ٍ"الأشبال" يواجهون فرنسا في النصف    الكشف عن تشكيلة الحكومة الفرنسية الجديدة تضم وزيرتين مغربيتين داتي وزيرة للثقافة ونعيمة موتشو وزيرة ما وراء البحار    الإفراج عن المعتقلين الفلسطينيين سيتم بعد وصول الرهائن إلى إسرائيل    مونديال الشباب: المنتخب المغربي إلى المربع الذهبي للمرة الثانية في تاريخه بانتصاره على أمريكا    نجيب أقصبي ل "لوموند": حركة "جيل زد" نتيجة مباشرة ل "رأسمالية التواطؤ" في المغرب التي سحقت الفقراء والطبقة الوسطى    الساسي يقدم قراءة تحليلية لتحولات المشهد الانتخابي في المغرب من نزاهة انتخابات 1960 إلى "هندسة" استحقاقات 2026    الخطاب الملكي بالبرلمان.. ثنائية الدولة الاستراتيجية والدولة الاجتماعية    نظام آلي جديد يراقب حدود أوروبا    غالي: مسؤول إسرائيلي قال لنا "ما ذنبنا إذا كانت دولتكم لا تريدكم".. ولم يتدخل أي دبلوماسي مغربي لتحريرنا أو استقبالنا    "إكسباند" يستبق انطلاق "جيتكس غلوبال" بربط ألفي شركة ناشئة بالمستثمرين    النظم الجمركية الخاصة    "أشبال الأطلس" يصنعون المفاجأة في مونديال الشيلي بهزيمة أمريكا ويقتربون من نهائي الحلم العالمي    النيجر تهزم زامبيا بتصفيات المونديال    "دونور" يحتضن ديربي الرجاء والوداد    وفاة الفنان الأمازيغي مصطفى سوليت متأثراً بجروحه    حادث يصرع دركيا نواحي الجديدة    ندوة فكرية بمشرع بلقصيري تستحضر راهنية البحث في الهوية الغرباوية    كيف تغيرت علاقة الأجيال بالسينما؟    العِبرة من مِحن خير أمة..    العثور على جثة شاب داخل بئر بضواحي شفشاون    غانا تحجز مقعدها في مونديال 2026 بعد فوز ثمين على جزر القمر    ولد الرشيد: خطاب الملك يرسم معالم المرحلة القادمة ويتوخى تكامل أوراش التنمية    في ظل ركود ثقافي وتجاري... جمعيات المجتمع المدني تحيي الحي البرتغالي بأنشطة تراثية وفنية تستلهم التوجيهات الملكية    الاتحاد الأوروبي يدشن نظامًا جديدًا لتسجيل القادمين والمغادرين    الملك محمد السادس يبرق العاهل الإسباني فيليبي    دراسة: الإفراط في استخدام الشاشات يضعف التحصيل الدراسي للأطفال    توقعات أحوال الطقس غدا الاثنين    مغربية تخاطر بحياتها وتعبر سباحة إلى سبتة برفقة ابنها القاصر (فيديو)    حماس "لن تشارك" في حكم غزة وإسرائيل ستدمر كل أنفاق القطاع بعد إطلاق الرهائن    هل فعلاً انتصرت الحكومة؟ أم أن الخطاب الملكي أطلق جرس الإنذار؟    الإعلام في الخطاب الملكي: دعوة إلى الاستقلال والإصلاح    مهرجان الدوحة السينمائي يحتفي بالسّرد القصصي العالمي بمجموعة من الأفلام الدولية الطويلة تتنافس على جوائز مرموقة    ترسيخ العدالة الاجتماعية والمجالية: رؤية ملكية تتقاطع مع المشروع الاتحادي التقدمي    عبد المجيد سداتي يدق ناقوس الخطر .. المهرجان الدولي للمسرح الجامعي مهدد بالإلغاء    الكوميديا في السينما المغربية محور ندوة فكرية بملتقى سينما المجتمع بخريبكة    «وسع»: مزيج فني يجمع بين المهرجانات المصرية والروح المغربية    دراسة: الإفراط في استخدام الشاشات يضعف التحصيل الدراسي للأطفال    "كان" المغرب 2025: انطلاق عملية بيع التذاكر غدا الإثنين وتطبيق "يالا" أًصبح متاحا    حاتم البطيوي يسلم الشاعرة الإيفوارية تانيلا بوني جائزة "تشيكايا أوتامسي" للشعر الإفريقي (صور)    نقل رضيع حديث الولادة من زاكورة نحو المركز الاستشفائي الجامعي بفاس عبر طائرة طبية    أوروبا تسجل انخفاضا بنسبة 22% في عبور المهاجرين غير النظاميين خلال 2025    سحر الرباط يخطف الأنظار.. صحيفة بريطانية تضع العاصمة ضمن أبرز الوجهات العالمية    الملك يثمن التعاون مع غينيا الاستوائية    مونديال الشباب في الشيلي.. الأرجنتين وكولومبيا إلى نصف النهائي    الإصابة بضعف المعصم .. الأسباب وسبل العلاج    طنجة تتضامن مع غزة بمسيرة ليلية    الصين: عدد شركات الذكاء الاصطناعي ارتفع إلى أكثر من 5 آلاف في خمس سنوات    أعمو ينتقد ضعف أداء رؤساء الجهات ويدعو إلى تنزيل فعلي للاختصاصات الجهوية    حفظ الله غزة وأهلها    بورصة الدار البيضاء تنهي تداولات الأسبوع بأداء سلبي    "بورشه" الألمانية تبحث تشديد السياسة التقشفية    السنغال: ارتفاع حصيلة ضحايا حمى الوادي المتصدع إلى 18 وفاة    الخزينة.. مركز "التجاري غلوبال ريسورش" يتوقع عجزا متحكما فيه بنسبة 3,5% من الناتج الداخلي الخام سنة 2025    دراسة: الجسيمات البلاستيكية الدقيقة تغير أعداد البكتيريا المعوية النافعة    لأول مرة في العالم .. زراعة كبد خنزير في جسم إنسان    الأوقاف تعلن موضوع خطبة الجمعة    رواد مسجد أنس ابن مالك يستقبلون الامام الجديد، غير متناسين الامام السابق عبد الله المجريسي    الجالية المسلمة بمليلية تكرم الإمام عبد السلام أردوم تقديرا لمسيرته الدعوية    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



جذبة القصر
نشر في لكم يوم 23 - 11 - 2020

أصبحت الحياة تفرض علينا أشياء كثيرة طوعا أو كرها، قد تكون في صالحنا أحيانا، وقد تَخْلُفُ معنا الموعد أحايين كثيرة. نعيش الحيرة تلو الحيرة، نفترض أننا سنحقق أكثر من إنجاز، فنركب سفينة بعد سفينة، نحتفل بالماء والشمس، نرقص على ظلال الأشجار، وعندما نشعر بالتعب نبكي، نبكي لأن الليل سيفتح شهيتنا للذكرى……سنتذكر الطفولة، لا محالة ستشعرون مثلي بالحنين، إننا نقسوا في بعض الأحيان، على أنفسنا عندما نحاول أن ننسى ذلك الزمن البريئ، الطفولي يوم كنا نمشي في كل الاتجاهات، نعبر الجسر دون خوف، نجري دون توقف، نغني لمن نحب. كان الحب حقا مشتركا بين الجميع، ومن لم يستطع فليرسم حبيبته في خياله أو على ورق الشجر.
لا محالة شتشعرون بالحنين مثلي إلى المدرسة، إلى مقعدك الخشبي، هل تستطيعون تذكر بعض الأصدقاء، أنا شخصيا لم أعد أذكر سوى القليل، كبر العالم من حولي، وكبرت مدينتي، بيوت كثيرة ملئت عن آخرها لم أعد أعرف أصحابها بالمرة، في كل مرة أتساءل مع نفسي من أي كوكب جاؤوا هؤلاء القوم ؟ لم تعد للمدينة هوية، مدرستي الأولى تغيرت ملامحها كثيرا، هي الأخرى فقدت هويتها الأصلية، الساحة لم تعد تلك الساحة التي كنت أعرفها شبرا شبرا، أين الأشجار، أين شجرتي الشامخة التي وتقتُ بها أول سقوط لي في عالم المصارعة؟
لا محالة ستحنون مثلي إلى الحي الأول، إلى حينا الذي لازال موشوما في ذاكرتي، لازالت أذكر الطريق إلى المسيد، أو "الجَامَعْ "، يا للمفاجأة لازلت التقي بالفقيه الذي قام بتحفيظي سورة " الرحمان " ..علمه القرآن، خلق الإنسان، علمه البيان " الآن عرفت قيمة حفظ القرآن في الصغر، صدقوني إنه أكبر شيء يتعلمه الطفل ليقاوم به وحشية العالم عندما يكبر.
