لا دعوة ولا اعتراف .. الاتحاد الأوروبي يصفع البوليساريو    العيدودي رئيساً ل"المتصرفين الحركيين"    أكثر من 100 مهاجر يتسللون إلى سبتة خلال أسبوعين    ندوة ترسي جسور الإعلام والتراث    بعد منشور "طنجة نيوز".. تدخل عاجل للسلطات بمالاباطا واحتواء مأساة أطفال الشوارع    أوجار من العيون: إنجازات حكومة أخنوش واضحة رغم أن عددا من الأصوات تسعى للتشويش على عملها    المهرجان الدولي "ماطا" للفروسية يعود في دورة استثنائية احتفاءً بربع قرن من حكم الملك محمد السادس    شذرات في المسألة الدمقراطية    ألمانيا تعبر عن قلقها إزاء الهجوم البري الإسرائيلي على غزة    نهضة بركان يهزم سيمبا بثنائية في ذهاب نهائي كأس الكونفدرالية الإفريقية    "الأشبال" يستعدون ل"بافانا بافانا"    بنهاشم يدرب فريق الوداد لموسمين    التعاون الدولي يطرق "أبواب الأمن"    سوريا تعتزم فتح سفارة في الرباط    ضمنها مطار الناظور.. المغرب وإسبانيا يستعدان لإنشاء 10 فنادق بمطارات المملكة    السلطات السورية تعلن تشكيل "الهيئة الوطنية للعدالة الانتقالية وللمفقودين"    طنجة تستعد لاحتضان الدورة السابعة للمؤتمر الدولي للأنظمة الذكية للتنمية المستدامة تحت الرعاية الملكية    طنجة.. العثور على جثة موظف بنكي قرب بحيرة مجمع القواسم في ظروف مأساوية    تطوان.. توقيف شقيقين متورطين في سطو "هوليودي" على 550 مليون سنتيم    افتتاح فضاء بيع السمك بميناء الحسيمة ب60 مليونا    سوريا تشكر جلالة الملك على قرار فتح سفارة المغرب بدمشق    بعد رفع أول حلقة من سقف ملعب طنجة.. الوالي التازي يُكرم 1200 عامل بغداء جماعي    انتخاب نور الدين شبي كاتبا لنقابة الصيد البحري التقليدي والطحالب البحرية بالجديدة .    بيع الماستر والدكتوراه.. تطورات مثيرة وتورط شخصيات وازنة    في طنجة حلول ذكية للكلاب الضالة.. وفي الناظور الفوضى تنبح في كل مكان    عزيز أخنوش من العيون: انتصارات دبلوماسية وتنمية شاملة تترجم رؤية جلالة الملك    الخارجية المغربية تتابع أوضاع الجالية المغربية في ليبيا في ظل اضطراب الأوضاع وتضع خطوطا للاتصال    اعتقال مقاتل "داعشي" مطلوب للمغرب في اسبانيا    سيدات الجيش يتوجن بكأس العرش على حساب الوداد    المغرب يتصدر