَكِّيهِمْ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ". وقال -صلى الله عليه وسلم-: "مَنْ حَلَفَ عَلَى يَمِينٍ يَقْتَطِعُ بِهَا مَالَ امْرِئٍ هُوَ عَلَيْهَا فَاجِرٌ، لَقِيَ اللَّهَ وَهْوَ عَلَيْهِ غَضْبَانُ. فَأَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى: (إِنَّ الَّذِينَ يَشْتَرُونَ بِعَهْدِ اللَّهِ وَأَيْمَانِهِمْ ثَمَنًا قَلِيلاً) الآيَةَ" متفق عليه.
وروى مسلم عن أَبِي أُمَامَةَ – رضي الله عنه – أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- قَالَ: "مَنِ اقْتَطَعَ حَقَّ امْرِئٍ مُسْلِمٍ بِيَمِينِهِ، فَقَدْ أَوْجَبَ اللَّهُ لَهُ النَّارَ، وَحَرَّمَ عَلَيْهِ الْجَنَّةَ". فَقَالَ لَهُ رَجُلٌ: وَإِنْ كَانَ شَيْئاً يَسِيراً يَا رَسُولَ اللَّهِ؟ قَالَ: "وَإِنْ قَضِيباً مِنْ أَرَاكٍ". وهذا هو ما سماه النبي -صلى الله عليه وسلم- باليمين الغموس، أي: التي تغمس صاحبها في النار يوم القيامة؛ فقد جاء رجل إِلَى النَّبِيِّ -صلى الله عليه وسلم- فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، مَا الْكَبَائِرُ؟ قَالَ: "الإِشْرَاكُ بِاللَّهِ". قَالَ: ثُمَّ مَاذَا؟ قَالَ: "ثُمَّ عُقُوقُ الْوَالِدَيْنِ". قَالَ: ثُمَّ مَاذَا؟ قَالَ: "الْيَمِينُ الْغَمُوسُ". قُلْتُ: وَمَا الْيَمِينُ الْغَمُوسُ؟ قَالَ: "الَّذِى يَقْتَطِعُ مَالَ امْرِئٍ مُسْلِمٍ هُوَ فِيهَا كَاذِبٌ".
ومنها الحلف بالكذب في البيوع، بأن يروج التاجر سلعته بالأيمان الزائفة. قال -صلى الله عليه وسلم-: "ثلاثة لا ينظر الله إليهم يوم القيامة، ولا يزكيهم، ولهم عذاب أليم: أُشيمِط (شيخ) زانٍ، وعائل (فقير) مستكبر، ورجل جعل الله بضاعته (أي: جعل الحلف بالله وسيلة لترويج بضائعه)، لا يشتري إلا بيمينه، ولا يبيع إلا بيمنه" صحيح الجامع. وهذه من أجلى صفات المنافقين، الذين قال فيهم الله تعالى: "وَيَحْلِفُونَ عَلَى الْكَذِبِ وَهُمْ يَعْلَمُونَ". وقال فيهم: "اتَّخَذُوا أَيْمَانَهُمْ جُنَّة"، أي: وقاية يتقون بها ما يكرهون، ويخدعون بها المؤمنين. وهو فعل إبليس قبلهم حين خدع آدم – عليه السلام – وحواء بالحلف الكاذب، كما قال تعالى: "وَقَاسَمَهُمَا إِنِّي لَكُمَا لَمِنَ النَّاصِحِينَ فَدَلَّاهُمَا بِغُرُور"، أي: خدعهما باليمين الكاذبة، فأوقعهما في المعصية.
واليمين الغموس، لفداحة أمرها، وفظاعة عاقبتها، ليست لها كفارة مادية تجبرها، فهي أعظم من ذلك، لأنها اعتداء تحايلي على أموال الناس، وضياع لحقوقهم، والمؤمن يستسلم – غالبا – للذي حلف برب العزة، فيصدقه، فإذا انخُدع بذلك، كان الحالف مستخفا بربه، مستهينا بحقه، فلم يبق لهذا الجرم الكبير إلا التوبة والاستغفار.
وعلى المسلم أن لا يحلف على ترك فعل الخير، كالحلف على الامتناع عن مساعدة الجار وصلة الرحم، أو الامتناع عن التصدق على المحتاجين، أو الامتناع عن الصفح والتجاوز عمن أساء إليه، وما شابه ذلك، وهذا هو المقصود في المعنى الثاني لقوله تعالى: "وَلَا تَجْعَلُوا اللَّهَ عُرْضَةً لِأَيْمَانِكُمْ أَنْ تَبَرُّوا وَتَتَّقُوا وَتُصْلِحُوا بَيْنَ النَّاسِ وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ". وقال -صلى الله عليه وسلم-: "وَالله، لأَنْ يَلَجَّ (يصر) أَحَدُكُمْ بِيَمِينِهِ فِي أَهْلِهِ (أي: يحلف بما يَضر أهله)، آثَمُ لَهُ عِنْدَ اللَّهِ مِنْ أَنْ يُعْطِيَ كَفَّارَتَهُ الَّتِي فَرَضَ الله" متفق عليه.
