مجلس النواب يعقد جلسات عمومية يومي الخميس والجمعة للدراسة والتصويت على مشروع قانون المالية لسنة 2026    أمينوكس يستعد لإطلاق ألبومه الجديد "AURA "    العاصفة "كلوديا" تقترب من السواحل الإيبيرية وتؤثر على أجواء المغرب بأمطار ورياح قوية    عمالة المضيق الفنيدق تطلق الرؤية التنموية الجديدة. و اجتماع مرتيل يجسد الإنتقال إلى "المقاربة المندمجة"    وزير الفلاحة يدشن مشروع غرس الصبار بجماعة بولعوان بإقليم الجديدة    أربعة منتخبات إفريقية تتصارع في الرباط على بطاقة المونديال الأخيرة    "الكان" .. "دانون" تطلق الجائزة الذهبية    منظمة حقوقية: مشروع قانون المالية لا يعالج إشكالية البطالة ومعيقات الولوج للخدمات الأساسية مستمرة    ترامب يطلب رسميا من الرئيس الإسرائيلي العفو عن نتنياهو    مصرع 42 مهاجرا قبالة سواحل ليبيا    مؤسسة منتدى أصيلة تفوز بجائزة السلطان قابوس للثقافة والفنون والاداب في مجال المؤسسات الثقافية الخاصة    فاجعة.. مصرع أسرة بأكملها غرقا داخل حوض لتجميع مياه السقي بخريبكة    لجنة المالية في مجلس النواب تصادق على الجزء الأول من مشروع قانون المالية لسنة 2026    ابن كيران ينظم ندوة صحافية في بيته للدفاع عن إمام مغربي أدين في فرنسا ب 15 عاما سجنا    اختلاس أموال عمومية يورط 17 شخصا من بينهم موظفون عموميون    استبعاد يامال من قائمة المنتخب الإسباني    مباريات الدور ال32 ب"مونديال" الناشئين في قطر    مستشارو جاللة الملك يجتمعون بزعماء األحزاب الوطنية في شأن تحيين وتفصيل مبادرة الحكم الذاتي في األقاليم الجنوبية    وكالة الطاقة الدولية تتوقع استقرارا محتملا في الطلب على النفط "بحدود 2030"    السعودية تحدد مواعيد نهائية لتعاقدات الحج ولا تأشيرات بعد شوال وبطاقة "نسك" شرط لدخول الحرم    "الماط" يستغل تعثر شباب المحمدية أمام اتحاد أبي الجعد ويزاحمه في الصدارة    ولد الرشيد يبرز بإسلام آباد جهود المغرب بقيادة الملك في مجال تعزيز السلم والأمن والتنمية    بورصة الدار البيضاء تفتتح على ارتفاع    ارتفاع أسعار الذهب في الأسواق العالمية    الغابون تحكم غيابيا على زوجة الرئيس المعزول علي بونغو وابنه بالسجن بتهم الاختلاس    إسرائيل تفتح معبر زيكيم شمال غزة    تقرير دولي: تقدم مغربي في مكافحة الجريمة