السياحة الإفريقية في 2024: قصة نجاح مستمرة وجذب عالمي متزايد    الأمن الوطني وتحوّل العلاقة مع المواطن: من عين عليه إلى عين له    توقعات أحوال الطقس ليوم غد الأحد    طنجة تحتضن أول ملتقى وطني للهيئات المهنية لدعم المقاولات الصغرى بالمغرب    جلالة الملك يدعو إلى الوقف الفوري للعمليات العسكرية بالضفة الغربية وقطاع غزة والعودة إلى طاولة المفاوضات    شركة "نيسان" تعتزم غلق مصانع بالمكسيك واليابان    الهاكا تضرب بيد القانون.. القناة الأولى تتلقى إنذارا بسبب ترويج تجاري مقنع    "استئنافية طنجة" تؤيد إدانة رئيس جماعة تازروت في قضية اقتحام وتوقيف شعيرة دينية    وزارة الصحة تنبه لتزايد نسبة انتشار ارتفاع ضغط الدم وسط المغاربة    ريال مدريد يضم المدافع الإسباني هاوسن مقابل 50 مليون جنيه    فيلم بين الجرأة والاعتبارات الأخلاقية يعرض بمشرع بلقصيري    بوحمرون يربك إسبانيا.. والمغرب في دائرة الاتهام    الأميرة للا حسناء تترأس حفل افتتاح الدورة ال28 لمهرجان فاس للموسيقى العالمية العريقة    إفران تعتمد على الذكاء الاصطناعي للوقاية من حرائق الغابات ومكافحتها    الفيفا تكشف توقعاتها لمداخيل كأس العالم 2030.. إيرادات غير مسبوقة    مغرب الحضارة: أولائك لعنهم الله لأنهم سرطان خبيث الدولة تبني وهم يخربون.. ويخونون    "السينتينليون".. قبيلة معزولة تواجه خطر الانقراض بسبب تطفل الغرباء    ورشة تكوينية حول التحول الرقمي والتوقيع الإلكتروني بكلية العرائش    افتتاح المعهد الوطني العالي للموسيقى والفن الكوريغرافي عند الدخول الجامعي 2025-2026    رحيل الرجولة في زمنٍ قد يكون لها معنى    معاناة المعشرين الأفارقة في ميناء طنجة المتوسطي من سياسة الجمارك المغربية وتحديات العبور…    الزيارة لكنوز العرب زائرة 2من3    سميرة فرجي تنثر أزهار شعرها في رحاب جامعة محمد الأول بوجدة    منظمة: حصيلة الحصبة ثقيلة.. وعفيف: المغرب يخرج من الحالة الوبائية    بمناسبة سفر أول فوج منهم إلى الديار المقدسة ..أمير المؤمنين يدعو الحجاج المغاربة إلى التحلي بقيم الإسلام المثلى    فتوى تحرم استهلاك لحم الدجاج الصيني في موريتانيا    دراسة: الإفراط في الأغذية المُعالجة قد يضاعف خطر الإصابة بأعراض مبكرة لمرض باركنسون    أمير المؤمنين يوجه رسالة سامية إلى الحجاج المغاربة برسم موسم الحج لسنة 1446 ه    رفع كسوة الكعبة استعدادا لموسم الحج    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



