طقس الخميس: أجواء حارة في الأقاليم الجنوبية ونزول قطرات مطرية وبرد بالمرتفعات    أزيد من 20 قتيلاً وأكثر من 2900 جريح في حوادث السير خلال الأسبوع الأول من يوليوز    المدرسة الدولية بالجديدة تميز وتألق مستمر في الباكالوريا المغربية وباكالوريا البعثة الفرنسية    لبؤات الأطلس يلدغن الكونغو في مباراة لا تُنسى    مجزرة كروية في أمريكا .. الملكي يتهاوى أمام إعصار باريس    سان جرمان يهزم ريال مدريد برباعية    العلمي يشارك في لقاءات للفرنكوفونية    باريس سان جيرمان يكتسح ريال مدريد برباعية ويتأهل لنهائي مونديال الأندية    "غي -تا" تكشف عن ملامح عملها الفني الجديد "كروا غوج"    أنشيلوتي يُدان بسنة حبسا بتهمة "الاحتيال المالي"    المنتخب الوطني فئة فريق مختلط للتايكوندو يتوج بفضية في كأس العالم للفرق بجمهورية كوريا    إعادة فتح سفارة المملكة المغربية بدمشق    وسط ملء لا يتعدى 37% للسدود.. أخنوش يترأس اجتماعا لتسريع تنزيل برنامج الماء    مراكش.. توقيف فرنسي من أصل جزائري مطلوب دوليًا في قضايا تهريب مخدرات    حموشي يؤشر على تعيينات أمنية    في سابقة طبية إفريقية.. المغرب يشهد أول عملية جراحية بتقنية "v-NOTES" لاستئصال الرحم    مازغان يطلق المطعم الموسمي الجديد    الصحراء المغربية.. توافق دولي لا رجعة فيه حول مغربية الصحراء ودعم ثابت للمبادرة المغربية للحكم الذاتي كحل سياسي وحيد لهذا النزاع الإقليمي    أزيد من 160 مفقودا بفيضانات تكساس    مجلس المستشارين يصادق على مشروع قانون التأمين الإجباري الأساسي عن المرض رقم 54.23    الوكيل العام بالرشيدية ينفي تعرض طفل بومية لاعتداء جنسي ويكشف نتائج تشريح الجثة    نشرة إنذارية من المستوى البرتقالي: زخات رعدية قوية بعدد من مناطق المملكة    بورصة البيضاء تنهي تداولاتها على وقع الأحمر    أكثر من 790 مليون شخص في 12 دولة عانوا من درجات حرارة قصوى في يونيو 2025    بنسعيد: التحولات التي يشهدها قطاع الصحافة أفرزت الحاجة إلى تحيين الإطار التشريعي المنظم لمهنة الصحافة    المدافع المغربي محمد حمدون ينضم إلى ريال بيتيس إشبيلية    ترامب يدفع بتطبيع موريتانيا وإسرائيل                المغرب