المنظمة وغسل الأموال    الأمم المتحدة: الطلب على التكييف سيتضاعف 3 مرات بحلول 2050    حجز آلاف الأقراص المهلوسة في سلا    منتخب جهوي بكلميم يندد ب"تبديد" 1000 مليار سنتيم دون تحسين الخدمات الصحية في الجهة    تيزنيت: نقابة مفتشي التعليم تشيد بالأدوار المحورية التي تضطلع بها هيئة التفتيش و ترفض محاولات طمس الهوية المهنية للهيئة وتقزيم أدوارها ( بيان )    فيدرالية اليسار الديمقراطي تؤكد تمسكها بالإصلاحات الديمقراطية وترفض العودة إلى الوراء في ملف الحكم الذاتي    إسبانيا تقلد عبد اللطيف حموشي بأرفع وسام اعترافًا بدور المغرب في مكافحة الإرهاب والتعاون الأمني    ليلة الذبح العظيم..    تنصيب عبد العزيز زروالي عاملا على إقليم سيدي قاسم في حفل رسمي    المعهد الملكي الإسباني: المغرب يحسم معركة الصحراء سياسياً ودبلوماسيا    انطلاق أشغال تهيئة غابة لاميدا بمرتيل ، للحفاظ علي المتنفس الوحيد بالمدينة    "جيروزاليم بوست": الاعتراف الأممي بسيادة المغرب على الصحراء يُضعِف الجزائر ويعزّز مصالح إسرائيل في المنطقة    برادة يدعو الآباء والأمهات إلى مساندة المؤسسات التعليمية بالمواكبة المنزلية    الركراكي يرفع إيقاع "أسود الأطلس"    دعم المقاولات الصغرى بالمغرب .. "الباطرونا" تواكب والأبناك تقدم التمويل    بنسعيد في جبة المدافع: أنا من أقنعت أحرار بالترشح للجمع بين أستاذة ومديرة    "رقصة السالسا الجالسة": الحركة المعجزة التي تساعد في تخفيف آلام الظهر    "الفتيان" يتدربون على استرجاع اللياقة    مراكش تحتفي بعودة السينما وتفتح أبوابها للأصوات الجديدة في دورة تجمع 82 فيلما من 31 دولة    رسميًا.. المغرب يقرر منح التأشيرات الإلكترونية لجماهير كأس إفريقيا مجانا عبر تطبيق "يلا"    انعقاد الدورة ال25 للمهرجان الوطني للمسرح بتطوان    الشاعرة والكاتبة الروائية ثريا ماجدولين، تتحدث في برنامج "مدارات " بالإذاعة الوطنية.    الكاتب ديفيد سالوي يفوز بجائزة بوكر البريطانية عن روايته "فلش"    المشي اليومي يساعد على مقاومة الزهايمر (دراسة)    خمسة آلاف خطوة في اليوم تقلل تغيرات المخ بسبب الزهايمر    دراسة تُفنّد الربط بين "الباراسيتامول" أثناء الحمل والتوحد واضطرابات الانتباه    وفاة زغلول النجار الباحث المصري في الإعجاز العلمي