مطلب ‬الغيرية ‬بين ‬الاستعصاء ‬والاعتراف
نشر في لكم يوم 18 - 05 - 2019

‮«‬الغير ‬هو ‬ذلك ‬الذي ‬ليس ‬هو ‬أنا ‬ولست ‬أنا ‬هو‮»‬ ‬جون ‬بول ‬سارتر
إن ‬كثرة ‬تداول ‬بعض ‬الكلمات ‬اليوم ‬مثل ‬الآخر ‬والغيرية ‬والتنوع ‬والاختلاف ‬والتعددية ‬لا ‬يعني ‬أن ‬معانيها ‬واضحة ‬ومستقرة ‬وأن ‬المشتغلين ‬بها ‬على ‬بينة ‬من ‬حقيقتها ‬ويدركون ‬التربة ‬التي ‬نبتت ‬فيها ‬وترعرعت ‬بل ‬يجب ‬القول ‬بأن ‬هذه ‬الكلمات ‬ظلت ‬ملتبسة ‬وتحولت ‬إلى ‬مصطلحات ‬فضفاضة ‬يقذف ‬بها ‬في ‬حقول ‬شتى ‬من ‬أجل ‬استعمالها ‬لأغراض ‬معينة ‬وإضفاء ‬مشروعية ‬على ‬اختيارات ‬مبيتة ‬مثل ‬جدل ‬الثقافات ‬وحوار ‬الأديان ‬والتقريب ‬بين ‬المذاهب ‬وحل ‬النزاعات ‬السياسية ‬بالطرق ‬السلمية ‬وتم ‬تهميش ‬فحواها ‬الفلسفي ‬وبعدها ‬الإتيقي ‬ومقصدها ‬الكوني. ‬ما ‬نلاحظه ‬هو ‬وقوع ‬العديد ‬من ‬الكتاب ‬في ‬خلط ‬كبير ‬بين ‬التعدد ‬والتعددية ‬ومساعدتهم ‬كلمة ‬الآخر ‬على ‬حجب ‬لكلمة ‬الغير ‬مثلما ‬تحجب ‬شجرة ‬واحدة ‬الغابة ‬بأسرها ‬،كما ‬أن ‬الاختلاف ‬قد ‬غطى ‬ثراء ‬الفرق ‬والبين ‬ولفظ ‬الكثرة ‬قد ‬استعمل ‬مكان ‬التنوع، ‬‮«‬إذ ‬يتحدث ‬المرء ‬عن ‬وجود ‬الآخر ‬وعن ‬حب ‬الآخر ‬وعن ‬الاهتمام ‬بالآخر ‬الخ… ‬ولكن ‬دون ‬أن ‬يطرح ‬السؤال ‬عما ‬هو ‬ومن ‬يمثل ‬هذا ‬الآخر…‬‮»‬ ‬علاوة ‬على ‬ذلك ‬تسود ‬نظرة ‬متمركزة ‬على ‬ذاتها ‬ومفضلة ‬للأنا ‬في ‬مختلف ‬الثقافات ‬والمجتمعات ‬ويكون ‬المقابل ‬هو ‬التضحية ‬بالغيرية ‬ورفض ‬الآخر ‬وشيطنته ‬والتحذير ‬من ‬التعامل ‬معه ‬وحتى ‬إن ‬وقع ‬الاهتمام ‬به ‬فمن ‬أجل ‬الاستفادة ‬منه ‬واستغلاله ‬والسيطرة ‬عليه ‬كما ‬في ‬ترابط ‬الاستشراق ‬بالاستعمار.‬فكيف ‬نصل ‬إلى ‬نحت ‬معنى ‬أصيل ‬للغيرية؟ ‬من ‬يكون ‬الغير ‬بمعزل ‬عن ‬كل ‬الأحكام ‬المسبقة ‬الأخلاقية؟ ‬ما ‬طبيعة ‬العلاقة ‬بين ‬الأنا ‬والآخر؟ ‬هل ‬يكون ‬الغير ‬أنا ‬نفسي ‬كآخر؟ ‬ولماذا ‬يرغب ‬المرء ‬في ‬أن ‬يكون ‬معترفا ‬به ‬من ‬قبل ‬الآخرين؟ ‬ما ‬الذي ‬يبرر ‬احترام ‬الغير ‬لنا؟ ‬هل ‬نخشى ‬نظرة ‬الغير ‬أم ‬حكمه؟ ‬هل ‬يمكن ‬احترام ‬الغير ‬دون ‬الحكم ‬عليه ‬سلبا ‬أو ‬إيجابا؟ ‬هل ‬يمكن ‬إقامة ‬علاقة ‬مع ‬الغير ‬دون ‬هيمنة ‬وتسلط ‬من ‬طرف ‬على ‬طرف؟ ‬وماهو ‬السبيل ‬المفضي ‬إلى ‬تعددية ‬قادرة ‬على ‬التعبير ‬بشفافية ‬عن ‬كثرة ‬المسالك ‬المفضية ‬إلى ‬إثبات ‬الإنية؟ ‬وهل ‬من ‬الممكن ‬فعليا ‬تصور ‬وجود ‬ذات ‬بشرية ‬تجمع ‬بين ‬تنوع ‬الوحدة ‬ووحدة ‬التنوع؟ما ‬نراهن ‬عليه ‬هو ‬تفادي ‬الأنانة ‬والشمولية ‬التي ‬ترفض ‬التعرف ‬على ‬الغير ‬من ‬حيث ‬هو ‬غير ‬والإقرار ‬بأن ‬الغير ‬هو ‬الوسيط ‬الضروري ‬بين ‬الأنا ‬والأنا ‬عينه ‬وأن ‬الذات ‬لكي ‬تحصل ‬على ‬حقيقتها ‬الفعلية ‬ينبغي ‬أن ‬تمر ‬بالآخر.‬إن ‬هذا ‬الأمر ‬يدعونا ‬إلى ‬الوقوف ‬على ‬دلالات ‬هذه ‬الكلمات ‬وتحديد ‬مفاهيمها ‬والسياقات ‬التي ‬تنطبق ‬عليها ‬ويمكن ‬حول ‬مسألة ‬الغيرية ‬استخراج ‬أربعة ‬معان:- ‬معنى ‬لغوي: ‬تفيد ‬كلمة ‬غير ‬في ‬لغة ‬الضاد ‬سوى ‬وليس ‬أي ‬الاستثناء ‬والتميز ‬والاختلاف ‬وهي ‬متماثلة ‬مع ‬كلمة ‬آخر ‬وتحيل ‬على ‬ما ‬لا ‬يكون ‬أنا. ‬في ‬اللاتينية ‬نجد‮ ‬Alter‮ ‬وتفيد ‬الآخر ‬وتقابل ‬الهوية، ‬أما ‬في ‬الفرنسية ‬فنلاحظ ‬وجود ‬فرق ‬بين ‬آخرAutre‮ ‬الذي ‬يدل ‬على ‬كل ‬ما ‬يختلف ‬عن ‬الذات ‬بالمعنى ‬الواسع ‬وغيرAutrui‮ ‬الذي ‬ينحصر ‬في ‬مجال ‬الإنسان ‬بالمعنى ‬الضيق ‬المقتصر ‬على ‬الإنسان ‬الآخر.- ‬معنى ‬أنطولوجي: ‬مبدأ ‬الغير ‬مقابل ‬لمبدأ ‬الهوهو ‬ويعني ‬أن ‬الشيء ‬لا ‬يستمر ‬هو ‬هو ‬بل ‬يمكن ‬أن ‬يكون ‬هوهو ‬ويمكن ‬أن ‬يكون ‬مخالفا ‬له ‬لاسيما ‬وأن ‬في ‬البدء ‬يكون ‬الغير ‬والتطابق ‬أمر ‬عارض.- ‬معنى ‬تاريخي: ‬الانطلاق ‬من ‬الوجود ‬التاريخي ‬للغير ‬يعني ‬أن ‬الذات ‬منخرطة ‬في ‬الحياة ‬وموجودة ‬في ‬العالم ‬وأن ‬إثباتها ‬لإنيتها ‬عملية ‬جدلية ‬ومسار ‬تاريخي ‬من ‬أجل ‬انتزاع ‬الاعتراف ‬المتبادل ‬مع ‬الآخر. – ‬معنى ‬ثقافي: ‬الغير ‬هنا ‬ليس ‬فقط ‬الشخص ‬الانساني ‬الآخر ‬بل ‬وأيضا ‬المجتمع ‬الآخر ‬و ‬الثقافة ‬المباينة ‬وأن ‬العلاقة ‬ينبغي ‬أن ‬تتم ‬في ‬إطار ‬احترام ‬الخصوصية ‬والمشاركة ‬المتساوية ‬في ‬صناعة ‬الكونية ‬والاحترام ‬المتبادل ‬في ‬إطار ‬حوار ‬وتحالف ‬الحضارات ‬دون ‬تصادم ‬أو ‬تمركز.