يفتح باب المشاركة بالأوسكار    إسرائيل تنفذ عملية برية بجنوب لبنان    اليونان توقف طلبات اللجوء للأفارقة    "مجرم حرب يدعم تاجر سلاح".. بوريل ينتقد ترشيح نتنياهو لترامب لجائزة نوبل        هذه توقعات أحوال الطقس بالريف واجهة الشرقية اليوم الأربعاء    الغرفة الثانية تصادق على مشروع قانون المسطرة المدنية    الحسابات الوطنية توضح المسيرة الإيجابية للاقتصاد الوطني    أصيلة تحتضن الدورة الخامسة للأكاديمية المتوسّطية للشباب من 11 إلى 19 يوليوز    بنك المغرب: 58% من المغاربة يمتلكون حسابات بنكية بنهاية 2024    الصين تعتزم توسيع شبكة السكك الحديدية فائقة السرعة لتصل إلى 50 ألف كيلومتر بنهاية 2025    عندما ينقلب "الحياد الأكسيولوجي" إلى سلسلة ثنائيات شاردة!    كاظم جهاد: جاك ديريدا والمسألة الفلسطينية    ظاهرة "طوطو" هل نُربي جيلاً لتمجيد الصعلكة!؟    أكثر من مليون متابع لفرقة تولّد موسيقاها بالذكاء الاصطناعي    أسعار النفط تتراجع وسط تقييم اقتصادي لتأثير الرسوم الجمركية الأمريكية الجديدة    سايس يعود إلى التداريب بعد غياب دام لأربعة أشهر بسبب الإصابة    من أين جاءت هذه الصور الجديدة؟ .. الجواب داخل واتساب    الشاعر حسن نجمي يفوز بجائزة ابن عربي الدولية للأدب العربي    تورونتو تحتفي بعبق السوق المغربي    الطالبة ماجدة بن علي تنال شهادة الدكتوراه في الكيمياء بميزة مشرف جدا    ممارسة الرياضة بانتظام تقلل الشعور بالاكتئاب والتوتر لدى الأطفال    دراسة ألمانية: فيروس التهاب الكبد "E" يهاجم الكلى ويقاوم العلاج التقليدي    "مدارات" يسلّط الضوء على سيرة المؤرخ أبو القاسم الزياني هذا المساء على الإذاعة الوطنية    التوفيق: معاملاتنا المالية مقبولة شرعا.. والتمويل التشاركي إضافة نوعية للنظام المصرفي    التوفيق: المغرب انضم إلى "المالية الأساسية" على أساس أن المعاملات البنكية الأخرى مقبولة شرعاً    التوفيق: الظروف التي مر فيها موسم حج 1446ه كانت جيدة بكل المقاييس    طريقة صوفية تستنكر التهجم على "دلائل الخيرات" وتحذّر من "الإفتاء الرقمي"    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



مطلب ‬الغيرية ‬بين ‬الاستعصاء ‬والاعتراف
