تعيش منظومة التوجيه التربوي على إيقاع مفارقة غريبة وعجيبة لا يوجد لها نظير في سلك الوظيفة العمومية تساهم إلى حد بعيد في تردي الخدمات والمهام التي يضطلع بها أطر التوجيه وخصوصا المستشارين منهم. فبحسب آخر الإحصائيات الرسمية لوزارة التربية الوطنية، يبلغ عدد مستشاري التوجيه ما ينيف قليلا عن 600 إطارا يقابلهم نفس العدد تقريبا من مفتشي التوجيه. أي مفتشا واحدا لكل مستشار! وقد ساهم الاتفاق المبرم ما بين الوزارة والمركزيات النقابية سنة 2004 في تكريس هذه الوضعية الشاذة بعد أن ابتلعت الترقية المادية ما تبقى من الهوية المهنية لإطار التوجيه التربوي. فماذا كانت النتيجة؟ النتيجة اليومية لهذا الاتفاق والتي يعاينها بل ويعيشها مستشارات ومستشارو التوجيه هي المضايقات المستمرة والعراقيل والمكائد والدسائس والتعسفات الإدارية والقانونية والمراسلات التأديبية والشطط في استعمال السلطة…واللائحة تطول..من طرف زملائهم في المهنة..′′مفتشي التوجيه′′. هذه الوضعية المأساوية، وكما بينا ذلك في مقالات سابقة هي ما اصطلحنا على وصفه بالتحرش المهني انطلاقا من دراسة ميدانية قمنا بها في صفوف أطر التوجيه وطنيا. لكن يبقى السؤال الرئيسي : لماذا؟ الجواب وبالإضافة إلى الأسباب التي استعرضناها في هذه الدراسة يكمن في الملاحظة التالية : الفراغ !…نعم..الفراغ. الفراغ التشريعي أولا لضبابية المهام كما يعتقد ذلك مفتشو التوجيه أنفسهم، وما يؤدي إليه ثانيا من الفراغ المادي الفيزيائي بتعبير الوقت الميت وسلبيات البطالة المهنية التي ترافقه. مفتشو التوجيه يعانون من البطالة المهنية..وهذه هي الحقيقة التي يجب الإقرار بها لأن الواقع هو أول من يزكيها ولا حاجة لذر الرماد في العيون لحجب شعاع هذه الحقيقة. وإذا علمنا أن المشرع المغربي قد ترك هذه المساحة الكبيرة من الفراغ لمزيد من المسؤولية والحرية في المبادرات المهنية، جاز لنا أن نتساءل عن الجدوى من هذا الإطار أساسا في ظل فشل المنتمين إليه في إقرار منطق بديل للعمل عوضا عن النزعة السلطوية العقيمة مهنيا. هذا في الوقت الذي يعاني فيه مستشارو التوجيه من الحيف الكبير في معدلات التأطير الإقليمية البالغة 3000 تلميذا لكل مستشار على الصعيد الوطني مع اختلافات طفيفة تبعا للخصوصيات الجغرافية للقطاعات المدرسية. فعن أي نظام ناجع للتوجيه تتحدث الوزارة؟ وأي توجيه نشيط سيتحقق في ظل بطالة الغالبية من مفتشي التوجيه؟ ونحن نستثني هنا بطبيعة الحال مفتشي التوجيه التربوي الذين خضعوا للتكوين بمركز التوجيه والتخطيط التربوي بالرباط لمدة سنتين على اعتبار أن الجانب التربوي حاضر في ممارسة الغالبية منهم، بالرغم من أن التفتيش في التوجيه لا وجود له أساسا في أي نظام تربوي عبر العالم..إلا بالمغرب! وهذا مشكل آخر…لكن لا قياس مع الفئة الأولى التي تصول وتجول كيفما اتفق وكأنها في ساحة معركة تدور رحاها بين أطر التوجيه التربوي. فهل هذا هو التدبير الأمثل للموارد البشرية؟ في ظل الخصاص الكبير لمستشاري التوجيه؟ ومتى سيكتمل بنيان منظومة التوجيه إذا كان المستشارون يبنون ومفتشو التوجيه يهدمون؟ وماذا تنتظر الوزارة لتوحيد هذه الأطر المتناحرة فيما بينها؟ وللإنصاف فمن هذه الفئة من مفتشي التوجيه من لازال مرابطا في قطاعه المدرسي رهن إشارة التلاميذ رغم الاكراهات المادية، لكنهم أقلية للأسف الشديد. فلماذا يرفض هؤلاء العمل بالقطاعات المدرسية؟ هل أصبحت الاستشارة والتوجيه عيبا إلى هذا الحد؟ أم أن جنون السلطة والتحكم فوق كل اعتبار ولو أدى ذلك إلى التضحية بمصلحة الآلاف من التلاميذ المغاربة التائهين في دهاليز النظام التعليمي؟ ألا تطرح هذه البطالة المقنعة مسألة الحكامة الجيدة التي ترفعها الوزارة في كل مكان؟ أسئلة نطرحها على القائمين بالشأن العام في هذا الوطن وعلى رأسهم السيد وزير التربية الوطنية علها تلقى آذانا صاغية.