بالقرآن عن عمر 92 عاما    وفاة "رائد أبحاث الحمض النووي" عن 97 عاما    بينهم مغاربة.. منصة "نسك" تخدم 40 مليون مستخدم ومبادرة "طريق مكة" تسهّل رحلة أكثر من 300 ألف من الحجاج    وضع نص فتوى المجلس العلمي الأعلى حول الزكاة رهن إشارة العموم    حِينَ تُخْتَبَرُ الْفِكْرَةُ فِي مِحْرَابِ السُّلْطَةِ    أمير المؤمنين يأذن بوضع نص فتوى الزكاة رهن إشارة العموم    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



مطلب ‬الغيرية ‬بين ‬الاستعصاء ‬والاعتراف
نشر في لكم يوم 18 - 05 - 2019

‮«‬الغير ‬هو ‬ذلك ‬الذي ‬ليس ‬هو ‬أنا ‬ولست ‬أنا ‬هو‮»‬ ‬جون ‬بول ‬سارتر
إن ‬كثرة ‬تداول ‬بعض ‬الكلمات ‬اليوم ‬مثل ‬الآخر ‬والغيرية ‬والتنوع ‬والاختلاف ‬والتعددية ‬لا ‬يعني ‬أن ‬معانيها ‬واضحة ‬ومستقرة ‬وأن ‬المشتغلين ‬بها ‬على ‬بينة ‬من ‬حقيقتها ‬ويدركون ‬التربة ‬التي ‬نبتت ‬فيها ‬وترعرعت ‬بل ‬يجب ‬القول ‬بأن ‬هذه ‬الكلمات ‬ظلت ‬ملتبسة ‬وتحولت ‬إلى ‬مصطلحات ‬فضفاضة ‬يقذف ‬بها ‬في ‬حقول ‬شتى ‬من ‬أجل ‬استعمالها ‬لأغراض ‬معينة ‬وإضفاء ‬مشروعية ‬على ‬اختيارات ‬مبيتة ‬مثل ‬جدل ‬الثقافات ‬وحوار ‬الأديان ‬والتقريب ‬بين ‬المذاهب ‬وحل ‬النزاعات ‬السياسية ‬بالطرق ‬السلمية ‬وتم ‬تهميش ‬فحواها ‬الفلسفي ‬وبعدها ‬الإتيقي ‬ومقصدها ‬الكوني. ‬ما ‬نلاحظه ‬هو ‬وقوع ‬العديد ‬من ‬الكتاب ‬في ‬خلط ‬كبير ‬بين ‬التعدد ‬والتعددية ‬ومساعدتهم ‬كلمة ‬الآخر ‬على ‬حجب ‬لكلمة ‬الغير ‬مثلما ‬تحجب ‬شجرة ‬واحدة ‬الغابة ‬بأسرها ‬،كما ‬أن ‬الاختلاف ‬قد ‬غطى ‬ثراء ‬الفرق ‬والبين ‬ولفظ ‬الكثرة ‬قد ‬استعمل ‬مكان ‬التنوع، ‬‮«‬إذ ‬يتحدث ‬المرء ‬عن ‬وجود ‬الآخر ‬وعن ‬حب ‬الآخر ‬وعن ‬الاهتمام ‬بالآخر ‬الخ… ‬ولكن ‬دون ‬أن ‬يطرح ‬السؤال ‬عما ‬هو ‬ومن ‬يمثل ‬هذا ‬الآخر…‬‮»‬ ‬علاوة ‬على ‬ذلك ‬تسود ‬نظرة ‬متمركزة ‬على ‬ذاتها ‬ومفضلة ‬للأنا ‬في ‬مختلف ‬الثقافات ‬والمجتمعات ‬ويكون ‬المقابل ‬هو ‬التضحية ‬بالغيرية ‬ورفض ‬الآخر ‬وشيطنته ‬والتحذير ‬من ‬التعامل ‬معه ‬وحتى ‬إن ‬وقع ‬الاهتمام ‬به ‬فمن ‬أجل ‬الاستفادة ‬منه ‬واستغلاله ‬والسيطرة ‬عليه ‬كما ‬في ‬ترابط ‬الاستشراق ‬بالاستعمار.‬فكيف ‬نصل ‬إلى ‬نحت ‬معنى ‬أصيل ‬للغيرية؟ ‬من ‬يكون ‬الغير ‬بمعزل ‬عن ‬كل ‬الأحكام ‬المسبقة ‬الأخلاقية؟ ‬ما ‬طبيعة ‬العلاقة ‬بين ‬الأنا ‬والآخر؟ ‬هل ‬يكون ‬الغير ‬أنا ‬نفسي ‬كآخر؟ ‬ولماذا ‬يرغب ‬المرء ‬في ‬أن ‬يكون ‬معترفا ‬به ‬من ‬قبل ‬الآخرين؟ ‬ما ‬الذي ‬يبرر ‬احترام ‬الغير ‬لنا؟ ‬هل ‬نخشى ‬نظرة ‬الغير ‬أم ‬حكمه؟ ‬هل ‬يمكن ‬احترام ‬الغير ‬دون ‬الحكم ‬عليه ‬سلبا ‬أو ‬إيجابا؟ ‬هل ‬يمكن ‬إقامة ‬علاقة ‬مع ‬الغير ‬دون ‬هيمنة ‬وتسلط ‬من ‬طرف ‬على ‬طرف؟ ‬وماهو ‬السبيل ‬المفضي ‬إلى ‬تعددية ‬قادرة ‬على ‬التعبير ‬بشفافية ‬عن ‬كثرة ‬المسالك ‬المفضية ‬إلى ‬إثبات ‬الإنية؟ ‬وهل ‬من ‬الممكن ‬فعليا ‬تصور ‬وجود ‬ذات ‬بشرية ‬تجمع ‬بين ‬تنوع ‬الوحدة ‬ووحدة ‬التنوع؟ما ‬نراهن ‬عليه ‬هو ‬تفادي ‬الأنانة ‬والشمولية ‬التي ‬ترفض ‬التعرف ‬على ‬الغير ‬من ‬حيث ‬هو ‬غير ‬والإقرار ‬بأن ‬الغير ‬هو ‬الوسيط ‬الضروري ‬بين ‬الأنا ‬والأنا ‬عينه ‬وأن ‬الذات ‬لكي ‬تحصل ‬على ‬حقيقتها ‬الفعلية ‬ينبغي ‬أن ‬تمر ‬بالآخر.‬إن ‬هذا ‬الأمر ‬يدعونا ‬إلى ‬الوقوف ‬على ‬دلالات ‬هذه ‬الكلمات ‬وتحديد ‬مفاهيمها ‬والسياقات ‬التي ‬تنطبق ‬عليها ‬ويمكن ‬حول ‬مسألة ‬الغيرية ‬استخراج ‬أربعة ‬معان:- ‬معنى ‬لغوي: ‬تفيد ‬كلمة ‬غير ‬في ‬لغة ‬الضاد ‬سوى ‬وليس ‬أي ‬الاستثناء ‬والتميز ‬والاختلاف ‬وهي ‬متماثلة ‬مع ‬كلمة ‬آخر ‬وتحيل ‬على ‬ما ‬لا ‬يكون ‬أنا. ‬في ‬اللاتينية ‬نجد‮ ‬Alter‮ ‬وتفيد ‬الآخر ‬وتقابل ‬الهوية، ‬أما ‬في ‬الفرنسية ‬فنلاحظ ‬وجود ‬فرق ‬بين ‬آخرAutre‮ ‬الذي ‬يدل ‬على ‬كل ‬ما ‬يختلف ‬عن ‬الذات ‬بالمعنى ‬الواسع ‬وغيرAutrui‮ ‬الذي ‬ينحصر ‬في ‬مجال ‬الإنسان ‬بالمعنى ‬الضيق ‬المقتصر ‬على ‬الإنسان ‬الآخر.- ‬معنى ‬أنطولوجي: ‬مبدأ ‬الغير ‬مقابل ‬لمبدأ ‬الهوهو ‬ويعني ‬أن ‬الشيء ‬لا ‬يستمر ‬هو ‬هو ‬بل ‬يمكن ‬أن ‬يكون ‬هوهو ‬ويمكن ‬أن ‬يكون ‬مخالفا ‬له ‬لاسيما ‬وأن ‬في ‬البدء ‬يكون ‬الغير ‬والتطابق ‬أمر ‬عارض.- ‬معنى ‬تاريخي: ‬الانطلاق ‬من ‬الوجود ‬التاريخي ‬للغير ‬يعني ‬أن ‬الذات ‬منخرطة ‬في ‬الحياة ‬وموجودة ‬في ‬العالم ‬وأن ‬إثباتها ‬لإنيتها ‬عملية ‬جدلية ‬ومسار ‬تاريخي ‬من ‬أجل ‬انتزاع ‬الاعتراف ‬المتبادل ‬مع ‬الآخر. – ‬معنى ‬ثقافي: ‬الغير ‬هنا ‬ليس ‬فقط ‬الشخص ‬الانساني ‬الآخر ‬بل ‬وأيضا ‬المجتمع ‬الآخر ‬و ‬الثقافة ‬المباينة ‬وأن ‬العلاقة ‬ينبغي ‬أن ‬تتم ‬في ‬إطار ‬احترام ‬الخصوصية ‬والمشاركة ‬المتساوية ‬في ‬صناعة ‬الكونية ‬والاحترام ‬المتبادل ‬في ‬إطار ‬حوار ‬وتحالف ‬الحضارات ‬دون ‬تصادم ‬أو ‬تمركز.