‬‮»‬في ‬الواقع ‬اذا ‬كان ‬الآخر ‬غير ‬ممكن ‬تعريفه ‬في ‬حقيقته ‬العينية ‬فإنه ‬لا ‬يكون ‬الا ‬أنا ‬آخر ‬وهو ‬ليس ‬غير ‬حقيقي. ‬عندئذ ‬يمكن ‬أن ‬يكون ‬ويحوز ‬على ‬أكثر ‬أو ‬قليل ‬من ‬الأنا. ‬هكذا ‬يمكن ‬أن ‬يمثل ‬الكمال ‬والتمام ‬المطلقين، ‬الآخر: ‬الله، ‬السيد، ‬اللوغوس ‬يمكن ‬أن ‬يعني ‬الصغير ‬جدا ‬والقليل ‬جدا: ‬الطفل ‬والمريض ‬والفقير ‬والقريب ‬ويمكن ‬أن ‬يسمى ‬ما ‬أعتقد ‬أنه ‬مساو ‬لي.‬‮»‬ ‬ما ‬نلاحظه ‬أن ‬مفهوم ‬البيذاتية ‬كما ‬وقعه ‬مؤسس ‬الفنومينولوجيا ‬هوسرل ‬كانت ‬الغاية ‬منه ‬إصلاح ‬الكوجيتو ‬الديكارتية ‬وترميم ‬ذاته ‬بتكثيف ‬حمولته ‬الأنطولوجية ‬وإخراجه ‬من ‬عزلته ‬وفتحه ‬على ‬العالم ‬وتأثيثه ‬لفضاء ‬مشترك ‬بين ‬الذوات ‬وتصور ‬الذات ‬كحقيقة ‬مفتوحة ‬على ‬الآخرين ‬وبذل ‬جهد ‬من ‬أجل ‬تجاوز ‬ثنائية ‬الأنا ‬مبدأ ‬السيطرة ‬والآخر ‬موضوع ‬له ‬ولكنه ‬ظل ‬بعيدا ‬عن ‬اكتشاف ‬مفهوم ‬الغيرية ‬لأنه ‬بقي ‬يتصور ‬الذوات ‬الأخرى ‬على ‬أنها ‬نسخ ‬مطابقة ‬للأنا ‬وعلى ‬شاكلته. ‬إن ‬البيذاتية ‬هي ‬علاقة ‬معية ‬وتجاور ‬بين ‬نظائر ‬وكائنات ‬متشابهة ‬وليس ‬بين ‬شخصيات ‬مستقلة ‬ومتميزة ‬عن ‬بعضها ‬البعض ‬وهي ‬تستبعد ‬الذاتية ‬المحضة ‬ولكنها ‬لا ‬ترتقي ‬إلى ‬مستوى ‬الاعتراف ‬بالغيرية ‬الجذرية.‬ألم ‬يقل ‬أدغار ‬موران:‬‮»‬إن ‬كل ‬واحد ‬منا ‬يحمل ‬داخله ‬أنا ‬آخر ‬يكون ‬في ‬نفس ‬الوقت ‬غريبا ‬ومطابقا ‬لذاته‮»‬ ‬؟إن ‬الأنا ‬هو ‬الآخر ‬والآخر ‬ليس ‬دائما ‬وأبدا ‬جحيما ‬كما ‬يقول ‬سارتر ‬بل ‬الجحيم ‬في ‬العزلة ‬ووجود ‬الآخر ‬ضروري ‬لوجودي ‬ولمعرفة ‬نفسي ‬وان ‬إقحام ‬الآخر ‬في ‬الأنا ‬أمر ‬ممكن ‬خاصة ‬إذا ‬تعلق ‬الأمر ‬بتجاوز ‬التخوف ‬والعداوة ‬ونحو ‬الصداقة ‬والمحبة ‬والتعاطف ‬وبناء ‬علاقة ‬سلمية ‬ومنفتحة.‬إذا ‬كان ‬الغير ‬لا ‬يستطيع ‬أن ‬يطرح ‬نفسه ‬كموضوع ‬للمعرفة ‬بالنسبة ‬إلى ‬الذات ‬فإنها ‬يمكن ‬أن ‬ترى ‬بشكل ‬ملموس ‬وجودها ‬معها ‬وتفكر ‬في ‬إقامة ‬علاقة ‬معينة ‬به ‬لاسيما ‬وأن ‬الإنسان ‬لا ‬يوجد ‬البتة ‬وحده ‬حتى ‬وان ‬كان ‬في ‬عمق ‬عزلته ‬وان ‬العلاقة ‬مع ‬الآخر ‬هي ‬تكوينية ‬بالنسبة ‬للأنا. ‬إن ‬الغير ‬هو ‬العالم ‬والحرية ‬والجسد ‬وتعبير ‬عن ‬عالم ‬ممكن ‬وكما ‬يقول ‬دولوز:‬‮»‬الغير ‬ليس ‬موضوعا ‬داخل ‬حقل ‬إدراكي ‬وليس ‬الذات ‬التي ‬أدركها ‬انه ‬في ‬البدء ‬بنية ‬الحقل ‬الإدراكي ‬والتي ‬دونها ‬لا ‬يستطيع ‬أن ‬يشتغل.