من عاصمة سوس.. حزب "الحمامة" يطلق دينامية شبابية جديدة للتواصل مع الشباب وتقريبهم من العمل السياسي    "كان" السيدات .. تأهل نيجيريا والجزائر    رفاق حكيمي يسقطون بثلاثية أمام تشيلسي في نهائي كأس العالم للأندية    كرة القدم.. "فيفا" يكشف عن قرارات جديدة بخصوص صحة وفترات راحة اللاعبين واللاعبات    صاروخ يقتل أطفالا يجلبون الماء بغزة    اليمين المتطرف في بلدة إسبانية يستغل حادثة للعنف لربط الهجرة بالجريمة    وفاة رئيس نيجيريا السابق محمد بخاري    بناني والحاجي والمرنيسي يحسمون لقب "بطل المغرب" في الفروسية    تشيلسي يتوج بكأس العالم للأندية بعد فوز ساحق على باريس سان جيرمان    أطروحة دكتوراه تكشف محدودية تفاعل المواطنين مع الخدمات الرقمية بالمغرب: فقط 40% راضون        الوزيرة بنعلي تعلن الشروع رسميا في إنجاز مشروع أنبوب الغاز المغرب- نيجيريا    منظمة الصحة العالمية تحذر: تلوث الهواء يهدد أدمغة الأطفال ويعيق نموهم    المجلس الوطني لحقوق الإنسان يتفاعل مع فاجعة 'خزان أولاد يوسف'    انقلاب سيارة يودي بحياة ستيني بضواحي الحسيمة    نشرة إنذارية: موجة حر من الثلاثاء إلى الجمعة بعدد من مناطق المغرب    عودة العيطة إلى مسرح محمد الخامس.. حجيب نجم النسخة الثالثة    لطيفة تطرح الدفعة الأولى من ألبوم "قلبي ارتاح".. أول ألبوم عربي بتقنية "Dolby Atmos"    توقعات أحوال الطقس غدا الاثنين    الكوكب يراهن على خبرة الطاوسي في رحلة التحدي الكبير    الملك محمد السادس يهنئ رئيس جمهورية مونتينيغرو بمناسبة احتفال بلاده بعيدها الوطني    تيزنيت: للسنة الثانية على التوالي..نسبة النجاح بالبكالوريا تُلامس 80%    « البسطيلة بالدجاج» تحصد المركز الثالث في مسابقة «تحدي طهاة السفارات» بواشنطن    إصابة أربعة أشخاص في سقوط أرجوحة بمرتيل    متحدية الحصار الإسرائيلي.. سفينة "حنظلة" تنطلق من إيطاليا باتجاه غزة    "فيفا" يُنصف حكيمي: أفضل مدافع في مونديال الأندية بأرقام دفاعية وهجومية مذهلة    المجلس الوطني لحقوق الإنسان يأسف لتطورات اعتصام قصبة تادلة ويحذر من نشر مشاهد صادمة دون ضوابط    الشاعرة نبيلة بيادي تجمع بتطوان الأدباء بالقراء في برنامج "ضوء على القصيدة"    "نوستالجيا 2025": مسرح يحفر في الذاكرة... ويستشرف