‬‮»‬في ‬الواقع ‬اذا ‬كان ‬الآخر ‬غير ‬ممكن ‬تعريفه ‬في ‬حقيقته ‬العينية ‬فإنه ‬لا ‬يكون ‬الا ‬أنا ‬آخر ‬وهو ‬ليس ‬غير ‬حقيقي. ‬عندئذ ‬يمكن ‬أن ‬يكون ‬ويحوز ‬على ‬أكثر ‬أو ‬قليل ‬من ‬الأنا. ‬هكذا ‬يمكن ‬أن ‬يمثل ‬الكمال ‬والتمام ‬المطلقين، ‬الآخر: ‬الله، ‬السيد، ‬اللوغوس ‬يمكن ‬أن ‬يعني ‬الصغير ‬جدا ‬والقليل ‬جدا: ‬الطفل ‬والمريض ‬والفقير ‬والقريب ‬ويمكن ‬أن ‬يسمى ‬ما ‬أعتقد ‬أنه ‬مساو ‬لي.‬‮»‬ ‬ما ‬نلاحظه ‬أن ‬مفهوم ‬البيذاتية ‬كما ‬وقعه ‬مؤسس ‬الفنومينولوجيا ‬هوسرل ‬كانت ‬الغاية ‬منه ‬إصلاح ‬الكوجيتو ‬الديكارتية ‬وترميم ‬ذاته ‬بتكثيف ‬حمولته ‬الأنطولوجية ‬وإخراجه ‬من ‬عزلته ‬وفتحه ‬على ‬العالم ‬وتأثيثه ‬لفضاء ‬مشترك ‬بين ‬الذوات ‬وتصور ‬الذات ‬كحقيقة ‬مفتوحة ‬على ‬الآخرين ‬وبذل ‬جهد ‬من ‬أجل ‬تجاوز ‬ثنائية ‬الأنا ‬مبدأ ‬السيطرة ‬والآخر ‬موضوع ‬له ‬ولكنه ‬ظل ‬بعيدا ‬عن ‬اكتشاف ‬مفهوم ‬الغيرية ‬لأنه ‬بقي ‬يتصور ‬الذوات ‬الأخرى ‬على ‬أنها ‬نسخ ‬مطابقة ‬للأنا ‬وعلى ‬شاكلته. ‬إن ‬البيذاتية ‬هي ‬علاقة ‬معية ‬وتجاور ‬بين ‬نظائر ‬وكائنات ‬متشابهة ‬وليس ‬بين ‬شخصيات ‬مستقلة ‬ومتميزة ‬عن ‬بعضها ‬البعض ‬وهي ‬تستبعد ‬الذاتية ‬المحضة ‬ولكنها ‬لا ‬ترتقي ‬إلى ‬مستوى ‬الاعتراف ‬بالغيرية ‬الجذرية.‬ألم ‬يقل ‬أدغار ‬موران:‬‮»‬إن ‬كل ‬واحد ‬منا ‬يحمل ‬داخله ‬أنا ‬آخر ‬يكون ‬في ‬نفس ‬الوقت ‬غريبا ‬ومطابقا ‬لذاته‮»‬ ‬؟إن ‬الأنا ‬هو ‬الآخر ‬والآخر ‬ليس ‬دائما ‬وأبدا ‬جحيما ‬كما ‬يقول ‬سارتر ‬بل ‬الجحيم ‬في ‬العزلة ‬ووجود ‬الآخر ‬ضروري ‬لوجودي ‬ولمعرفة ‬نفسي ‬وان ‬إقحام ‬الآخر ‬في ‬الأنا ‬أمر ‬ممكن ‬خاصة ‬إذا ‬تعلق ‬الأمر ‬بتجاوز ‬التخوف ‬والعداوة ‬ونحو ‬الصداقة ‬والمحبة ‬والتعاطف ‬وبناء ‬علاقة ‬سلمية ‬ومنفتحة.