‬‮»‬ ‬إن ‬الأنا ‬والآخر ‬ليسا ‬أبدا ‬كائنين ‬منفصلين ‬بل ‬توجد ‬صلة ‬بينهما ‬سواء ‬كانت ‬متوترة ‬أم ‬حميمية ‬والغير ‬ليس ‬إذن ‬الآخر ‬الذي ‬يقابله ‬الأنا ‬في ‬تجربته ‬بل ‬هو ‬المرآة ‬التي ‬يرى ‬من ‬خلالها ‬نفسه ‬ويكون ‬تجربته ‬بالأشياء ‬ويوجد ‬في ‬العالم. ‬إن ‬الغير ‬ليس ‬مجرد ‬وعي ‬وإدراك ‬بل ‬ذات ‬مطروحة ‬في ‬المواجهة ‬وتنكشف ‬من ‬خلال ‬النظرة ‬وتتميز ‬بالحرية ‬كنمط ‬جذري ‬من ‬الكينونة ‬وبالرغبة ‬في ‬التملك ‬والاستحواذ ‬والهيمنة.‬بيد ‬أن ‬العلاقة ‬مع ‬الغير ‬تفترض ‬من ‬الناحية ‬الأخلاقية ‬الاعتراف ‬بوجود ‬جانب ‬في ‬الآخر ‬يستحق ‬الاحترام ‬والتقدير ‬مما ‬يجعله ‬موضوع ‬اعتراف ‬بإنسانيته. ‬عندئذ ‬ينبغي ‬تفادي ‬الأداتية ‬في ‬بناء ‬العلاقات ‬الإنسانية ‬وبين ‬الكائنات ‬بصفة ‬عامة ‬ويجب ‬ألا ‬يكون ‬الآخر ‬مجردة ‬وسيلة ‬من ‬أجل ‬تحقيق ‬غايات ‬معينة ‬وإنما ‬من ‬الضروري ‬معاملة ‬الغير ‬كشخص ‬له ‬كرامة ‬وما ‬ينطبق ‬عليه ‬ينطبق ‬علي ‬أيضا.‬إن ‬الاحترامRespect‮ ‬بهذا ‬المعنى ‬هو ‬ما ‬ينطبق ‬على ‬الأشخاص ‬الذين ‬يعاملون ‬وفق ‬منزلة ‬أرفع ‬من ‬الأشياء ‬والاحترام ‬ليس ‬مجرد ‬حب ‬وإعجاب ‬بل ‬واجب ‬وفضيلة ‬تؤسس ‬لعلاقة ‬تكامل ‬وتبادل ‬للمشاعر ‬النبيلة ‬بين ‬الطرفين ‬وقد ‬قيل ‬عاش ‬من ‬عرف ‬قدره ‬وباحترام ‬الآخرين ‬تحترم ‬نفسك ‬وتجد ‬من ‬يحترمك.‬فكيف ‬يكون ‬الإنسان ‬على ‬شاكلة ‬غيره ‬في ‬نفس ‬الوقت ‬الذي ‬يبقى ‬فيه ‬عند ‬ذاته ‬على ‬حد ‬تعبير ‬بول ‬ريكور؟ ‬وهل ‬يمكن ‬أن ‬تنتقل ‬العلاقة ‬مع ‬الآخر ‬من ‬علاقة ‬بأنا ‬آخر ‬إلى ‬علاقة ‬مع ‬آخر ‬الأنا؟ ‬وكيف ‬نتجاوز ‬العداوة ‬والانتفاعية ‬إلى ‬الصداقة ‬والتواصل؟