الغد    بملتقى فكري مفتوح حول «السؤال الثقافي: التحديات والرهانات»، بالمقر المركزي للحزب بالرباط .. الاتحاد الاشتراكي يفتح نقاشاً ثقافياً استعداداً لمؤتمره الثاني عشر    دلالات خفقان القلب بعد تناول المشروبات المثلجة        "عدالة" تنبه إلى التدهور المقلق للوضع الحقوقي بالمغرب وتدعو لإصلاح يضمن الحقوق والحريات    انتهاك صارخ لقدسية الأقصى.. مستوطنون يقتحمون قبة الصخرة ويؤدون طقوسًا تلمودية في ذكرى خراب الهيكل    مراكش تنادي إفريقيا: إصلاح التقاعد لضمان كرامة الأجيال المقبلة    شفشاون: يوم تواصلي حول تفعيل مضامين الميثاق المعماري والمشهدي لمركز جماعة تنقوب ودوار الزاوية    ألمانيا تدعو إلى إجراء مفاوضات عملية وسريعة لحل النزاع التجاري مع الولايات المتحدة    الرابطة المغربية للشباب والطلبة تختتم مخيم "الحق في الماء" بمركب ليكسوس بالعرائش    "بوحمرون" يسلب حياة طفل في مدينة ليفربول    صحافي أمريكي: الملياردير جيفري إبستين صاحب فضيحة شبكة الدعارة بالقاصرات كان يعمل لصالح إسرائيل    أقدم مكتبة في دولة المجر تكافح "غزو الخنافس"    صدور كتاب عن قبيلة "إبقوين" الريفية يفكك الأساطير المؤسسة لقضية "القرصنة" عند الريفيين    تقرير: المغرب ضمن 3 دول أطلقت سياسات جديدة لدعم الزراعة الشمسية خلال 2024    يديعوت أحرونوت: موجة هجرة إسرائيلية غير رسمية نحو المغرب في خضم الحرب    طنجة.. إغلاق مقهى شيشة بمحيط مالاباطا بعد شكايات من نزلاء فندق فاخر    من ضحية إلى مشتبه به .. قضية طعن والد لامين جمال تتخذ منحى جديدًا    أسعار الذهب تتجاوز 3350 دولارا للأوقية في ظل التوترات التجارية العالمية    تقرير دولي يضع المغرب في مرتبة متأخرة من حيث جودة الحياة    الطبخ المغربي يتألق في واشنطن.. المغرب يحصد جائزة لجنة التحكيم في "تحدي سفراء الطهاة 2025"        بورصة البيضاء .. أداء أسبوعي إيجابي    نحو طب دقيق للتوحد .. اكتشاف أنماط جينية مختلفة يغيّر مسار العلاج    علماء ينجحون في تطوير دواء يؤخر ظهور السكري من النوع الأول لعدة سنوات    "مدارات" يسلّط الضوء على سيرة المؤرخ أبو القاسم الزياني هذا المساء على الإذاعة الوطنية    التوفيق: معاملاتنا المالية مقبولة شرعا.. والتمويل التشاركي إضافة نوعية