‬إذا ‬كان ‬الغير ‬لا ‬يستطيع ‬أن ‬يطرح ‬نفسه ‬كموضوع ‬للمعرفة ‬بالنسبة ‬إلى ‬الذات ‬فإنها ‬يمكن ‬أن ‬ترى ‬بشكل ‬ملموس ‬وجودها ‬معها ‬وتفكر ‬في ‬إقامة ‬علاقة ‬معينة ‬به ‬لاسيما ‬وأن ‬الإنسان ‬لا ‬يوجد ‬البتة ‬وحده ‬حتى ‬وان ‬كان ‬في ‬عمق ‬عزلته ‬وان ‬العلاقة ‬مع ‬الآخر ‬هي ‬تكوينية ‬بالنسبة ‬للأنا. ‬إن ‬الغير ‬هو ‬العالم ‬والحرية ‬والجسد ‬وتعبير ‬عن ‬عالم ‬ممكن ‬وكما ‬يقول ‬دولوز:‬‮»‬الغير ‬ليس ‬موضوعا ‬داخل ‬حقل ‬إدراكي ‬وليس ‬الذات ‬التي ‬أدركها ‬انه ‬في ‬البدء ‬بنية ‬الحقل ‬الإدراكي ‬والتي ‬دونها ‬لا ‬يستطيع ‬أن ‬يشتغل.‬‮»‬ ‬إن ‬الأنا ‬والآخر ‬ليسا ‬أبدا ‬كائنين ‬منفصلين ‬بل ‬توجد ‬صلة ‬بينهما ‬سواء ‬كانت ‬متوترة ‬أم ‬حميمية ‬والغير ‬ليس ‬إذن ‬الآخر ‬الذي ‬يقابله ‬الأنا ‬في ‬تجربته ‬بل ‬هو ‬المرآة ‬التي ‬يرى ‬من ‬خلالها ‬نفسه ‬ويكون ‬تجربته ‬بالأشياء ‬ويوجد ‬في ‬العالم. ‬إن ‬الغير ‬ليس ‬مجرد ‬وعي ‬وإدراك ‬بل ‬ذات ‬مطروحة ‬في ‬المواجهة ‬وتنكشف ‬من ‬خلال ‬النظرة ‬وتتميز ‬بالحرية ‬كنمط ‬جذري ‬من ‬الكينونة ‬وبالرغبة ‬في ‬التملك ‬والاستحواذ ‬والهيمنة.‬بيد ‬أن ‬العلاقة ‬مع ‬الغير ‬تفترض ‬من ‬الناحية ‬الأخلاقية ‬الاعتراف ‬بوجود ‬جانب ‬في ‬الآخر ‬يستحق ‬الاحترام ‬والتقدير ‬مما ‬يجعله ‬موضوع ‬اعتراف ‬بإنسانيته. ‬عندئذ ‬ينبغي ‬تفادي ‬الأداتية ‬في ‬بناء ‬العلاقات ‬الإنسانية ‬وبين ‬الكائنات ‬بصفة ‬عامة ‬ويجب ‬ألا ‬يكون ‬الآخر ‬مجردة ‬وسيلة ‬من ‬أجل ‬تحقيق ‬غايات ‬معينة ‬وإنما ‬من ‬الضروري ‬معاملة ‬الغير ‬كشخص ‬له ‬كرامة ‬وما ‬ينطبق ‬عليه ‬ينطبق ‬علي ‬أيضا.‬إن ‬الاحترامRespect‮ ‬بهذا ‬المعنى ‬هو ‬ما ‬ينطبق ‬على ‬الأشخاص ‬الذين ‬يعاملون ‬وفق ‬منزلة ‬أرفع ‬من ‬الأشياء ‬والاحترام ‬ليس ‬مجرد ‬حب ‬وإعجاب ‬بل ‬واجب ‬وفضيلة ‬تؤسس ‬لعلاقة ‬تكامل ‬وتبادل ‬للمشاعر ‬النبيلة ‬بين ‬الطرفين ‬وقد ‬قيل ‬عاش ‬من ‬عرف ‬قدره ‬وباحترام ‬الآخرين ‬تحترم ‬نفسك ‬وتجد ‬من ‬يحترمك.‬فكيف ‬يكون ‬الإنسان ‬على ‬شاكلة ‬غيره ‬في ‬نفس ‬الوقت ‬الذي ‬يبقى ‬فيه ‬عند ‬ذاته ‬على ‬حد ‬تعبير ‬بول ‬ريكور؟ ‬وهل ‬يمكن ‬أن ‬تنتقل ‬العلاقة ‬مع ‬الآخر ‬من ‬علاقة ‬بأنا ‬آخر ‬إلى ‬علاقة ‬مع ‬آخر ‬الأنا؟ ‬وكيف ‬نتجاوز ‬العداوة ‬والانتفاعية ‬إلى ‬الصداقة ‬والتواصل؟