إن ‬تثمين ‬دور ‬الغيرية ‬هو ‬الاعتقاد ‬بأن ‬الذات ‬لا ‬توجد ‬بحق ‬إلا ‬بقدر ‬ما ‬تعتبر ‬نفسها ‬موجودة ‬بالنسبة ‬إلى ‬الآخرين. ‬إن ‬الغير ‬موجود ‬وليس ‬موضع ‬معرفة ‬أو ‬مجال ‬للممارسة ‬الإيثار ‬وتطبيق ‬القواعد ‬الأخلاقية ‬ومضومنه ‬يتغير ‬بتغير ‬المقاربات ‬وإذا ‬كان ‬في ‬الفلسفة ‬القديمة ‬يعنى ‬الطفل ‬والمرأة ‬والبدن ‬والأرض ‬والغريب ‬وإذا ‬أصبح ‬في ‬الفلسفة ‬الحديثة ‬يدل ‬على ‬اللاأنا ‬والجسد ‬والخيال ‬والمتوحش ‬والحيواني ‬والماورائي ‬فإنه ‬في ‬الفلسفة ‬المعاصرة ‬بات ‬يعرف ‬باللاوعي ‬والمجهول ‬واللامحدود ‬والعدواني ‬والنسوي ‬والليلي ‬والمدنس ‬والطبقة ‬والغريزة ‬والتاريخ ‬والزمان.‬‮»‬ ‬هذا ‬التعالق ‬بين ‬الأنا ‬والآخرين ‬يخرج ‬عنهما ‬معا:‬1- ‬صيغة ‬تجريم ‬الآخر ‬وتبرئة ‬الأنا2- ‬صيغة ‬احتقار ‬الأنا ‬وإيثار ‬الآخر3- ‬بناء ‬صيغة ‬ثالثة: ‬حماية ‬كل ‬منهما ‬دون ‬استبدال ‬جهنمية ‬الآخرين ‬بفردوسية ‬الأنا.‬العلاقة ‬بين ‬الأنا ‬والآخر ‬ليست ‬علاقة ‬شيطانية/ ‬ملائكية ‬بل ‬هي ‬علاقة ‬بشر ‬يخطئون ‬ويخونون ‬ويتواجهون ‬ولكنهم ‬يلتقون ‬أيضا ‬ويتفقون ‬في ‬ما ‬بينهم ‬في ‬الحب ‬وفي ‬العمل ‬وتستجيب ‬الأحداث ‬لإرادتهم. ‬إنها ‬علاقة ‬حية ‬بين ‬أحياء ‬لا ‬يصح ‬أن ‬نطبق ‬عليها ‬معايير ‬الموت ‬فنحن ‬نموت ‬وحيدين ‬ولكننا ‬نعيش ‬مع ‬الآخرين، ‬إننا ‬الصورة ‬التي ‬يحملونها ‬عنا ‬وهناك ‬حيث ‬هم ‬نكون ‬نحن ‬أيضا.‬‮»‬ ‬لكن ‬كيف ‬يكون ‬الغير ‬هو ‬في ‬نفس ‬الوقت ‬المماثل ‬والمباين ‬لي؟ ‬كيف ‬يتميز ‬عني ‬بخصائصه ‬الفردية ‬وانتماءاته ‬العرقية ‬والدينية ‬ويشبهني ‬في ‬اهتماماته ‬الفكرية ‬وسماته ‬الإنسانية ‬ويقاسمني ‬نفس ‬القيم ‬الكونية؟ ‬ماذا ‬نقصد ‬بالغيرية ‬الجذرية؟ ‬وهل ‬يعني ‬ذلك ‬التمييز ‬بين ‬الغيرية ‬البعيدة ‬والغيرية ‬القريبة؟ ‬كيف ‬تتحول ‬الغيرية ‬إلى ‬شرط ‬إمكان ‬تحقيق ‬الإنية ‬الفعلية ‬بماهي ‬بلوغ ‬الأنا ‬درجة ‬الوجود ‬الأشرف؟ ‬ومتى ‬نتخلى ‬عن ‬وهم ‬الاعتقاد ‬في ‬إمكان ‬تحقيق ‬الإنية ‬بإقصاء ‬كل ‬أشكال ‬الغيرية؟
المراجع:‬
Deleuze Gilles, ‬logique du sens, ‬Editions. ‬De minuit,Paris, ‬1969
Edgar Morin, ‬l'humanité de l'humanité, ‬Edition, ‬du Seuil, ‬Paris , ‬2001Luce in Garay, ‬J'aime à toi, ‬édition Grasset Paris 1992.‬
د ‬عبد ‬العزيز ‬العيادي، ‬مسألة ‬الحرية ‬ووظيفة ‬المعنى ‬في ‬فلسفة ‬موريس ‬مرلو-‬بونتي، ‬صامد ‬للنشر ‬والتوزيع، ‬صفاقس، ‬2004،
كاتب ‬فلسفي


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.