عند كل موسم وعطلة كنت أعود إلى مدينتي ومسقط رأسي ٬ إذ كنت أتذكرها بين الفينة و الأخرى وأنا طالب في مدينة الرباط ٬ أنتظر بفارغ الصبر قدوم العطلة أو موسم من المواسم لكي أعود وأتلمس بأسوارها مثل طائر مغرد يحن إلى جذع شجرة صنوبر يزقزق فوقها ويستظل تحت أوراقها...فقد كنت دائما أصبو عند كل زيارة لها إلى أن أبحث عن أصدقائي القدامى ، وعن الأماكن التي... تعود بي إلى الماضي الجميل بذاكرته و حنينه وبثغراته وإستمرارية أحداثه ..."الثانوية المحمدية" "شارع مولاي علي بوغالب" "سينما أسطوريا " "بائع الشامية أحمد" و الفواكه الجافة "كريبة" مقهى الشاي الشعبي "عزيز الأسمر" ...ذكريات "الكزارين و أكلة البيصارة" "زينب وشربة البابوشة و البطاطا" بجوار "سوق سبتة" "مقهى المنار"..."سينما بيريس كالدوس" التي زارها نزار قباني وأصبحت فيما بعد مقهى و إقامة سكنية ... كلها ذكريات جميلة لا تنسى ، ومازالت منقوشة ومسجلة في ذاكرة المدى الطويل ... لكنني اليوم ونظرًا لبعدي عنها بسبب الضرورات و الإكراهات التي ترتبط بالواجبات المهنية ، إذ أصبحتُ أتلكأ وأتغيب عن زيارتها ، وبدأت أفضل بعدي عنها بدل أن أتمزق إنفعاليا بغيرة عليها وأنا أراها في وضعية أشبه بالمتدمرة و المزرية نظراً لتهاون عمل المجالس البلدية ٬ بل وحتى سكانها الذين سئموا من ترديد عبارة " ضياع المدينة و ترييفها" بتداخل القرية في المدينة ٬ حيث أصبح وسطها أشبه ب"سوق عكاظ" لكثرة الباعة المتجولون و البهائم التي تنقل الخضر و الفواكه للبائعين الذين عجبتُ لهُم كيف يفضلون وسط المدينة للبيع و الشراء بدل السوق العمومي؟؟؟... فتحول هذا المكان المشرق وسط المدينة بجوار مقهى " المنار" و" سوق سبتة" إلى مكان آخر سوداوي مظلم ممتلئ بالغبار وبقايا قشور الخضر و الفواكه ورائحة روث البهائم ... لست أدري أين ذهب إشراق مدينتي ؟ ولماذا تحولت من عروس مبتهجة بزينتها في عرسها وبطول نعل كعبها إلى أرملة تبكي وترتي موت زوجها... ؟ فأين بدرك يا قَصْرُ ؟ من الذي جعله يُفْتَقَدُ ؟ أهو شدة الظلمة أم ظلام العقول و جحودها...؟ وكما يقول الشاعر : سيذكرني قومي إذا جد جدهم وفي الليلة الظلماء يفتقد البدر.