للنظام المصرفي    التوفيق: المغرب انضم إلى "المالية الأساسية" على أساس أن المعاملات البنكية الأخرى مقبولة شرعاً    التوفيق: الظروف التي مر فيها موسم حج 1446ه كانت جيدة بكل المقاييس    طريقة صوفية تستنكر التهجم على "دلائل الخيرات" وتحذّر من "الإفتاء الرقمي"    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



مطلب ‬الغيرية ‬بين ‬الاستعصاء ‬والاعتراف
نشر في لكم يوم 18 - 05 - 2019

‮«‬الغير ‬هو ‬ذلك ‬الذي ‬ليس ‬هو ‬أنا ‬ولست ‬أنا ‬هو‮»‬ ‬جون ‬بول ‬سارتر
إن ‬كثرة ‬تداول ‬بعض ‬الكلمات ‬اليوم ‬مثل ‬الآخر ‬والغيرية ‬والتنوع ‬والاختلاف ‬والتعددية ‬لا ‬يعني ‬أن ‬معانيها ‬واضحة ‬ومستقرة ‬وأن ‬المشتغلين ‬بها ‬على ‬بينة ‬من ‬حقيقتها ‬ويدركون ‬التربة ‬التي ‬نبتت ‬فيها ‬وترعرعت ‬بل ‬يجب ‬القول ‬بأن ‬هذه ‬الكلمات ‬ظلت ‬ملتبسة ‬وتحولت ‬إلى ‬مصطلحات ‬فضفاضة ‬يقذف ‬بها ‬في ‬حقول ‬شتى ‬من ‬أجل ‬استعمالها ‬لأغراض ‬معينة ‬وإضفاء ‬مشروعية ‬على ‬اختيارات ‬مبيتة ‬مثل ‬جدل ‬الثقافات ‬وحوار ‬الأديان ‬والتقريب ‬بين ‬المذاهب ‬وحل ‬النزاعات ‬السياسية ‬بالطرق ‬السلمية ‬وتم ‬تهميش ‬فحواها ‬الفلسفي ‬وبعدها ‬الإتيقي ‬ومقصدها ‬الكوني. ‬ما ‬نلاحظه ‬هو ‬وقوع ‬العديد ‬من ‬الكتاب ‬في ‬خلط ‬كبير ‬بين ‬التعدد ‬والتعددية ‬ومساعدتهم ‬كلمة ‬الآخر ‬على ‬حجب ‬لكلمة ‬الغير ‬مثلما ‬تحجب ‬شجرة ‬واحدة ‬الغابة ‬بأسرها ‬،كما ‬أن ‬الاختلاف ‬قد ‬غطى ‬ثراء ‬الفرق ‬والبين ‬ولفظ ‬الكثرة ‬قد ‬استعمل ‬مكان ‬التنوع، ‬‮«‬إذ ‬يتحدث ‬المرء ‬عن ‬وجود ‬الآخر ‬وعن ‬حب ‬الآخر ‬وعن ‬الاهتمام ‬بالآخر ‬الخ… ‬ولكن ‬دون ‬أن ‬يطرح ‬السؤال ‬عما ‬هو ‬ومن ‬يمثل ‬هذا ‬الآخر…‬‮»‬ ‬علاوة ‬على ‬ذلك ‬تسود ‬نظرة ‬متمركزة ‬على ‬ذاتها ‬ومفضلة ‬للأنا ‬في ‬مختلف ‬الثقافات ‬والمجتمعات ‬ويكون ‬المقابل ‬هو ‬التضحية ‬بالغيرية ‬ورفض ‬الآخر ‬وشيطنته ‬والتحذير ‬من ‬التعامل ‬معه ‬وحتى ‬إن ‬وقع ‬الاهتمام ‬به ‬فمن ‬أجل ‬الاستفادة ‬منه ‬واستغلاله ‬والسيطرة ‬عليه ‬كما ‬في ‬ترابط ‬الاستشراق ‬بالاستعمار.‬فكيف ‬نصل ‬إلى ‬نحت ‬معنى ‬أصيل ‬للغيرية؟ ‬من ‬يكون ‬الغير ‬بمعزل ‬عن ‬كل ‬الأحكام ‬المسبقة ‬الأخلاقية؟ ‬ما ‬طبيعة ‬العلاقة ‬بين ‬الأنا ‬والآخر؟ ‬هل ‬يكون ‬الغير ‬أنا ‬نفسي ‬كآخر؟ ‬ولماذا ‬يرغب ‬المرء ‬في ‬أن ‬يكون ‬معترفا ‬به ‬من ‬قبل ‬الآخرين؟ ‬ما ‬الذي ‬يبرر ‬احترام ‬الغير ‬لنا؟ ‬هل ‬نخشى ‬نظرة ‬الغير ‬أم ‬حكمه؟ ‬هل ‬يمكن ‬احترام ‬الغير ‬دون ‬الحكم ‬عليه ‬سلبا ‬أو ‬إيجابا؟ ‬هل ‬يمكن ‬إقامة ‬علاقة ‬مع ‬الغير ‬دون ‬هيمنة ‬وتسلط ‬من ‬طرف ‬على ‬طرف؟ ‬وماهو ‬السبيل ‬المفضي ‬إلى ‬تعددية ‬قادرة ‬على ‬التعبير ‬بشفافية ‬عن ‬كثرة ‬المسالك ‬المفضية ‬إلى ‬إثبات ‬الإنية؟ ‬وهل ‬من ‬الممكن ‬فعليا ‬تصور ‬وجود ‬ذات ‬بشرية ‬تجمع ‬بين ‬تنوع ‬الوحدة ‬ووحدة ‬التنوع؟ما ‬نراهن ‬عليه ‬هو ‬تفادي ‬الأنانة ‬والشمولية ‬التي ‬ترفض ‬التعرف ‬على ‬الغير ‬من ‬حيث ‬هو ‬غير ‬والإقرار ‬بأن ‬الغير ‬هو ‬الوسيط ‬الضروري ‬بين ‬الأنا ‬والأنا ‬عينه ‬وأن ‬الذات ‬لكي ‬تحصل ‬على ‬حقيقتها ‬الفعلية ‬ينبغي ‬أن ‬تمر ‬بالآخر.‬إن ‬هذا ‬الأمر ‬يدعونا ‬إلى ‬الوقوف ‬على ‬دلالات ‬هذه ‬الكلمات ‬وتحديد ‬مفاهيمها ‬والسياقات ‬التي ‬تنطبق ‬عليها ‬ويمكن ‬حول ‬مسألة ‬الغيرية ‬استخراج ‬أربعة ‬معان:- ‬معنى ‬لغوي: ‬تفيد ‬كلمة ‬غير ‬في ‬لغة ‬الضاد ‬سوى ‬وليس ‬أي ‬الاستثناء ‬والتميز ‬والاختلاف ‬وهي ‬متماثلة ‬مع ‬كلمة ‬آخر ‬وتحيل ‬على ‬ما ‬لا ‬يكون ‬أنا. ‬في ‬اللاتينية ‬نجد‮ ‬Alter‮ ‬وتفيد ‬الآخر ‬وتقابل ‬الهوية، ‬أما ‬في ‬الفرنسية ‬فنلاحظ ‬وجود ‬فرق ‬بين ‬آخرAutre‮ ‬الذي ‬يدل ‬على ‬كل ‬ما ‬يختلف ‬عن ‬الذات ‬بالمعنى ‬الواسع ‬وغيرAutrui‮ ‬الذي ‬ينحصر ‬في ‬مجال ‬الإنسان ‬بالمعنى ‬الضيق ‬المقتصر ‬على ‬الإنسان ‬الآخر.- ‬معنى ‬أنطولوجي: ‬مبدأ ‬الغير ‬مقابل ‬لمبدأ ‬الهوهو ‬ويعني ‬أن ‬الشيء ‬لا ‬يستمر ‬هو ‬هو ‬بل ‬يمكن ‬أن ‬يكون ‬هوهو ‬ويمكن ‬أن ‬يكون ‬مخالفا ‬له ‬لاسيما ‬وأن ‬في ‬البدء ‬يكون ‬الغير ‬والتطابق ‬أمر ‬عارض.- ‬معنى ‬تاريخي: ‬الانطلاق ‬من ‬الوجود ‬التاريخي ‬للغير ‬يعني ‬أن ‬الذات ‬منخرطة ‬في ‬الحياة ‬وموجودة ‬في ‬العالم ‬وأن ‬إثباتها ‬لإنيتها ‬عملية ‬جدلية ‬ومسار ‬تاريخي ‬من ‬أجل ‬انتزاع ‬الاعتراف ‬المتبادل ‬مع ‬الآخر. – ‬معنى ‬ثقافي: ‬الغير ‬هنا ‬ليس ‬فقط ‬الشخص ‬الانساني ‬الآخر ‬بل ‬وأيضا ‬المجتمع ‬الآخر ‬و ‬الثقافة ‬المباينة ‬وأن ‬العلاقة ‬ينبغي ‬أن ‬تتم ‬في ‬إطار ‬احترام ‬الخصوصية ‬والمشاركة ‬المتساوية ‬في ‬صناعة ‬الكونية ‬والاحترام ‬المتبادل ‬في ‬إطار ‬حوار ‬وتحالف ‬الحضارات ‬دون ‬تصادم ‬أو ‬تمركز.