نشر في لكم يوم 18 - 05 - 2019

‮«‬الغير ‬هو ‬ذلك ‬الذي ‬ليس ‬هو ‬أنا ‬ولست ‬أنا ‬هو‮»‬ ‬جون ‬بول ‬سارتر
إن ‬كثرة ‬تداول ‬بعض ‬الكلمات ‬اليوم ‬مثل ‬الآخر ‬والغيرية ‬والتنوع ‬والاختلاف ‬والتعددية ‬لا ‬يعني ‬أن ‬معانيها ‬واضحة ‬ومستقرة ‬وأن ‬المشتغلين ‬بها ‬على ‬بينة ‬من ‬حقيقتها ‬ويدركون ‬التربة ‬التي ‬نبتت ‬فيها ‬وترعرعت ‬بل ‬يجب ‬القول ‬بأن ‬هذه ‬الكلمات ‬ظلت ‬ملتبسة ‬وتحولت ‬إلى ‬مصطلحات ‬فضفاضة ‬يقذف ‬بها ‬في ‬حقول ‬شتى ‬من ‬أجل ‬استعمالها ‬لأغراض ‬معينة ‬وإضفاء ‬مشروعية ‬على ‬اختيارات ‬مبيتة ‬مثل ‬جدل ‬الثقافات ‬وحوار ‬الأديان ‬والتقريب ‬بين ‬المذاهب ‬وحل ‬النزاعات ‬السياسية ‬بالطرق ‬السلمية ‬وتم ‬تهميش ‬فحواها ‬الفلسفي ‬وبعدها ‬الإتيقي ‬ومقصدها ‬الكوني. ‬ما ‬نلاحظه ‬هو ‬وقوع ‬العديد ‬من ‬الكتاب ‬في ‬خلط ‬كبير ‬بين ‬التعدد ‬والتعددية ‬ومساعدتهم ‬كلمة ‬الآخر ‬على ‬حجب ‬لكلمة ‬الغير ‬مثلما ‬تحجب ‬شجرة ‬واحدة ‬الغابة ‬بأسرها ‬،كما ‬أن ‬الاختلاف ‬قد ‬غطى ‬ثراء ‬الفرق ‬والبين ‬ولفظ ‬الكثرة ‬قد ‬استعمل ‬مكان ‬التنوع، ‬‮«‬إذ ‬يتحدث ‬المرء ‬عن ‬وجود ‬الآخر ‬وعن ‬حب ‬الآخر ‬وعن ‬الاهتمام ‬بالآخر ‬الخ… ‬ولكن ‬دون ‬أن ‬يطرح ‬السؤال ‬عما ‬هو ‬ومن ‬يمثل ‬هذا ‬الآخر…‬‮»‬ ‬علاوة ‬على ‬ذلك ‬تسود ‬نظرة ‬متمركزة ‬على ‬ذاتها ‬ومفضلة ‬للأنا ‬في ‬مختلف ‬الثقافات ‬والمجتمعات ‬ويكون ‬المقابل ‬هو ‬التضحية ‬بالغيرية ‬ورفض ‬الآخر ‬وشيطنته ‬والتحذير ‬من ‬التعامل ‬معه ‬وحتى ‬إن ‬وقع ‬الاهتمام ‬به ‬فمن ‬أجل ‬الاستفادة ‬منه ‬واستغلاله ‬والسيطرة ‬عليه ‬كما ‬في ‬ترابط ‬الاستشراق ‬بالاستعمار.‬فكيف ‬نصل ‬إلى ‬نحت ‬معنى ‬أصيل ‬للغيرية؟ ‬من ‬يكون ‬الغير ‬بمعزل ‬عن ‬كل ‬الأحكام ‬المسبقة ‬الأخلاقية؟ ‬ما ‬طبيعة ‬العلاقة ‬بين ‬الأنا ‬والآخر؟ ‬هل ‬يكون ‬الغير ‬أنا ‬نفسي ‬كآخر؟ ‬ولماذا ‬يرغب ‬المرء ‬في ‬أن ‬يكون ‬معترفا ‬به ‬من ‬قبل ‬الآخرين؟ ‬ما ‬الذي ‬يبرر ‬احترام ‬الغير ‬لنا؟ ‬هل ‬نخشى ‬نظرة ‬الغير ‬أم ‬حكمه؟ ‬هل ‬يمكن ‬احترام ‬الغير ‬دون ‬الحكم ‬عليه ‬سلبا ‬أو ‬إيجابا؟ ‬هل ‬يمكن ‬إقامة ‬علاقة ‬مع ‬الغير ‬دون ‬هيمنة ‬وتسلط ‬من ‬طرف ‬على ‬طرف؟ ‬وماهو ‬السبيل ‬المفضي ‬إلى ‬تعددية ‬قادرة ‬على ‬التعبير ‬بشفافية ‬عن ‬كثرة ‬المسالك ‬المفضية ‬إلى ‬إثبات ‬الإنية؟ ‬وهل ‬من ‬الممكن ‬فعليا ‬تصور ‬وجود ‬ذات ‬بشرية ‬تجمع ‬بين ‬تنوع ‬الوحدة ‬ووحدة ‬التنوع؟ما ‬نراهن ‬عليه ‬هو ‬تفادي ‬الأنانة ‬والشمولية ‬التي ‬ترفض ‬التعرف ‬على ‬الغير ‬من ‬حيث ‬هو ‬غير ‬والإقرار ‬بأن ‬الغير ‬هو ‬الوسيط ‬الضروري ‬بين ‬الأنا ‬والأنا ‬عينه ‬وأن ‬الذات ‬لكي ‬تحصل ‬على ‬حقيقتها ‬الفعلية ‬ينبغي ‬أن ‬تمر ‬بالآخر.‬إن ‬هذا ‬الأمر ‬يدعونا ‬إلى ‬الوقوف ‬على ‬دلالات ‬هذه ‬الكلمات ‬وتحديد ‬مفاهيمها ‬والسياقات ‬التي ‬تنطبق ‬عليها ‬ويمكن ‬حول ‬مسألة ‬الغيرية ‬استخراج ‬أربعة ‬معان:- ‬معنى ‬لغوي: ‬تفيد ‬كلمة ‬غير ‬في ‬لغة ‬الضاد ‬سوى ‬وليس ‬أي ‬الاستثناء ‬والتميز ‬والاختلاف ‬وهي ‬متماثلة ‬مع ‬كلمة ‬آخر ‬وتحيل ‬على ‬ما ‬لا ‬يكون ‬أنا. ‬في ‬اللاتينية ‬نجد‮ ‬Alter‮ ‬وتفيد ‬الآخر ‬وتقابل ‬الهوية، ‬أما ‬في ‬الفرنسية ‬فنلاحظ ‬وجود ‬فرق ‬بين ‬آخرAutre‮ ‬الذي ‬يدل ‬على ‬كل ‬ما ‬يختلف ‬عن ‬الذات ‬بالمعنى ‬الواسع ‬وغيرAutrui‮ ‬الذي ‬ينحصر ‬في ‬مجال ‬الإنسان ‬بالمعنى ‬الضيق ‬المقتصر ‬على ‬الإنسان ‬الآخر.- ‬معنى ‬أنطولوجي: ‬مبدأ ‬الغير ‬مقابل ‬لمبدأ ‬الهوهو ‬ويعني ‬أن ‬الشيء ‬لا ‬يستمر ‬هو ‬هو ‬بل ‬يمكن ‬أن ‬يكون ‬هوهو ‬ويمكن ‬أن ‬يكون ‬مخالفا ‬له ‬لاسيما ‬وأن ‬في ‬البدء ‬يكون ‬الغير ‬والتطابق ‬أمر ‬عارض.- ‬معنى ‬تاريخي: ‬الانطلاق ‬من ‬الوجود ‬التاريخي ‬للغير ‬يعني ‬أن ‬الذات ‬منخرطة ‬في ‬الحياة ‬وموجودة ‬في ‬العالم ‬وأن ‬إثباتها ‬لإنيتها ‬عملية ‬جدلية ‬ومسار ‬تاريخي ‬من ‬أجل ‬انتزاع ‬الاعتراف ‬المتبادل ‬مع ‬الآخر. – ‬معنى ‬ثقافي: ‬الغير ‬هنا ‬ليس ‬فقط ‬الشخص ‬الانساني ‬الآخر ‬بل ‬وأيضا ‬المجتمع ‬الآخر ‬و ‬الثقافة ‬المباينة ‬وأن ‬العلاقة ‬ينبغي ‬أن ‬تتم ‬في ‬إطار ‬احترام ‬الخصوصية ‬والمشاركة ‬المتساوية ‬في ‬صناعة ‬الكونية ‬والاحترام ‬المتبادل ‬في ‬إطار ‬حوار ‬وتحالف ‬الحضارات ‬دون ‬تصادم ‬أو ‬تمركز.