حمام الحومة، كان معروفا باسم " الحمام الكبير " أضحى الآن من الأطلال، كلما مررت بالقرب منه، ينتابني شعور غريب، أتذكر جيدا النظام العسكري الذي كان يمارسه أبي علينا جميعا، أبي كان من الجنود الذي حاربوا مع فرنسا ضد الفيتنام، كان قوي البنية، وسيما جدا، نظيفا جدا، وكنا نعيش معه دراما كاملة كل يوم جمعة، وبالضبط، الساعة الرابعة صباحا، كان أبي يفعل أي شيء من أجل أن يهيئنا لصلاة الجمعة، وكان المكلفون بالحمام لا يتوقفون عن الضحك وهم يرددون : " صلاو حتى الكبار مابقاو غير الدراري ". فكان المكلف بالحمام يقدم لنا مشروب كوكاكولا، كانت في عز شهرتها، ومنذ تلك اللحظة ظل إسمها راسخا في ذاكرتي. كان الحمام مركز لقاء بين كل أبناء الحي، كنا نلتقي كثيرا، نلعب ألعاب التزحلق و " نتراشق " بالمياه كأننا في معركة من معارك المغول…
كان حينا الأول، ويسمى " القصر " معروفا في المدينة، بفضل الفرجة التي تقدمها ساكنته كل سنة، كانوا يفرشون ليلا أمام منزلنا قرابة أربعة أيام على ما أذكر، وكانوا يتجولون بالمدينة كل مساء، كانت "الجذبة " على آخرها ، وكنت لأول مرة أسمع " بالتشوقير " وأكل الدجاج أخضر، وسقوط النساء مغميات عليهن بفضل "الجذبة "، كنت أرى هذه الطقوس المثيرة أمام عيني لفرقة " الحمادشة " ومنذ ذلك الحين سكنت هذه الفرقة قلبي ولم تفارقه إلى حدود اليوم.
كانت الفرق الأخرى تحل ضيفة على حينا من مدينة دمنات الصغيرة ومراكش وعيساوة من مكناس، وكنت أول مرة أرى تلك الألوان الغريبة في اللباس وآلات الموسيقى العجيبة، كان الناس الذين يحجون من كل المناطق المجاورة يتابعون تلك "الجذبات " بهوس كبير، وقد يشارك أي واحد دون أن يشعر كأنه أصيب بالسحر، نعم سحر رقصات الموت، رقصات الجنون، رقصات الأرض التي تتحول إلى فراش كبير "للموتى" من هول الموسيقى .
كان " المسجد الكبير" ثاني مسجد بالمدينة قريبا من حينا، به نافورة ماء للوضوء، وثلاثة أبواب، تم بناؤه بهندسة ذات ملامح أندلسية، كان به رجل واعظ مشهور ومعروف بقفشاته العميقة ، يدعى " الفيقه سي احمد بن عمربن صالح الزرورة الشكدالي" الرجل الزاهد، والذي كان يحج إليه الناس من أحياء أخرى للإنصات إليه ومتابعة أجوبته وتفسيراته حول أمور الدين والدنيا، جده الرجل الورع المسمى قيد حياته ب " صالح " وهو من اشترى أرضا وحولها إلى مقبرة وحبسها والمشهورة باسم " مقبرة سيدي صالح " . ابنه المناضل الكبير حميد الزرورة الذي كان ينتمي إلى المنظمة الشهيرة " إلى الأمام " والذي قضى فترة طويلة بالسجن، وعندما غادره لم يجد عمله كإطار كبير بالسكك الحديدية حتى إنه فقد عقله ليسجل به عذابات ومجازر سنوات الرصاص..
الآن كلما زرت دار الثقافة والتي كانت مقر سكني للعديد من القياد، وأشهرهم القائد بن عرش، كان بيتنا محاذيا لها، وعندما كنت صغيرا كنت أطل من السطح على فضاء هذه الإقامة الكبيرة، لم أكن أتخيل يوما أنها ستتحول إلى دار للثقافة، وأنني سأصبح من روادها الدائمين، لم أكن أعتقد بالمرة أنني سأعود إلى العش ثانية كالطير ولكن هذه المرة عن طريق الكتب، وهذا في نظري هو سر الكتاب دائما ينقلك إلى عوالم لن تبلغها أبدا، وإلى أمكنة لن تحلم أنك ستصل إليها….
مرة مرة عندما أكون ذاهبا إلى دار الثقافة أو لغرض شراء أحد الأواني الخزفية الشعبية " قصرية أو مجمر أو طجين …" لأن الحي كان معروفا عند العموم أنه من الأمكنة التي تصنع بها هذه الأواني حيث يتواجد مايسمى " بالكوشة " وهي المكان الذي تحرق فيه هذه الأدوات عندما تكون يانعة، كنت أمر أمام منزلنا القديم، لازال مغلقا إلى الآن، أسترجع كل الذكريات، أسترجع مرحلة من عمري، مرحلة من عمر مدينة مهمشة، مرحلة من حي لازال يطوي العديد من الأسرار والمفاجآت والحكايات ….
ومع مرور السنين تعلمت أن الأحياء هي وعاء الذكريات، اللعب، والشغب، والدراسة بحلوها ومرها، ومعايشة أحداث كبيرة ومثيرة وقد تكون خطيرة، لكنك لاتفهمها في تلك المرحلة لكنها تظل راسخة في ذهنك لاتفارقك طول حياتك، وعندما تكبر، تبدأ في عملية تفكيك تلك لأحداث، فتصاب بالذهول، ولايبق أمامك سوى السخرية منها، أو توثيقها لتتعلم منها الأجيال القادمة.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.