‬‮»‬في ‬الواقع ‬اذا ‬كان ‬الآخر ‬غير ‬ممكن ‬تعريفه ‬في ‬حقيقته ‬العينية ‬فإنه ‬لا ‬يكون ‬الا ‬أنا ‬آخر ‬وهو ‬ليس ‬غير ‬حقيقي. ‬عندئذ ‬يمكن ‬أن ‬يكون ‬ويحوز ‬على ‬أكثر ‬أو ‬قليل ‬من ‬الأنا. ‬هكذا ‬يمكن ‬أن ‬يمثل ‬الكمال ‬والتمام ‬المطلقين، ‬الآخر: ‬الله، ‬السيد، ‬اللوغوس ‬يمكن ‬أن ‬يعني ‬الصغير ‬جدا ‬والقليل ‬جدا: ‬الطفل ‬والمريض ‬والفقير ‬والقريب ‬ويمكن ‬أن ‬يسمى ‬ما ‬أعتقد ‬أنه ‬مساو ‬لي.‬‮»‬ ‬ما ‬نلاحظه ‬أن ‬مفهوم ‬البيذاتية ‬كما ‬وقعه ‬مؤسس ‬الفنومينولوجيا ‬هوسرل ‬كانت ‬الغاية ‬منه ‬إصلاح ‬الكوجيتو ‬الديكارتية ‬وترميم ‬ذاته ‬بتكثيف ‬حمولته ‬الأنطولوجية ‬وإخراجه ‬من ‬عزلته ‬وفتحه ‬على ‬العالم ‬وتأثيثه ‬لفضاء ‬مشترك ‬بين ‬الذوات ‬وتصور ‬الذات ‬كحقيقة ‬مفتوحة ‬على ‬الآخرين ‬وبذل ‬جهد ‬من ‬أجل ‬تجاوز ‬ثنائية ‬الأنا ‬مبدأ ‬السيطرة ‬والآخر ‬موضوع ‬له ‬ولكنه ‬ظل ‬بعيدا ‬عن ‬اكتشاف ‬مفهوم ‬الغيرية ‬لأنه ‬بقي ‬يتصور ‬الذوات ‬الأخرى ‬على ‬أنها ‬نسخ ‬مطابقة ‬للأنا ‬وعلى ‬شاكلته. ‬إن ‬البيذاتية ‬هي ‬علاقة ‬معية ‬وتجاور ‬بين ‬نظائر ‬وكائنات ‬متشابهة ‬وليس ‬بين ‬شخصيات ‬مستقلة ‬ومتميزة ‬عن ‬بعضها ‬البعض ‬وهي ‬تستبعد ‬الذاتية ‬المحضة ‬ولكنها ‬لا ‬ترتقي ‬إلى ‬مستوى ‬الاعتراف ‬بالغيرية ‬الجذرية.‬ألم ‬يقل ‬أدغار ‬موران:‬‮»‬إن ‬كل ‬واحد ‬منا ‬يحمل ‬داخله ‬أنا ‬آخر ‬يكون ‬في ‬نفس ‬الوقت ‬غريبا ‬ومطابقا ‬لذاته‮»‬ ‬؟إن ‬الأنا ‬هو ‬الآخر ‬والآخر ‬ليس ‬دائما ‬وأبدا ‬جحيما ‬كما ‬يقول ‬سارتر ‬بل ‬الجحيم ‬في ‬العزلة ‬ووجود ‬الآخر ‬ضروري ‬لوجودي ‬ولمعرفة ‬نفسي ‬وان ‬إقحام ‬الآخر ‬في ‬الأنا ‬أمر ‬ممكن ‬خاصة ‬إذا ‬تعلق ‬الأمر ‬بتجاوز ‬التخوف ‬والعداوة ‬ونحو ‬الصداقة ‬والمحبة ‬والتعاطف ‬وبناء ‬علاقة ‬سلمية ‬ومنفتحة.