‬‮»‬في ‬الواقع ‬اذا ‬كان ‬الآخر ‬غير ‬ممكن ‬تعريفه ‬في ‬حقيقته ‬العينية ‬فإنه ‬لا ‬يكون ‬الا ‬أنا ‬آخر ‬وهو ‬ليس ‬غير ‬حقيقي. ‬عندئذ ‬يمكن ‬أن ‬يكون ‬ويحوز ‬على ‬أكثر ‬أو ‬قليل ‬من ‬الأنا. ‬هكذا ‬يمكن ‬أن ‬يمثل ‬الكمال ‬والتمام ‬المطلقين، ‬الآخر: ‬الله، ‬السيد، ‬اللوغوس ‬يمكن ‬أن ‬يعني ‬الصغير ‬جدا ‬والقليل ‬جدا: ‬الطفل ‬والمريض ‬والفقير ‬والقريب ‬ويمكن ‬أن ‬يسمى ‬ما ‬أعتقد ‬أنه ‬مساو ‬لي.‬‮»‬ ‬ما ‬نلاحظه ‬أن ‬مفهوم ‬البيذاتية ‬كما ‬وقعه ‬مؤسس ‬الفنومينولوجيا ‬هوسرل ‬كانت ‬الغاية ‬منه ‬إصلاح ‬الكوجيتو ‬الديكارتية ‬وترميم ‬ذاته ‬بتكثيف ‬حمولته ‬الأنطولوجية ‬وإخراجه ‬من ‬عزلته ‬وفتحه ‬على ‬العالم ‬وتأثيثه ‬لفضاء ‬مشترك ‬بين ‬الذوات ‬وتصور ‬الذات ‬كحقيقة ‬مفتوحة ‬على ‬الآخرين ‬وبذل ‬جهد ‬من ‬أجل ‬تجاوز ‬ثنائية ‬الأنا ‬مبدأ ‬السيطرة ‬والآخر ‬موضوع ‬له ‬ولكنه ‬ظل ‬بعيدا ‬عن ‬اكتشاف ‬مفهوم ‬الغيرية ‬لأنه ‬بقي ‬يتصور ‬الذوات ‬الأخرى ‬على ‬أنها ‬نسخ ‬مطابقة ‬للأنا ‬وعلى ‬شاكلته. ‬إن ‬البيذاتية ‬هي ‬علاقة ‬معية ‬وتجاور ‬بين ‬نظائر ‬وكائنات ‬متشابهة ‬وليس ‬بين ‬شخصيات ‬مستقلة ‬ومتميزة ‬عن ‬بعضها ‬البعض ‬وهي ‬تستبعد ‬الذاتية ‬المحضة ‬ولكنها ‬لا ‬ترتقي ‬إلى ‬مستوى ‬الاعتراف ‬بالغيرية ‬الجذرية.‬ألم ‬يقل ‬أدغار ‬موران:‬‮»‬إن ‬كل ‬واحد ‬منا ‬يحمل ‬داخله ‬أنا ‬آخر ‬يكون ‬في ‬نفس ‬الوقت ‬غريبا ‬ومطابقا ‬لذاته‮»‬ ‬؟إن ‬الأنا ‬هو ‬الآخر ‬والآخر ‬ليس ‬دائما ‬وأبدا ‬جحيما ‬كما ‬يقول ‬سارتر ‬بل ‬الجحيم ‬في ‬العزلة ‬ووجود ‬الآخر ‬ضروري ‬لوجودي ‬ولمعرفة ‬نفسي ‬وان ‬إقحام ‬الآخر ‬في ‬الأنا ‬أمر ‬ممكن ‬خاصة ‬إذا ‬تعلق ‬الأمر ‬بتجاوز ‬التخوف ‬والعداوة ‬ونحو ‬الصداقة ‬والمحبة ‬والتعاطف ‬وبناء ‬علاقة ‬سلمية ‬ومنفتحة.‬إذا ‬كان ‬الغير ‬لا ‬يستطيع ‬أن ‬يطرح ‬نفسه ‬كموضوع ‬للمعرفة ‬بالنسبة ‬إلى ‬الذات ‬فإنها ‬يمكن ‬أن ‬ترى ‬بشكل ‬ملموس ‬وجودها ‬معها ‬وتفكر ‬في ‬إقامة ‬علاقة ‬معينة ‬به ‬لاسيما ‬وأن ‬الإنسان ‬لا ‬يوجد ‬البتة ‬وحده ‬حتى ‬وان ‬كان ‬في ‬عمق ‬عزلته ‬وان ‬العلاقة ‬مع ‬الآخر ‬هي ‬تكوينية ‬بالنسبة ‬للأنا. ‬إن ‬الغير ‬هو ‬العالم ‬والحرية ‬والجسد ‬وتعبير ‬عن ‬عالم ‬ممكن ‬وكما ‬يقول ‬دولوز:‬‮»‬الغير ‬ليس ‬موضوعا ‬داخل ‬حقل ‬إدراكي ‬وليس ‬الذات ‬التي ‬أدركها ‬انه ‬في ‬البدء ‬بنية ‬الحقل ‬الإدراكي ‬والتي ‬دونها ‬لا ‬يستطيع ‬أن ‬يشتغل.