فإن حلف على ذلك، كفر عن يمينه، وفعل الخير. فقد سأل بعض الأشعريين النبي -صلى الله عليه وسلم- أن يعطيهم ما يركبون عليه، فقال لهم: "وَاللَّهِ لاَ أَحْمِلُكُمْ، وَمَا عِنْدِي مَا أَحْمِلُكُمْ عَلَيْهِ". ثم أُتي -صلى الله عليه وسلم- بثلاثة من الإبل، فحملهم عليها، فَذَكَّروه بحلفه السابق فقال: "مَا أَنَا حَمَلْتُكُمْ، بَلِ اللَّهُ حَمَلَكُمْ، وَإِنِّي وَالله إِنْ شَاءَ اللَّهُ لاَ أَحْلِفُ عَلَى يَمِينٍ فَأَرَى غَيْرَهَا خَيْرًا مِنْهَا إِلاَّ كَفَّرْتُ عَنْ يَمِينِي، وَأَتَيْتُ الَّذِي هُوَ خَيْرٌ" متفق عليه.
والكفارة هي المذكورة في قوله تعالى: "فَكَفَّارَتُهُ إِطْعَامُ عَشَرَةِ مَسَاكِينَ مِنْ أَوْسَطِ مَا تُطْعِمُونَ أَهْلِيكُمْ أَوْ كِسْوَتُهُمْ أَوْ تَحْرِيرُ رَقَبَةٍ فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيَامُ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ ذَلِكَ كَفَّارَةُ أَيْمَانِكُمْ إِذَا حَلَفْتُمْ"، فلا يكون الصيام إلا عند العجز عن الإطعام، أو الكسوة، أو تحرير الرقبة.
ومما انتشر بيننا: الحلف بغير الله، وقد جعله العلماء من الشرك، وقد حذر منه رسول الله -صلى الله عليه وسلم- تحذيرا بليغا. قال -صلى الله عليه وسلم-: "مَنْ كَانَ حَالِفًا فَلْيَحْلِفْ بِاللَّهِ أَوْ لِيَصْمُتْ" متفق عليه. وفي بيان الوعيد الشديد لهذا الخلق الذميم يقول -صلى الله عليه وسلم-: "مَنْ حَلَفَ بِغَيْرِ اللَّهِ فَقَدْ كَفَرَ أَوْ أَشْرَكَ" صحيح سنن الترمذي. وهو المقصود في قوله تعالى: "فَلا تَجْعَلُوا لِلهِ أَنْدَاداً وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ". قال ابن عباس -رضي الله عنهما-: "هو أن تقول: وحياتِك، وحياتي".
وبعض الناس في هذا الزمان يقسمون بالحياة، ويقسمون بالشرف، ويقسمون بالطعام، ويقسمون بالرحم، ويقسمون بالنبي، ويقسمون بالأولياء، ويقسمون بالكعبة، ويقسمون بالأمانة.. وكل ذلك لا يجوز. قال -صلى الله عليه وسلم-: "مَنْ حَلَفَ بِالأَمَانَةِ فَلَيْسَ مِنَّا" صحيح سنن أبي داود.
قال عبد الله بن مسعود -رضي الله عنه-: "لأن أحلف بالله كاذبا، أحب إلي من أن أحلف بغيره وأنا صادق" صحيح الترغيب.
فإذا حلف، فقال : إن شاء الله، فحَنِثَ، فلا كفارة عليه، لقوله -صلى الله عليه وسلم-:"مَنْ حَلَفَ عَلَى يَمِينٍ فَقَالَ: إِنْ شَاءَ اللَّهُ، فَقَدِ اسْتَثْنَى" صحيح سنن أبي داود. وفيه -أيضا- يقول النبي -صلى الله عليه وسلم-: "مَنْ حَلَفَ فَاسْتَثْنَى، فَإِنْ شَاءَ رَجَعَ، وَإِنْ شَاءَ تَرَكَ غَيْرَ حَنِثٍ".
فلنحفظ ألسنتنا من الحلف إلا فيما شرع الله، ولتكن الثقة أساس معاملاتنا، والصدق ركيزة علاقاتنا.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.