‬إذا ‬كان ‬الغير ‬لا ‬يستطيع ‬أن ‬يطرح ‬نفسه ‬كموضوع ‬للمعرفة ‬بالنسبة ‬إلى ‬الذات ‬فإنها ‬يمكن ‬أن ‬ترى ‬بشكل ‬ملموس ‬وجودها ‬معها ‬وتفكر ‬في ‬إقامة ‬علاقة ‬معينة ‬به ‬لاسيما ‬وأن ‬الإنسان ‬لا ‬يوجد ‬البتة ‬وحده ‬حتى ‬وان ‬كان ‬في ‬عمق ‬عزلته ‬وان ‬العلاقة ‬مع ‬الآخر ‬هي ‬تكوينية ‬بالنسبة ‬للأنا. ‬إن ‬الغير ‬هو ‬العالم ‬والحرية ‬والجسد ‬وتعبير ‬عن ‬عالم ‬ممكن ‬وكما ‬يقول ‬دولوز:‬‮»‬الغير ‬ليس ‬موضوعا ‬داخل ‬حقل ‬إدراكي ‬وليس ‬الذات ‬التي ‬أدركها ‬انه ‬في ‬البدء ‬بنية ‬الحقل ‬الإدراكي ‬والتي ‬دونها ‬لا ‬يستطيع ‬أن ‬يشتغل.‬‮»‬ ‬إن ‬الأنا ‬والآخر ‬ليسا ‬أبدا ‬كائنين ‬منفصلين ‬بل ‬توجد ‬صلة ‬بينهما ‬سواء ‬كانت ‬متوترة ‬أم ‬حميمية ‬والغير ‬ليس ‬إذن ‬الآخر ‬الذي ‬يقابله ‬الأنا ‬في ‬تجربته ‬بل ‬هو ‬المرآة ‬التي ‬يرى ‬من ‬خلالها ‬نفسه ‬ويكون ‬تجربته ‬بالأشياء ‬ويوجد ‬في ‬العالم. ‬إن ‬الغير ‬ليس ‬مجرد ‬وعي ‬وإدراك ‬بل ‬ذات ‬مطروحة ‬في ‬المواجهة ‬وتنكشف ‬من ‬خلال ‬النظرة ‬وتتميز ‬بالحرية ‬كنمط ‬جذري ‬من ‬الكينونة ‬وبالرغبة ‬في ‬التملك ‬والاستحواذ ‬والهيمنة.‬بيد ‬أن ‬العلاقة ‬مع ‬الغير ‬تفترض ‬من ‬الناحية ‬الأخلاقية ‬الاعتراف ‬بوجود ‬جانب ‬في ‬الآخر ‬يستحق ‬الاحترام ‬والتقدير ‬مما ‬يجعله ‬موضوع ‬اعتراف ‬بإنسانيته. ‬عندئذ ‬ينبغي ‬تفادي ‬الأداتية ‬في ‬بناء ‬العلاقات ‬الإنسانية ‬وبين ‬الكائنات ‬بصفة ‬عامة ‬ويجب ‬ألا ‬يكون ‬الآخر ‬مجردة ‬وسيلة ‬من ‬أجل ‬تحقيق ‬غايات ‬معينة ‬وإنما ‬من ‬الضروري ‬معاملة ‬الغير ‬كشخص ‬له ‬كرامة ‬وما ‬ينطبق ‬عليه ‬ينطبق ‬علي ‬أيضا.‬إن ‬الاحترامRespect‮ ‬بهذا ‬المعنى ‬هو ‬ما ‬ينطبق ‬على ‬الأشخاص ‬الذين ‬يعاملون ‬وفق ‬منزلة ‬أرفع ‬من ‬الأشياء ‬والاحترام ‬ليس ‬مجرد ‬حب ‬وإعجاب ‬بل ‬واجب ‬وفضيلة ‬تؤسس ‬لعلاقة ‬تكامل ‬وتبادل ‬للمشاعر ‬النبيلة ‬بين ‬الطرفين ‬وقد ‬قيل ‬عاش ‬من ‬عرف ‬قدره ‬وباحترام ‬الآخرين ‬تحترم ‬نفسك ‬وتجد ‬من ‬يحترمك.‬فكيف ‬يكون ‬الإنسان ‬على ‬شاكلة ‬غيره ‬في ‬نفس ‬الوقت ‬الذي ‬يبقى ‬فيه ‬عند ‬ذاته ‬على ‬حد ‬تعبير ‬بول ‬ريكور؟ ‬وهل ‬يمكن ‬أن ‬تنتقل ‬العلاقة ‬مع ‬الآخر ‬من ‬علاقة ‬بأنا ‬آخر ‬إلى ‬علاقة ‬مع ‬آخر ‬الأنا؟ ‬وكيف ‬نتجاوز ‬العداوة ‬والانتفاعية ‬إلى ‬الصداقة ‬والتواصل؟