‬‮»‬ ‬إن ‬الأنا ‬والآخر ‬ليسا ‬أبدا ‬كائنين ‬منفصلين ‬بل ‬توجد ‬صلة ‬بينهما ‬سواء ‬كانت ‬متوترة ‬أم ‬حميمية ‬والغير ‬ليس ‬إذن ‬الآخر ‬الذي ‬يقابله ‬الأنا ‬في ‬تجربته ‬بل ‬هو ‬المرآة ‬التي ‬يرى ‬من ‬خلالها ‬نفسه ‬ويكون ‬تجربته ‬بالأشياء ‬ويوجد ‬في ‬العالم. ‬إن ‬الغير ‬ليس ‬مجرد ‬وعي ‬وإدراك ‬بل ‬ذات ‬مطروحة ‬في ‬المواجهة ‬وتنكشف ‬من ‬خلال ‬النظرة ‬وتتميز ‬بالحرية ‬كنمط ‬جذري ‬من ‬الكينونة ‬وبالرغبة ‬في ‬التملك ‬والاستحواذ ‬والهيمنة.‬بيد ‬أن ‬العلاقة ‬مع ‬الغير ‬تفترض ‬من ‬الناحية ‬الأخلاقية ‬الاعتراف ‬بوجود ‬جانب ‬في ‬الآخر ‬يستحق ‬الاحترام ‬والتقدير ‬مما ‬يجعله ‬موضوع ‬اعتراف ‬بإنسانيته. ‬عندئذ ‬ينبغي ‬تفادي ‬الأداتية ‬في ‬بناء ‬العلاقات ‬الإنسانية ‬وبين ‬الكائنات ‬بصفة ‬عامة ‬ويجب ‬ألا ‬يكون ‬الآخر ‬مجردة ‬وسيلة ‬من ‬أجل ‬تحقيق ‬غايات ‬معينة ‬وإنما ‬من ‬الضروري ‬معاملة ‬الغير ‬كشخص ‬له ‬كرامة ‬وما ‬ينطبق ‬عليه ‬ينطبق ‬علي ‬أيضا.‬إن ‬الاحترامRespect‮ ‬بهذا ‬المعنى ‬هو ‬ما ‬ينطبق ‬على ‬الأشخاص ‬الذين ‬يعاملون ‬وفق ‬منزلة ‬أرفع ‬من ‬الأشياء ‬والاحترام ‬ليس ‬مجرد ‬حب ‬وإعجاب ‬بل ‬واجب ‬وفضيلة ‬تؤسس ‬لعلاقة ‬تكامل ‬وتبادل ‬للمشاعر ‬النبيلة ‬بين ‬الطرفين ‬وقد ‬قيل ‬عاش ‬من ‬عرف ‬قدره ‬وباحترام ‬الآخرين ‬تحترم ‬نفسك ‬وتجد ‬من ‬يحترمك.‬فكيف ‬يكون ‬الإنسان ‬على ‬شاكلة ‬غيره ‬في ‬نفس ‬الوقت ‬الذي ‬يبقى ‬فيه ‬عند ‬ذاته ‬على ‬حد ‬تعبير ‬بول ‬ريكور؟ ‬وهل ‬يمكن ‬أن ‬تنتقل ‬العلاقة ‬مع ‬الآخر ‬من ‬علاقة ‬بأنا ‬آخر ‬إلى ‬علاقة ‬مع ‬آخر ‬الأنا؟ ‬وكيف ‬نتجاوز ‬العداوة ‬والانتفاعية ‬إلى ‬الصداقة ‬والتواصل؟إن ‬تثمين ‬دور ‬الغيرية ‬هو ‬الاعتقاد ‬بأن ‬الذات ‬لا ‬توجد ‬بحق ‬إلا ‬بقدر ‬ما ‬تعتبر ‬نفسها ‬موجودة ‬بالنسبة ‬إلى ‬الآخرين. ‬إن ‬الغير ‬موجود ‬وليس ‬موضع ‬معرفة ‬أو ‬مجال ‬للممارسة ‬الإيثار ‬وتطبيق ‬القواعد ‬الأخلاقية ‬ومضومنه ‬يتغير ‬بتغير ‬المقاربات ‬وإذا ‬كان ‬في ‬الفلسفة ‬القديمة ‬يعنى ‬الطفل ‬والمرأة ‬والبدن ‬والأرض ‬والغريب ‬وإذا ‬أصبح ‬في ‬الفلسفة ‬الحديثة ‬يدل ‬على ‬اللاأنا ‬والجسد ‬والخيال ‬والمتوحش ‬والحيواني ‬والماورائي ‬فإنه ‬في ‬الفلسفة ‬المعاصرة ‬بات ‬يعرف ‬باللاوعي ‬والمجهول ‬واللامحدود ‬والعدواني ‬والنسوي ‬والليلي ‬والمدنس ‬والطبقة ‬والغريزة ‬والتاريخ ‬والزمان.‬‮»‬ ‬هذا ‬التعالق ‬بين ‬الأنا ‬والآخرين ‬يخرج ‬عنهما ‬معا:‬1- ‬صيغة ‬تجريم ‬الآخر ‬وتبرئة ‬الأنا2- ‬صيغة ‬احتقار ‬الأنا ‬وإيثار ‬الآخر3- ‬بناء ‬صيغة ‬ثالثة: ‬حماية ‬كل ‬منهما ‬دون ‬استبدال ‬جهنمية ‬الآخرين ‬بفردوسية ‬الأنا.‬العلاقة ‬بين ‬الأنا ‬والآخر ‬ليست ‬علاقة ‬شيطانية/ ‬ملائكية ‬بل ‬هي ‬علاقة ‬بشر ‬يخطئون ‬ويخونون ‬ويتواجهون ‬ولكنهم ‬يلتقون ‬أيضا ‬ويتفقون ‬في ‬ما ‬بينهم ‬في ‬الحب ‬وفي ‬العمل ‬وتستجيب ‬الأحداث ‬لإرادتهم. ‬إنها ‬علاقة ‬حية ‬بين ‬أحياء ‬لا ‬يصح ‬أن ‬نطبق ‬عليها ‬معايير ‬الموت ‬فنحن ‬نموت ‬وحيدين ‬ولكننا ‬نعيش ‬مع ‬الآخرين، ‬إننا ‬الصورة ‬التي ‬يحملونها ‬عنا ‬وهناك ‬حيث ‬هم ‬نكون ‬نحن ‬أيضا.‬‮»‬ ‬لكن ‬كيف ‬يكون ‬الغير ‬هو ‬في ‬نفس ‬الوقت ‬المماثل ‬والمباين ‬لي؟ ‬كيف ‬يتميز ‬عني ‬بخصائصه ‬الفردية ‬وانتماءاته ‬العرقية ‬والدينية ‬ويشبهني ‬في ‬اهتماماته ‬الفكرية ‬وسماته ‬الإنسانية ‬ويقاسمني ‬نفس ‬القيم ‬الكونية؟ ‬ماذا ‬نقصد ‬بالغيرية ‬الجذرية؟ ‬وهل ‬يعني ‬ذلك ‬التمييز ‬بين ‬الغيرية ‬البعيدة ‬والغيرية ‬القريبة؟ ‬كيف ‬تتحول ‬الغيرية ‬إلى ‬شرط ‬إمكان ‬تحقيق ‬الإنية ‬الفعلية ‬بماهي ‬بلوغ ‬الأنا ‬درجة ‬الوجود ‬الأشرف؟ ‬ومتى ‬نتخلى ‬عن ‬وهم ‬الاعتقاد ‬في ‬إمكان ‬تحقيق ‬الإنية ‬بإقصاء ‬كل ‬أشكال ‬الغيرية؟
المراجع:‬
Deleuze Gilles, ‬logique du sens, ‬Editions. ‬De minuit,Paris, ‬1969
Edgar Morin, ‬l'humanité de l'humanité, ‬Edition, ‬du Seuil, ‬Paris , ‬2001Luce in Garay, ‬J'aime à toi, ‬édition Grasset Paris 1992.‬
د ‬عبد ‬العزيز ‬العيادي، ‬مسألة ‬الحرية ‬ووظيفة ‬المعنى ‬في ‬فلسفة ‬موريس ‬مرلو-‬بونتي، ‬صامد ‬للنشر ‬والتوزيع، ‬صفاقس، ‬2004،
كاتب ‬فلسفي


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.