إن ‬تثمين ‬دور ‬الغيرية ‬هو ‬الاعتقاد ‬بأن ‬الذات ‬لا ‬توجد ‬بحق ‬إلا ‬بقدر ‬ما ‬تعتبر ‬نفسها ‬موجودة ‬بالنسبة ‬إلى ‬الآخرين. ‬إن ‬الغير ‬موجود ‬وليس ‬موضع ‬معرفة ‬أو ‬مجال ‬للممارسة ‬الإيثار ‬وتطبيق ‬القواعد ‬الأخلاقية ‬ومضومنه ‬يتغير ‬بتغير ‬المقاربات ‬وإذا ‬كان ‬في ‬الفلسفة ‬القديمة ‬يعنى ‬الطفل ‬والمرأة ‬والبدن ‬والأرض ‬والغريب ‬وإذا ‬أصبح ‬في ‬الفلسفة ‬الحديثة ‬يدل ‬على ‬اللاأنا ‬والجسد ‬والخيال ‬والمتوحش ‬والحيواني ‬والماورائي ‬فإنه ‬في ‬الفلسفة ‬المعاصرة ‬بات ‬يعرف ‬باللاوعي ‬والمجهول ‬واللامحدود ‬والعدواني ‬والنسوي ‬والليلي ‬والمدنس ‬والطبقة ‬والغريزة ‬والتاريخ ‬والزمان.‬‮»‬ ‬هذا ‬التعالق ‬بين ‬الأنا ‬والآخرين ‬يخرج ‬عنهما ‬معا:‬1- ‬صيغة ‬تجريم ‬الآخر ‬وتبرئة ‬الأنا2- ‬صيغة ‬احتقار ‬الأنا ‬وإيثار ‬الآخر3- ‬بناء ‬صيغة ‬ثالثة: ‬حماية ‬كل ‬منهما ‬دون ‬استبدال ‬جهنمية ‬الآخرين ‬بفردوسية ‬الأنا.‬العلاقة ‬بين ‬الأنا ‬والآخر ‬ليست ‬علاقة ‬شيطانية/ ‬ملائكية ‬بل ‬هي ‬علاقة ‬بشر ‬يخطئون ‬ويخونون ‬ويتواجهون ‬ولكنهم ‬يلتقون ‬أيضا ‬ويتفقون ‬في ‬ما ‬بينهم ‬في ‬الحب ‬وفي ‬العمل ‬وتستجيب ‬الأحداث ‬لإرادتهم. ‬إنها ‬علاقة ‬حية ‬بين ‬أحياء ‬لا ‬يصح ‬أن ‬نطبق ‬عليها ‬معايير ‬الموت ‬فنحن ‬نموت ‬وحيدين ‬ولكننا ‬نعيش ‬مع ‬الآخرين، ‬إننا ‬الصورة ‬التي ‬يحملونها ‬عنا ‬وهناك ‬حيث ‬هم ‬نكون ‬نحن ‬أيضا.‬‮»‬ ‬لكن ‬كيف ‬يكون ‬الغير ‬هو ‬في ‬نفس ‬الوقت ‬المماثل ‬والمباين ‬لي؟ ‬كيف ‬يتميز ‬عني ‬بخصائصه ‬الفردية ‬وانتماءاته ‬العرقية ‬والدينية ‬ويشبهني ‬في ‬اهتماماته ‬الفكرية ‬وسماته ‬الإنسانية ‬ويقاسمني ‬نفس ‬القيم ‬الكونية؟ ‬ماذا ‬نقصد ‬بالغيرية ‬الجذرية؟ ‬وهل ‬يعني ‬ذلك ‬التمييز ‬بين ‬الغيرية ‬البعيدة ‬والغيرية ‬القريبة؟ ‬كيف ‬تتحول ‬الغيرية ‬إلى ‬شرط ‬إمكان ‬تحقيق ‬الإنية ‬الفعلية ‬بماهي ‬بلوغ ‬الأنا ‬درجة ‬الوجود ‬الأشرف؟ ‬ومتى ‬نتخلى ‬عن ‬وهم ‬الاعتقاد ‬في ‬إمكان ‬تحقيق ‬الإنية ‬بإقصاء ‬كل ‬أشكال ‬الغيرية؟
المراجع:‬
Deleuze Gilles, ‬logique du sens, ‬Editions. ‬De minuit,Paris, ‬1969
Edgar Morin, ‬l'humanité de l'humanité, ‬Edition, ‬du Seuil, ‬Paris , ‬2001Luce in Garay, ‬J'aime à toi, ‬édition Grasset Paris 1992.‬
د ‬عبد ‬العزيز ‬العيادي، ‬مسألة ‬الحرية ‬ووظيفة ‬المعنى ‬في ‬فلسفة ‬موريس ‬مرلو-‬بونتي، ‬صامد ‬للنشر ‬والتوزيع، ‬صفاقس، ‬2004،
كاتب ‬فلسفي


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.