إن ‬تثمين ‬دور ‬الغيرية ‬هو ‬الاعتقاد ‬بأن ‬الذات ‬لا ‬توجد ‬بحق ‬إلا ‬بقدر ‬ما ‬تعتبر ‬نفسها ‬موجودة ‬بالنسبة ‬إلى ‬الآخرين. ‬إن ‬الغير ‬موجود ‬وليس ‬موضع ‬معرفة ‬أو ‬مجال ‬للممارسة ‬الإيثار ‬وتطبيق ‬القواعد ‬الأخلاقية ‬ومضومنه ‬يتغير ‬بتغير ‬المقاربات ‬وإذا ‬كان ‬في ‬الفلسفة ‬القديمة ‬يعنى ‬الطفل ‬والمرأة ‬والبدن ‬والأرض ‬والغريب ‬وإذا ‬أصبح ‬في ‬الفلسفة ‬الحديثة ‬يدل ‬على ‬اللاأنا ‬والجسد ‬والخيال ‬والمتوحش ‬والحيواني ‬والماورائي ‬فإنه ‬في ‬الفلسفة ‬المعاصرة ‬بات ‬يعرف ‬باللاوعي ‬والمجهول ‬واللامحدود ‬والعدواني ‬والنسوي ‬والليلي ‬والمدنس ‬والطبقة ‬والغريزة ‬والتاريخ ‬والزمان.‬‮»‬ ‬هذا ‬التعالق ‬بين ‬الأنا ‬والآخرين ‬يخرج ‬عنهما ‬معا:‬1- ‬صيغة ‬تجريم ‬الآخر ‬وتبرئة ‬الأنا2- ‬صيغة ‬احتقار ‬الأنا ‬وإيثار ‬الآخر3- ‬بناء ‬صيغة ‬ثالثة: ‬حماية ‬كل ‬منهما ‬دون ‬استبدال ‬جهنمية ‬الآخرين ‬بفردوسية ‬الأنا.‬العلاقة ‬بين ‬الأنا ‬والآخر ‬ليست ‬علاقة ‬شيطانية/ ‬ملائكية ‬بل ‬هي ‬علاقة ‬بشر ‬يخطئون ‬ويخونون ‬ويتواجهون ‬ولكنهم ‬يلتقون ‬أيضا ‬ويتفقون ‬في ‬ما ‬بينهم ‬في ‬الحب ‬وفي ‬العمل ‬وتستجيب ‬الأحداث ‬لإرادتهم. ‬إنها ‬علاقة ‬حية ‬بين ‬أحياء ‬لا ‬يصح ‬أن ‬نطبق ‬عليها ‬معايير ‬الموت ‬فنحن ‬نموت ‬وحيدين ‬ولكننا ‬نعيش ‬مع ‬الآخرين، ‬إننا ‬الصورة ‬التي ‬يحملونها ‬عنا ‬وهناك ‬حيث ‬هم ‬نكون ‬نحن ‬أيضا.‬‮»‬ ‬لكن ‬كيف ‬يكون ‬الغير ‬هو ‬في ‬نفس ‬الوقت ‬المماثل ‬والمباين ‬لي؟ ‬كيف ‬يتميز ‬عني ‬بخصائصه ‬الفردية ‬وانتماءاته ‬العرقية ‬والدينية ‬ويشبهني ‬في ‬اهتماماته ‬الفكرية ‬وسماته ‬الإنسانية ‬ويقاسمني ‬نفس ‬القيم ‬الكونية؟ ‬ماذا ‬نقصد ‬بالغيرية ‬الجذرية؟ ‬وهل ‬يعني ‬ذلك ‬التمييز ‬بين ‬الغيرية ‬البعيدة ‬والغيرية ‬القريبة؟ ‬كيف ‬تتحول ‬الغيرية ‬إلى ‬شرط ‬إمكان ‬تحقيق ‬الإنية ‬الفعلية ‬بماهي ‬بلوغ ‬الأنا ‬درجة ‬الوجود ‬الأشرف؟ ‬ومتى ‬نتخلى ‬عن ‬وهم ‬الاعتقاد ‬في ‬إمكان ‬تحقيق ‬الإنية ‬بإقصاء ‬كل ‬أشكال ‬الغيرية؟
المراجع:‬
Deleuze Gilles, ‬logique du sens, ‬Editions. ‬De minuit,Paris, ‬1969
Edgar Morin, ‬l'humanité de l'humanité, ‬Edition, ‬du Seuil, ‬Paris , ‬2001Luce in Garay, ‬J'aime à toi, ‬édition Grasset Paris 1992.‬
د ‬عبد ‬العزيز ‬العيادي، ‬مسألة ‬الحرية ‬ووظيفة ‬المعنى ‬في ‬فلسفة ‬موريس ‬مرلو-‬بونتي، ‬صامد ‬للنشر ‬والتوزيع، ‬صفاقس، ‬2004،
كاتب ‬فلسفي


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.